المولد النبوي الشريف

مقالات في المولد الشريف … (دفع الشبهات عن الاحتجاج على المولد بحديث مسلم أنه سئل عن صوم يوم الإثنين فقال: “ذاك يوم ولدت فيه، وفيه أنزل علي” )

طبعا هذا الكلام لا يساوي سماعه، ومجرد حكايته تغني عن رده! ومن قال لك أصلا أن النبي صلى الله عليه وسلم حين صام لم يتصدق في ذلك اليوم ولا تلا القرآن ولا أطعم الطعام ؟!!!

مقالات في المولد الشريف … (دفع الشبهات عن الاحتجاج على المولد بحديث مسلم أنه سئل عن صوم يوم الإثنين فقال: “ذاك يوم ولدت فيه، وفيه أنزل علي” )

ثالثا: أن هذا الاعتراض مغالطة، لأنكم كنتم تزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن لنا المولد، فلما أتيناكم بحديث مسلم أنه سئل عن صوم يوم الإثنين فقال: “ذاك يوم ولدت فيه، وفيه أنزل علي” وأن فيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه احتفل بمولده، وذلك بأنه كان يصوم الاثنين لكونه ولد فيه، فدل على أن ولادته نعمة يشرع الشكر عليها بالطاعة، والطاعة كما تكون بالصيام تكون بالصلاة والصدقة والصلاة والسلام على النبي وتلاوة القرآن وقراءة شمائله لتأسي بها.

فحين أتيناكم بهذا الحديث قفزتم إلى الصحابة! فزعمتم أنه لم يفهموا من هذا الحديث مشروعية المولد، وكان المفروض أن تجيبوا عن الحديث نفسه هو صيام النبي صلى الله عليه وسلم في يوم مولده قبل أن تقفزوا إلى الصحابة رضي الله عنهم.

ولا سيما وأنكم تقولون الحديث حجة بنفسه سواء عمل به الصحابة أو لم يعمل، وهذا كان من أصول أحمد حيث «كانت فتاويه مبنية على خمسة أصول: ‌‌أحدها: النصوص، فإذا وجد ‌النص ‌أفتى ‌بموجبه، ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا من خالفه -كائنا من كان-، ولهذا لم يلتفت إلى خلاف عمر في المبتوتة، لحديث فاطمة بنت قيس، ولا إلى خلافه في التيمم للجنب لحديث عمار بن ياسر…»[1].

وللألباني كتاب في ذلك اسمه “‌الحديث ‌حجة ‌بنفسه في العقائد والأحكام” على أنه قد أجبنا عن زعمكم أن الصحابة لم يفعلوا المولد[2]وسيأتي المزيد.

إذن الآن ثبت بهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه كان يحتفل بمولده بالصيام، وليس كما زعمتم أولا أنه لم يحتفل قط. ولكن اعترضوا على هذا الاستدلال، فقال أحدهم وهو شحاتة صقر في كلام مطول: هل النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – لما صام يوم الاثنين شكرا على نعمة الإيجاد والإمداد ـ وهو تكريمه ببعثته إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا ـ أضاف إلى الصيام احتفالا كاحتفال أرباب الموالد من تجمعات ومدائح؟ والجواب: لا، وإنما اكتفى بالصيام فقط، إذًا ألا يكفي الأمة ما كفى نبيها، ويسعها ما وسعه؟ وهل يقدر عاقل أن يقول: لا؟ وإذًا فلم الافتيات على الشارع والتقدم بالزيادة عليه، والله تعالى يقول: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، ويقول: {ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم}[3].اهـ

كذا قال صقر هذا، وحاصل كلامه هو الجمود على ظاهر الحديث السابق وعدم تعديه، والجواب من وجوه:

أولا: نحن لن ننازعه في حرف مما قاله، فقط سنقوم بسحب هذا المنهج في الاستنباط على المسائل العشرة السابقة، ونسأله هل يقبل هو وسائر الوهابية بعين هذا المنهج الذي هم خطوه؟!!

فنقول النبي صلى الله عليه وسلم جاء بالتوحيد فهل قسّمه إلى ثلاثة أقسام بعبارات صريحة وصحيحة؟!!! هل النبي صلى الله عليه وسلم حين تلا آيات المعية عليهم ، فسّرها أو أوّلوها بأنها معية علم، وهل قال لهم بأن القرآن غير مخلوق، وأنه تعالى بائن من خلقه، وهل قال لهم حين تلا عليهم آيات الاستواء أنه تعالى بذاته على العرش، وبأن يجلس على العرش ويجلس معه نبيه، وهل أثبت الحد والحركة له، وهل حين تلى آيات صفة العين واليد قال بأن لله يدين حقيقة يفعل بهما ويمس بهما، وأن لله عينين اثنتين حقيقة ينظر بهما ؟!!!

والجواب: لا، وإنما اكتفى بتلاوة آيات الصفات وأحاديثها دون أن يزيد عليها ، إذًا ألا يكفي الأمة ما كفى نبيها، ويسعها ما وسعه؟ وهل يقدر عاقل أن يقول: لا؟ وإذا فلم الافتيات على الشارع والتقدم بالزيادة عليه، والله تعالى يقول: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، ويقول: {ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم}.

فهذا بضاعتكم ردت إليكم كما ترون، وما هو جوابكم على ذلك هو جوابنا من باب أولى.

وإنما كان أولى لأننا كما قلنا مرارا نحن لا يلزمنا شيء من تشنيعاتكم لأننا نقول بأن مسألة المولد مسألة ظنية خلافية اجتهادية، وليست من أصول الدين ولا حتى من فروعه، وغاية ما قلنا فيها: جواز المولد ولم نكفّر ولا حتى نفسق من لم يقم به بصورته الشائعة، نعم المكلف له فيه ثواب إذا فعل فيه طاعات من تلاوة القرآن والصلاة والسلام على النبي العدنان وإطعام الطعام، وعليه إثم إن فعل فيه منكرات، وإن لم يفعل المكلف المولدَ أصلا فلا شيء عليه قط، ولذلك لا يلحق الصحابة أي ذمّ بعدم فعلهم للمولد ما دام أننا قلنا إن المولد جائز فقط، فالجائز لا حرج على من فعله أو تركه، والصحابة حين تركوا المولد ـ بصورته المتأخرة ـ تركوا جائزا، ولا مؤاخذة على من ترك جائزا، وإنما تكون المؤاخذة على من ترك واجبا، ونحن ما زعمنا أن المولد واجب.

وأما أنتم فجعلتم تلك المسائل كتقسيم التوحيد ونحوه من المسائل العشرة[4]من أصول الدين وأسسه بحيث جهّلتم وبدّعتم وفسّقتم بل كفّرتم أحيانا وحكمتم بذبح من لم يقل بها أو ببعضها مثل القول بأنه بائن، وأنه تعالى سيقعد مع نبيه على العرش!! تعالى الله عن ذلك، هذا مع اعترافكم أنها ليس في الكتاب ولا في السنة ولا قالها الصحابة كما سبق بسطه، وهذا سيلزم منه على مذهبكم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليه: جاهــلون مبتدعـــون فاسقـــون كافـــــرون ـ حاشاهم من ذلك كله ـ لأنهم لم يقولوا بهذه المسائل العشرة التي فسّقتم وربما كفّرتم من لم يقل بها!! وأما نحن فلم نكفّر ولم نفسّق من ترك المولد، بل قلنا المولد جائز، ويكون من تركه قد ترك جائزا، ولا حرج على من ترك جائزا، وإلا لما سمي جائزا، نعم من استحب المولد فإنما استحبه لما فيه من فعل الخيرات والمبرات التي كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صباح مساء كما سبق بسطه.

ثم قولكم ” وإنما اكتفى بالصيام فقط، إذا ألا يكفي الأمة ما كفى نبيها “

هل تقصدون أن من صام يوم الاثنين شكرا لله على ولادته عليه الصلاة والسلام لا يجوز مثلا أن يتصدق في ذلك اليوم بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتصدق فيه ، وكذا لا يجوز أن يصل رحمه فيه ولا أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ولا أن يقرأ سيرته ولا أن يحض على اتباع سنته ولا أن يتلو القرآن ولا أن يطعم الطعام … لنفس السبب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على الصيام.

طبعا هذا الكلام لا يساوي سماعه، ومجرد حكايته تغني عن رده! ومن قال لك أصلا أن النبي صلى الله عليه وسلم حين صام لم يتصدق في ذلك اليوم ولا تلا القرآن ولا أطعم الطعام ؟!!!

فإن قلتم: نحن لا نمنع من أعمال البر التي ذكرتم من الصدقة وإطعام الطعام وذكر والله وقراءة القرآن وإنما نمنع تخصيصها بيوم الاثنين أو في شهر ربيع الأول، إذ هذا التخصيص بدعة لأنه لا دليل عليه.

قلنا: ماذا تقصدون بالتخصيص هنا؟ هل تقصدون أن مجرد أن تفعل هذه المبرات على نية المولد في شهر ربيع هو بدعة حتى دون جعلها واجبا ولا سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فهذا غير مسلّم .

نعم من عمل تلك المبرات في شهر ربيع مع اعتقاده أنها واجبة أو سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى أنه جاء أحاديث خاصة عنه في فعلها في شهر ربيع ، فهذا نعم بدعة لأنه فعلا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خص شهر ربيع بفعل مبرات وخيرات زائدة عما كان يفعله من مبرات في سائر الشهور، ومن ادعى ذلك فعليه الدليل كائنا من كان، ولكن هذا لا يعني أنه لا يجوز أن نزيد في الطاعات في شهر ربيع أو غيره، على نية المولد أو على غير هذه النية، لأن الطاعات تبقى طاعات يثاب عليها فاعلها وكلما زادت فيها زاد ثوابه.

وبالتالي من فعل تلك المبرات في شهر ربيع فرحا بمولده في ذلك الشهر ولم يعتقد أن تلك المبرات واجبة ولا حتى سنة ، وإنما هو يفعلها لأنها طاعات مطلقة، وأن للمكلف أن يفعلها في أي وقت أو مكان شاء وبالكيفية التي يشاء إلا ما جاء النهي عن فعلها في مكان بعينه أو زمن بعينه أو هيئة بعينها، فهذا لا حرج عليه، بل يثاب على فعل الخيرات في المولد وإن فعل منكرات فيه أثم كما سبق.

فإن قيل: ولماذا خصّصتم هذه الطاعات بيوم مولده، فقد أجبنا عنه سابقا وقلنا ما حاصله أننا لا نحظر فعل هذه الطاعات في غير يوم المولد، ولا ندعي أن فعلها في يوم المولد لها ثواب أكثر ، وإنما نقول أنه يجوز فعل هذه الطاعات من تلاوة قرآن أو قيام ليل أو صدقة أو صلاة وسلام عليه سواء فعل المكلف تلك الطاعات مجتمعة أو متفرقة وسواء حدّد لها يوما بعينه كيوم المولد أو غيره، أو حدّد زمنا بعينه أو لم يحدّد، وسواء فعله بمفرده أو مع جماعة، وسواء فعلها في شهر ربيع أو غيره، فكل ذلك جائز لإطلاق النصوص التي تندبنا إلى فعل تلك الطاعات والخيرات ومن يحظر تخصيص هذه الطاعات بزمان أو مكان أو هيئة يكون هو المبتدع، لأنه زاد نهيا في الشرع لم يكن كما بسطته في “”حسن المقالة في حديث كل بدعة ضلالة”[5].

=========

[1] «إعلام الموقعين عن رب العالمين» (2/ 50 ت مشهور):

[2] حيث قلت في منشور سابق: ((إن كون الصحابة ومَن بعدهم لم يفعلوا المولدَ ـ على الهيئة الحادثة ـ لا يترتب عليه أي نقيصة تلحق بهم … إذ نحن لم نزعم قط أن هذا المولد أسٌ من أسس الدين … ولا هو من فروض الأعيان ولا حتى من فروض الكفايات ولا من الواجبات ….غاية ما زعمناه أنه مباح لا يأثم تاركه… وإنما يثاب فاعله لما يحتويه من قُرُبات مطلقة من قراءة القرآن أو الاستماع إليه أو الصلاة على العدنان صلى الله عليه وسلم … والتحدث بسيرته العطرة والتذكير بشمائله والحث على اتباع هديه … ونحو ذلك من الأمور المندوبة على أقل تقدير…. وأصحاب رسول الله ومن تبعهم كان يفعلون هذه الأمور صباحَ مساء فليت شعري : من أين يلحقهم ذمٌّ وحالهم كذلك؟!!!!! أم كيف يلزم من عدم فعلهم رضي الله عنهم للمولد بصورته الحادثة: أننا نزاود عليهم في فعل الخيرات وحُبِّ أفضل الكائنات كما تزعمون؟!!!!!!)) انظر للتوسع أكثر:

[3] المولد النبوي هل نحتفل (ص: 61)، شحاتة محمد صقر، دار الخلفاء الراشدين – الإسكندرية.

[4] وقد سبق بسط هذه المسائل العشرة المقصودة:

[5] انظر:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/5513877778726199

السابق
وسم ثلاثة أسطر/ هذا تحدي مفتوح للوهابية لكتابة منشور من ثلاثة أسطر في أي مسألة خلافية يختارونها على أن أجيبهم عليها بثلاثة أسطر من كتبهم حصرا
التالي
جُمهور كبار علماء الأمة يُجِيزون الاحتفال بمولد الرحمة والمِنَّة ، أسماء بعض من أجازوا الاحتفال من العلماء (منقول)