لقد هدم الرازي عقيدة المجسمة فقال رحمه الله : احتج من أثبت الأعضاء والجوارح لله تعالى بقوله تعالى : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) في إثبات يدين لله تعالى ، بأن قالوا ظاهر الآية يدل عليه ، فوجب المصير إليه ، والآيات الكثيرة واردة على وفق هذه الآية ، فوجب القطع به . واعلم أن الدلائل الدالة على نفي كونه تعالى جسما مركبا من الأجزاء والأعضاء ، قد سبقت ، إلا أنا نذكر ههنا نكتا جارية مجرى الإلزامات الظاهرة . فالأول : أن من قال إنه مركب من الأعضاء والأجزاء ، فإما أن يثبت الأعضاء التي ورد ذكرها في القرآن ولا يزيد عليها ، وإما أن يزيد عليها ، فإن كان الأول لزمه إثبات صورة لا يمكن أن يزاد عليها في القبح ، لأنه يلزمه إثبات وجه بحيث لا يوجد منه إلا مجرد رقعة الوجه لقوله : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) [القصص : 88] ويلزمه أن يثبت في تلك الرقعة عيونا كثيرة لقوله : ( تجري بأعيننا ) [القمر : 14] وأن يثبت جنبا واحدا لقوله تعالى : ( نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله ) [الزمر : 56] وأن يثبت على ذلك الجنب أيدي كثيرة لقوله تعالى : ( مما عملت أيدينا ) [يس : 71] وبتقدير أن يكون له يدان فإنه يجب أن يكون كلاهما على جانب واحد لقوله صلى الله عليه وسلم : الحجر الأسود يمين الله في الأرض وأن يثبت له ساقا واحدا لقوله تعالى : ( يوم يكشف عن ساق ) [القلم : 42] فيكون الحاصل من هذه الصورة ، مجرد رقعة الوجه [ ص: 200 ] ويكون عليها عيون كثيرة ، وجنب واحد ويكون عليه أيد كثيرة وساق واحد ، ومعلوم أن هذه الصورة أقبح الصور ، ولو كان هذا عبدا لم يرغب أحد في شرائه ، فكيف يقول العاقل إن رب العالمين موصوف بهذه الصورة . وأما القسم الثاني : وهو أن لا يقتصر على الأعضاء المذكورة في القرآن ، بل يزيد وينقص على وفق التأويلات ، فحينئذ يبطل مذهبه في الحمل على مجرد الظواهر ، ولا بد له من قبول دلائل العقل.اهـ
السابق