١ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال رأيت أسامة بن زيد عند حجرة عائشة يدعو فجاء مروان فأسمعه كلاما فقال أسامة أما إني سمعت رسول الله ﷺ يقول إن الله يبغض الفاحش البذيء.
رواه ابن حبان في صحيحه، وحسنه الضياء المقدسي في المختارة وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط بأسانيد، وأحد أسانيد الطبراني رجاله ثقات.
فهذا سيدنا أسامة بن زيد الصحابي الجليل يدعو عند قبر سيدنا رسول الله وصاحبيه، فينقم ذلك عليه مروان فيغلظ له في القول، فيقول له الصحابي الجليل: إن الله يبغض الفاحش البذيء، فما يفعله الوهابية اليوم هو منهج مروان بن الحكم لا منهج الصحابة الكرام، فها هو سيدنا أسامة عند حجرة عائشة يدعو!!.
2 وروى الدارمي بسند رجاله ثقات عن أبي الجوزاء أوس بن عبد الله، قال: قحط أهل المدينة قحطا شديدا، فشكوا إلى عائشة فقالت: “انظروا قبر النبي فاجعلوا منه كوى إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، قال: ففعلوا، فمطرنا مطرا حتى نبت العشب، وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم، فسمي عام الفتق.
وقد أورد الإمام الدارمي هذه الرواية عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها تحت عنوان: باب ما أكرم الله تعالى نبيه ﷺ بعد موته”، وهو دليل منه رحمه الله وإقرار منه بمشروعية التوسل به والدعاء عند قبره الشريف بعد الموت، فهل الإمام الدارمي بتبويبه هذا مشرك قبوري؟!.، وحسنها الإمام البغوي في شرح السنة.
3 وروى الإمام مالك في “الموطأ” عن عبد الله بن دينار أن سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه كان إذا أراد سفرا أو قدم من سفر جاء قبر النبي ﷺ فصلى عليه ودعا ثم انصرف، قال محمد: “هكذا ينبغي أن يفعله إذا قدم المدينة يأتي قبر النبي ﷺ “.
فتأمل صنيع سيدنا ابن عمر عندما يأتي القبر النبوي كما جاء في الرواية: “جاء قبر النبي ﷺ فصلى عليه ودعا ثم انصرف”.
فابن عمر رضي الله عنهما أيضا وفق كلام ابن تيمية والوهابية ضال مضل؛ لأنه يتحرى الدعاء عند القبر النبوي وهذا ضلال عند القوم!..
4 وروى أبو نعيم في ترجمة سيدنا طلحة بن عبيد الله كما (معرفة الصحابة 1/100) قال: “حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو بكر ابن أبي عاصم، قال: «قد رأيت جماعة من أهل العلم والفضل إذا هم أحدهم بأمر قصد إلى قبره فسلم عليه فدعا بحضرته فيكاد يعرف الإجابة، وأخبرنا مشايخنا به قديما أنهم رأوا من كان قبلهم يفعله»”.
5 وروى ابن النجار في الدرة الثمينة في أخبار المدينة (1/ 169) عن عوسجة قال: كنت أدعو ليلة إلى زاوية دار عقيل بن أبي طالب التي تلي باب الدار، فمر بي جعفر بن محمد، فقال لي: أعن أثر وقفت هاهنا؟ قلت: لا، قال: هذا موقف النبي ﷺ بالليل إذا جاء يستغفر لأهل البقيع”.
قال ابن النجار: “وداره الموضع الذي دفن فيه”.
وقال ابن فرحون المالكي معلقا على هذه الرواية كما في إرشاد السالك إلى أفعال المناسك (2/ 791): “واعلم أن الدعاء عند قبر عبد الله بن جعفر من المواضع المشهورة باستجابة الدعاء، وقد جرب ذلك”.
6 وثبت عن علي بن ميمون أنه قال: سمعت الشافعي، يقول: إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم، يعني زائرا، فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين، وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد عني حتى تقضى”. راجع: تاريخ بغداد (1/ 445)، أخبار أبي حنيفة وأصحابه (1/ 94)، الطبقات السنية في تراجم الحنفية (1/ 46).
فها هو الإمام الشافعي يدعو الله تعالى عند قبر أبي حنيفة، فهل ابن تيمية والوهابية أفهم من الإمام الشافعي؟!.
7 وسئل الإمام أحمد بن حنبل عمن رأى القبر أيقف قائما أو يجلس فيدعو؟ قال: “أرجو أن لا يكون به بأس”.
فها هو الإمام أحمد بن حنبل يفصح بأنه لا بأس بالدعاء عند القبر للميت أو لنفسك قاعدا أو قائما، كما رواه ولده أبو الفضل صالح في كتابه مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية ابن أبي الفضل صالحى (1/ 309).
8 وقال سيدنا إبراهيم الحربي عن قبر سيدنا معروف الكرخي: قبر معروف الترياق المجرب. راجع: تاريخ بغداد (1/ 134)، طبقات الحنابلة لأبي يعلى (1/ 382)، وفيات الأعيان (5/ 232)، سير أعلام النبلاء (9/ 343).
وقد قال الحافظ الذهبي معقبا: “يريد إجابة دعاء المضطر عنده؛ لأن البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء، كما أن الدعاء في السحر مرجو، ودبر المكتوبات، وفي المساجد”.
9 وفي ترجمة الإمام أبي الفضل التميمي الهمذاني الحافظ المتوفى 384ه قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/ 129): “توفي في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاث مئة، والدعاء عند قبره مستجاب“.
فالإمام شيخ الإسلام الحافظ الذهبيلا وفق كلام ابن تيمية والوهابية ضال مضل؟!!.
10 وذكر شمس الدين ابن خلكان في ترجمة محمود بن عماد الدين زنكي، الملقب بالملك العادل في وفيات الأعيان (5/ 184): “وسمعت من جماعة من أهل دمشق يقولون: “إن الدعاء عند قبره مستجاب، ولقد جربت ذلك فصح، رحمه الله تعالى”.
فها هو الإمام ابن خلكان يورد هذا عن العلماء من قبل ابن تيمية وهو يحكي أن هذا مجرب عنده.
ويقول الإمام المقرئ الحاذق شمس الدين ابن الجزري عن قبر الإمام الشاطبي إمام القراءات كما في غاية النهاية في طبقات القراء (2/ 23): “وقبره مشهور معروف، يقصد للزيارة، وقد زرته مرات، وعرض علي بعض أصحابي الشاطبية عند قبره، ورأيت بركة الدعاء عند قبره بالإجابة – رحمه الله ورضي عنه”.
فماذا يقول الوهابية المعاصرة عن الإمام ابن الجزري إمام القراءات؟!.
هل يرونه على بدعة وضلالة وأنه قبوري خالف السلف حين يعتقد هذا؟!.
فاستحباب الدعاء ومشروعيته عند قبور الصالحين مما توارد عليه فعل الصحابة والسلف والأئمة، لا كما يزعم ابن تيمية والوهابية.
ومن تتبع ما جاء عن السلف ظفر بالمزيد، وما نقلته دليل على استقرار المسألة عند أهل العلم، وأن ابن تيمية ما كان منصفا ولا أمينا في نقله، وأن الوهابية لما انساقوا خلفه خرجوا عن الجادة وعن المنهج العلمي المعتبر، حتى صوروا الحق باطلا والباطل حقا، ونسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية، والله تعالى أعلى وأعلم.