خبر الآحاد .. والاعتقاد
السلام عليكم
كيف نجمع بين إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم واحداً أو اثنين من الصحابة لتعليم الناس أصول العقيدة، وأن خبر الواحد لا يفيد العلم؟
الجواب:
الحمد لله الواحد الفتاح، والصلاة والسلام على من أسعد الله به الأرواح، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي العقول الصحاح، وبعد:
فجمهور أهل العلم أن خبر الواحد حجةٌ، ويجبُ العمل به، وممن ذهب إلى ذلك أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم.
ولا يخفى على طالب العلم أنَّ:
– الأخبار إما متواترة أو آحاد.
– وأن رواية الواحد والاثنين والثلاثة وما فوق ذلك عند الأكثر تسمى (خبر الواحد، أو خبر الآحاد).
– وأنَّ المتواتر في السنة قليلٌ جداً بالنسبة للآحاد.
– وأنَّ المتواتر يفيد يقيناً واطمئناناً في النفس لا يفيده خبر الواحد.
– وأن كثيراً من أهل السنة كإمام الحرمين والغزالي والرازي والآمدي وابن الحاجب والبيضاوي والهندي والزركشي وغيرهم ذهبوا إلى أنَّ خبر الواحد المحفوف بالقرائن يفيد العلم القطعي.
– أنَّ المقصود بالظنِّ الذي يفيده (خبر الواحد) هو الظن الغالب الذي تُبْنى عليه معظم الأحكام الشرعية العملية، والاعتبار بهذا الظن والعمل به مصلحة ظاهرة، فلا تترك المصالح الغالبة للمفسدة النادرة، وهي توقع حصول الوهم من الراوي أو كذبه، ولذا نزَّلَ الشارع الظن مقام العلم لغلبة صوابه وندرة خطئه.
والقول بأن خبر الواحد يفيد العلم القطعي ضعيفٌ للغاية، إذْ لو كان يفيد العلم القطعي فما الفرق بينه وبين الخبر المتواتر، وإذا كان الشرع لم يقبل في الإخبار بالزنا إلاّ أربعةً، ولم يقبل في الشهادة على الأموال إلا شاهدين، فكيف بأصل الدين.
ولكن هذا لا يعني أن لا يَثْبُتَ بأخبار الآحاد مسائل الاعتقاد الفرعية، وقد أثبت أهل السنة الأشاعرة كثيراً من القضايا الاعتقادية الفرعية بأحاديث صحيحة غير متواترة، ولكنهم لا يكفرون منكرها إنْ لم يَثبت عنده صحتها.
ولَمَّا جهل بعض الناس:
1- الفرق بين قول الأشاعرة بأن خبر الآحاد لا يفيد العلم (أي: القطعي) وأنه يفيد الظن (أي: العلم الظني).
2- وجهل الفرق بين قول الأشاعرة بأن خبر الآحاد (لا يثبت به عقيدة) أي: (عقيدةً قطعيةً بحيث يكفر منكرها)، وبين إثبات الأشاعرة أنفسهم (عقائد) أي: (عقائد فرعية لا يكفر منكرها، ولكنه قد يكون مبتدعاً).
أقول: لما جهل بعض المخالفين لهم هذه الفروق كثر التشنيع بجهالة.
وأما مسألة الرسل الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك لتبليغ أصل الدين (وهم آحاد)، فهذا إنما يفيد القطع بسبب القرائن التي احتفت بإرسالهم،
وإذا نظرنا إلى القرائن مجتمعة أمْكَنَ القطع بصحة خبر الصحابي المرسل من النبي صلى الله عليه وسلم، فخبر ظهور النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة كان قد بلغ الآفاق، وشخص يسافر من تلك المدينة ويقطع المسافات الطويلة التي تحتاج منه إلى شهور وهو يتعب وينصب ليصل إلى كسرى أو قيصر، ويدخل على ملك وهو حاملٌ لرسالةٍ مختومةٍ تحتوي على الدعوة والترغيب والإنذار، لا يطلب ممن دخل عليه مالٌ ولا مصلحةٌ، هذه القرائن وغيرها جعلت هؤلاء الملوك لا يشكون في أنَّ هذا المُرْسَل الذي وصل إليهم صادق من حيث كونه مرسلاً، ولذا لم يعرف عن أحدٍ من الملوك أنه قال: وما يثبتُ لي أنك مرسل من محمدٍ (صلى الله عليه وسلم).
ثم إنَّ هناك قضيةً غفلَ عنها الكثير وهي أنَّ أصل الدين والتوحيد كالعلم بالله تعالى وصفاته لا يتوقف اعتقاده على مجرد وصول الخبر ولو سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، بل كان الرسل يحملون في رسائلهم البراهين والإشارات العقلية التي تفيد القطع بصحة دعوة التوحيد، والمقصود بالبراهين هنا القضايا السهلة من أمثال احتياج الموجود إلى موجد، وذكر المعجزات الشاهدة بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك مما يمكن أن يدركه الخاصة والعامة. والله أعلم
كتبه الفقير إلى عفو الله
د. سيف علي العصري
الخميس 6 ربيع الآخر 1435
الموافق 6/2/2014