- الحديث الأول: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلَانِ الجَنَّةَ: يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى القَاتِلِ، فَيُسْتَشْهَدُ.
وجه الدلالة من الآية:
قال ابن عبد البرِّ: وأمَّا قوله: «يَضْحَكُ اللهُ إليه»؛ أي: يتلقَّاه الله – عز وجل – بالرَّحمة والرضوان والعفو والغفران. ولفظ الضَّحك ها هنا مجازٌ؛ لأنَّ الضحك لا يكون من الله – عز وجل – على ما هو من البشر؛ لأنَّه ليس كمثله شيء ولا تشبهه الأشياء
(6) الاستذكار، لابن عبد البر (5/ 97)
—————————————-
وقال ابن فورك: فالمعنى إظهار إجابته، والإنعام عليه، وابتداؤه بالكرم والرحمة.
وقال المازَري: الضَّحك من الله محمول على إظهار الرِّضا والقبول؛ إذ الضحك في البشر علامة على ذلك. ويقال: ضحكت الأرض، إذا ظهر نباتها. وفي بعض الحديث «فَيَبْعَثُ الله سحاباً فَيَضْحَكُ أحْسَن الضَّحِكِ» فجعل انجلاءه كل البرق ضحكاً على الاستعارة، كأنَّه تعالى لما أظهر له رحمته استعير له اسم الضَّحك مجازاً.
وقال الطيِّبي: الضحك من الله – سبحانه وتعالى – محمول على غاية الرضا والرأفة، فالمعنى أنه تعالى يتجلى لهم ضاحكاً، أي راضياً عنهم متعطفاً عليهم؛ لأن الملك إذا نظر إلى بعض رعيته بعين الرضا، لا يدع من إنعام وإكرام إلا فعل في حقه.
وقال القاضي عياض: الضَّحك في البشر أمر اختصُّوا به، وحالة تغيُّر أوجبها سرور القلب، فتنبسط له عروق القلب، فيجرق الدَّم فيها، فيقبض إلى سائر عروق الجسد، فيثور لذلك حرارة يبسط لها الوجه ويضيق عنها الفم فينفتح، وهو التَّجسم، فإذا زاد السرور وتمادى ولم يضبط الإنسان نفسه واستخفه سروره قَهْقَهَ، والتَّغيُّرات وأوصاف الحَدَثِ منفيَّة عن الله تعالى، وجاءت الآثار الصَّحيحة بإضافة الضَّحك إليه، فحمل العلماء ذلك على الرضا بفعل عبده، ومحبَّته للقائه، وإظهار نعمه وفضله عليه، وإيجابها له. وقد حملوه أيضًا على التَّجلِّي للعبد، وكشف الحجاب عن بصره حتَّى يراه، والضَّحك يعبَّر به عن الظُّهور.
- الحديث الثاني: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَابَنِي الجَهْدُ، فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: «أَلَا رَجُلٌ يُضَيِّفُهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، يَرْحَمُهُ اللَّهُ؟» فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لَا تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عِنْدِي إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَةِ، قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ العَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ، وَتَعَالَيْ فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَنَطْوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ غَدَا
_
(1) مشكل الحديث وبيانه، لابن فورك (ص 477).
(2) المُعْلم بفوائد مسلم، المازري (1/ 339).
(3) شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، الطيبي (4/ 1206)
(4) إكمال المُعْلم بفوائد مسلم (1/ 558)
———– - الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: «لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ – عز وجل – أَوْ ضَحِكَ – مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ – عز وجل -: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].
وجه الدلالة من الحديث:
الضَّحك هنا معناه: الرَّحمة والرضا.
قال الخطابيُّ: تأويله على معنى الرِّضا أشبه وأقرب، وذلك أن الضحك من الكرام يدل على الرضا والاستهلال منهم مقدمة إنجاح الطلبة وقبول الوسيلة. والأجواد يوصفون عند المسألة بالبشر وحسن اللِّقاء.
_
(1) صحيح البخاري (4889).
(2) أعلام الحديث، الخطابي (3/ 1922)
كذا في مقدمة «صفات رب العالمين» لابن المحب الصامت (2/ 100 ت رسائل جامعية بترقيم الشاملة آليا):