فمن يريد أن يلتزم بالقرآن والسنة ولا يزيد على تلاوة هذه الآيات ـ وكذا الأحاديث التي تضمن إضافة اليد إليه تعالى ـ مع تلاوة سياقها وسباقها، ولا يجتزئها من سياقها وسباقها، بل يتلو الآيات التي وردت فيها تلك الإضافات يتلوها كاملة، لأن السياق والسباق يبين معنى تلك الإضافات بخلاف ما لو تلاها مجتزئة كما هو معلوم؛ ألا ترى كيف نقل ابنُ تيمية نفسه إنكارَ الإمام أحمد على من اجتزأ مثل هذا الاجتزاء….؟!!
#تأويلات_ابن_تيمية ، المثال أو التأويل الثالث: (4) #تأويل_اليد في قوله تعالى: { مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} [يس: 71].[1]
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/774214016025956/
نَعم ههنا سؤال أو اعتراض قوي، ولكن قبل أن أذكره، أشير إلى أن هذا الاعتراض قد انقدح لي أثناء مذاكرتي للقرآن الكريم، ولم أجده في كتب القوم ـ أي كتب ابن تيمية وأتباعه ـ، وحرصا مني على إنصافِ القوم ـ كما كان يفعل أئمتنا في ردودهم على أهل الفرق الأخرى[2] ـ وعدم ِكتمان العلم، وأيضا ليكون القارئ الكريم على علم واطمئنان أنني لا أخفي أيَّ حجةٍ علمتُها للخصم حتى ولو لم يذكرها الخصم نفسه طالما لاحت لي، لِكلِ ذلك: سأَذْكُر هذا الاعتراضَ وأقرّره بل أدعمه بالحجج التي تقويه، ثم نأتي على النظرِ فيه بعد ذلك إن شاء الله.
والاعتراض هو أن يقول الخصمُ: نحن نَسلّم أنه لا يوجد في الكتاب ولا في السنة عبارة: “لله يدان” أو “لله وجه” أو “لله عين” ونحو ذلك، ولكن هذا لا يضرنا؛ لأن إضافة اليدين والوجه والعين ونحو ذلك إلى الله تفي بالغرض، إذ هي تعطي هذه الدلالة بالضبط، فمثلا “يد الله” في قوله تعالى: { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] هو بمعنى: لله يد، أو كأنه قال ذلك، وذلك لأن الإضافة هنا إضافة معنوية على معنى حرف اللام كما في قولنا: كتاب زيد، فالإضافة هنا ـ كما قال النحاة ـ بمعنى اللام أي الكتاب لزيد، قال ابن عقيل (المتوفى : 769هـ) في شرحه على الألفية : ثم الإضافة تكون بمعنى اللام عند جميع النحويين…فالإضافة بمعنى اللام نحو هذا غلامُ زيدٍ، وهذه يدُ عمرو، أي: غلام لِزيد، ويد لعمرو[3].اهـ
فتأمل قوله ” غلام زيد… أي غلام لزيد “، وكذا يقال هنا في قوله تعالى: “يد الله” فهو بمعنى يد لله، وبالتالي صح القول بأن إضافة اليد لله، تعني أن لله يدا، ولا يضرنا بعد ذلك أن لا يوجد نص حرفي كـ”لله يد” في الكتاب والسنة، لأنه وُجد ما يعادل ذلك وهو إضافة اليد إلى الله إضافةً على معنى اللام كما تقدم، وكذا يقال في سائر الصفات الخبرية محلِّ النزاعِ التي أضيفت إلى الله، وبالتالي لا يكون كلامُ ابنِ تيمية ـ رحمه الله ـ هنا مخالفا لكلام النحاة في باب الإضافة فضلا عن أنه لا يكون قد خَلط بابَ الإضافة مع باب النعت عند النحاة، كما زعمتم سابقا.
قال وليد ابن الصلاح ـ غمره اللهُ بلطفه ـ: هذا أقصى ما يمكن أن يقال في هذا الاعتراض، وقد قمت بتوضيحه ودعمه لئلا أبخسه حقه، مع أنني لم أجده في كتب كما سبق أن أشرت إلى ذلك؛ والآن نأتي إلى النظر فيه لنعلم مدى قوته ، ومدى صموده أمام النقد.
في الواقع إن هذا الاعتراض قد يبدو قويا للوهلة الأولى، وهو ما بدا لي أصلا حين انقدح لي، بحيث لم أستطع أن أنفك عنه لسويعات، ولكن بعد أن تفكّرت فيه ـ أثناء المذاكرة ـ وأمعنت النظر فيه لأيام قليلة تبين لي ـ بفضل الله ـ أنه اعتراض ضعيف بل ضعيف جدا، وذلك لعدة وجوه:
الوجه الأول: أن طالما سلّم الخصمُ ـ ابن تيمية أو أتباعه ـ أو افترضنا أنه سلّم بأنه : ((لا يوجد في الكتاب ولا في السنة عبارة “لله يدان” أو “لله وجه” أو “لله عين” ونحو ذلك)) فكان يجب عليه أن يلتزم بما في الكتاب والسنة، ويكتف بما ورد فيهما، دون أن يزج استنباطه لا سيما في أمر خطير كصفات الله، حيث استنبط مثلا من قوله تعالى “يد الله فوق أيديهم” أن لله يدا؛ وذلك لأن ابن تيمية ـ رحمه الله ـ باستنباطه هذا قد خالف قاعدتين ألزم بهما نفسه بغض النظر الآن عن مدى صحة هذا الاستنباط، وعن مدى صحته أو بطلانه، وعن مدى قوته أو ضعفه، وهما:
القاعدة الأولى: أنه لا يثبت إلا ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم دون زيادة أن نقصان، وفي ذلك يقول ابن تيمية بالحرف الواحد في الفتوى الحموية الكبرى (ص: 265): ثم القول الشامل في جميع هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو بما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما وصفه به السابقون الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث.قال الإمام أحمد رضي الله عنه: «لا يُوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز القرآن والحديث».اهـ(انظر الصور: 1، 2)
وقول ابن تيمية: “إن لله يدين”، هو بلا أدنى شك زيادة على الكتاب والسنة، لأنه لا يوجد في الكتاب والسنة هذا اللفظ بعينه ولا نحوه، غاية ما في الكتاب والسنة أن اليد جاءت مضافة إلى الله، وقد جاءت تارة مفردة كما في قوله تعالى { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] ، وتارة بالتثنية كما في قوله تعالى {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ص: 75] ، وكقوله : {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]، وتارة بالجمع كما في قوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا } [يس: 71] ، فمن يريد أن يلتزم بالقرآن والسنة ولا يزيد على تلاوة هذه الآيات ـ وكذا الأحاديث التي تضمن إضافة اليد إليه تعالى ـ مع تلاوة سياقها وسباقها، ولا يجتزئها من سياقها وسباقها، بل يتلو الآيات التي وردت فيها تلك الإضافات يتلوها كاملة، لأن السياق والسباق يبين معنى تلك الإضافات بخلاف ما لو تلاها مجتزئة كما هو معلوم؛ ألا ترى كيف نقل ابنُ تيمية نفسه ـ في عدة مواضع من كتبه ـ إنكارَ الإمام أحمد على من اجتزأ مثل هذا الاجتزاء، منها ما جاء في بيان تلبيس الجهمية (2/ 548): قال الامام احمد: ومما تأول الجهمية من قول الله تعالى “ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم” الآية، قالوا: ان الله عز و جل معنا وفينا، فقلنا: لم قطعتهم الخبر من أوله، ان الله يقول: “الم تر ان الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم يعني ان الله يعلمه رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم يعني بعلمه فيهم اينما كانوا ثم ينبؤهم بما عملوا يوم القيامة ان الله بكل شيء عليم” يَفتح الخبر بعلمه، ويختم الخبر بعلمه[4].اهـ (انظر الصور 3، 4)
قال وليد: فتأملْ إنكارَ الإمامِ أحمد على من اجتزأ من الآية ما يريد قائلا له: ” لم قطعتهم الخبر من أوله ” ثم تأول أحمدُ المعيةَ هنا بأنها معية العلم وليست معية الذات وذلك بدليل السياق والسباق كما رأينا، ونحوه ما نقله ابن تيمية عن ابن المديني، حيث جاء في مجموع الفتاوى (5/ 140): وسئل علي بن المديني عن قوله: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} الآية؟ قال: اقرأ ما قبله {ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض} الآية[5].اهـ (انظر الصورة: 5، 6) وروى ابن تيمية في الفتوى الحموية الكبرى (ص: 326)[6] نحو ذلك عن ابن المديني. (انظر الصورة:7).
وقال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (8/ 377) في سياق تأويله لآيات المعية وحمله لها على معية العلم: أن سياق الكلام أوله وآخره يدل على معنى المعية، كما قال تعالى في آية المجادلة: {ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم} [سورة المجادلة: 7]فافتتحها بالعلم، وختمها بالعلم فعلم أنه أراد عالم بهم لا يخفى عليه منهم خافية، وهكذا فسرها السلف: الإمام أحمد ومن قبله من العلماء كابن عباس والضحاك وسفيان الثوري.اهـ (انظر الصورة: 8، 9، 10)
بل إن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ اعتبر من يجتزأ هذه الآيةَ ويكتفي بتلاوتها حتى ولو لم يزد على ذلك بتأويل أو نحوه… اعتبره جهميا….!!!! وفي ذلك يقول ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (2/ 201): وقال المروزي: قلت لأبي عبد الله أن رجلا قال: أقول كما قال الله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم} [المجادلة: 7] أقول: هذا ولا أجاوزه إلى غيره، فقال أبو عبد الله: هذا كلام الجهمية، فقلت له: فكيف نقول {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم} [المجادلة: 7] قال: عِلمه في كل مكان وعلمه معهم، قال: أَولُ الآيةِ يدل على أنه عِلمه.اهـ(انظر: 11، 12)
قال وليد: فتأمل قول أحمد كيف قال عمن اقتصر على تلاوة قوله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم}، وقال: أقول: هذا ولا أجاوزه إلى غيره، تأمل كيف قال عنه:” هذا كلام الجهمية “، بل أوجب عليه تأويل الآية مستعينا بسياقها.
ولن ندخل الآن في جدل حول: هل صنيع أحمد هنا ـ وهو حمل المعية في الآية على المعية بالعلم ـ هو تأويل ومجاز، أم هو تفسير وأنه حقيقة الآية وظاهرها كما يرى ابن تيمية وينتصر له بشدة[7]، فهذا تكلمنا وما زلنا نتكلم فيه في سلسلة منشوراتنا حول آيات المعية وموقف ابن تيمية، وإنما يكفينا الآن هنا أن سياق الآية أمر هام يُحدّد معنى ما قد يَرِد فيها من جمُل أو عبارات فد تُفهم بشكل مغاير فيما لو اجتُزئت وقُطعت عن سياقها وسباقها، وأن هذا المنهج يطبق في آيات القرآن عامة ـ كما نص على ذلك العلماء[8]؛ ومنهم ابن تيمية[9]، انظر الصورة:15، اللون الأخضر ـ وفي آيات الصفات خاصة كما رأينا من صنيع الإمام أحمد وغيره من السلف في آيات المعية، وهذا كله نقله ابن تيمية وأقره واستشهد به كما رأينا، وذكره في مواضع أخرى[10]، منها قوله في سياق كلامه عن أن قربه تعالى هو بعلمه وليس بذاته: “فالسياق دل عليه ومما دل عليه السياق هو ظاهر الخطاب “[11].
هذا كله فيما يتعلق بالقاعدة الأولى التي قعّدها ابن تيمية لنفسه في قضية الصفات ولكنه لم يلبث أن خالفها كما سبق بيانه، ننتقل إلى القاعدة الأخرى التي ألزم بها نفسه ثم خالفها أيضا، وهي:….. #انتظره_لاحقا
———————————–
[1] انظر السابق: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/978458382268184/
[2] وقد قال صديقنا الفاضل الدكتور أحمد ادريس الطعان في رسالته للدكتوراه “موقف الخطاب العلماني من النص القرآني”: (( يقول الإمام الغزالي عن منهجه في تحري الدقة في عرض مذاهب الخصوم “” فجمعت تلك الكلمات ورتبتها ترتيباً محكماً للتحقيق ، واستوفيت الجواب عنها ، حتى أنكر بعض أهل الحق علي مبالغتي في تقرير حجتهم ، وقالوا هذا سعي لهم ، فإنهم كانوا يعجزون عن نصرة مذهبهم بمثل هذه الشبهات لولا تحقيقك لها ، وترتيبك إياها وهذا الإنكار من وجه حق “” . انظر : ” المنقذ من الضلال ” ص 57 للغزالي – المكتبة الشعبية – بيروت – لبنان – بدون تاريخ . كما تعرض الرازي لانتقادات شديدة من العلماء لمبالغته في تقرير آراء الخصوم ، وإفراطه في شرحها وتفصيلها حتى اعتُبر ذلك منه إسهاماً في نشر البدع والعقائد الزائفة .)).اهـ
[3] انظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (3/ 43)
[4] وانظر أيضا هذا النقل في درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (6/ 141)، وفي مجموع الفتاوى (5/ 312). وهذا النقل أخذه ابن تيمية من كتاب الرد على الجهمية والزنادقة (ص: 154) المنسوب للإمام أحمد ـ وفي نسبته إليه شك كما بيناه في موضعه، ولكن ننقله هنا لكونه ورد نحوه في مصدر آخر كما سنرى، ولكون ابن تيمية أورده مُسلّما ومستشهدا به ـ ، ونصه فيه:
بيان ما تأولت الجهمية من قول الله:
{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ}
قالوا: إن الله معنا وفينا. فقلنا: الله جل ثناؤه يقول: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [المجادلة: 7] .
ثم قال: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] يعني الله بعلمه، {وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ} يعني الله بعلمه {سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ} يعني بعلمه فيهم {أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ} يفتح الخبر بعلمه، ويختم الخبر بعلمه.اهـ
[5] وانظر أيضا الفتوى الحموية الكبرى (ص: 326)
[6] وانظر: مجموع الفتاوى (5/ 49)
[7] فهو يقول في الفتوى الحموية الكبرى (ص: 521): دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم، شهيد عليكم ومهيمن عالم بكم. وهذا معنى قول السلف: «إنه معهم بعلمه» ، وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته.اهـ
[8] نقل الإمام الزركشي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام (توفي 660ﻫ) قوله: “السياق يرشد إلى تبيين المجملات وترجيح المحتملات وتقرير الواضحات، وكل ذلك بعرف الاستعمال، فكل صفة وقعت في سياق الذم كانت ذما وإن كانت مدحا بالوضع كقوله تعالى: ﴿ذق إنك أنت العزيز الكريم﴾ (الدخان: 46). انظر البحر المحيط: ج: 8 ص: 55.
وقال الشيخ ابن دقيق العيد: “أما السياق والقرائن فإنها الدالة على مراد المتكلم من كلامه، وهي المرشدة إلى بيان المجملات وتعيين المحتملات” انظر : إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: ج: 2 ص:19.
وانظر للتوسع بحثا بعنوان: “السياق عند الأصوليين المصطلح والمفهوم” للدكتورة فاطمة بوسلامة، وانظر رسالة دكتوراة ضخمة من مجلدين بعنوان : دلالة السياق للباحثة رَدَّة الله الطلحي.
[9] جاء في مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية (ص: 33): وأما النوع الثاني من مستندي الاختلاف وهو ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين…..:
إحداهما: قوم اعتقدوا معاني، ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها.
والثانية: قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب، من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن، والمنزل عليه والمخاطب به.
فالأولون راعوا المعنى الذي رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان.والآخرون راعوا مجرد اللفظ، وما يجوز عندهم أن يريد به العربي، من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم به ولسياق الكلام. ثم هؤلاء كثيرًا ما يغلطون في احتمال اللفظ لذلك المعنى في اللغة، كما يغلط في ذلك الذين قبلهم، كما أن الأولين كثيرا ما يغلطون في صحة المعنى الذي فسروا به القرآن، كما يغلط في ذلك الآخرون، وإن كان نظر الأولين إلى المعنى اسبق، ونظر الآخرين إلى اللفظ أسبق.اهـ وانظر النص في مجموع الفتاوى (13/ 355)، (انظر الصورة، 13، 14، 15). وانظر دلالة السياق 1/89، 90 للباحثة رَدَّة الله الطلحي.
[10] جاء في درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (2/ 67) نقلا عن عثمان الدارمي:ولكن يأتي بالقيامة بزعمك وقوله : { يأتيهم الله في ظلل من الغمام } : يأتي الله بأمره في ظلل من الغمام ولا يأتي هو بنفسه ثم زعمت أن معناه كمعنى قوله : { فأتى الله بنيانهم من القواعد }، { فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا } فيقال لهذا المريسي : قاتلك الله ! ما أجراك على الله وعلى كتابه بلا علم ولا بصر ! أنبأك الله أنه إتيان وتقول : ليس بإتيان إنما هو كقوله : { فأتى الله بنيانهم من القواعد } ( النحل : 26 ) لقد ميزت بين ما جمع الله وجمعت بين ما ميز الله ولا يجمع بين هذين التأويلين إلا كل جاهل بالكتاب والسنة لأن تأويل كل واحد منهما مقرون به في سياق القراءة لا يجهلة إلا مثلك.اهـ
وجاء في درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (1/ 241): والثاني : مثل الحديث الذي في الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : يقول الله تعالي : عبدي مرضت فلم تعدني فيقول : رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ فيقول : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلو عدته لوجدتني عنده عبدي جعت فلم تطعمني فيقول : ربي كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ فيقول : أما علمت أن عبدي فلانا جاع فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي فإنه لا يجوز لعاقل أن يقول : إن دلالة هذا الحديث مخالفة لعقل ولا سمع إلا من يظن أنه قد دل على جواز المرض والجوع على الخالق سبحانه وتعالي ومن قال هذا فقد كذب على الحديث ومن قال إن هذا ظاهر الحديث أو مدلوله أو مفهومه فقد كذب فإن الحديث قد فسره المتكلِّم به وبين مراده بيانا زالت به كل شبهة وبين فيه أن العبد هو الذي جاع وأكل ومرض وعاده العواد وأن الله سبحانه لم يأكل ولم يعد.اهـ
فقوله: “فإن الحديث قد فسره المتكلِّم به وبين مراده ” يقصد أن سياق الحديث وآخره بيّن أن المراد بالمرض المنسوب إلى الله تعالى في أول الحديث هو مرض عبده، قال وليد: ولكن هذا يُثبت أن في الحديث مجازا ولا ينفيه، لأن المجاز لا بد من قرينة تبيّنه سواء في السياق أو نحوه، وقد بسطناه في موضعه، والله الموفق.
[11] انظر: مجموع الفتاوى (6/ 20)