الصفات الإلهية بين أهل التنزيه وأهل التشبيه
الصفات الإلهية
بين
أهل التنزيه وأهل التشبيه
الفصل الأول
تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقات بأي جهة من الجهات
دلّت القواطع النقلية والعقلية على استحالة وقوع أي وجه من وجوه الشبه بين الخالق تعالى والمخلوقات .
فمن النقل :
قوله تعالى : ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) , ووجه الدلالة :
- أن اجتماع كلمتي التشبيه ( “الكاف” , و”مثل”) في سياق النفي يفيد نفي أدنى مشابهة , فإن التشبيه الذي حُذفت فيه أداة التشبيه يسمى “مؤكدًا” , والتشبيه الذي أرسلت وذكرت فيه الأداة يسمى “مرسلًا” , وكلمّا حذفتَ أدوات التشبيه زاد وجه الشبه , وكلّما أدرجتَ أدوات التشبيه وأرسلتها ضعُف وجه الشبه وقلّ , فوجه الشبه في قولك : (زيدٌ أسدٌ) أقوى من وجه الشبه في قولك : (زيد كالأسد) لأنك أدرجتَ في الثاني أداة التشبيه (الكاف) , ووجه الشبه في قولك : (زيدٌ كالأسد) أقوى من وجه الشبه في قولك : (زيدٌ كــمثل الأسد) لأنك أدرجت أداتي تشبيه في الثاني وهما (الكاف والمثل) , فوجه الشبه في قولك : (زيدٌ كــمثل الأسد) أضعف ما يكون , فإذا أدخلتَ أداة النفي (ليس) على التشبيه المتضمن أضعفَ وجهٍ من وجوه الشبه فقد نفيتَ أدنى مشابهة , فلما دَخَلت أداة النفي (ليس) على التشبيه المشتمل أدنى وجه من وجوه الشبه أفاد ذلك نفي المشابهة من كلّ وجه .
- وعلى اعتبار زيادة حرف التشبيه (الكاف) تكون الآية قد نفت المشابهة , وعلى اعتبار زيادة أداة التمثيل (مثل) تكون الآية قد نفت المماثلة, وعلى اعتبار ثبوتهما تكون الآية قد نفت المشابهة والمماثلة معًا , فنفت الآية بأداة النفي (ليس) الأمرين جميعًا .
- وإذا قلتَ : (زيدٌ ليس كالأسد) أفادت أنه لا يشبهه من بعض الوجوه , وإذا قلت : (زيدٌ ليس مثل الأسد) أفادت أنه لا يماثله من جميع الوجوه , لكنّك إذا أردت المبالغة التامة في نفي الاشتراك بينهما بشبه ولو من وجه بعيد قلت : (زيد ليس كمثل الأسد) , مما يفيد نفي المشابهة والمماثلة أيضًاً , فلما أراد الله تعالى نفي المشابهة والمماثلة قال : ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) .
- وإذا قلنا بأنّ المثل هنا هو (الصفة) , ففيه تنبيه على أنّه -سبحانه وتعالى- وإن وُصِفَ بكثير مما يوصف به البشر , فإن الاشتراك في الصفات اشتراك لفظي لا حقيقي .
- وإذا قلنا بأنّ المثل هاهنا هو (الشبيه) , ففيه تنبيه على أنّه -سبحانه وتعالى- لا يشبهه شيء , قال الإمام الكفوي في «الكليات» ص851:
(وَاعْلَم أَن الْمثل الْمُطلق للشَّيْء هُوَ مَا يُسَاوِيه فِي جَمِيع أَوْصَافه، وَلم يتجاسر أحد من الْخَلَائق على إِثْبَات الْمثل الْمُطلق لله، بل من أثبت لَهُ شَرِيكا ادّعى أَنه كالمثل لَهُ، يَعْنِي يُسَاوِيه فِي بعض صِفَات الإلهية، فالآية ــ يعني قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ــ رد على من زعم التَّسَاوِيَ من وَجه دون وَجه). - وكلمة (شيء) في الآية الكريمة جاءت نكرة , وجاءت هذه النكرة في سياق النفي , ومن المعلوم أنّ النكرة في سياق النفي تعمّ , فالآية الكريمة قد نفت جميع وجوه الشبه بين الخالق تعالى والمخلوقات في الذات والصفات والأفعال.
- أضف إلى ذلك أنّ كلمة (مثل) هي أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة , قال الإمام الفيروزأبادي في “بصائر ذوي التمييز” : (وهو –يعني لفظ المثل- أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة , وذلك أن الند يقال فبما يشاركه في الجوهرية فقط , والشكل يقال فيما يشاركه في القدر والمساحة , والشبه يقال فيما يشاركه في الكيفية فقط , والمساوي يقال فيما يشاركه في الكمية فقط , والمثل عام في جميع ذلك , ولهذا لما أراد الله نفي التشبيه من كل وجه خصه بالذكر , فقال تعالى في سورة الشورى : “ليس كمثله شيء”) , وذكر مثله الإمام اللغوي الراغب الأصفهاني في مفرداته.
فالآية دالة على أنّ الله تعالى منزّه عن مشابهة شيء من المخلوقات من كلّ جهة , فيكون الاشتراك بين صفات الله تعالى وصفات المخلوقات هو اشتراك لفظي لا غير .
ومن العقل :
ما قاله الإمام البيهقي بأسلوبه البسيط في كتابه “الاعتقاد (ص37):
(ثم يعلم أن صانع العالم لا يشبه شيئا من العالم لأنه لو أشبه شيئا من المحدثات بجهة من الجهات لأشبهه في الحدوث من تلك الجهة , ومحال أن يكون القديم محدثا أو يكون قديما من جهة حديثا من جهة) .
منقول عن موقع منتدى الأصليين