•|| الحاخام سَعْدِيا يوسف الفيومي اليهودي تـ330هـ: ظواهر نصوص التوارة المفيدة لـ(التجسيم) مصروفة بـ(النظر العقلي) ومتشابهها محمول على محكم: (نصوصها)، ونماذج من تأويل صفات الصانع.
قال الحاخام سَعْدِيا بن يوسف الفيومي تـ330هـ في كتابه الموسوم بـالأمانات والاعتقادات -بعد احتجاجه بدليل الحدوث والإمكان والتركيب على حدوث العالم-، ما نصه:
[أقدم لذلك قولاً جامعاً، وأقول: إن كل ما يومىء إليه في هذا المعنى من جوهر أو عرض أو صفة لجوهر أو عرض فلا يجوز منه كثير ولا قليل في معنى الصانع؛ لأن هذا الصانع تبارك ثبت لنا أنه صانع الكل؛ فلم يبقَ جوهر ولا عرض ولا ما يوصفون به إلا وقد انحاز وانماز واجتمع، وصح أن هذا الصانع صانعه، فقد امتنع واستحال أن يقال عليه شيء مما هو صانعه.
وكلُّ ما يوجد في كتب الأنبياء من صفات الجوهر أو العرض فلابد من أن يوجد في اللغة لذلك معانٍ غير التجسيم حتى يتوافق ما أوجبه النظر، وكل ما نقوله نحن معاشر المؤمنين من أوصافه مما يتشبه بالتجسيم؛ فإن ذلك منَّا تقريب وتمثيل، وليس على مجسم الكلام الذي نقول مثله في الناس… فلا يغالطونك يا أيها الناظر في «الكتاب» ويدخلوا عليك الشبه من قولك: كان، ومن قولك: أراد، ومن قولك: رضي، وغضب، وما أشبه ذلك، وكذلك مما في «الکتب»؛ فإن هذه الألفاظ إنما نقولها بعد ثبات الأصل على ما قدمناه لتردَّ إليه، وتحمل عليه.. فلا تتحير بسبب صفة تراها في «الکتب»].
وقال -أيضاً- بـالأمانات والاعتقادات:
[فإنا وجدنا علماء أمتنا الأمناء على ديننا أينما وجدوا شيئاً من هذا التشبيه لم يترجموه مجسماً؛ بل ردوه إلى ما يوافق الأصل المتقدم… فلو كان عندهم أن هذه الألفاظ على تجسيمها لترجموها بحالها، ولكنهم صح عندهم من الأنبياء سوى ما في عقولهم أن هذه الألفاظ الجسمية أرادوا بها معاني شريفة جليلة فترجموها على ما صح لهم].
وقال -أيضاً- بـالأمانات والاعتقادات:
[فهذه الأقوال الفصيحة هي الأصول المعول عليها، ويجب أن يرد كل كلام متشابه إليها بحيث يوافقها من مجازات اللغة؛ فمن ذلك قول «الكتاب»: فخلق الله آدم بصورته، بصورة شريفة مسلطا خلقه؛ فأبين أن هذا على طريق التشريف.. على سبيل التخصيص لا على سبيل التجسيم].
وقال -أيضاً- بـالأمانات والاعتقادات:
[قد بينت أن المعقول والمكتوب والمنقول قد أجمعوا على نفي التشببه عن ربنا، أبسط هذه الألفاظ الجسمانية.. و(عينٌ)؛ كقوله: “ودائما عنايته بها) -التثنية-، .. و(وجهٌ) كقوله: “ويضيء بنور وجهه عليك” -العدد-، و(يدٌ) كقوله: “فإن آفة الله بائنة” -الخروج-، .. فهذه الأقوال وما أشبهها من فعل اللغة واتساعها توقع كل واحدة منها على معنى، وتأويل ذلك مما نجده في غير معاني الخالق..
وأرادوا بـ(العين) عناية؛ كقوله: “أجعل عنايتي به” -التكوين-، وأردوا بـ(الوجه رضى وغضبا) كما قال: “بنور وجه الملك الحياة”، .. وأرادوا بـ(اليد) قدرة؛ كقوله: “فسكانها قصار الأيدي”، وأردوا بـ(الرجل) قهراً؛ كقوله: (حتى أجعل أعداءك وطنا لرجليك”، فإذا وجدنا مثل هذه الألفاظ في الناس على غير التجسيم في بعض الأحايين؛ فالأوكد أن يستقيم تفسيرها في معاني الباري على غير التجسيم].
وقال -أيضاً- بـالأمانات والاعتقادات:
[ولا يجوز أن يتعرضه عرض؛ إذ هو خالق الأعراض كلها، وهذا الذي نجده يقول: إنه يحبُ شيئاً ويكره شيئاً، المعنى في ذلك: أن كلَّ ما أمرنا به أن نصنعه سماه محبوباً عنده؛ إذ ألزمنا محبته… والذي نراه يقول: إنه يرضى وإنه يغضب؛ فالمعنى في ذلك: أن بعض خلقه إذا أوجب لهم السعادة والثواب سمى ذلك رضى… وإذا استحق بعضهم شقاء وعقابا سمى ذلك سخطا … وأما الغضب والرضى المجسمان والمحبة والكراهة المجسمتان فليس يكونان إلا في من يرغب ويخاف، وممتنع عن الخالق الكل أن يرغب إلى شيء مما خلق أو يخافه، وعلى هذا تخريج سائر صفات الكيف المتوهمة].
وقال -أيضاً- بـالأمانات والاعتقادات:
[وأقول على المكان: لا يجوز أن يحتاج الخالق إلى مكان يكون فيه من جهات، أولاً لأنه خالق كل مكان، وأيضاً لأنه لم يزل وحده وليس مكان.. وأيضاً لأن المحتاج للمكان هو الجسم الذي يشغل ما لاقاه وماسه؛ فيكون كل واحد من المتماسين مكانا للآخر، وهذا ممتنع من الخالق.
وهذا الذي تقول الأنبياء أنه في السماء، على طريق التعظيم والإجلال إذ السماء عندنا أرفع شيء علمناه: “لأنه في السماء وأنت على الأرض” -الجامعة- .. جميع ذلك تشريف لذلك الموضع، ولتلك الأمة].
وقال -أيضاً- بـالأمانات والاعتقادات:
[وحاصل القول: أنه خلق كلاما أوصله في الهواء إلى سمع الرسول أو القوم، … والنعمة والرحمة .. هذه أيضاً معان راجعة على المخلوقين].
محمود أبو حيان
————
•كناشة المنهوم المستهام
سعيد بن يوسف أبو يعقوب الفيومي المشهور ب”سَعْدِيا گاؤون סעדיה גאון” (ولد في 268 هـ / 882م، الفيوم – توفي في 330هـ / 942م، بغداد) حاخام وفيلسوف يهودي مصري. تأثر بالمدرسة الكلامية ومذهب المعتزلة. ودافع عن شرعية النبوة ووحدانية الله، كما رفض الإيمان بالسحرة والمنجمين. وهو أول شخصية عبرية مهمة تكتب على نطاق واسع بالعربية، ويعتبر مؤسس الأدب العربي اليهودي.[1]