ابحثوا عن هؤلاء العلماء المختفين فإنهم أعزُّ من الكبريت الأحمر….
أذْكر أنه قد حدثنا أحدُ شيوخنا الأجلاء بأنه حُدِّث بأن رهْطا من طلاب العلم المعاصرين خرجوا من بلاد الشام إلى الهند في زيارة لعلمائها… فزاروا هناك شيخا جليلا وفقيها من فقهاء الحنفية وشاهدوا مكتبته الضخمة وما فيها من كتب قيمة يعيش بينها ذلك الشيخ ويطالع فيها طوال عمره….. ثم تبين لهم أن هذا الفقيه لا يدري ما يدور حوله خارج بيته ومكتبته …فإنهم حين حدثوه عن فلسطين وما يلاقيه أهلها من بطش جيش الاحتلال الصهيوني… وطلبوا منه أن يدعوا لأهل فلسطين أن يفرج الله عنهم وينصرهم على اليهود …. بادرهم بالسؤال مندهشا: وهل فلسطين محتلة من قبل اليهود، ومتى حدث هذا ؟!!!!!!
طبعا هذا القصة حين حدثنا بها شيخُنا: ضحكنا …. وهو قصّها لنا أصلا ليبين لنا أن طالب العلم ينبغي أن يكون مطلعا على يجري حوله من أحداث سياسية واجتماعية وثقافية ليعلم طبيعة زمنه وما يعانيه مجتمعُه وأمتُه الإسلامية من خَلل ومشاكل فيسهم في حلها من خلال العلم الذي تعلمه والكتب التي قرأها ….. وإلا فإن انغلق على نفسه وعلى كتبه فماذا استفادت منه الأمة الإسلامية حتى ولو قرأ آلاف الكتب والمراجع ….؟!!!!!
ولكن مع ذلك أقول: إن هذا الشيخ الهندي الجليل هو أفضل بكثير من شيوخ سلاطين الجور في عصرنا …. فهؤلاء الشيوخ كانوا مطلعين على عصرهم ولم يكونوا منغلقين بدليل أنهم يعافسون بيوتَ السلاطين… وربما يطلعون على أدق التفاصيل السياسية وغيرها … ولكنهم وقفوا في الموقف الخطأ ….. حيث عرفوا إجرامَ هؤلاء السلاطين وشدةَ بطشهم…. فبدل أن ينهوهم عن ذلك ويقولوا أمامهم كلمة حق كما قال عليه الصلاة والسلام « إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ »…
أقول : بَدَل أن يفعلوا ذلك راحوا يُسوِّغون إجرامَهم بفتاوى باطلة ومفتراة على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم….بل صاروا يُثنون على إجرامهم ويعتبرونه من أجلِّ الطاعات ….. انظروا إلى الفتاوى التي صدرت من كثير من شيوخ مبارك والسيسي والأسد والقذافي وغيرهم من الطغاة الذين ذبحوا المسلمين ودمروا مساجدهم بفتاوى شيوخ السوء هؤلاء …!!!!!!
فلو أن هؤلاء الشيوخ كانوا عاكفين على كتبهم ومنغلقين على أنفسهم ولا يعلمون بما يدور حولهم كذاك الشيخ الهندي …. ألم يكن هذا خيرا لهم عند الله وعند أمتهم ألف مرة من انفتاحهم المزعوم هذا الذي آل بهم إلى انغماسهم في دماء المسلمين التي أهدروها بفتاواهم الباطلة….؟!!!!!
ثم ما فائدة هذا الانفتاح المؤدي إلى سفك دماء المسلمين؟!!!!!
نحن إنما أردنا من طلاب العلم والعلماء الانفتاح على عصرهم ليعلموا مشاكل أمتهم فيقوموا بحلها حلا فقهيا إسلاميا … أما إذا كان انفتاحهم هذا أداهم إلى إفتاء سلاطين الجور بقتل الأمّة …. فتبا لهم ولانفتاحهم هذا ….!!!!!
وهنا أمر آخر يستفاد من قصة هذا العالم الهندي الجليل وهو أن أهل العلم والفضل والتقى والورع ليسوا بالضرورة هم من تشاهدونهم على شاشات الفضائيات أو في مناصب الإفتاء ووزارات الأوقاف ورؤساء الجامعات أو من حملة شهادات الدكتوراة أو أعضاء في المجامع الفقهية والمؤتمرات المحلية أو الدولية أو من لهم مئات الآلاف أو حتى ملايين من المتابعين على الفيس بوك وتويتر ….
بل قد يكونون مخفيين لا يعلم بهم أحدٌ… تماما كما أنهم لا يعلمون بمن حولهم كذاك الشيخ الهندي… وإنما هم عاكفون على كتبهم وتآليفهم وتحقيقاتهم قائمون في محرابهم يرجون الله واليوم الآخر فقط…. طلّقوا الشهرةَ والجاهَ والسلطانَ والمالَ والمناصبَ والدنيا بأسرها …. نَعَم منهم من يَرقبون أمتَهم من طَرْف خفي ويتحسرون عليها حين يشاهدون ما تعانيه من ذل وجهل وفقر وتبعية وتسلط لحكام الجور وترأس للجهلاء والفساق وشِبه انسلاخ من الدين إلا من رحم ربي …وربما لا يملكون لهم سوى دعاء الحي القيوم بالفرَج وكشف البلاء …!!!!!
ابحثوا عن هؤلاء العلماء المختفين فإنهم أعزُّ من الكبريت الأحمر* …. وإن وجدتم أحدا منهم فقبّلوا يديه ورجليه وجالسوه إن تسنى لكم ذلك ساعة في الإسبوع أو الشهر أو السنة تغنيكم عن مئات الساعات بل عن عشرات السنوات مع غيرهم ممن له ضجة ومناصب وشهرة وظهور قد يكون مصطنعا ….!!!!!!!
ولقد أكرمني الله بصحبة أحد هؤلاء العلماء المخفيين** فترة ربما قصيرة ولكن نفعني الله به فيها ما لا أحصيه علما وتحقيقا وورعا …..ووالله لو أنه خرج بعلمه إلى العلن لجرّ خلفه جيوشا من العلماء فضلا عن طلاب العلم وعامة الناس.!!
وأخيرا أقول قد تبين لي مؤخرا أن كثيرا من هؤلاء الشيوخ المشهورين لاسيما في البلدان العربية الديكتاتورية هو صنيعة أجهزة المخابرات في تلك الدول وذلك لاستخدامه في أغراض قذرة لاحقا ….والأمثلة أمامكم شاهدة …واللبيب من الإشارة يفهم ….!!!
كذلك ـ والحق يقال ـ يوجد كثيرٌ من الشيوخ المشهورين شيوخٌ فضلاء ـ نحسبهم كذلك ـ لم يطلبوا الشهرةَ قط…. وإنما حصلتْ لهم اتفاقا… وقد أخذنا عنهم العلم وانتفعنا بهم …. والحمد لله رب العالمين.
كتبه وليد ابن الصلاح
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* الكبريت الأحمر كما يقول أرسطو وابن البيطار يضيء ليلا ويرى ضوءه على بعد فراسخ عدة ما بقي في موضعه.
وفي الصحاح للجوهري: وقولهم: ” أعز من الكِبْريتِ الأحمرِ ” إنَّما هو كقولهم: ” أعزُّ من بَيْضِ الأَنوقِ “. ويقال أيضاً: ذهبٌ كِبْريتٌ، أي خالص.
ويضرب بهذا المثل على ندرة الشيء فيقال في الأمثال :
أثمن من الذهب وأندر من الكبريت الأحمر
ويقال أعز مطلبا من الكبريت الأحمر أي صعب المنال .
انظر:http://majles.alukah.net/t127534/
**وهو ـ حفظه الله ـ من حدثنا بقصة الشيخ الهندي، وأنا أظن أنه أعلم أهل الأرض حاليا.