إليك أخي السلفي
؛———————-
قبل حوالي أسبوعين، كتبت مقالا عنوانه “كلمة عدل وإنصاف في حقّ السلفية والسلفيين”، ضمّنته ما أراه -ويراه كثير من المسلمين- حقا وصوابا في الدّعوة السلفية، وما ألمسه -ويلمسه غيري- من خير لدى إخواننا السلفيين عامّة، ممّا يوجد مثله وغيره وما هو خير منه لدى عامّة المسلمين الذين لا ينتسبون إلى أي جماعة أو حزب، وقد ختمت المقال بإشارة مهمّة فحواها أنّ السلفية مع ما فيها من خير ونفع للأمّة، فهي ليست جماعة معصومة، كما أنّ من يخالفونها ومن يخاصمونها كذلك غير معصومين.. في مقالي هذا، أبدأ من هذه الحقيقة التي ختمت بها مقالي الأوّل، لأوجّه نصائح من القلب، أضع بها إشارات على طريق كلّ سلفيّ، تفتح زاوية نظره وفهمه لدين الله، وتوسّع صدره لإخوانه المسلمين، بإذن الله.
- أخي السّلفيّ.. باب العصمة أغلق بوفاة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وإذا كان السّلف الصّالح الذين هم خير قرون هذه الأمّة ليسوا معصومين آحادا وأفرادا، إنّما عصمتهم في منهجهم وفيما اجتمعوا عليه، فكيف بمن هم دونهم وبمن ينتسب إليهم؟ مِن حقك أن تنتسب إلى السلفية، لكن ليس من حقّك أن تنسِب العصمة إلى الجماعة التي تنتسب إليها، وتظنّ أنّ الحقّ ينحصر فيها ولا يخرج عنها؛ فالله -جلّ وعلا- لم يكتب العصمة لأيّ جماعة أو طائفة من الأمّة، إنّما كتبها للأمّة حين تجتمع، والدّليل على هذا حديث النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- “إنَّ اللَّهَ قد أجارَ أمَّتي أن تجتمِعَ علَى ضلالةٍ” (حسّنه الألباني).
- انتسابك إلى السلفية مباح، ما لم تتعصب وتُوالِ وتُعاد على هذه النسبة. لكن ليس من حقّك أن تظنّ أنّ هذه النّسبة أفضل من الانتساب إلى الإسلام، لأنّك بذلك تزعم أنّ النسبة التي اخترتَها أنت أفضل من النسبة التي اختارها الله العلي الأعلى لعباده: ((مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس)) (الحجّ: 78).
إذا كنت ترى أنّ الانتساب إلى الإسلام أصبح غيرَ كافٍ لتمييز الحق، بحجّة أنّ هناك مسلما سنيا وآخر شيعيا، وبين السنة هناك السلفي وهناك الأشعري وهناك الإخوانيّ وهناك التبليغي.. فهل النسبة إلى السلفية أصبحت كافية؟ هناك سلفية علمية وأخرى جهادية، والسلفية العلمية تنقسم إلى سلفيات كثيرة، ومن حقنا أن نسألك عن السلفية الحقة في نظرك: هل يمثلها الشّيخ ربيع المدخليّ ومن شايعه أم الشيخ محمّد المدخلي ومن ناصره؟ وهل يمثّلها الشّيخ فركوس ومن معه، أم يمثلها سنيقرة وجمعة ومن انحاز إليهما؟!
إذا بقي الأمر ملتبسا عليك، فتذكّر الحقيقة التي لا يختلف فيها مسلمان: عندما تُردّ روحك إلى بدنك وأنت في قبرك، فلن تسأل عن الجماعة التي كنت تتبعها ولا عن المذهب الذي اخترته، إنّما تسأل عن ربّك وعن نبيك وعن دينك.
- من حقك أن تدافع عن السلفية، وترد على من انتقدها، لكن ليس من حقك أن تحكم على من انتقد السلفية وخطّأها أو خطّأ علماءها، بالزندقة والحقد على الدين أو مخالفة السنة! فهناك فَرق كبير بين من ينتقد الإسلام المعصوم ومصادره أو يسيء إلى نبيّه المعصوم -صلّى الله عليه وسلّم-، وبين من ينتقد جماعة أو ينتقد علماءها.
- من حقك -الذي تُشكر عليه- أن تدافع عن التوحيد، لكن ليس من حقك أن تحصر التوحيد في إفراد الله بالدعاء والاستغاثة، فهناك أيضا حق الله في أن يعظّم وحده، وحقه في أن يكون له الحكم وحده: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّه))، وهذه أيضا من أركان التوحيد.. من حقك -الذي تُغبط عليه كذلك- أن تحارب الشرك بنوعيه الأكبر والأصغر، لكن ليس من حقك أن تحصر الشرك الأكبر في شرك القبور والأولياء، فهناك أيضا شرك المحبّة وشرك التعظيم وشرك الحاكمية.
- من حقك -الذي تُحمد عليه- أن تدافع عن السُّنة، لكن ليس من حقك أن تحصر السنة في إعفاء اللحية وتقصير الثوب وفي دعاء الاستفتاح وجلسة الاستراحة والإقعاء بين السجدتين أحيانا؛ فالسنة تشمل الأخلاق والآداب والمعاملات، وتشمل قيام الليل والحرص على تكبيرة الإحرام ولزوم الجماعة واجتناب الفُرقة، وهكذا… لذلك، فقد تفضُل أخا من إخوانك المسلمين في سنّة من سنن الهدي الظّاهر، ويفضلك في سنّة أهمّ منها في الخلق أو الأدب أو الأعمال الخفية.
- من حقك أن تقلّد الألباني وابن باز وابن عثيمين -رحمهم الله-، لكن ينبغي لك أن تعلم أنّ هؤلاء الثّلاثة هم ثلّة من علماء المسلمين، وليسوا وحدهم العلماء، وأن فتاويهم واختياراتهم التي اتفقوا فيها ليست هي الدين، إنما هي مذهب في الدين، وهناك مذاهب أخرى لعلماء آخرين، قد يكونون أفقه وأعلم من هؤلاء الثّلاثة في أبواب كثيرة.. وينبغي لك أن تعلم أنّ العلماء الثلاثة اختلفوا في عشرات المسائل الفقهية والمنهجية، وحتى في بعض مسائل العقيدة، وأنّ ما تظنّه أنت هو الحقّ ما هو في الحقيقة إلا اختيار من تسأله وترجع إليه من فتاوى الألباني وابن باز وابن عثيمين.
- ينبغي لك أن تنتبّه إلى أنّ قاعدة “كلٌّ يؤخذ من قوله ويردّ إلا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-” لا تنطبق على أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد -رحمهم الله- فقط، إنّما تنطبق كذلك على الألبانيّ وابن باز وابن عثيمين والفوزان، وإذا كان بعض إخوانك المسلمين لا يأخذون عن هؤلاء الأربعة المتأخّرين في بعض المسائل، فليس بالضّرورة لأنّ هؤلاء المسلمين يكرهون العلماء السلفيين أو لا يحبّونهم، إنّما لأنّهم لا يعتقدون عصمتهم.
- من حقّك أن تلتزم أقوال الألباني وابن باز وابن عثيمين في تعيين البدع والمحرّمات، في المسائل الخلافية، لكن ليس من حقّك أن تعرض فتاويهم على أنّها هي الصّواب الذي ليس بعده إلاّ الخطأ، أو الحقّ الذي ليس بعده إلاّ الباطل، وتحكم على إخوانك المسلمين بميزان فتاوي العلماء السلفيين المعاصرين.
- الألباني -رحمه الله- من علماء الحديث المبرّزين، لكنّ أحكامه على الأحاديث ليست ملزِمة، وليس كلّ حديث خارجَ الصحيحين قال الألبانيّ بصحّته يكون صحيحا يقينا، وليس كلّ حديث قال الألباني بضعفه يكون بالضرورة كذلك.. الألباني سبقه علماء أرسخ منه قدما، وعاصره علماء في علم الحديث منهم من هو دونه ومنهم من يوازيه ومنهم من هو أرسخ منه قدما، ومن لم يأخذ بأحكام الألبانيّ على الأحاديث فليس بالضّرورة أنّه لا يهتمّ بتمييز الضّعيف من الصّحيح، فربّما يكتفي بأحكام أئمّة آخرين.
ينبني على هذا أنّك قبل أن تُنكر على أيّ إمام أو داعية أو على أيّ مسلم أنّه يستدلّ بالأحاديث الضعيفة؛ أن تتثبّت أوّلا من كون الأحاديث التي يستدلّ بها هي ضعيفة فعلا عند أئمّة علم الحديث، فما كان ضعيفا عند الألباني، قد يكون صحيحا عند غيره، والعكس بالعكس.
- احرص -مشكورا- على إحياء السنن ونشرها بين الناس، لكن حاول أن تفرّق بين السنن التي تكون راتبة والتي تكون حالية أو وقتية، وحاول أن تميّز بين السنن والرُّخص؛ فقَصر الصلاة والجَمع بين الصلاتين -مثلا- رخصة، من استغنى عنها لعدم الحاجة وأخذَ بالعزيمة فلا يُحكم عليه بمخالفة السنة، وهكذا المسح على الجوربين -على القول بمشروعيته- هو رخصة للضرورة والحاجة وليس سنة تحرص عليها في كل الأحوال!
احرص -كذلك- على معرفة السنن المختلف فيها، حتّى توازن بينها وبين واجب متابعة الإمام ومقصد تأليف القلوب والبعد عن الخلاف.
حاول أن تنتبه إلى السّنن التي تكون في القول أو الفعل أو الحال، ولا تكون في الوسيلة والأداة، مثلا: من حقك أن تحرص على استعمال عود الأراك في الاستياك، لكن ليس من حقك أن تصر على أن الاستياك بالأراك سنة وبالفرشاة مخالف للسنة، فالعبرة ليست بالأداة إنما بالفعل، وهناك فتوى للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في هذه المسألة يمكنك الرّجوع إليها.
- من حقك أن تلبس القميص والطاقية الضيقة، أو أي لباس آخر، لكن ليس من حقّك أن تشيع بين الناس أنّ هيأتك التي اخترتها هي الهيئة الوحيدة التي كان عليها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأنّ لباسك هو وحده الموافق للباس الحبيب -عليه الصّلاة والسّلام-؛ فالنبي -صلّى الله عليه وآله وسلّم- كان يلبس من لباس قومه ولا يتميّز عنهم. لا يردّ ما وجد ولا يتكلّف ما فقد. كان يحبّ القميص، لكنّه لبس الإزار والرّداء أيضا، ولبس الجبّة.. لبس من لباس أهل مكّة، كما لبس من لباس الفرس والرّوم.
؛—————————————– أخوك: سلطان بركاني