أول الغيث أيها الحضرمي
كنت قد اتفقت أنا والحضرمي على أن يذكر لي عشرة من العلماء هم على عقيدة الحضرمي وعقيدة شيخه ابن تيمية، فذكر لي هؤلاء العلماء وهذا نص الحضرمي: “أبوالحسن الاشعرى فى الابانة والذهبي فى العلو وابن قدامة فى ذم التأويل والآجري فى الشريعة وابن منده فى الايمان ولالكائي فى أصول أهل السنة وابن خزيمة فى التوحيد وابن كثير فى التفسير وابويعلى فى كتابه التوحيد والاصفهاني فى كتابه عقيدة أهل السنة وابن حماد الخزاعي”
فأقول: قبل أن أخوض معك أيها الحضرمي في عقائد هؤلاء العلماء وأثبت لك أنهم على خلاف عقيدة شيخك التي انفرد بها، أحب أن أزف لك هذه البشرى، وهي أول الغيث فأقول: إن هؤلاء العلماء الذين ذكرتَ أسماءهم، هم عند شيخك ابن تيمية لم يزيدوا في إيمانهم على إيمان أبي جهل؟
ستقول لي فورا: كيف، ولم ؟
رويدك ….. لا تتفاجأ
أنا سأقول لك لِم، لأن هؤلاء العلماء وغيرهم ممن سبق ابنَ تيمية لا يعرفون أن التوحيد مقسم إلى توحيد الربوبية و توحيد الأولوهية أو توحيد العبادة ولا قسموه هذا التقسيم، وابن تيمية يعتبر أن الإيمان والتوحيد لا يكتمل إلا بمعرفة المكلف أن التوحيد مقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الأولوهية هذا فضلا عن توحيد الأسماء والصفات، ولكن الأهم عند ابن تيمية هو توحيد الألوهية فهو الذي جاءت به الرسل ودعوا أقوامهم إليه[1]، فمن لم يعرف قسمي التوحيد: توحيد الربوبية و توحيد الأولوهية واقتصر على توحيد الربوبية فقط، لم يزد على إيمان المشركين الكفرة كأبي جهل لأن أبا جهل ـ عند ابن تيمية ـ كان يُسلّم بتوحيد الربوبية ولكنه ينازع في توحيد الألوهية وهكذا جميع المشركين من كل الأمم[2]، فمن سلّم بالنوع الأول من التوحيد ولم يعرف الثاني كان كأبي جهل عند ابن تيمية.
ومن هنا راح ابن تيمية ينكر على أصحابنا المتكلمين من الأشاعرة والماتريدية الذين سبقوه، وراح يعترض عليهم لأنهم اقتصروا على توحيد الربوبية وظنوا أن هذا هو التوحيد الذي جاءت به الرسل، فمثلا ابن تيمية يقول:”فكان الكفار يقرون بتوحيد الربوبية وهو نهاية ما يثبته هؤلاء المتكلمون إذا سَلِموا من البدع فيه، وكانوا مع هذا مشركين لأنهم كانوا يعبدون غير الله”([3]) وقال ابن تيمية عن المتكلمين أيضا: “وأخرجوا من الإسلام والتوحيد أمورا عظيمة لم يظنوها من التوحيد وهي أصله ..وهو توحيد العبادة وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله أن يقصد الله بالعبادة ويريده بذلك دون ما سواه وهذا هو الإسلام”([4]).
لقد تابع ابنَ تيمية على هذا الإنكار الوهابيةُ فضللوا الجماهير من العلماء بحجة أنهم لم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية، وجهلوا توحيد الألوهية([5]). بل هذا أحدهم يصف من لم يميز بين قسمي التوحيد فيقول”ومن بلغت به الجهالة والعماية إلى هذه الغاية فقد استحكم على قلبه الضلال والعناد ولم يعرف ما دعت إليه الرسل سائر الأمم والعباد([6])” ثم يمضي فيقول” والحكم باتحاد التوحيد نشأ من جهل هذا العراقي لكتاب الله وسنة رسوله؛ وتقليده الأعمى للذين زعموا أنفسهم علماء ومؤلفين من المقلدين أمثاله الذين كل مؤلفاتهم أو أكثر ما فيها ضلال وبعد عن الهدى”([7]).
ويعقد ابن قيصر الأفغاني فصلا فيقول” الفصل الأول في عرض عقيدة القبورية في قولهم باتحاد توحيد الربوبية والألوهية وجعلهم توحيد الربوبية هو الغاية” ثم يقول: “لقد أصيبت القبورية بطامة كبرى ، هي أم الطامات – فتولدت منها طامات أخرى ، هي أكبر من أمها ، في الضلال والفساد والإضلال والإفساد وهي : جهلهم بحقيقة توحيد العبادة ، وجعلهم إياه مترادفًا لتوحيد الربوبية ، وعينه ، وأنهما شيء واحد بلا تمييز ولا فرق كما أصيب بهذا الداء العضال خلطاؤهم المتكلمون من الماتريدية والأشعرية([8])”
فتأمل كم تهمة ساقها ابن تيمية وأتباعه لمن لم يُقسم التوحيد إلى ألوهية وربوبية أو لمن يخلط ولا يميّز بين القسمين : “… فكان الكفار يقرون بتوحيد الربوبية وهو نهاية ما يثبته هؤلاء المتكلمون… طامة كبرى… الضلال والفساد والإضلال والإفساد …جهل…. الداء العضال”
وهذه التهم وهذا الإنكار لا يلحق بالمتكلمين فحسب، بل يلحق أيضا بالحنابلة وأهل الحديث والسلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم بل يلحق الكتابَ والسنة ـ والعياذ بالله ـ لأن هذا التقسيم لم ينص عليه اللهُ ولا رسوله ولا السلف ولا الخلف ولا المتكلمون ولا أهل الحديث ولا الحنابلة حتى جاء ابن تيمية وابتدعه، وبالتالي فإن إنكار ابن تيمية وتضليله لمن لم يقسم التوحيد يلحق هؤلاء العلماء الذين ذكرتَهم كالأشعري والآجري والأصفهاني وابن قدامة وابن خزيمة والذهبي وغيرهم.
وبالتالي فإذا كنت أيها الحضرمي على عقيدة هؤلاء العلماء الذين ذكرتَهم فلم يزد إيمانك على إيمان المشركين كأبي جهل وأبي لهب بنص شيخك ابن تيمية !! وإلا فاذكر لي نصوصا صريحة لهؤلاء العلماء من كتبهم التي ذكرتَها لي ـ فيها تقسيم التوحيد إلى ألوهية وربوبية، وليس هذا فحسب، بل يجب أن يكون فيها أيضا النص على أن نداء الغائب والميت ونحو ذلك من مسائل القبور: شرك وعبادة لغير الله، وأنه ذلك يقدح في توحيد الألوهية المتضمة، وأن الشرك في مسائل القبور هي ما تدل عليه شهادة لا إله إلا الله، وأن من لم يعرف ذلك فهو أسوأ من أبي جهل كما قال ابن عبد الوهاب وحفيده[9]؟
وأنى لك أيها الحضرمي أن تأتيني بنصوص هؤلاء عن أمر مبتدع بعدهم، لا علم لهم به أصلا اللهم إلا من جاء بعد ابن تيمية؟!
بل أنا آتيك بنصوص عن ابن خزيمة وابن قدامة وابن كثير والذهبي بل عن الإمام أحمد بن حنبل نفسه ـ فيها تجويز لبعض مسائل القبور التي يعتبرها ابن تيمية وأتباعه شركا وقدحا في توحيد الألوهية أو هي على الأقل ذريعة إلى الشرك، وبالتالي صح قولنا أن هؤلاء العلماء عند شيخك ابن تيمية لم يزيدوا على إيمان أبي جهل، هذا إن لم يكونوا أسوأ من أبي جهل كما هو مذهب ابن عبد الوهاب وحفيده، فكيف تدعي أنهم على عقيدة شيخك، فهل كانت عقيدة شيخك وإيمانه كإيمان أبي جهل وعقيدته، إذن فهنيئا لك به!!
يكفيك هذا القدر الحضرمي، وسأبدأ بتفصيل عقيدة الأشعري فانتظرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: مجموع الفتاوى 10/264، التسعينية ص208، موقف ابن تيمية من الأشاعرة ص975
[2] درء تعارض العقل والنقل (9 / 413)، التدمرية ص177، موقف ابن تيمية من الأشاعرة ص975.
([3]) الفتاوى الكبرى – (6 / 565).
([4]) الفتاوى الكبرى – (6 / 566).
([5]) انظر كتاب: عداء الماتريدية للعقيدة السلفية لابن قيصر الأفغاني 3/219، الشرك في القديم والحديث ص39، حقيقة التوحيد بين أهل السنة والمتكلمين 124، موقف ابن تيمية من الأشاعرة، د.المحمود ص974، أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني (3 / 877).
([6]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية، لابن قيصر الأفغاني (1 / 204).
([7]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية – (1 / 206).
([8]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية – (1 / 177)
[9] جاء في كشف الشبهات لابن عبد الوهاب ص16، ط دار القمة: ” فلا خير في رَجُلٍ جهالُ الكفار أعلم منه بمعنى (لا إله إلا الله). وانظر نحو ذلك أيضا في: تيسير العزيز الحميد، طبعة، دار الصميعي، ص186.
https://www.facebook.com/groups/320088271427342/posts/321108524658650/