مقالات قيمة حول البدعة

[1] الكلام على أثر ابن مسعود في النهي عن الذكر

[1] الكلام على أثر ابن مسعود في النهي عن الذكر
وهذا الأثر كثيرا ما يردده الإخوة السلفية ويبدعون به الناس لاجتماعهم على الذكر الجماعي أو الجهر به أو المقترن بهيئة أو عدد ما ، محتجين بما ورد فيه أن ابن مسعود رضي الله عنه قد أنكر ذلك على بعض الناس في عصره.
والواقع أن الأثر لا حجة فيه، إذ فيه كلام في صحته وفي دلالته، ثم على التسليم بصحته وبدلالته فهو أثر موقوف لا يعارض المرفوع الذي أجاز ذلك، وإليك التفصيل.
روى الدارمي في مسنده (سننه) عن الحكم بن المبارك، أنبأنا عمرو بن يحيى، قال: سمعت أبي، يحدث، عن أبيه ……..أن ابن مسعود أنكر على قوم تحلقوا في مسجد جلوسا: “وفي أيديهم حصى ، فيقول كبروا مئة فيكبرون مئة , فيقول هللوا مئة فيهللون مئة ، ويقول سبحوا مئة فيسبحوا مئة” فقال لهم ابن مسعود: ما هذا الذي أراكم… عدّوا سيئاتكم .. ويحكم يا أمة محمد ، ما أسرع هلكتكم … أَوَمفتَتِحوا باب ضلالة ؟ ! . قالوا : ما أردنا إلا الخير . قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيَهم ، وايم الله لا أدري لعل أكثرهم منكم. ثم تولى عنهم، قال عمرو بن سلمة : رأينا عامّة أولئك الحِلَق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج ([1]).
ووجه الدلالة منه ما قالوه من أنه على الرغم من أن الذكر والاجتماع له أمر مندوب ولا يخفى على ابن مسعود إلا أنه”لما رأى هؤلاء أحدثوا هيئة للذكر وطريقة يتعبدون بها ولم يكن ذلك معهودا في عهده صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم([2])”
والجوب: لا نسلم أنه أنكر عليهم هيئة الذكر؟ ولا نسلم أصلا أن للذكر هيئةً متبعةً لا يجوز الخروج عنها، بل إن الذكر جاء الحث عليه مطلقا فيبقى على إطلاقه؛ ومن حصره بهيئة دون أخرى فهو المبتدع كما سبق بيانه؛ وإنما إنكار ابن مسعود ـ إن صحت هذه الحادثة[3] ـ فهو لما بلغه ابن مسعود من أن هؤلاء المجتمعون من الجفاة الذين يحرصون على كثير من النوافل ويضيعون بعض الأسس والمهمات، ويرون أنهم على فضل وخير لا يبلغه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا نراه يقول لبعضهم : أوَ إنكم لأهدى من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ؟ !! ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله لا أدري لعل أكثرهم منكم . ولقد صدقت فراسة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، فقد قال الراوي: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج .
فالحاصل أن إنكار ابن مسعود على هؤلاء إنما كان لما رآى عليهم من أمارات الغلو ولما تفرس فيهم من أنهم من الخوارج الذين حذّر منهم رسول الله، ولا يصح أن يكون إنكار ابن مسعود لفعلهم، لأن فعلهم هذا لم يتجازوا فيه المشروع فاجتماعهم على ذكر الله وتسبيحهم وتهليلهم مئة مرة وعدهم لذلك بالحصى، كله مشروع جاءت الأحاديث به([4])، فلئن صح أن ابن مسعود أنكر عليهم الذكر أو الاجتماع له أو الجهر به أو إحصاء التسبيح ونحوه، فإن الأحاديث الثابتة في جواز ذلك والندب إليه مقدمة على قول ابن مسعود، وهذا على أصل الألباني أظهر، لأنه طالما ردد لنا في كتبه مقولة الشافعي: “أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لم يَحِلَّ له أن يَدَعَهَا لقول أحد”[5]، فقد صحت الأحاديث في الاجتماع على الذكر وإحصائه والجهر به فلم تركها الألباني لقول ابن مسعود؟!!
وإليك طائفة كلام أهل العلم في هذا الأثر ؛ قال الإمام السيوطي رحمه الله تعالى في الحاوي……انظر اللاحق:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/406686239445404/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) رواه الدارمي في سننه 1/286؛ كتاب العلم ، باب في كراهية أخذ الرأي ، برقم 215 . ولهذا الأثر طرق أخرى ، انظر : مصنف عبد الرزاق : 3 / 221 ـ 222 . زوائد الزهد لعبد الله بن أحمد ابن حنبل : ص 428 ـ 429 . المعجم الكبير للطبراني : 9 / 125 ـ 127 . البدع والنهي عنها لابن وضاح : رقم 27. الحوادث والبدع للطرطوشي : ص 289 ـ 290.
([2]) حفيفة البدعة وأحكامها للغامدي 1/397.
([3]) فقد طعن في صحة الأثر عدد من العلماء منهم ابن حجر الهيتمي والمناوي والألوسي ولوّح إليه السيوطي؛ وذلك لأن في سنده عدة رجال متكلم فيهم: فالحكم بن المبارك، وهو وإن وثقه بعضهم إلا أن ابن عدي قال عنه: يسرق الحديث كما في التهذيب للحافظ ابن حجر، وقال عنه الحافظ في التقريب: صدوق ربما وهم. انظر: تقريب التهذيب لابن حجر ص264، تهذيب التهذيب – (2 / 376)، ط/دار الفكر؛ ولكن قيل: تابعه عليُّ بنُ الحسن بن سليمان ، وهو أبو الشعثاء الحضرميُّ ، وهو ثقة .خرَّجه أسلم بن سهل الواسطي المعروف ببحَشَل في (( تاريخ واسط )) [ص/198 – 199.
وأما عمرو بن يحيى هذا ، فهو ابن عمرو بن سلمة بن الحارث الهمْدانيُّ .ترجمه أبو عبد اللَّه البخاريُّ في “التاريخ الكبير” [6 /382] ، وابنُ أبي حاتم في “الجرح والتعديل ” [6 /296] ، ولم يحكِيا فيه جرحاً ولا تعديلاً ، واختلف فيه قول يحيى بن معين على ما يأتي :فقال مرة ثقة، ومرة ليس بمرضي، ومرة: ليس بشيء ولكن هذا القول الأخير لم يثبت عن ابن معين؛ انظر: ابنُ أبي حاتم في “الجرح والتعديل ” [6 /296] .، وأبو أحمد بنُ عديٍّ في “الكامل” [6 /215] .
وتكلم فيه غير ابن معين ، قال ابن خراش – وهو متعنت – : ليس بمرضي .
وقال ابن عدي [6 /215] : ليس له كثير رواية ، ولم يحضرني له شيء فأذكره .
وذكره ابنُ حبَّان في (( الثقات )) [8 /480 .
وأبوه يحيى بن عمرو . ترجمه البخاريُّ [8/292] ، ولم يحكِ فيه جرحاً ولا تعديلاً . لكن الراوي عنه شعبة والثوريُّ ، ثم عاصم الأحول وهذا مما يرفع الجهالة عنه .
وأبوه عمرو بن سلمة الهمدانيُّ ، وثقه ابنُ حبان ، وابن سعد ، وفيهما تساهل في التوثيق . مترجم في “تهذيب الكمال ” [22/49 – 50].
قال وليد: هذا تحرير القول في إسناده كما حرره بعض السلفية في ملتقى أهل الحديث، بتصرف.
انظر:

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=314346
([4]) أما الاجتماع على ذكر الله من تكبير وتهليل وتسبيح، فروى البخاري بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله عز وجل تنادوا هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا … فيقول الله تعالى : فأشـهدكم أني قد غفرت لهم )، وأما الجهر به فقد روى البخاري في صحيحه (805) عن ابن عباس: أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه و سلم. وأما عدد المئة فعن فأخرج مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مئة مرة كانت له عِدْلَ عشر رقاب، وكتبت له مئة حسنة ، … ومن قـال سـبحان الله وبحمده في يوم مئة مرة حُطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر). ومن الممكن أن يقاس العدد في التكبير على ما ثبت من العدد في التهليل والتسبيح . وأما العد بالحصى فقد روى الترمذي وحسنه (3568) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وفي يدها نوى أو حصى تسبح به ، فقال لها : ( ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا ؟ ) … الحديث، وأخرجه أبو داود برقم 1500، و والحاكم في المستدرك (1/547 – 548) وصححه ووافقه الذهبي، صحيح ابن حبان – (3 / 118(، وحسنه الحافظ ابن حجر كما في شرح الأذكار لابن علان 1/245، وفضلا عن ذلك فإن للحديث بعض الشواهد والمتابعات؛ ومع ذلك كله ضعفه الألباني: في سلسلته الضعيفة(1/114)، وقد رد عليه الشيخ محمود سعيد ممدوح في كتابه: وصول التهاني بإثبات سنية السبحة والرد على الألباني ص18.
([5]) أصل صفة صلاة النبي ، للألباني ص 28

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/406648806115814/

https://www.youtube.com/watch?v=id0kkZSiAnM
السابق
لطمتان للوهابية من البخاري؛ الأولى: حيث يقول “فخلق عيسى وآدم بقوله : كن”، وهذا إشارة منه لتأويل آية لما خلقت بيدي، والثاني: حيث يرد على استدلال ابن عثيمين على حدوث القرآن بآية “ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث”!!
التالي
جيوش السلف وأهل الحديث أحمد وابن راهويه والبخاري والبغوي والأشعري في الإبانة وابن خزيمة تغزو ابن عثيمين ـ رحم الله الجميع ـ وترد عليه في قوله بحدوث القرآن، وتجعل هذا قول الجهمية، بل إن وكيعا كفّر من يقول بأن القرآن محدَث!!