<< ابن تومرت حمل الناس حملاً على المذهب الأشعري في المغرب >>
هذه العبارة تردد كثيراً من قبل بعض المعاصرين الذين لا يعرفون في العلم سوى اسمه و لا يعرفون عن عقيدة الأشاعرة سوى ما قيل عنها من قبل بعض الخصوم في التاريخ ..
أقول :
- من يقول أن المذهب الأشعري انتشرت بالسيف لا فرق بينه و بين من يقول أن الإسلام انتشر بالسيف .. فنحن ندرك سخافة هذا الطرح فقط عندما نذكر أن العقيدة أمر عقلي ليس من شأنه أن يجبر الناس عليه .. فكيف لمذهب إسلامي كالمذهب الأشعري الذي يقوم على الجمع بين العقل و النقل أن يستمر قرونا طويلة كهذه لو فرضنا أنه دخل تلك البلاد عنوة !! أليس هذا ضرب من المبالغة !
- من قرأ كتب العلماء و التراجم علم تماماً أن المذهب الأشعري في المغرب قديم قدم المذهب نفسه .. فالإمام الباجي رحمه الله درس أصول الدين على الإمام السمناني شيخ الأشاعرة حتى برع في علم الكلام ..
و من كبار علماء المغرب الإمام أبو عمران الفاسي .. درس علم الكلام على الإمام الباقلاني الأشعري..
و الحافظ ابن عساكر عندما ترجم للباقلاني ذكر أنه خلف من بعده تلاميذ انتشروا في أصقاع الأرض حيث قال :
( نزل منهم إلى المغرب رجلان أحدهما أبو عبد الله الأندي رضي الله عنه و به انتفع أهل القيروان و ترك بها من تلاميذه جماعة مبرزين … و الثاني أبو طاهر البغدادي الناسك الواعظ .. كان الفقيه أبو عمران يقول لو كان علم الكلام طيلساناً ما تطيلس به إلا ابو طاهر … و لم يكن بالقيروان عالم مذكور و هو عالم بعلم الأصول إلا و قد أخذ ذلك عنه كمحمد بن سحنون و ابن الحداد ) و هؤلاء كانوا قبل أن يولد ابن تومرت !!
و ذكر التاريخ أن كتاب التمهيد للباقلاني كان يدرس في مدينة المهدية في القرن الخامس الهجري على يد ابن القديم شيخ القاضي ابن العربي رحمهما الله .
و قد ذكر في فهرست ابن عطية أن كتابا أبي المعالي الجويني الإرشاد و التلخيص كانت رائجة في الأندلس يدرسها الناس ..
و في فهرس القاضي عياض ذُكر الإمام المازري و قال فيه أنه إمام إفريقيا و ما وراءها من بلاد المغرب و قال عنه شيخه الزنقي شيخ المتكلمين على مذهب أهل الحق في وقته و قال شيخه أبي الحجاج الضرير عنه : كان من المشتغلين بعلم الكلام على مذهب الأشعرية و نظار أهل السنة …
و معلوم أن الإمام ابن العربي رحمه الله كان قد درس في بلاد الشرق و أخذ علم الكلام و الأصول من الائمة هناك ثم أدخل الكثير من الكتب إلى بلاد المغرب ..
- يظهر مدى سخف القول أن المذهب الأشعري انتشر بالسيف عن طريق ابن تومرت إذ علمنا أن المذهب الأشعري كان مذهب معتمد عند المرابطين أيضاً الذي قيل ان ابن تومرت حاربهم و اتهمهم بالتجسيم ، و ما يدل على ذلك موجود في فتاوى ابن رشد الجد عندما سئل عن طريقة الأشعري و علماء المذهب كالباقلاني و ابن فورك و الباجي و غيرهم و ما قوله في أناس اتهمومهم بالزندقة و الكفر .. فكان جواب ابن رشد واضحاً في أن هؤلاء الائمة ائمة رشد و هدى و أنهم أنصار الشريعة و المدافعين عنها و الذين أبطل شبهات الزائغين و المارقين و الملاحدة .. و حكم بوجوب تأديب من يرمهم بالفسوق ..
و معلوم أن ابن رشد الجد كان كبير قضاة الدولة المرابطية ..
فالمذهب الأشعري موجود هناك و قد دخل إلى تلك البلاد بالعلم و قد قبله العلماء لأنه مبني على الأصول الشرعية السليمة و التنزيه لله تبارك و تعالى و بعيد عن الجمود و التشديد أو التمييع ..
أظن أن ما سبق يكفي لإثبات أن القول الذي يقول أن ابن تومرت هو الذي فتح الباب لدخول الفكر الأشعري للمغرب قول باطل و سخيف .. فابن تومرت ولد عام 480 تقريباً كما تذكر بعض الكتب التاريخية بينما الائمة الذين ذكرنا اسماؤهم كانوا قد نشروا المذهب في بلاد المغرب قبل ذلك كالباجي الذي توفاه الله عام 474 ه أو أبو عمران الفاسي الذي توفاه الله عام 430 ه ..
والله أحكم و أعلم ..
عمران أبو شعر