المعاذير الحزمية لعلماء الأمة المحمدية ..
كان الإمام ابن حزم [ت:٤٥٦] رحمه الله من العلماء السابقين في إقامة المعاذير عن العلماء والفقهاء ، وفي إحياء سماحة الإجتهاد والمجتهدين وقد أقام فصلاً في كتابه [الإحكام في أصُول الأحكَام ١/٢٥٣] بعنوان : [فصل : فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة] و عدّد عشرة سماناً حزّمية من الأعذار بعد مقدمة نفيسة حوت من البراهين ماحوت ومن الرحمة العلمية ما أبهجت ، وهذه العشرة الوجوه الكاملة في صدِّ و رفع الملام والتأثيم أو في اعتقاد سوء الظن بأهل العلم والفقه و هي :
“أحدها : ألا يبلغ العالم الخبر فيبقى فيه بنص آخر بلغه ، كما قال عمر في خبر الإستئذان : خفي عليَّ هذا من رسول الله – صلى الله عليه وسلم-
ألَهاني الصفق بالأسواق . وقد أوردناه بإسناده من طريق البخاري في غير هذا المكان .
وثانيها : أن يقع في نفسه أن راوي الخبر لم يحفظ ، وأنه وَهَمَ كفعل عمر في خبر فاطمة بنت قيس ، وكفعل عائشة في خبر الميت يعذب ببكاء أهله ، وهذا ظن لا معنى له ، إن أُطلق بطلت الأخبار كلها ، وإن خُص به مكان دون مكان كانت تحكماً بالباطل .
وثالثها : أن يقع في نفسه أنه منسوخ كما ظن ابن عمر في آية نكاح الكتابيات .
ورابعها : أن يغلِّب نصاً على نص بأنه أحوط ، وهذا لا معنى له ، إذ لا يوجبه قرآن ولاسنَّة .
وخامسها : أن يغلِّب نصاً على نص لكثرة العاملين به أو لجلالتهم ، وهذا لا معنى له لِما قد أفدناه قبلاً في ترجيح الأخبار ..
وسادسها : أن يغلِّب نصاً لم يصح على نصٍّ صحيح ، وهو لا يعلم بفساد الذي غلّب .
وسابعها : أن يخصص عموماً بظّنه .
وثامنها : أن يأخذ بعموم لم يجب الأخذ به ، ويترك الذي يثبت تخصيصه .
وتاسعها: أن يتأول في الخبر غير ظاهره بغير برهان لعله ظنها بغير برهان .
وعاشرها : أن يترك نصّاً صحيحاً لقول صاحب بلغه ، فيظن أنه لم يترك ذلك النص إلا لعلم كان عنده .
فهذه ظنون توجب الاختلاف الذي سبق في علم الله عزوجل ، أنه سيكون ونسأل الله تعالى التثبيت على الحق بمنِّه آمين .”
[ وانظر : نوادر الإمام ابن حزم . التي أخرجها أبوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري ص١٠٠]
ولعل بهذا النص يكون ابن حزم هو أول من سجل فقه الأعذار الإجتهادية وهو بهذه العشرة وبذلك الفصل يعتبر سابقاً لما سطره شيخ الإسلام في كتابه الشيق النفيس [رفع الملام عن الأئمة الأعلام ] إلا ابن تيمية توسع وأسهب و ذكر من أعذار الأئمة نحو عشرين عذراً ، و ربما تكون مشققةً من بدع ابن حزم ، أو من وحي قلمه ، ولا أجزم والله أعلم .
[وانظر : رسالة رفع الملام و مجموع الفتاوى ٢٠/٢١٤].
و كنت أحب لهذه الأعذار التي فتقها ابن حزم أول مرة أن تفرد برسالة خاصة ، وأن تشرح وتنثر ، ويعتذر لابن حزم عن تلك التهم التي نالت منه في وصف شدته على العلماء والأفاضل أو على الأقل أن تخفف من حدتها واستحضارها عند أي ذكرٍ له .
فذَّة :
” ووجه اجتهاده ، واجتهاد غيره منهم ، رجوع إلى نص عام ، أو إلى أصل إباحة متقدمة ، أو إلى نوع من هذا يرجع إلى أصل ، ولا يجوز أن يظن أحدٌ أن اجتهاد أحد منهم ، هو أن يشرع شريعة باجتهاده ، أو أن يخترع حكماً لا أصل له حاشا له من ذلك “
[نوادر الإمام ابن حزم : التي أخرجها أبوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري ص١٠٣] انتقاء طلال الجابري – عفا الله عنه –