أثر الكرسي موضع القدمين

كيف هدم الوهابية مذهبهم في مسألة الكرسي (أثر الكرسي موضع القدمين)[1]

والحاصل أن أثر أبي موسى الأشعري “الكرسي موضع القدمين” لا يصح لأنه إما منقطع أو فيه راو ضعيف، وإن صح فهو إما من الإسرائيليات فلا حجة فيه، أو هو موقوف على أنه تفسير لغوي لكرسي ملوك الدنيا، وإن كان له حكم الرفع فلا حجة لكم فيه أيضا لأنه ليس فيه أن القدمين مضافة إليه تعالى، حتى إن ثبت أنها مضافة إليه تعالى فهو من المتشابه وفيه مسلكَا التأويل أو التفويض عندنا، وأما على مذهبكم فكان المفروض أن لا تفسروه كما فعل السلف وأوصوا بذلك ولكنكم خالفتموهم مرتين مرة بتفسيره، مرة بتحريف نهيهم عن التفسير إلى أنه نهي عن التأويل، فأنتم مخالفون للسلف ـ الذين تتمسحون بهم وتنتسبون إليهم ـ مخالفة مضاعفة!!!
(2) #كيف هدم الوهابية مذهبهم في مسألة الكرسي[1]

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/2820155114765159/
ثالثا: نأتي إلى أثر أبي موسى الأشعري، ولفظه: “الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرحل” ، قال الألباني عنه في مختصر العلو (ص: 123): وإسناده موقوف صحيح.. ورجاله كلهم ثقات معروفون، وأعله الكوثري المعروف بانحرافه عن أهل السنة في تعليقه على “الأسماء والصفات” “ص404” بأن في إسناده عمارة بن عمير، قال: “ذكره البخاري في “الضعفاء””. قلت ـ أي الألباني ـ: كذا قال، وهو خطأ محض، ولست أدري إذا وقع ذلك منه سهوا، أم عمدا، فالرجل قد بلونا منه المغالطة التي تشبه الكذب، بل الكذب نفسه..أقول هذا لأن عمارة بن عمير تابعي ثقة اتفاقا، وقد أخرج له الشيخان في “صحيحيهما”، وقال الحافظ: “ثقة ثبت” ومثله لا يمكن أن يخفى على مثل الكوثري، وليس هو في “ضعفاء البخاري” كما زعم، وإنما فيه عمارة بن جوين وهذا متروك! فغفرانك اللهم.اهـ
قال وليد: كذا قال الألباني وقلّده في كل ما قاله ونقل كلامَه كل من محمد خليفة التميمي في حاشيته على العرش وما روي فيه لابن أبي شيبة- (ص: 437)، ورضاء الله بن محمد إدريس المباركفوري في حاشيته على العظمة لأبي الشيخ (2/ 628)، حتى الحاشدي محقق الأسماء والصفات للبيهقي الذي خالف الألباني وحكم على أثر أبي موسى بالضعف للانقطاع : نقل كلامَ الألباني دون تعقيب!!!
وأقول في الرد على ذلك كله: قال الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 177): عمارة بن عمير. عن أم الطفيل بحديث الرؤية. لا يعرف. ذكره البخاري في الضعفاء[2]. وكذا في لسان الميزان ت أبي غدة (6/ 58). وكان الذهبي قد ذكر قبل ذلك في ميزان الاعتدال (3/ 173): 6018 – عمارة بن جوين [ت، ق] ، أبو هارون العبدي.اهـ
إذن فعمارة بن عمير ذكره البخاري في ضعفائه، وهو غير عمارة بن جوين الذي زعم الألباني أنه هو الذي ذكره البخاري في ضعفائه لا عمارة بن عمير، وراح يشنع على الكوثري ويتهمه بالمغالطة والكذب، فها هو ثبت صدق العلامة الكوثري ـ رحمه الله ـ وارتد تشنيع الألباني عليه … وكفى الله المؤمنين القتال.
نعم ها هنا أمور أحدثت لبسا:
الأول: عمارة بن عمير هذا الذي ذكره الذهبي في الميزان وذكر أنه يروي عن أم الطفيل، هو نفسه وقع في التاريخ الكبير للبخاري (6/ 500) أنه “عمارة بن عامر” وكذا وقع في الثقات لابن حبان (5/ 245)، وكذا أيضا في المغني في الضعفاء للذهبي (2/ 461)، ولذا تجد في النسخة المطبوعة من الميزان للذهبي تجد على الحاشية في يمين الكتاب بخط اليد ما يفيد أن عميرا هذا صوابه “عامر”.
الثاني: أن عمارة بن عمير هذا المذكور في ضعفاء البخاري كما في الميزان هو غير الآخر الذي ذكره الألباني وذكر أن الحافظ قال عنه في التقريب “ثقة ثبت” وقد روى له أصحاب الكتب الستة، وهو بنفس الاسم وهو “عمارة بن عمير التيمي الكوفي .. رأى عبد الله بن عمر بن الخطاب. وروى عن: إبراهيم بن أبي موسى الأشعري وروى عن: إبراهيم بن أبي موسى الأشعري… “[3] كما قال المزي ونقل أنه قد وثقه أحمد وأبو حاتم والنسائي.
الثالث: أنه لا ذكر لعمارة بن عمير ولا لعمارة بن عامر في الضعفاء الصغير للبخاري المطبوع وإنما نعم الموجود عمارة بن جوين كما قال الألباني[4]، ولكن الذهبي ـ وكذا الكوثري ـ لم يذكر أن البخاري ذكره في الضعفاء الصغير، وإنما ذكر فقط أنه ذكره في “الضعفاء” فقط، ومن المعلوم أن للبخاري كتابين في الضعفاء، الضعفاء الكبير مخطوط غير مطبوع كما قيل، والضعفاء الصغير وهو مطبوع، و”الضعفاء الكبير يختلف عن الضعفاء الصغير باحتوائه على روايات عديدة بالأسانيد، وعبارات في بعض التراجم لا توجد في غيره من كتب البخاري كما يظهر ذلك من خلال نقول الذهبي عنه في كتاب الميزان، وهي كثيرة. وربما نقل عنه في أحيان عديدة دون تقييد.[5]”
ومن هنا أُتي الألباني، أي أنه فتح الضعفاء الصغير البخاري المطبوع فلم يجد فيه عمارة بن عمير، ثم فتح تقريبَ التهذيب لابن حجر فوجد فيه أن عمارة بن عمير ثقة من رجال الستة، فراح يشنع على الكوثري، دون أن ينظر الألباني في كتب الرجال الأخرى سواء المصادر القديمة منها كتاريخ البخاري وثقات ابن حبان، ولا الوسيطة المتأخرة ممن نقل عن البخاري كالذهبي في ميزانه ومغنيه وابن حجر في لسانه، وربما لا يعلم أصلا أن للبخاري كتابين في الضعفاء!!!
وهذه عادة الألباني وهي أنه يأخذ العلم من بعض الكتب المتوفرة بين يديه حيث ينظر في كتاب أو كتابين، وغالبا ما تكون كتب مطبوعة وربما حدث فيها سقط وتحريف أو ربما يخطأ هو في قراءتها أو لا يفهم ما يقرأ كما هنا حيث فهم من أن البخاري ذكره في الضعفاء أن المراد هو الضعفاء الصغير المطبوع!!! وليس ثمة من يصحح للألباني ما يقرأ أو ما يفهم ولا هو أصلا قرأ على العلماء كما هو معلوم، فيأخذ الألباني بهذا الذي وجده بين يديه أو الذي فهمه ويعتمد عليه اعتمادا مطلقا، وربما أصلا يكون كتابا مختصرا كما هنا حيث جزم بأن عمارة بن عمير هو شخص واحد ثقة لأن الحافظ لم يذكر غيره في التقريب!! مع أن التقريب إنما هو لرجال الكتب الستة وليس لكل الرجال كما هو معلوم!! وككتاب الضعفاء الصغير للبخاري الذي هو كتاب مختصر كما يوحي اسم كتابه وكما في كتاب “منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها من خلال الجامع الصحيح” ص65.
وليت الألباني يكتفى بهذا، بل تراه يبدأ بالتشنيع على الأئمة المتقدمين منهم والمتأخرين لمجرد أنهم خالفوا ما بين يديه من الكتب أو ما فهمه منها، ثم ينتقل الألباني سريعا إلى حديث آخر ويعمل فيه نحو ما عمل في الأول وهكذا دون تريث منه أو تحقق أو توسع إلا ربما ما ندر، ولذلك تجد كتبه كثيرة ولكن التحقيق فيه قليل، هذا طبعا إذا نحينا قضية الهوى في تصحيحه وتضعيفه جانبا.
وكم وكم وقع الألباني في أخطاء من جراء هذا المنهج المتسرع المخلوط بالهوى، ولذلك وقع في تناقضات وتراجعات وما إلى ذلك، ومن يقرأ كتب الشيخ محمد سعيد ممدوح في رده على الألباني وذلك ككتاب “التعريف بأوهام من قسم السنن إلى صحيح وضعيف” وكتاب “تنبيه المسلم إلى تعدي الألباني على صحيح مسلم”، وكتاب “رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة” وغيرها يجد أمثلة كثيرة على ذلك، ولو أن الألباني كان يتبع المنهج التريث والتحقيق والتدقيق النزيه، لنزل إنتاجه العلمي إلى العُشر مثلا!! فأثر أبي موسى هذا بقيت فيه أياما وأنا أنظر فيه وفي رجال إسناده حتى تكشف لي فيه هذا الذي بين يديك، وأما الألباني فحكم بصحته ربما اعتمادا فقط على كتابي التقريب للحافظ والضعفاء الصغير للبخاري .. وانتهى الأمر عنده!!! ورحم الله الحافظ ابن حجر الذي كان أحيانا يبقى شهرا وهو يخرج حديثا واحدا!!!
يتحصل مما سبق أن عمارة بن عمير اثنان، أحدهما ثقة روى له الستة، والثاني ضعيف ولكن هل أبوه عمير كما وقع في الميزان ولسانه، أم هو عامر كما في ثقات ابن حبان وتاريخ البخاري ومغني الذهبي؟!! وأيضا عمارة بن عمير الضعيف ذكر الذهبي في ميزانه ـ وتبعه ابن حجر ـ أن البخاري ذكره في الضعفاء، ولكن لا ذكر له ولا لعمارة بن عامر في الضعفاء الصغير البخاري، وإنما وقع فيه عمارة بن جوين كما قال الألباني، ولكن للبخاري كتاب الضعفاء الكبير وليس بمطبوع كما قلنا، وفي المغني للذهبي وقع فيه عمارة بن عامر وعمارة بن جوين، ولم يقع عمارة بن عامر.
وبما أن عمارة بن عمير اثنان أحدهما ضعيف، والآخر ثقة، والرواية التي معنا يحتمل أن عمارة بن عمير الذي فيها أحد هذين، لأن عمارة بن عمير الثقة لم يذكر المزي مثلا في تهذيبه أنه روى عن أبي موسى وإنما ذكر أنه روى عن ابنه بإقرار الألباني، ولم يذكر أيضا أن من جملة الرواة عنه سلمة بن كهيل وهو الذي روى عن عمارة بن عمير أثر “الكرسي موضع القدمين”، وبالتالي فيحتمل جدا أنه الأول الضعيف كما قال الكوثري، وليس الثاني الثقة كما زعم الألباني.
ومهما يكن من أمر، فإنه إن كان عمارة بن عمير هو الأول الضعيف فالأمر ظاهر، وإن كان الثاني فالأثر فيه انقطاع لذلك قال الألباني نفسه في السلسة الضعيفة (2/ 405): قلت : وإسناده صحيح إن كان عمارة بن عمير سمع من أبي موسى، فإنه يروي عنه بواسطة ابنه إبراهيم بن أبي موسى الأشعري ، ولكنه موقوف، و لا يصح في الأطيط حديث مرفوع.اهـ
فتراه هنا علّق صحته على ثبوت سماع عمارة من أبي موسى، بل ضعفه الحاشدي لجزمه بأنه لم يسمع عمارة من أبي موسى، أي أن الأثر منقطع لأن المزي ذكر أن عمارة بن عمير رأى عبد الله بن عمر، وهذا يعني أنه لم يسمع منه وهذا يعني أنه لم يسمع من أبي موسى من باب أولى أن أبا موسى أقدم وفاة من ابن عمر، كما ذكر الحاشدي ذلك في تحقيقه على الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 296)، وبذلك ـ أي بالانقطاع ـ جزم أيضا القحطاني محقق كتاب السنة لعبد الله كما في الصور أدناه.
ثم حتى لو ثبت الأثر عن أبي موسى فهو ليس مما يقال من طريق الرأي، فيقال فيه ما قيل في أثر مجاهد من أنه إما له حكم الرفع، وإما أن يكون من الإسرائيليات كما قلنا في أثر مجاهد، والظاهر الثاني وهو أنه من الإسرائيليات، ويؤيده ما يلي:
أولا: ما جاء في السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 303): حدثني أبي، نا رجل، ثنا إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك: في قوله عز وجل {وسع كرسيه السموات والأرض} قال: ” إن الصخرة التي تحت الأرض السابعة ومنتهى الخلق على أرجائها أربعة من الملائكة لكل ملك منهم أربعة وجوه: وجه إنسان، ووجه أسد، ووجه نسر، ووجه ثور،فهم قيام عليها قد أحاطوا بالأرض والسماوات ورءوسهم تحت الكرسي والكرسي تحت العرش، قال: وهو واضع رجليه تبارك وتعالى على الكرسي”[6].اهـ وقد ذكره عبد الله في السنة عقيب ذكره لأثر أبي موسى كما تجده في الصور أدناه، وكأنه يشير إلى أن هذا من الإسرائيليات، نعم في إسناده مجهول وهو الراوي عن إسرائيل، ولكن صرح باسمه البيهقي في الأسماء والصفات 2/ 295 وإسناد حسن كما قال الحاشدي وذكر أن أثر أبي مالك لا حجة فيه لاحتمال أنه أخذه عن أهل الكتاب.
ثانيا: أن الألباني نفسه لم يجعل له حكم الرفع لأنه قال فيه: وإسناده موقوف صحيح… ولا يصح في الأطيط حديث مرفوع.اهـ فهو يرى أنه ليس له حكم الرفع وإلا لما قال الألباني هذا الكلام من أنه موقوف وأنه لا يصح في الأطيط حديث مرفوع، مع أن الأطيط مذكور في حديث أبي موسى وليس هو مما يقال من طريق الرأي، فإذا لم يكن له حكم الرفع فيكون من الإسرائيليات.
ثالثا: ما قاله عبد الله محمود شحاته محقق تفسير مقاتل بن سليمان (5/ 107): وقد فسر ابو موسى، والسدى، والضحاك، وسفيان، وعمار الكرسي بانه (موضع القدمين، وهو الذي يوضع تحت العرش الذي يجعل الملوك عليه اقدامهم)…إلى قوله: وأخيرا، نرى ان مقاتلا فسر الكرسي تفسيرا ماديا واعتمد فى وصفه على الاسرائيليات، ولذلك نرفض ما رواه مقاتل فى وصف الكرسي…وربما تاثر مقاتل فى تفسيره المادي للكرسي بالمسيحيةالتي كانت موجودة فى مدينة بلخ. وقد جاء فى إنجيل متى الاصحاح الخامس الآية 24- 25 (واما انا فأقول لكم لا تحلفوا البتة لا بالسماء لأنها كرسي الله، ولا بالأرض لأنها موطئ قدمه) .اهـ
قال وليد: فإن كان من الإسرائيليات فلا حجة فيه، وإن كان حديثا مرفوعا أو له حكم الرفع، فلا حجة فيه على زعمكم أن الكرسي موضع قدميه وذلك لما يلي:
أولا: لأن الحديث قال “موضع القدمين” دون إضافة القدمين إليه تعالى، وإنما هذه الإضافة من كيسكم، وعليه فلعل المراد ما قاله الرازي في مفاتيح الغيب (7/ 13): أن المراد أن الكرسي موضع قدمي الروح الأعظم أو ملك آخر عظيم القدر عند الله تعالى.اهـ وقال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير (2/ 612): وقيل: الكرسي موضع قدمي الروح الأعظم، أو: ملك آخر عظيم القدر.اهـ وما جاء في بعض روايات أثر ابن عباس من إضافة القدمين إليه تعالى فلا يثبت كما سيأتي بيانه.
ثانيا: أن هذا مجرد تفسير لغوي لكرسي ملوك الدنيا كما قال بعض العلماء، منهم قول ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 7): وكان ابن عباس يفسر معنى الكرسي وأنه موضع قدمي الجالس ليخرجه عن قول من يقول إن الكرسي بمعنى العلم، قال الضحاك الكرسي الذي يوضع تحت العرش يضع عليه الملوك أقدامهم.اهـ وقال البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 297) بعد أثر أبي موسى:: قد روينا في هذا أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكرنا أن معناه فيما نرى أنه موضوع من العرش موضع القدمين من السرير، وليس فيه إثبات المكان لله سبحانه.اهـ وقال ابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز (1/ 342): وعبارة أبي موسى مخلصة لأنه يريد هو من عرش الرحمن كموضع القدمين في أسرة الملوك، وهو مخلوق عظيم بين يدي العرش نسبته إليه نسبة الكرسي إلى سرير الملك، والكرسي هو موضع القدمين.اهـ ونحوه قول السيوطي في الدر المنثور ، ط/هجر (3/ 190): (ويوضحه ما أخرجه ابن جرير عن الضحاك في الآية قال كرسيه الذي يوضع تحت العرش الذي تجعل الملوك عليه أقدامهم).
ثالثا: أنه على التسليم بأن المراد بالقدمين هنا قدميه تعالى فالجواب على مذهبنا هو أن الحديث من المتشابهه فسبيله إما التأويل أو التفويض وهذا أشار إليه شحاته محقق تفسير مقاتل فقال في تحقيقه: ونقول: اما ان يكون من المتشابه الذي نؤمن به مع التفويض والتنزيه، او نحمله على معنى من المعاني اللغوية التي أوردناها[7].اهـ
وعلى مذهبكم فأنتم تزعمون أنكم ملتزمون بتفسير السلف له، ولكن السلف رووه دون تفسير بل نهوا عن تفسيره، جاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية- (5 / 51): روى البيهقي[8] وغيره بإسناد صحيح عن أبي عبيد القاسم بن سلامقال : هذه الأحاديث التي يقول فيها { ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره } { وإن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك فيها قدمه } { والكرسي موضع القدمين } وهذه الأحاديث في ” الرؤية ” هي عندنا حق حملها الثقات بعضهم عن بعض ؛ غير أنا إذا سئلنا عن تفسيرها لا نفسرها وما أدركنا أحدا يفسرها .اهـ
فتأمل قول أبي عبيد: ” غير أنا إذا سئلنا عن تفسيرها لا نفسرها وما أدركنا أحدا يفسرها”، ولكن هذا طبعا لم يُعجب ابن تيمية، ولذلك أوّل كلامَه فقال بعد أن ذكره: “وقد أخبر أنه ما أدرك أحدا من العلماء يفسرها : أي تفسير الجهمية”.اهـ وقد رددتُ على تأويل ابن تيمية لكلام أبي عبيد الصريح وأطلت في ذلك[9]، وأبسط ردٍّ أن يُعارَض تأويل ابن تيمية هذا وهو قوله “أي تفسير الجهمية” بأن يقال بل مراده “أي تفسير المجسمة” أي أن أبا عبيد أراد أن لا تفسر هذه الأحاديث المتشابهة بتفسير المجسمة والمشبهة، وما هو جوابك عن هذا التأويل هو جوابنا.
طبعا ابن تيمية أوّل نهيَ السلف عن تفسير أخبار الصفات كهذا الخبر “الكرسي موضع القدمين” لكي يتمكن من تفسيره وحمله على الظاهر ليُكمل مذهبَه في التجسيم !!! وكان المفروض أن لا يفسر هذا الخبر وأمثاله لو أنه فعلا متبع للسلف، ولكنه خالف ـ هو وأتباعه الوهابية ـ السلفَ مرتين: مرة في تفسير أثر “الكرسي موضع القدمين” حيث فهم منه ابن تيمية وأتباعه أن لله قدمين يضعهما على الكرسي، مع أن السلف أنفسهم الذين رووه لم يفسروه بل نهوا عن تفسيره، ومرة أخرى حينما أوّل نهيَهم عن التفسير هنا بأنه نهي عن التأويل وعن تفسير الجهمية، فوقع ابن تيمية بذلك في عين التأويل، لأنه فسّر التفسيرَ بالتأويل!! وصنيعه هذا هو عين التأويل الذي كان قد جعله تحريفا ورجسا من عمل الشيطان !!!
والحاصل أن أثر أبي موسى الأشعري “الكرسي موضع القدمين” لا يصح لأنه إما منقطع أو فيه راو ضعيف، وإن صح فهو إما من الإسرائيليات فلا حجة فيه، أو هو موقوف على أنه تفسير لغوي لكرسي ملوك الدنيا، وإن كان له حكم الرفع فلا حجة لكم فيه أيضا لأنه ليس فيه أن القدمين مضافة إليه تعالى، حتى إن ثبت أنها مضافة إليه تعالى فهو من المتشابه وفيه مسلكَا التأويل أو التفويض عندنا، وأما على مذهبكم فكان المفروض أن لا تفسروه كما فعل السلف وأوصوا بذلك ولكنكم خالفتموهم مرتين مرة بتفسيره، مرة بتحريف نهيهم عن التفسير إلى أنه نهي عن التأويل، فأنتم مخالفون للسلف ـ الذين تتمسحون بهم وتنتسبون إليهم ـ مخالفة مضاعفة!!! والله الموفق.

ننتقل إلى أثر ابن عباس … وسيأتي لاحقا بإذن الله

==============

[1] انظر السابق:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/2810424205738250/
[2] ميزان الاعتدال (3/ 177)
[3] تهذيب الكمال في أسماء الرجال (21/ 256)
[4] انظر الضعفاء الصغير للبخاري ت أبي العينين (ص: 110)، وانظر الضعفاء الصغير للبخاري ت زايد (ص: 90).
[5]

https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=271903
وانظر: “منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها من خلال الجامع الصحيح” لأبي بكر كافي ص65
[6] وذكره الحافظ في فتح الباري (13/ 411) فقال: كما ورد في بعض الآثار مما أخرجه الطبري والبيهقي من طريق السدي عن أبي مالك في قوله تعالى وسع كرسيه السماوات والأرض قال ان الصخرة التي الأرض السابعة عليها وهي منتهى الخلق على أرجائها أربعة من الملائكة….اهـ
[7] انظر حاشية تفسير مقاتل بن سليمان (5/ 107)
[8] الأسماء والصفات للبيهقي، بتحقيق الحاشدي وصحح إسناده، (2/ 198)، وعزاه الحاشدي لابن مندة في التوحيد، والذهبي في العلو، والدارقطني في الصفات، واللالكائي في شرح السنة،والآجري في الشريعة.
[9] انظر :

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/418657854914909/

السابق
أول الغيث أيها الحضرمي/ مناظري مع وهابي طلبت منه أن يذكر لي عشرة من العلماء هم على عقيدة الحضرمي وعقيدة شيخه ابن تيمية .. فكانت المفاجأة
التالي
إنا إذا قلنا: القمر ليس بأعور, لم يلزم منه أن يكون له عينان