التناقضات الجلية في حكم المولد عند الوهابية والسلفية!!!
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/3458030900977574/
أقول: إن كان تحريمك لعمل المولد هو تقليد منك لمن حرمه فالجواب أننا نحن نقلد من أجازه ممن سيأتي ذكرهم، هذا إن سلمنا أصلا بوجود من حرم المولد – حتى ولو خلا من المنكرات والمفاسد – من العلماء قبل خروج الوهابية. وإن كان تحريمك لعمل المولد اجتهادا منك وكنت ترى في نفسك أهلية الاجتهاد فاجعل نفسك ندا لمجتهدين كثر أجازوه، واجعل المسألة على قولين، ودعك من إشعال الفتن والإحن بين المسلمين بسبب مسألة هي أصلا ظنية خلافية.
وأما إن كنت تعتقد أن قولك في تحريم عمل المولد هو قول لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأنه هو الحق الحق المقطوع به، وأن ما سواه باطل كائنا قائله من كان، فأحد أمرين: الأول: إما أنك تدعي في نفسك مرتبة أعلى من الاجتهاد وهي العصمة عن الخطأ وأنك غير داخل في قاعدة ” كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم”، وهذا يلزم منه أنك تعتقد العصمة في غير الأنبياء كما هو مذهب الشيعة، ولكن أنت من أشد المنكرين لمسألة العصمة هذه عند الشيعة الإمامية[1]، أو أنك تعتقد في نفسك ما أكثر من ذلك وهو أنك تدعي أنك نبي أو حتى إله، وهذا كفر بواح وأشد من مذهب الشيعة الروافض الذي تنكره!!
الثاني: أنك تجعل مسألة المولد مسألة إجماعية قطعية لا تحتمل أي خلاف ولا نقاش!!! وهذا خلط وخبط لأن هذه المسألة لا هي إجماعية بل الخلاف فيها قائم وهذا ابن تيمية عمدة هؤلاء المنكرين يقول بالحرف: فتعظيم المولد، واتخاذه موسمًا، قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه، أجر عظيم لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم[2].اهـ فأين الإجماع المزعوم؟!!! كيف والوهابية أنفسهم نقلوا أقوال من أجازوا المولد كالسيوطي والسخاوي وأبي شامة وغيرهم[3]، كما نقلوا أقوال من حظروه من العلماء السابقين وإن كان في نقلهم لأقوال من حظروه نظر سيأتي إن شاء الله.
فإذن المسألة لا هي إجماعية ولا هي أيضا مسألة قطعية لا تقبل نقاش، لأن ما هذا شأنه ينبغي أن تكون فيه نصوص من صريح القرآن أو على الأقل من صحيح وصريح السنة، أي باختصار يجب أن تكون الأدلة فيه قطعية الثبوت قطعية الدلالة، ومسألة المولد ليست كذلك قطعا لأن أدلة الطرفين المجيزين والمانعين أدلة محض ظنية، بل نرى أن أدلة المجيزين أرجح وأوجه هذا فضلا عن أن الخلاف هنا بين الطرفين إن أمعن النظر ستجده خلافا لفظيا لا معنويا، وهو أن من منعه إنما منعه لما يخالطه من منكرات، ومن أجازه أجازه أصلا بدون هذه المنكرات، كما سيأتي تحقيقه.
وعلى كلٍ نحن نقول: تبقى مسألة المولد ظنية خلافية لا تحتاج إلى كل هذا التشدد والتشنج والتبديع والتضليل وتفريق الأمة من أجل هكذا مسألة ظنية خلافية المفروض فيها أن لا ينكر فريق على فريق لأن القاعدة ” لا ينكر المختلف فيه وإنما ينكر المجمع عليه”[4]، وهذا ابن تيمية يقول : ولهذا قال العلماء المصنّفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر من أصحاب الشَّافعي وغيره: إنَّ مِثل هذه المسائل الاجتهادية لا تُنكَر باليد، وليس لأحدٍ أن يُلزِم الناسَ باتِّباعه فيها، ولكن يُتكلَّمُ فيها بالحُجج العلميَّة؛ فمَن تبيَّن له صحَّةُ أحد القولين تبعه، ومن قلَّد أهلَ القول الآخر فلا إنكار عليه[5]“.
حتى لو سلمنا لك على أكبر تنزّل أن مسألة المولد هي مسألة قطعية وأن القول فيها هو قطعا قول المنع، فهي قطعية عندك، لأنه كما قال ابن تيمية ” المسائل قطعية أو ظنية هو من الأمور الإضافية، وقد تكون المسألة عند رجل قطعية؛ لظهور الدليل القاطع له، كمن سمع النص من الرسول صلى الله عليه وسلم وتيقن مراده منه. وعند رجل لا تكون ظنية، فضلاً عن أن تكون قطعية؛ لعدم بلوغ النص إياه، أو لعدم ثبوته عنده، أو لعدم تمكنه من العلم بدلالته”[6].
فمن أي الأقسام أنت يا من تحرم المولد؟ هل أنت مقلد أم مجتهد أم أنك معصوم كما يقول الشيعة عن أئمة أهل البيت أم أنك نبي أم إله؟!! أم تدعي أن هذه مسألة قطعية لا تحتمل أدنى شبهة أو نقاش؟!! إن كنت تدعي لنفسك العصمة أو أنك نبي أو إله فهذا أجبنا عنه، وهذا لا يحتاج إلى جواب أصلا، وأما إن كنت مقلدا لمجتهدين حظروا المولد، أو أنت نفسك مجتهد في ذلك فنحن مقلدون لأئمة أجازوا المولد وهم الجمهور وسنفصل أقوالهم بل نذكر أسماء كتبهم الكثيرة الخاصة بالمولد في “سلسلة معالم أهل السنة” إن شاء الله[7]، وهؤلاء أولى بالاتباع لأنهم الأكثر ولأن قولهم بالإباحة هو مع البراءة الأصيلة، وهذا حكم ما لم ينص عليه وهو من قسم المعفو الذي سكت عنه الشارع، بل لا يكاد يعرف أحد من العلماء السابقين حرّم المولد حتى ولو خلا من المنكرات كما سيأتي بيانه.
وأما إن كنت تدعي أن هذه مسألة قطعية لا تحتمل أدنى شبهة ولا نقاش، فقد قلنا أن ما هذا شأنه ينبغي أن تكون الأدلة فيه قطعية الثبوت قطعية الدلالة، فهات لنا دليلا واحدا قطعي الدلالة قطعي الثبوت على حرمة المولد، أما أنا فلا يلزمني أن آتي بدليل قطعي ولا حتى ظني لأني مع البراءة الأصلية كما سبق، ومن يدعي رفع هذه البراءة الأصلية إلى وجوب أو تحريم أو حتى كراهة أو ندب فعليه بالدليل كما هو معلوم في أصول الفقه، ومع ذلك سآتيك لاحقا بأدلة جواز المولد إن شاء الله.
ولدى البحث في أدلتك وجدنا أقوى دليل عندك على تحريم المولد وأعظم حجة لك في ذلك هو قولك: ” أن الممارس لهذا الأمر- اعني بدعة المولد- كأنه يتهم للرسول صلى الله عليه وسلم بالخيانة وعدم الأمانة …” و” أن فاعل المولد معاند للشرع ومشاق له [8]….” و” أن فيه قدحا في من سبقنا من الصحابة ومن أتى بعدهم بأننا أكثر محبة للنبي صلى الله عليه وسلم منهم ، وأنهم لم يوفوه حقه من المحبة ….”[9].
هكذا قلتَ !!! وحاصله أن فاعل المولد مستدرك على الشارع ، متهِم للنبي صلى الله عليه وسلم بخيانة الأمانة والرسالة – حاشاه -، وأنه لو كان المولدا خيرا لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وإلا لكان كاتما للوحي[10]!!!
فتعال لنرى من هو حقيق بهذه الإلزامات وواقع فيها وأشد منها!!!نحن غاية ما يلزم من قولنا بجواز المولد هو أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تركوا ـ إن سلمنا أنهم تركوه وسيأتي تفصيله ـ أمرا جائزا، ونحن نلتزم بهذا، لأن غاية ما فيه أنهم تركوا أمرا جائزا وهذا لا يلحقهم فيه أدنى مذمة، إذ هم تركوا أمرا جائزا، والجائز هو ما يباح للمكلف فعله وعدم فعله! هذا فضلا عن أن الجواز هو لا يحتاج إلى استدلال أصلا، ناهيك عن أنه مختلف في كونه حكما شرعيا كما سيأتي[11]، فذهب تشنيعاتكم السابقة أدراج الرياح.
وأما أنتم فقلتم بمسائل وبدع ليست لا في الكتاب ولا في السنة ولا قالها الصحابة بإقراركم، ومع ذلك قلتم بوجوبها بل جعلتموها أم الواجبات، وأن من لم يقل بها فقد أتى بأم الطامات، وأنه هو مبتدع أو جهمي أو حتى كافر يُذبح!! وهذا الذي يلزم منه كل ما رميتم به خصومكم، من أن النبي صلى الله عليه وسلم كتم الوحي وخان الرسالة وأن الصحابة مبتدعة أو جهمية أو حتى كفرة، والعياذ بالله، وأما نحن فغاية ما يلزم من قولنا بجواز المولد هو أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لم يفعلوا شيئا جائزا!! وهذا لا مذمة فيه كما قلنا لأن الجائز أصلا ما يجوز فعله وتركه، وأما ترك النبي وأصحابة لهذه البدع التي أتيتكم بها إن كانت فعلا هي واجبة كما تزعمون، فهذا يلزم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تركوا واجبا، بل أمَّ الواجبات ووقوعوا في أم الطامات، والواجب يُذم تاركه، فما بالك إن كان أم الوجبات، وهو بيان التوحيد الذي أرسل من أجله كما سنرى!! فهل تلتزمون بذلك كما نحن التزمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تركوا شيئا جائزا وهو المولد؟!!! وإليكم بعض الأمثلة على تلك البدع التي أتيتم بها وأوجبتموها وبدعتم من لم يقل بها بل كفرتموه أحيانا:
المسألة الأولى: تقسيم ابن تيمية للتوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، فهذا التقسيم جعلتموه فرضا واجبا بل أم الواجبات ، وأنكرتم أشد الإنكار على من لم يقسمه، ولم تتركوا شتيمة إلا قذفتم بها من جعل التوحيد قسما واحدا وأنكر تقسيم ابن تيمية للتوحيد فقد جعلتموه قد بلغ الغاية القصوى من الضلال و”الجهالة والعماية” وذلك لأنه حَكم “باتحاد التوحيد”، و”لم يفرّق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية؛ فلذا خبط خبط عشواء“[12]، “فصار توحيد الألوهية عندهم هو توحيد الربوبية وهذا من أبطل الباطل“[13]، “بل الصواب والحق في هذا التقسيم والتفريق، والزيغ والضلال في الإعراض عنه“[14] بل جعلتم من أنكر هذا التقسيم للتوحيد قد أصيب ” بطامة كبرى، هي أم الطامات” وهي “جهل القبورية بحقيقة توحيد الألوهية وجعلهم إياه عينًا لتوحيد الربوبية“، وأن هذا: “هو السبب الوحيد لوقوعهم في أنواع من الشرك الأكبر من عبادةالقبور وأهلها”[15].اهـ
فتأمل كيف جعلوا من لم يقسم التوحيد – إلى ما قسمه إليه ابن تيمية – قد أتى بأم الطامات ووقع في العماية والضلال والفساد والإضلال والإفسادوالزيغ !!! فهل هذا التقسيم للتوحيد جاء صراحة في الكتاب والسنة وقاله الصحابة والتابعون، أم هو مجرد اجتهاد من ابن تيمية كما أقرر بعضكم بذلك!!
فقد أقرّ بعض الوهابية بأن هذا التقسيم ليس موجودا في القرآن بألفاظه ومصطلحاته المستحدثة إذ “لم يرد به فيما نعلم آية محكمة أو سنَّة متبعة”[16]، فإن أردتم “أن الرسول ما نصّ لفظا أن التوحيد ينقسم إلى الربوبية والألوهية، فهذا حق، ولكن لا يلزم منه ألا يكون قد بيّن معنى التوحيد”[17]، وأن “هذا التقسيم وإن لم يرد في الكتاب والسنة بألفاظه إلا أن معناه صحيح وحق لا شك فيه”[18]لأنه “قد ذَكر الله تعالى في آيات كثيرة من كتابه مفهومَ هذا التقسيم”[19].
أرأيتم كيف أقروا بأن هذا التقسيم ليس موجودا بألفاظه في الكتاب والسنة، وأن ابن تيمية استنبطه استنباطا!! ومع ذلك لم يتركوا شتيمة من الشتائم السابقة إلا وقذفوا بها من لم يقل بتقسم ابن تيمية للتوحيد!! وأما نحن فلم نشتم أحدا لمجرد أنه لم يفعل المولد على صورته الشائعة، وإنما قلنا من أول الأمر هو جائز من شاء فعله ومن شاء تركه.
وإن كان من الوهابية من أقر بأن التقسيم ابن تيمية للتوحيد هو تقسيم اجتهادي من ابن تيمية، فإن بعضهم غلا في ذلك فجعل “هذا التقسيم حقيقة شرعية”[20]، وليس تقسيما اصطلاحيا، ألا ترون إلى د. صلاح الصاوي حين قال: “إنَّ هذا التقسيم ابتداءً على هذا النحو لم يرد به فيما نعلم آية محكمة أو سنَّة متبعة،والعبرة كما يقولون بالمقاصد والمعاني، وليس بالألفاظ والمباني ” كيف ردّ عليه أحد الوهابية وهو الشيخ عبد الرزاق البدر بالقول: ((فجعل أصلحه الله هذا التقسيم تقسيماً اصطلاحياً، وليس حقيقة شرعية مأخوذة بالتتبع والاستقراء لنصوص الكتاب والسنة، بل تمادى في الباطل عند ما قال: “وليست هناك حدود فاصلة بين ما يدخل في توحيد الربوبية، وبين ما يدخل في توحيد الألوهية”))[21].اهـ
أرأيتم كيف أنكر البدر – الذي جعل تقسيم التوحيد أمرا من صلب الشرع – على من جعله أمرا اجتهاديا !! وأين هذا من قولنا بجواز المولد فنحن قلنا من أول الأمر أن المولد هذا مسألة اجتهادية سواء قلت فيها بالجواز أو المنع ، المسألة ظنية محضة، حتى قولنا بالجواز لم نجعله هو عين الكتاب والسنة وإنما قلنا بأنه اجتهاد واستنباط من بعض آيات الكتاب والسنة قام به بعض العلماء فإن أصابوا فلهم أجران وإن أخطؤوا فلهم أجر، فهل أنتم تقولون في تقسيم التوحيد أنه اجتهاد من ابن تيمية إن أصاب فله أجر وإن أخطأ فله أجران؟!! أم جعلتموه “حقيقة شرعية ” وأنكرتم على من جعله تقسيما اصطلاحيا أو اجتهاديا لابن تيمية!!!
وإذا لزم من قولنا بجواز المولد أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تركوا جائزا، فإنه يلزم من قولكم بوجوب تقسيم التوحيد أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تركوا واجبا لا جائزا ولا مستحبا، بل ترك بيان أوجب الواجبات وأس الدين وهو التوحيد!! فكيف يترك النبي صلى الله عليه وسلم بيان أقسام التوحيد – الذي جاء من أجله – بعبارات صريحة وصحيحة ويترك بيانَ ذلك لشخص يأتي بعده بسبعة قرون؟!!! ويلزم من قولكم أن من لم يقسم التوحيد هو ضال مضل فاسد مفسد زائغ يلزم منه أن النبي وأصحابه ضالون فاسدون زائغون .. – حاشاهم من ذلك – لأنهم لم يقسموا التوحيد إلى هذا التقسيم بإقراركم كما سبق.
فثبت أنكم واقعون في مسألة تقسيم التوحيد في أشد مما وقعنا فيه في مسألة المولد، طبعا ما هو جوابكم عن تقسيم ابن تيمية للتوحيد هو جوابنا عن المولد، وهذا سأبسطه في منشور خاص إن شاء الله.
المسألة الثانية: من ينكر أثر ضعيف لمجاهد – في إقعاد الله لنبيه على العرش معه – فهو مبتدع جهمي مرتد كافر!!! وهذا بسطناه في سلسلة “الجهمية المطاطة”[22]، وسردنا ما ذكره الخلّال في ذلك مثل أن من ينكر هذا الأثر “فهو عندنا جهمي “[23]، وأنه “يهجر ونحذر عنه”[24]، “ولا يرده إلا كل جهمي مبتدع خبيث“[25] “وإن كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ردَّ، فبالله كفر“[26].
ويقول ابن تيمية: إذا تبيّن هذا، فقد حدَّث العُلماء المرضيّون، وأولياؤه المقبولون: أنّ محمدًا رسول الله يُجلسه ربه على العرش معه روى ذلك محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد فى تفسير: ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا)[27]. وقال أيضا: وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه، ويتلقونه بالقبول[28].
وقد قلنا إن أثر مجاهد هذا أثر ضعفه الذهبي والألباني وذكر فيه عدة علل، فما كان من الوهابية إلا ردوا على الذهبي والألباني كليهما بما بسطناه في منشور سابق من سلسلة الجهمية المطاطة، واتهموا كليهما بأنهم جهمية أو على الأقل ينتصرون للجهمية ويردون قول السلف وأهل السنة[29]!!!!
المسألة الثالثة: أن من يتلو آيات المعية دون أن يجاوزها بأن لا يزيد عليها، ولا يؤولها فهو جهمي!!! قال: أبو طالب أحمد بن حميد سألت أحمد بن حنبل عن رجل قال الله معنا وتلا: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم. فقال: قد تجهم هذا، يأخذون بآخر الآية، ويدعون أولها، قرأت عليه: ألم تر أن الله يعلم، فعلمه معهم. وقال في سورة ق “ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد” فعلمه معهم. قال المروذي: قلت لأبي عبد الله إن رجلا قال أقول كما قال الله: “ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم” أقول هذا ولا أجاوزه إلى غيره. فقال: هذا كلام الجهمية، بل علمه معهم، فأول الآية. تدل على أنه علمه[30].
فبالله قولوا: من هو المستدرك على الشرع؟!! هل هو من يقول بجواز المولد الذي لا يحتاج إلى دليل لأن الإباحة هي الأصل، ومختلف في كونها حكما شرعيا كما سبق، أم هو يقول: إن من يقرأ آيات المعية يجب أن يضيف كلمة “بعلمه” أي يجب أن يؤول الآية ويحملها على المجاز ليكون المعنى أنه تعالى معنا بعلمه، والطريف أن القوم ينكرون التأويلَ ويجعلونه طاغوتا[31]، وينكرون على من يجوزه!! جميل … نحن قلنا بجوازه بشروطه… وأنتم هنا تقولون بوجوبه وتنكرون على من لم يؤول، ونحن لم نبلغ هذا المبلغ فنقول بوجوب التأويل التفصيلي هذا، فمن هو الأولى بالإنكار؟!!
المسألة الرابعة: قلتم بوجوب القول بأن القرآن غير مخلوق بحيث أن “من لم يقل القرآن كلام الله وليس بمخلوق فهو عندي شر من هؤلاء يعني الجهمية“[32]، بل “القرآن كلام الله عز وجل وليس بمخلوق ومن شك في أنه غير مخلوق فهو جهمي بل شر من الجهمي”[33].
والجهمة كفار عندكم[34]، أي أنكم كفّرتم من لم يقل بأنه غير مخلوق، أو توقف أو شك في ذلك، وهو يكون على الأقل “جاهلا جهلا”[35]، أي من لم يقل بأن القرآن غير مخلوق فهو إما جاهل أو جهمي كافر !!! أما نحن فلم نقل مثل ذلك عمن لم يفعل المولد، فلم نقل هو كافر ولا هو جاهل ولا فاسق، بل لا يناله إثم قط، وإنما قلنا بإباحته، فاستنكرتم علينا ذلك بحجة أننا نستدرك على الشارع!!
مع أن الإباحة مختلف فيها هل هي حكم شرعي أم لا[36]، وعلى التسليم بأنها حكم شرعي فهي تستند إلى أن الأصل هو البراءة، وأن ما سكت عنه فهو عفو، فليت شعري من هو المستدرك على الشرع؟! من قال بإباحة المولد لعدم وجود ما يحظره ، أم من يقول بأنه يجب القول بأن القرآن غير مخلوق؟!! وأن من لم يقل بذلك فهو جاهل أو جهمي كافر!! فهذا هو الذي يلزم منه أن الصحابة ليس فقط تركوا مباحا أو حتى مندوبا بل تركوا واجبا قطعيا يكفر تاركه، أي يلزم من هذا أنهم كفرة أو على الأقل جهلة – حاشاهم رضي الله عنهم – لأنهم لم يقولوا بأن القرآن غير مخلوق بإقرار الألباني كما سيأتي، وأما قولنا بإباحة المولد فلا يلزم منه سوى أن الصحابة لم يفعلوا شيئا جائزا، وهذا لا مذمة فيه كما سبق!!
المسألة الخامسة: أنه تعالى بائن من خلقه، فقلتم بأن “الله تعالى على العرش بائن من الخلق… ولا يشك في هذه المقالة إلا جهمي رديء ضليل“[37]. وليس هذا فحسب بل “من لم يقل إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ثم ألقي على مزبلة لئلا يتأذى بنتن ريحه أهل القبلة ولا أهل الذمة”[38].اهـ أي أنكم كفرتم وذبحتم من لم يقل بأن الله بائن من خلقه، مع أن هذا لم يرد في كتاب ولا سنة ولا في كلام الصحابة كما سيأتي من كلام الألباني نفسه!!!
المسألة السادسة: قلتم أن الله بذاته على العرش وأنه قد “أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله استوى على عرشه بذاته“[39]وهلّلتم لقول ابن أبي زيد “وأنه فوق عرشه المجيد بذاته وهو في كل مكان بعلمه”. وكان المفروض بناء على القاعدة التي ذكرها ابن تيمية نفسه في الحموية (ص: 265): “القول الشامل في جميع هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو بما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما وصفه به السابقون الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث”.اهـ كان المفروض بناء على ذلك أن تنكروا على ابن أبي زيد زيادة “بذاته” – إن صحت عنه – ولكن على العكس أنتم هللتم له لأنه ناسب هواكم فقلتم عن ابن أبي زيد ((ذكر مثل هذا في نوادره وغيرها من كتبه وذكر… واستواء الرب تعالى على عرشه بذاته أتم تقرير فقال: (فصل) فيما اجتمعت عليه الأمور من أمور الديانة ” و ” من السنن التي خلافها بدعة وضلالة))[40].
بل أنكرتم على من لم يقل “بذاته” كالذهبي، فإنه حين أنكر الذهبي زيادة كلمة “بذاته” أنكرتم عليه هذا الإنكار!!! وبيانه أن الذهبي نقل عن السجزي قوله “متفقون على أن الله سبحانه بذاته فوق العرش وعلمه بكل مكان”… فقال الذهبي ردا عليه: هو الذي نقله عنهم مشهور محفوظ سوى كلمة بذاته فإنها من كيسه[41]..اهـ
ونحو ذلك قول الذهبي ردا على ابن عمار “ قولك بذاته هذا من كيسك ولها محمل حسن ولا حاجة إليها“[42]فتعقب الذهبيَّ بعضُ الوهابية قائلا: “والذي عليه المحققون خلاف ما اختاره الذهبي، كما بيّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية”[43] … ما شاء الله!!! صار التحقيق عند القوم هو الابتداع!!!!ومن هم هؤلاء القوم؟ هم أنفسهم الذين يقولون ” اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كفيتم”[44]فقط حتى تعلموا أن القوم متناقضون مخادعون.
وأيضا الألباني تعقب الذهبيَّ فرأى أنه لا بأس بزيادة كلمة بذاته مع اعترافه بأن هذه الزيادة مبتدعة،فقال الألباني: بل إنه بالغ – أي الذهبي – في إنكار لفظة “بذاته“ … ومن هذا العرض يتبين أن هاتين اللفظتين: “بذاته” و”بائن” لم تكونا معروفين في عهد الصحابة رضي الله عنهم، ولكن لما ابتدع الجهم وأتباعه القول بأن الله في كل مكان, اقتضى ضرورة البيان أن يتلفظ هؤلاء الأئمة الأعلام, بلفظ “بائن” دون أن ينكره أحد منهم. ومثل وهذا تماما قولهم في القرآن الكريم أنه غير مخلوق, فإن هذه الكلمة لا تعرفها الصحابة أيضا, وإنما كانوا يقولون فيه: كلام الله تبارك وتعالى لا يزيدون على ذلك, وكان ينبغي الوقوف فيه عند هذا الحد, لولا قول جهم وأشياعه من المعتزلة: إنه مخلوق [45].اهـ
أرأيتم كيف يرى الألباني أن زيادة كلمة بذاته وكلمة بائن وأن القرآن غير مخلوق: لا بأس بها بل ربما يرى وجوب كل ذلك مع اعترافه بأن هذا كله لم يرد عن الصحابة فضلا عن أنه ليس في الكتاب ولا في السنة، وأما ذريعة الرد على الجهم التي ذكرها فمما تضحك منها الثكلى إذ كيف ترد على الجهم مخالفته للكتاب والسنة بما يخالف الكتاب والسنة أو على الأقل بما ليس فيهما باعترافك، إذن أي فرق بينك وبين الجهم ما دام أن كليكما تقولان بما ليس في الكتاب والسنة؟!! وسيأتي بسط ذلك لاحقا إن شاء الله.
المسألة السابعة: إثبات الجلوس لله وتكفير من لم يقل بذلك مع أنه لم يرد في الكتاب ولا السنة الصحيحة… انتظره
انظر اللاحق:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/3460407537406577/
—————
[1] وفي ذلك يقول ابن تيمية في رده على الشيعة: أن الإمام الذي شهد له بالنجاة: إما أن يكون هو المطاع في كل شيء، وإن نازعه غيره من المؤمنين، أو هو المطاع فيما يأمر به من طاعة الله ورسوله، وفيما يقوله باجتهاده إذا لم يعلم أن غيره أولى منه، ونحو ذلك. فإن كان الإمام هو الأول، فلا إمام لأهل السنة بهذا الاعتبار إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، [فإنه ليس عندهم من يجب أن يطاع في كل شيء إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -] وهم يقولون كما قال مجاهد والحاكم ومالك وغيرهم: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .اهـ وانظر المزيد: https://www.facebook.com/…/permalink/2974942619286407
[2] اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/ 126)
[3] 1 انظر: https://alsoufia.net/mawled/akwal/index_akwal_akwal.htm
[4] الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 158)
[5] مجموع الفتاوى (30/ 80)
[6] مجموع الفتاوى 23/ 347
[7] انظر الآن بعض نصوصهم في مشروعية المولد:
[8] الاعتصام للشاطبي (1/ 62)
والثالث : أن المبتدع معاند للشرع ومشاق له لأن الشارع قد عين لمطالب العبد طرقا
[9] انظر ذلك على: http://www.saaid.net/mktarat/Maoled/1.htm
[10] وفي ذلك يقول ابن باز :وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه وتعالى لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به.. حتى أتى هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في دين الله) انظر: التحذير من البدع 4- 5.
انظر: https://alsoufia.net/mawled/akwal/index_akwal_akwal.htm
[11] انظر: الغيث الهامع شرح جمع الجوامع (ص: 76)، وانظر:
https://www.alukah.net/sharia/0/60877/
[12] جهود علماء الحنفية (1/ 204).
[13] ملا علي القاري وآراؤه الاعتقادية في الإلهيات 11/ 92.
[14] دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص: 328)
[15] جهود علماء الحنفية (1/177، 178). والكلام بتمامه: الفصل الأول في عرض عقيدة القبورية في قولهم باتحاد توحيد الربوبية والألوهية وجعلهم توحيد الربوبية هو الغاية. لقد أصيبت القبورية بطامة كبرى، هي أم الطامات – فتولدت منها طامات أخرى، هي أكبر من أمها، في الضلال والفساد والإضلال والإفساد. وهي وهي: جهلهم بحقيقة توحيد العبادة، وجعلهم إياه مترادفا لتوحيد الربوبية، وعينه، وأنهما شيء واحد بلا تمييز ولا فرق كما أصيب بهذا الداء العضال خلطاؤهم المتكلمون من الماتريدية والأشعرية ، وهذه الطامة الكبرى التي هي أم الطامات المتولدة منها -: أعني جهل القبورية بحقيقة توحيد الألوهية وجعلهم إياه عينا لتوحيد الربوبية – هو السبب الوحيد لوقوعهم في أنواع من الشرك الأكبر من عبادة القبور وأهلها.اهـ
[16] الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر، للدكتور صلاح الصاوي (ص:154)
[17] منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى ص184.
[18] حقيقة التوحيد بين أهل السنة والمتكلمين ص89
[19] منهج السلف والمتكلمين في موافقة العقل للنقل ص609
[20] شرح كتاب التوحيد للحازمي (3/3، ت.ش)
[21] القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد (ص: 28)
[22] انظر:
https://www.facebook.com/…/permalink/3371720682941930
[23] السنة لأبي بكر بن الخلال (1/ 233)
[24] السنة لأبي بكر بن الخلال (1/ 232)
[25] السنة لأبي بكر بن الخلال (1/ 233)
[26]السنة لأبي بكر بن الخلال (1/ 234)
[27] مجموع الفتاوى 4/374
[28] «درء تعارض العقل والنقل» (5/ 237)
[29] انظر مقال: ” إثبات أثر مجاهد رحمه الله في أن المقام المحمود هو إقعاد النبي على العرش والرد على من رده أو أنكره” وفيه أن الألباني بتضعيفه لأثر مجاهد قام بـ “تقوية ونصرة ما يدعيه أهل البدع والأهواء من إتهامهم لأهل السنة والجماعة أنهم يحتجون في أبواب العقيدة بالآثار والأحاديث الضعيفة بل والمنكرة.
5 – الانتصار لقول الجهمية على قول أهل السنة والجماعة؛ و ذلك لأن السلف اختلفوا مع الجهمية في قبول أثر مجاهد وما دل عليه من الإجلاس فذهب السلف الصالح إلى قبول هذه الآثار وتلقيها بالقبول، والطعن على من أنكرها أو ردها، وتبعهم على ذلك أهل السنة على مر القرون فيما ذهبت الجهمية إلى رد هذه الآثار وما دلت عليه فرجح الشيخ الألباني بعد النظر في الأسانيد أن الصواب مع الجهمية في هذه المسألة العقدية وأن كل ماحتج به أهل السنة من الآثار لا تقوم به الحجة، بل لو صحت لما جاز الاستدلال بها أصلاً.اهـ انظر: https://abou3oubaydallah.wordpress.com/2011/07/10/إثبات-أثر-مجاهد-رحمه-الله-في-أن-المقام-ا/
[30] العلو للعلي الغفار – (ص: 176)، «العرش للذهبي» (2/ 313): ورواه ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) ، (3/159-160، برقم116)، وأورده بنحوه القاضي في إبطال التأويلات (2/289، برقم286) . وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص200-201)، وانظر: «إثبات علو الله ومباينته لخلقه والرد على من زعم أن معية الله للخلق ذاتية» (ص73)، «توضيح المقاصد شرح الكافية الشافية نونية ابن القيم» (1/ 449)، «الآثار المروية في صفة المعية» (ص23).
[31] انظر: الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة 632/2
https://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=15306
[32] السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 160)
[33] السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 163)، وانظر «موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية» (3/ 433)
[34] انظر: https://dorar.net/firq/1990/الفصل-السادس-:-الحكم-على-الجهمية
[35] «معارج القبول بشرح سلم الوصول» (1/ 280)
[36] قال العراقي في الغيث الهامع شرح جمع الجوامع (ص: 76): ص: وأن الإباحة حكم شرعي. ش: أي ورد بها الشرع، وهذا مبني على تفسيرها بالتخيير بين الفعل والترك، والمخالف فيه بعض المعتزلة، وهو مبني على تفسيرها بنفي الحرج، وهذا ثابت من قبل الشرع، فهذا الخلاف أيضا لفظي.اهـ وانظر:
https://www.alukah.net/sharia/0/60877/
[37] «اجتماع الجيوش الإسلامية ط عالم الفوائد» (١/ ٤١٥)، وقال المحقق: أخرجه أبو إسماعيل الأنصاري الهروي، كما في مجموع الفتاوى (٥/ ٤٩)، والعلو للذهبي (٢/ ١١٦٤) رقم (٤٦٩).
[38] «بيان تلبيس الجهمية» (٣/ ٤٠٩)
[39] اجتماع الجيوش الإسلامية (2/ 142)
[40] اجتماع الجيوش الإسلامية (2/ 150)
[41] العلو للعلي الغفار (ص: 248)، مختصر العلو للعلي العظيم (ص: 267)
[42] العلو للعلي الغفار (ص: 245)، مختصر العلو للعلي العظيم (ص: 18)
[43] وهو عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف في تحقيقه الاعتقاد القادري (ص: 257)
[44] انظر: موسوعة أهل السنة لعبد الرحمن دمشقية (ص: 317)
[45] مختصر العلو للعلي العظيم (ص: 17)