الحلقة الثالثة والستون
(سلسلة تأويلات السلف )
💎 سلسلة تأويلات السلف لنصوص الصفات ١ :
♦️ إن الخلف من علماء الأمة حين سلكوا مذهب التأويل لم يبتدعوا قولاً ومنهجاً من عند أنفسهم، لكنهم سلكوا بهذا مسلك جماعات كثيرة من السلف الصالح قالوا بالتأويل وأخذوا به – كما مرّ معنا – وهذا يدلّ قطعاً على سنّية هذا المنهج وأصالته وشرعيته، ولقد نقل العلماء تأويلات ثلة من أكابر السلف الصالح، من ذلك على سبيل المثال:
💬 تأويل ابن عباس رضي الله عنهما للكرسي بالعلم:
جاء في تفسير الطبري (3 / 7) عند تفسيره لآية الكرسي ما نصّه (اختلف أهل التأويل في معنى الكرسي الذي أخبر الله تعالى ذكره في هذه الآية أنه وسع السموات والأرض، فقال بعضهم: هو علم الله تعالى ذكره….
وأما الذي يدُلُّ على ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير أنه قال: هو علمه..) اهـ.
💬 تأويله رضي الله عنه لمجيء الرب جلّ وعزّ :
جاء في تفسير النسفي رحمه الله تعالى (4 / 378) عند قوله تعالى ( وجاء ربك والمَلَك صفّاً صفَّا ) ما نصّه (هذا تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين آثار قهره وسلطانه، فإن واحداً من الملوك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة ما لا يظهر بحضور عساكره وخواصّه، وعن ابن عباس: أمره وقضاؤه) اهـ.
💬 تأويله رضي الله عنه للفظ (الأعين):
قال تعالى ( واصنع الفلك بأعيننا ) قال رضي الله عنه: بمرأى منا (تفسير البغوي 2 / 322).
وقال تعالى ( واصبر لحكم ربك فإنّك بأعيننا ) قال رضي الله عنه: نرى ما يعمل بك (تفسير الخازن 4 / 190).
💬 تأويله رضي الله عنه للفظ (الأيد):
قال تعالى ( والسماء بنيناها بأييد )قال رضي الله عنه: بقوّة وقدرة (القرطبي17 / 52).
💬 تأويله رضي الله عنه لقوله تعالى ( الله نور السموات والأرض )
جاء في تفسير الطبري (18/135) ما نصّه ( عن ابن عباس قوله ( الله نور السموات والأرض ) يقول:
الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض ).
💬 تأويله رضي الله عنه لنصوص (الوجه):
قال تعالى ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) قال رضي الله عنه: الوجه عبارة عنه. وقال القرطبي في تفسيره: أي ويبقى الله فالوجه عبارة عن وجوده وذاته سبحانه.. وهذا الذي ارتضاه المحققون من علمائنا ابن فورك وأبو المعالي وغيرهم..
وقال أبو المعالي: وأما الوجه المراد به عند معظم أئمتنا وجود الباري تعالى (القرطبي 17 / 165).
💬 تأويله رضي الله عنه للفظ (الساق):
قال تعالى ( يوم يُكشف عن ساق )
قال رضي الله عنه : عن كرب شديد (الطبري 29 / 38، القرطبي 18 / 249).
تأويله رضي الله عنه للفظ (الجنب):
قال تعالى: ( أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرّطت في جنب الله ) قال رضي الله عنه: تركت من طاعة الله وأمر الله وثوابه (روح المعاني الآية 56 من الزمر).
💬 قال الإمام الألوسي رحمه الله تعالى: (وبالجملة لا يمكن إبقاء الكلام على حقيقته لتنزهه عزّ وجلّ من الجنب بالمعنى الحقيقي، ولم أقف على عدِّ أحد من السلف إياه من الصفات السمعية) اهـ. (المصدر السابق).
💡هذا هو سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما وناهيك بابن عباس فقهاً وعلماً بالقرآن والتنزيل، وهو الذي دعا له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَم بقوله: (اللهمّ فقّهه في الدين وعلمه التأويل) وهو حبر الأمة وترجمان القرآن.
هذا والذي ذهب إليه الأشاعرة والماتريدية في هذه النصوص هو عين ما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما، فإن جاز اتهام الأشاعرة والماتريدية بالتعطيل والإبتداع، جاز ذلك على سيدنا ابن عباس – معاذ الله – وحاشاه أن يقول في الله تعالى ما ليس له به علم.
ألا فليتق الله! امرؤ جاءته موعظة من ربه، وليَنْتَهِ عن التطاول على أئمة الدين وعلماء الشرع الذي هو في حقيقة الأمر تطاول على صحابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَم والتابعين لهم بإحسان !.