•||مزج الشروح بـ:(كافة العلوم) -لمن كان في الابتداء- طريقة منحرفة المزاج عقيمة من الانتاج.
قال العلامة شيخ الأزهر محمد الخضر حسين التونسي تـ1377هـ في [الرحلة الجزائرية الأولى/1904م] (37-38) في مدح طريقة الشيخ عبد القادر المجاوي التلمساني تـ1332هـ، ما نصه:
[نستحسن من دروس هذا الشيخ اقتصاره في كل فنٍ على تقرير مسائله التي يشملها موضوعه، وعدم خلط بعضها ببعض.
وقد كنت -عفاكم الله- ممن ابتلي درسه باستجلاب المسائل المختلفة الفنون، وأتوكأ في ذلك على أدنى مناسبة حتى أفضى الأمر إلى أن أتجاوز في الدرس شطر بيت من ألفية ابن مالك مثلاً، ثم أدركت أنها طريقة منحرفة المزاج، عقيمة من الانتاج، ونرجو أن تكون توبتنا من سلوكها توبة نصوحا].
•قلتُ:
أورده العلامة المفسر ابن عاشور تـ1393هـ في سفره النفيس [أليس الصبح بقريب؟!] (17) وقال:
[فقد تفضي الغفلة بالمعلم إلى الارتماء في مسالك قليلة الجدوى توقع تلامذته في خطل أو فشل، وهذا يعرض كثيرا لمن اتسعت معلوماتهم من المتصدرين للتدريس في مبدأ تصدرهم، فيدفعهم حب إظهار ما لهم من المزية، ثم لا يلبث أن يستيقظ من بهجته تلك، ويصير إلى وضع المقادير في نصابها.
وقد نبه على هذا صديقنا الشيخ محمد الخضر بن الحسين .. وأنا -أيضاً- عرض لي مثل ذلك في تدريس “المقدمة الآجرومية”، فكنت آتي في درسي بتحقيقات من شرح الشاطبي على “الألفية”، وفي درس “مقدمة إيساغوجي” فأجلب فيه مسائل من “النجاة” لابن سينا، ثم لم ألبث أن أقلعت عن ذلك].
تأمل قيده بـ[للتدريس في مبدأ تصدرهم] مدركاً الفرق الماثل بين مقام الابتداء وما بعده من مناقل، وإلا فقد توافرت جهود الأئمة قديماً في بسط الكلام لـ أدنى إلمامٍ، لما تحويه من لطائف الأسرار المرعية، وغرائس الأفكار المجنية، وعرائس الأبكار المعرفية: يستخرجونها بالمناقيش، ويسطرونها في القراطيس لـ أقرب إشارة، وأقل عبارة؛ فلا يستغرب ما يساق في طباق الأئمة مما يستعذب من التفريع أو التطويل في مفاريد المسائل أو الغواشي والطرر وأنظارها من المحررات والمقررات والتعليقات.
وفي بعض ما يحكى مبالغات؛ كـ: المذكور عند العلامة الكتاني تـ1382هـ في [التراتيب الإدارية] (2/ 183-184): [إن العارف محمد البكري تكلم على (نقطة البسملة) في ألفي مجلس ومائتي مجلس] ونحوه من المسطورات.
وما يعمد إليه المتأخرون -من المتصدرين لـ محافل التدريس-: من اجترار ما لا يخدم الوافد في الكاغد؛ كـ: تجريح المتن بـ المعارضات، والإيرادات، والاستدركات يدل على عيب تصويري، أو مطعن في الإرادة، وينطبق عليهم قول ابن بدران الدمشقي تـ1346هـ في [المدخل] (265):
[اعلم أن كثيراً من الناس يقضون السنين الطوال في تعلم العلم؛ بل في علم واحد ولا يحصلون منه على طائل، وربما قضوا أعمارهم فيه ولم يرتقوا عن درجة المبتدئين وإنما يكون ذلك لأحد أمرين أحدهما: عدم الذكاء الفطري، وانتفاء الإدراك التصوري، وهذا لا كلام لنا فيه ولا في علاجه.
والثاني الجهل بطرق التعليم، وهذاوقد وقع فيه غالب المعلمين، فتراهم يأتي إليهم الطالب المبتدىء ليتعلم النحو مثلاً فيشغلونه بالكلام على البسملة ثم الحمدلة أياما، بل شهورا ليوهموه سعة مداركهم، وغزارة علمهم، ثم إذا قدر له الخلاص من ذلك أخذوا يلقنونه متناً أو شرحاً بحواشيه، وحواشي حواشيه، ويحشرون له خلاف العلماء، ويشغلونه بكلام من رد على القائل، وما أجيب به عن الرد، ولا يزالون يضربون له على ذلك الوتر حتى يرتكز في ذهنه أن نوال هذا الفن من قبيل الصعب الذي لا يصل إليه إلا من أوتي الولاية، وحضر مجلس القرب والاختصاص، هذا إذا كان الملقن يفهم ظاهراً من عبارات المصنفين].
محمود أبو حيان
———————
كناشة المنهوم المستهام