من تكتيكات التيمية لنصرة مشربهم!!! (10)
أولا: بعض التصريحات (الدبلوماسية!) التي كتب بها ابن تيمية في حق مخالفيه، إلى بعض معارفه وبعض وجهاء الدولة، وهذا إثر مجالس المناظرة التي عقدت له مع علماء وقضاة الدولة الإسلامية آنذاك!!!: قال ابن تيمية الحراني: ((هذا مع أني دائما – ومن جالسني يعلم ذلك مني – : أني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة، وفاسقا أخرى، وعاصيا أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها: وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية. وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا معصية، كما أنكر شريح قراءة من قرأ: ﴿بل عجبت ويسخرون﴾ [الصافات:12] وقال: “إن الله لا يعجب”، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال: “إنما شريح شاعر يعجبه علمه. كان عبد الله أعلم منه وكان يقرأ: ﴿بل عجبت﴾ [الصافات:12]))(1).
فأنت ترى ابن تيمية يقرر هنا بأن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها حتى في المسائل الخبرية القولية، وأنه ما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل – كمسألة الصفات -، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا معصية، ويستشهد ابن تيمية لهذا بنفي شريح ل: (صفة!) “العجب” – حسب فهم ابن تيمية -. بل زاد ابن تيمية فقال: ((والتكفير هو من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيبا لما قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة. وقد يكون الرجل لا يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها، وإن كان مخطئا. وكنت دائما أذكر الحديث الذي في “الصحيحين” في الرجل الذي قال: “إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني. ثم ذروني في اليم، فو الله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين. ففعلوا به ذلك، فقال الله له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك، فغفر له”. فهذا رجل شك في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذري، بل اعتقد أنه لا يعاد. وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلا لا يعلم ذلك، وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك. والمتأول من أهل الاجتهاد، الحريص على متابعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أولى بالمغفرة من مثل هذا))(2).
وقال متحدثا عن نفسه: ((هذا، وأنا في سعة صدر لمن يخالفني، فإنه وإن تعدى حدود الله في بتكفير، أو تفسيق، أو افتراء أو عصبية جاهلية، فأنا لا أتعدى حدود الله فيه. بل أضبط ما أقوله، وأفعله، وأزنه بميزان العدل، وأجعله مؤتما بالكتاب الذي أنزله الله، وجعله هدى للناس، حاكما فيما اختلفوا فيه))(3) وهذا تقرير جميل، ليت ابن تيمية التزمه حقا. ثانيا: وتأمل الآن يا عبد الله ما يقرره ابن تيمية نفسه في ثنايا رده على حجج الإمام الرازي في نفي الجهة عن الله!!!:
قال ابن تيمية الحراني مخاطبا الإمام الفخر الرازي وأهل السنة المنزهين لله عن الجهة، ما نصه: ((وجمهورهم [=السادة الأشاعرة] تقلد هذا القول عن بعض حتى تغيرت فطرته، ليس في هؤلاء أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا فيهم إلا من هو مجروح من المسلمين ببدعة وإن كان متأولا فيها ومغفورا له خطؤه، أو فيه ما هو أكثر من البدعة، وهو الغالب على أئمة هذا القول من نوع ردة عن الإسلام ونفاق فيه وغير ذلك، وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أنهم من أضل الخلق وأجهلهم))(4)
فجمهور أيمة الإسلام عبر مر العصور والدهور المنزهة لله عن الجهة، كلهم – حسب تقرير ابن تيمية -: فيهم من نوع ردة عن الإسلام ونفاق فيه وغير ذلك!!!، بل واتفق السلف على أنهم من أضل الخلق وأجهلهم!!!. وقال أيضا مخاطبا الإمام الرازي: ((يتبين أن الذي قلته أقبح من هذا الشرك، ومن جعل الأنداد لله، كما أن جحود فرعون – الذي وافقتموه على أنه ليس فوق السموات رب العالمين إله موسى – جحوده لرب العالمين ولأنه في السماء: كان أعظم من شرك المشركين الذين كانوا يقرون بذلك ويعبدون معه آلهة أخرى))(5) فالأشاعرة في قولهم بتنزه الله عن الجهة وافقوا فرعون في نفيه للصانع!!!، فكان قولهم في التنزيه أعظم من شرك المشركين الذين كانوا يقرون بوجود الرب هناك في السماء ومع ذلك يعبدون معه آلهة أخرى في الأرض من الأوثان وغيرها!!!.
وقال أيضا في رده على الإمام الرازي وأهل السنة المنزهين لله عن الجهة، ملزما إياهم بلوازم خطيرة جدا، ما نصه: ((الوجه العشرون: أن كون الرب إلها معبودا يستلزم أن يكون بجهة من عابده بالضرورة…وقد ذكرنا نظير هذا غير مرة، وبينا أن قول الجهمية يستلزم الجمع بين النقيضين، وأن يكون [=تعالى]: موجودا معدوما، معبودا غير معبود، مأمورا بعبادته منهيا عنها. فحقيقته: أمر بعبادة العدم المحض، والنفي الصرف، وترك عبادة الله سبحانه، وهذا رأس الكفر، وأصله، وهو لازم لهم لزوما لا محيد عنه، وإذا كان فيه إيمان لا يقصد ذلك؛ لكن الذي ابتدع هذا النفي ابتداء وهو عالم بلوازمه، كان من أعظم المنافقين الزنادقة المعطلين للصانع ولعبادته ودعائه))(6)
فرأس الكفر وأصله لازم للمنزهة لله عن الجهة لزوما لا محيد عنه!!!. فانظر ماذا ترى؟!!!
____
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية الحراني (3/147). (2) مجموع فتاوى ابن تيمية الحراني (3/147-148). (3) مجموع فتاوى ابن تيمية الحراني (3/155). (4) بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية لابن تيمية الحراني (4/366). (5) بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية لابن تيمية الحراني (4/176). (6) بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية لابن تيمية الحراني (4/557-558).