هل تعلمون إخواني لمن هذه النصوص الثلاثة الأخيرة؟ إنها لأحمد بن تيمية الحراني رحمه، فقولوا لي بربكم أين خلافه هذا بالضبط مع السادة الأشاعرة… وأين تشغيباته وثرثرته ؟ .. أرجو أن تعلقوا على نصوصه الثلاثة الأخيرة فهي بالفعل جديرة بالتأمل وشكلت لدي بالأمس منعطفا في فهم مذهبه وإدراك أنه مضطرب جدا.
بعد البحث في ثلاثين ألف كتاب تقريبا لمدة شهر وأكثر لم أجد نسبة المكان إلى الله إلا في قول هشام بن الحكم الرافضي رأس الهشامية المجسمة ثم تبعه ابن كرام رأس الكرامية المجسمة، فإذن قولوا بربكم من هي الفرقة الخارجة عن الثلاثة والسبعين !!!! فها هم علماء الأباضية والزيدية والإمامية والمعتزلة والأشعرية والماتريدية وها هي نصوص المفسرين والمحدثين والأدباء والمؤرخين والفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية وفضلاء الحنابلة كلها صريحة في تنزيه الله عن المكان مطلقا سواء من أثبت منهم الاستواء بتفويض أو تأويل ولكن مع ذلك قالوا بأنه تعالى كان ولا مكان وهو على ما عليه كان وأنه لا يحويه مكان … حتى جاء ابن تيمية وأنكر ذلك!!
(3) الرد على دمشقية في قوله بأن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة بحجة أنهم تأثروا في التنزيه بعقائد الشيعة!!! عبارة “كان الله ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان” ونحوها مثل: لا يحويه مكان ؟!![1]
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/3095796540534347/
آتيكم بدفعة جديدة من نصوص العلماء في تنزيه الله عن المكان بعبارة “كان الله ولا مكان زهو الآن على ما عليه كان”، أو بعبارة “لا يحويه مكان” ونحوذلك ردا على ما زعمه دمشقية من أن تنزيه الأشاعرة لله عن المكان سرقوه من الرافضة!!!! وقبل أن أسرد هذه النصوص أنبه إلى ما يلي:
أولا: قد يرد ضمن هذه النصوص أقوال عن بعض الصحابة لا سيما ما ينسبه الشيعة إلى علي رضي الله عنه من نفي المكان أو الحد عن الله صراحة، ولكن هذا غالبا لا يصح، لأن هذا المسائل لم تطرق في عهدهم أصلا، وإنما تُكلم فيها لاحقا نفيا أو إثباتا، ولكن ليس هذا الشاهد من سرد تلك النصوص، وإنما الشاهد هو سرد المؤلف مقرا لها ومستشهدا بها على مذهبه في نفي المكان عن الله، فالعبرة هنا بالمؤلف كائنا من كان لا بصحة أو ضعف الروايات التي تضمنه النص، وهذا أقوله حتى لا يشغّب دمشقية وأمثاله فيجادل في صحة أو ضعف تلك الروايات، فهذا ليس محل الشاهد، وإنما الشاهد هو سرد نصوص كل الطوائف والفرق والمذاهب على نفي المكان عن الله سوى المجسمة.
ثانيا: قد يأتي لك الخصم بنصوص كثيرة ـ كما فعل بعضهم[2]بالقص واللصق من اجتماع جيوش ابن القيم والعلو للذهبي ـ للعلماء من السلف أو من علماء المذاهب الفقهية الأربعة أو من علماء الأشاعرة والماتريدية أو الصوفية أو من المحدثين أو غيرهم… يتوهم أو يريد أن يوهم أنهم يثبتون المكان أو الجهة أو الحيز لله، والأمر بخلاف ذلك وإنما لا تخلو تلك النصوص، إما أنها لا تصح أصلا كما يعترف القوم أنفسهم، وإن صحت أو سلمنا بصحتها فغاية ما فيها أنها تثبت الاستواء والفوقية والعلو والرفعة لله، وهذا كله ثابت في الكتاب والسنة، فلا حاجة لنقله عن زيد أو عبيد … ولا نزاع أصلا في مطلق إثبات ذلك مع التنزيه، وإنما النزاع في إثباتها على الوجه الحسي أو في إثبات المكان أو الحيز أو الجهة الحسية لله، وهذه الألفاظ ـ أي المكان والجهة والحيز ـ لا تجدها في تلك النصوص التي يسردونها عن العلماء، ومن زعم فليأتنا بها لننظر فيها.
وقد سبق أن قلنا أن أول من أثبت المكان لله ـ على ما أعلم ـ هو هشام بن الحكم الرافضي رأس المجسمة الذي كان يقول بأن طول معبودة سبعة أشبار بشبر نفسه كما سبق تقرير ذلك، وهذا بينته من كلام ابن تيمية وأتباعه في منشور سابق[3]، ثم تبعه ابن كرام ” الشيخ الضال المجسم أبو عبد الله السجستاني، شيخ الكراميين.”[4]
وأما السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم رضي الله عنهم فلم يثبتوا هذه الألفاظ وهي المكان والحيز والجهة ولا جعلوا استواءه وعلوه على الوجه الحسي، وهذه بسطته سابقا حينما رددت على الاجماعات التي ينقلها ابن تيمية وابن القيم في لإثبات العلو والاستواء والفوقية عن السلف، حيث جاؤوا بروايات كثيرة عن الصحابة[5]والتابعين[6]وأتباعهم[7]، وبينت حينها أن كثيرا منها لا يصح سندا بل فيها الموضوع والضعيف والإسرائيليات، وكثير من هذا بإقرار محقق كتاب اجتماع الجيوش وغيره، وما صح منها ليس فيه أنهم أثبتوا ذلك على مقتضى الحس، ولا أثبتوا المكان بالحيز والجهة الحسية هكذا باللفظ … فهذا دونه خرط القتاد.
نعم جاء ابن القيم بأثر واحد فقط عن الصحابة فيه إثبات المكان، وهو أثر أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقد ورد فيه لفظُ “المكان” منسوبا إلى الله في قوله ” وارتفاع مكاني“، ولكن قلت هناك بأن هذا الأثر ليس قولا لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وإنما هو حديث قدسي لأن لفظه ” فقال الربّ: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني”، قال الذهبي نفسه الذي استدل به: أخرجه أبو نعيم الحافظ في الحلية وعداده في الموضوعات، وهذا الأنصاري ليس بثقة[8].اهـ
وهذا ابن تيمية يقول أصلا في الفتاوى الكبرى (6/ 325) قوله: أما قول القائل: ” الذي نطلب منه أن يعتقده أن ينفي الجهة عن الله والتحيز ” فليس في كلامي إثبات لهذا اللفظ؛ لأن إطلاق هذا اللفظ نفيا وإثباتا بدعة، وأنا لا أقول إلا ما جاء به الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة.اهـ
والحاصل أن الاستواء والفوقية والعلو والرفعة هذا كله ثابت لأنه وارد في القرآن فلا حاجة للثرثرة والتشغيب والإكثار من نقل النصوص عن علماء السلف أو الخلف التي تثبت مجرد الاستواء والفوقية ونحو ذلك، فلا نزاع في ذلك وإنما النزاع في إثبات ذلك على المعنى الحسي أو إثبات المكان أو الحيز أو الجهة، ولذلك أنا أورد نصوص العلماء هنا من كل الفنون والفرق في حمل تلك الألفاظ الوادة في الكتاب والسنة على العلو المعنوي ونفي المكان والحيز والجهة عن الله، فهذا هو محل النزاع مع الخصم.
وإذا أراد الخصم أن يستشهد علينا بنصوص للعلماء في هذا المقام فليتأتنا بنصوص صريحة للعلماء يثبتون فيها الاستواء الحسي والمكان والجهة والحيز هكذا باللفظ، لا أن يأتي بنصوص تثبت أنهم يقولون بالاستواء والعلو والفوقية والرفعة، فإن الأشاعرة والماتريدية يثبتونها، ولكن ينفون في نفس الوقت المكان والحيز والجهة الحسية، كما سنرى في نص ابن كلاب والباقلاني، وكذا الغزالي في قواعد العقائد حيث ينص على ثبوت الاستواء لله وفي نفس الوقت ينفي المكان عن الله.
ولكن طبعا كثير من الوهابية لا يعقلون هذا، بل يعتبرونه تناقضا، فكيف تُثبتُ الاستواء وتنفي المكان في الوقت نفسه؟!! هذا لا يركب في عقولهم لأنهم لا يعقلون إلا استواء في مكان، ولذلك يعتبرون من ينفي المكان عن الله أنه ينفي الاستواء حتى ولو أقر به، وبالتالي يعتبرونه منكِرا لآيات الاستواء كما سترى في نصوصهم!!! مع أنا أبا يعلى الحنبلي ـ المتهم بالتجسيم كما سيأتي ـ نفسه ركبت في عقله فقال مثلا في إبطال التأويلات (ص: 190): والاستواء على العرش، وكذلك جاز النظر إليه، لا في مكان.اهـ..اهـ.
وهؤلاء أسهل جواب ورد عليهم أن تقول لهم : وأنتم أيضا تنكرون آيات المعية لأنكم أولتموها على أنها معية معنوية بالعلم، ولم تقولوا بظاهرها الحسي وهو أن الله معنا بذاته حقيقة على ما يليق به دون تعطيل ولا تمثيل ولا تأويل وتكييف، وما هو جوابكم هو جوابنا.
وإليكم أولا:نصوص العلماء من شتى العلوم والفرق الإسلامية التي تنفي المكان عن الله، ثم نذكر ثانيا نصوص الوهابية في الإنكار على من ينفي المكان عن الله.
المفسرون
قال الطبري: والعلي: الفعيل من قولك علا يعلو علوا: إذا ارتفع، فهو عال وعلي، والعلي: ذو العلو والارتفاع على خلقه بقدرته، وكذلك قوله: {العظيم} ذو العظمة، الذي كل شيء دونه، فلا شيء أعظم منه[9].
قال الطبري: {والباطن} يقول: وهو الباطن جميع الأشياء، فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كما قال: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}[10].
وقال أيضا في تفسيره: وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه: {ثم استوى إلى السماء فسواهن} علا عليهن وارتفع فدبرهن بقدرته وخلقهن سبع سموات. ..قيل له: فكذلك فقل: علا عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال[11].
وجاء في مفاتيح الغيبأو التفسير الكبير (٣٢/ ٣٦٢) عند سرد الأقوال في تفسير الصمد: الخامس: قال الحسن البصري: الذي لم يزل ولا يزال، ولا يجوز عليه الزوال كان ولا مكان، ولا أين ولا أوان، ولا عرش ولا كرسي، ولا جني ولا إنسي وهو الآن كما كان.
وقال المفسّر أبو عبد الله القرطبي (671 هـ) في تفسيره الجامع لأحكام القرآن 11/333 ما نصه: “قال أبو المعالي: قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تفضّلوني على يونس بن متى” المعنى فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه وهو في قعر البحر في بطن الحوت، وهذا يدل على أن البارىءَ سبحانه وتعالى ليس في جهة” اهـ. ونحوه في «التفسير المنير للزحيلي» (١٧/ ١٢٠).
وقال الامام القرطبي أيضا في تفسيره (3/ 278): (و “العليّ” يراد به علو القدر والمنزلة لا علو المكان، لأن الله منزه عن التحيز).
وفي «التفسير المظهري» (٨/ ٥): فالظاهر من هذه الاية ان الازمنة كلها وما فيها من الزمانيات الماضية والمستقبلة حاضرة عند الله سبحانه وهو خارج عن الزمان كما ان الامكنة والمكانيات حاضرة عنده تعالى وهو خارج عن المكان لا يجرى عليه زمان كما لا يحويه مكان فالزمان مخلوق له تعالى حادث حدوثا ذاتيا كما ان المكان مخلوق له فالماضى والمستقبل بالنسبة اليه سواء كما ان الامكنة كلها بالاضافة اليه سواء.اهـ
وقال الخطيب الشربيني في «السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير» (٣/ ٧٠): {قل} أي: لهم {لا يعلم من في السموات والأرض} من الملائكة والناس {الغيب} أي: ما غاب عنهم وقوله تعالى: {إلا الله} استثناء منقطع أي: لكن الله يعلمه، ولما كان الله تعالى منزهاً عن أن يحويه مكان جعل الاستثناء هنا منقطعاً، فإن قيل: من حق المنقطع النصب؟.اهـ
وقال البقاعي في «نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (١٢/ ٢٧٦): ثم علل بما يرشد إلى أنه تعالى لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان فقال: {إنك بالواد المقدس} أي المطهر عن كل ما لا يليق بأفنية الملوك.اهـ
وقال الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب – تلميذ ابن أبي زيد القيرواني – في الهداية الى بلوغ النهاية (7/ 4673): وليس الإتيان إلىالله إتيان مقاربة منه، لأنه قريب في كل أوان لا يبعده مكان ولا يقربه مكان، ولا يحويه مكان دون مكان، ولا يحتاج إلى مكان لأنه تعالى لم يزل قديماً قبل المكان ولا تجوز صفة القرب بالمكان إلا على الأجسام، لأنها محدثة بعد حدوث المكان، وكان الله ولا مكان. فالإتيان إلى الله إنماهو إتيان من الخلق يوم القيامة إلى ثواب الله وجزائه، وكذلك المعنى فيما كان مثله.اهـ
وجاء في تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (1/ 121):فالحق سبحانه وسع المكان ظاهرا وباطنا، ووسع الزمان أولا وآخرا، وهو منزه عن الافتقار إلى المكان والزمان، فإنه كان ولا مكان ولا زمان..فالعلو صفة الكرسي وسع كرسيه والعظمة صفة العرش رب العرش العظيم وكمال العلو والعظمة لله.اهـ
وجاء في تفسير ابن عرفة المالكي (4/ 127): والصواب أنه لا يُقارِن الزمانَ لا في الوجود، ولا في التقدير بوجه، وما أحسن قول الإمام المهدي في عقيدته حيث قال: لا يقال: متى كان، ولا أين كان، ولا كيف كان، ولا مكان دبر الزمان، ولا يتقيد بالزمان، ولا يتخصص بالمكان.اهـ
المحدثون وشراح الحديث
قال الإمام الحافظ الطحاوي (321 هـ) في رسالته (العقيدة الطحاوية) : وتعالى- أي الله- عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات اهـ.
قال أبو سليمان الخطابي: وفي الحديث لفظة أخرى تفرد بها شريك أيضا لم يذكرها غيره ، وهي قوله : “فقال وهو مكانه” ، والمكان لا يضاف إلى الله سبحانه ، إنما هو مكان النبي صلى الله عليه وسلم.. وههنا لفظة أخرى في قصة الشفاعة “فأستأذن على ربي في داره ، فيؤذن لي عليه”… أي : في داره التي دورها لأوليائه وهي الجنة ، كقوله عز وجل لهم دار السلام عند ربهم ، وكقوله تعالى : والله يدعو إلى دار السلام وكما يقال : بيت الله ، وحرم الله ، يريدون البيت الذي جعله الله مثابة للناس والحرم الذي جعله أمنا ومثله روح الله على سبيل التفضيل له على سائر الأرواح[12].اهـ
وقال الكرماني ما نصه: (قوله (في السماء) ظاهره غير مراد، إذ الله منزه عن الحلول في المكان، لكن لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها أضافها إليه إشارة إلى علو الذات والصفات، وبنحو هذا أجاب غيره عن الالفاظ الواردة في الفوقية ونحوها) نقله عنه الحافظ في الفتح (13/ 412) مقرا له.
– وقال الحافظ محمد بن حبان (354 هـ) في الثقات 1/ 1: الحمد لله الذي ليس له حد محدود فيحتوى، ولا له أجل معدود فيفنى، ولا يحيط به جوامع المكان ولا يشتمل عليه تواتر الزمان. وقال أيضا :كان- الله- ولا زمان ولا مكان اهـ.[صحيح ابن حبان، 8/ 4] .وقال أيضا : كذلك ينزل- يعني الله- بلا آلة ولا تحرك ولا انتقال من مكان إلى مكان. اهـ.[صحيح ابن حبان، 2/ 136]
وقال أبو العباس القرطبي المالكي في «المفهم لما أشكلمن تلخيص كتاب مسلم» (٣/ ٣٣٥): وقوله: (فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكبها إلى الناس) هذه الإشارة منه – صلى الله عليه وسلم – إما إلى السماء؛ لأنها قبلة الدعاء، وأما لعلو الله المعنوي؛ لأن الله تعالى لا يحويه مكان، ولا يختص بجهة. وقد بين ذلك قوله تعالى: {وهو معكم أين ما كنتم}.اهـ وكذا في «شرح سنن أبي داود لابن رسلان» (٨/ ٦١٤)، وكذا في «شرح سنن ابن ماجه لمحمد أمين الهرري العلوي = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه» (١٨/ ١٤٨).
وقال ابن الملقن الشافعي في «التوضيح لشرح الجامع الصحيح» (٢٨/ ٤١٨): ومعنى الدنو من الرب: القرب منه. قال ابن فورك: معناه: يقرب من رحمته وكرمه ولطفه؛ لاستحالة حمله على قرب المسافة والنهاية، إذ لا يجوز ذلك على الله؛ لأنه لا يحويه مكان، ولا يحيط به موضع، ولا تقع عليه الحدود. والعرب تقول: فلان قريب من فلان. يريدون به قرب المنزلة، وعلو الدرجة عنده.اهـ
وقال الامام النووي(676) ما نصه: (إن الله تعالى ليس كمثله شىء , منزه عن التجسيم والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفات المخلوق) شرح صحيح مسلم (19/ 3)
وقال المناوي في «التيسير بشرح الجامع الصغير» (١/ ٤٨٧): (وما بين القوم وبين ان ينظروا إلى ربهم) ما هذه نافية (الا رداء الكبرياء على على وجهه) أي ذاته وقوله (في جنة عدن) راجع للقوم أي وهم في جنة عدن راجع للقوم أي وهم في جنة عدن لا إلى الله لانه لا يحويه مكان.اهـ
وجاء في السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير للعزيزي (3/ 36): (تفكروا في الخلق) أي تأملوا في المصنوعات فتعلموا أن لها صانعاً لا يعزب عنه مثقال ذرة (ولا تفكروا في الخالق فإنكم لا تقدرون قدره) أي لا تعرفونه حق معرفته قال رجل لعلي يا أمير المؤمنين أين الله قال أين سؤال عن مكان وكان الله ولا مكان (أبو الشيخ عن ابن عباس).اهـ
وقال أبو بكر ابن العربي في عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي (ط العلمية) (11/ 86): (الخامسه) رفعه بصرة إلى السماء لم يكن لأن البارىءفى جهةيتعالى عن ذلك فانه كان ولا مكان ولاجهه ولازمان ولاعرش ولا إنس ولا جان ثم خلق الجهه والمكان وهو كما كان يتعالى عن أن يتغير أويحول وقد مهدنا ذلك في ما قبل وفي كل موضع يعرض الكلام فيه بما يعنى عن بسطه وتمهيدة وإنما كان يلاحظ السماء لأنها قبله الدعاء كما أن الكعبه قبل الصلاة أو لأنها طريق جبريل.
الفقهاء من المذاهب الأربعة:
الحنفية:
– قال الشيخ إسماعيل بن إبراهيم الشيباني الحنفي في شرحه على العقيدة الطحاوية المسمى بيان اعتقاد أهل السنة (ص/ 45).“مسألة: قال أهل الحق: إن “الله تعالى متعال عن المكان، غير متمكن في مكان، ولا متحيز إلى جهة خلافا للكرامية والمجسمة… والذي يدل عليه قوله تعالى “ليس كمثله شيء وهو السميع البصير “.
وقال الشيخ بدر الدين العَيْني الحنفي (855 هـ)):”ولا يدل قوله تعالى :” وكان عرشه على الماء ” على، أنه- تعالى- حالّ عليه، وإنما أخبر عن العرش خاصة بأنه على الماء، ولم يخبر عن نفسه بأنه حال عليه، تعالى الله عن ذلك، لأنه لم يكن له حاجة إليه ” ا.هـ. عمدة القاري (مجلد 12/ 25/ 111).
– وقال أيضا ما نصه 18): “تقرر أن الله ليسى بجسم، فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه، فقد كان ولا مكان ” عمدة القاري (مجلد 12/ 25/ 117).
– وقال الشيخ محمدبن محمد الحنفي المعروف. بابن أمير الحاج الحنفي (879 هـ) ما نصه (20) : “ولترجيح الأقوى دلالة لزم نفي التشبيه عن البارىءجل وعز في “عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى“(5) ونحوه مما ظاهره يوهم المكان بقوله تعالى “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ” لأنه يقتضي نفي المماثلة بينه وبين شىء ما، والمكان والمتمكن فيه يتماثلان من حيث القدر، إذ حقيقة المكان قدر ما يتمكن فيه المتمكن لا ما فضل عنه، وقدم العمل بهذه الآية لأنها محكمة لا تحتمل تأويلا” ا.هـ.
وقال العلاّمة كمال الدين أحمد بن حسن المعروف بالبياضي، وكان وَلِيَ قضاء حلب (1098هـ) ما نصه: “والجهة اسم لمنتهى مأخذ الإشارة ومقصد المتحرك فلا يكونان إلا للجسم والجسمانيّ، وكل ذلك مستحيل ـ أي على الله ـ” اهـ.
المالكية :
قال القاضي الشيخ أبو الوليد محمد بن أحمد قاضي الجماعة بقرطبة المعروف بابن رشد الجد المالكي (520 هـ) ما نصه: (ليس – الله – في مكان، فقد كان قبل أن يخلق المكان) ذكره ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل: فصل في الاشتغال بالعلم يوم الجمعة (149/ 2).
وقال القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي في «القبس في شرح موطأ مالك بن أنس»(ص٢٨٩): إن الله سبحانه منزه عن الحركة والانتقال لأنه لا يحويه مكان، كما لا يشتمل عليه زمان، ولا يشغل حيزا كما لا يدنو إلى مسافة بشيء ولا يغيب بعلمه عن شيء، متقدس الذات عن الآفات منزه عن التغيير والاستحالات إله في الأرض إله في السموات. وهذه عقيدة مستقرة في القلوب ثابتة بواضح الدليل… والنزول في اللغة في الحقيقة حركة والحركة لا تجوز على الله سبحانه وتعالى، فلم يبق إلا العدول عن حقيقة النزول إلى مجازه.اهـ
وقال أيضا في «المسالك في شرح موطأ مالك» (٣/ ٤٥٤): إن الله سبحانه منزة عن الحركة والانتقال؛ لأنه لا يحويه مكان، كما لا يشتمل عليه زمان، ولا يشغل جزءا، ولا يدنو إلى مسافة بشيء، ولا يغيب عن علمه شيء. متقدس الذات عن الآفات، منزه عن التغير والاستحالات، إله في الأرض إله في السموات.وهذه عقيدة مستقرة في القلوب، ثابتة بواضح الدليل في المعقول.اهـ
وفي «شرح الزرقاني المالكي على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية»(١٢/ ٣٩٠): “أن الله تعالى قد اتخذ من الجنان دارا اصطفاها” اختارها “لنفسه” أي: ليسكنها خلص أوليائه, ويتجلى لهم فيها؛ إذ هو سبحانه لا يحويه مكان “وخصها بالقرب من عرشه.اهـ
الشافعية
قال أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في شرح اللمع (1/ 101): ثم يعتقدون أن الله – تعالى! – مستو على العرش؛ قال الله: ” إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش “؛ وإن استواءه ليس باستقرار ولا ملاصقة لأن الإستقرار والملاصقة صفة الأجسام المخلوقة، والرب -عز وجل! – قديم أزلي، فدل على أنه كان ولا مكان ثم خلق المكان وهو على ما عليه كان.
وقال الشيخ الإمام العز بن عبد السلام الشافعي في كتابه “حل الرموز” في بيان مراد ما روي عن أبي حنيفة”لا أعرف ربي فى السماء أو في الأرض “، وكذا من قال :إنه على العرش، ولا أدري العرش أفي السماء أو في الأرض :لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانا، ومن توهم أن للحق مكانا فهو مشبه ” اهـ، وأيد ملا علي القاري كلامَ ابن عبد السلام بقوله: ولا شك أن ابن عبد السلام من أجل العلماء وأوثقهم، فيجب الاعتماد على نقله ” اهـ. نقله ملا علي القاري في شرح الفقه الأكبر بعد أن انتهى من شرح رسالة الفقه الأكبر (ص/ 198).
وقال الشيخ جلال الدين محمد بن أحمد المحلي الشافعي (864 هـ) عند شرح قول تاج الدين السبكي: “ليس- الله- بجسم ولا جوهر ولا عَرَض لم يزل وحده ولا مكان ولا زمان” ما نصه (19): “أي هو موجود وحده قبل المكان والزمان فهو منزه عنهما” ا.هـ.
الحنابلة ـ طبعا المنزهة لا المجسمة الذي يصرحون بنسبة المكان أو الحيز أو الجهة هكذا باللفظ إليه تعالى وسيأتي الكلام عن أعيانهم لاحقا ـ:
قال أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي شيخ الحنابلة في زمانه (513 هـ) ما نصه: (تعالى الله أن يكون له صفة تشغل الأمكنة، هذا عين التجسيم، وليس الحق بذي أجزاء وأبعاض يعالج بها) الباز الأشهب: الحديث الحادي عشر (ص 86).
وجاء في «كتاب الفنون لابن عقيل» (١/ 65): – فصل، قال حنبلي: إني لأعجب من قوم ينتمون إلى مذهب تسميةً، ثم يخرجون منه معنىً، فيدعون السنة والظاهر، فيقولون: ((نحن لا نتخطى النطق إلى تأويل ولا تفسير.)) .. إلى أن يقول: كيف يحسن بهذه الطائفة أن تتوسع في قوله سح (أي سبحانه): {ثم استوى على العرش} ((استقر)) أو ((جلس)) فقالت: ((استواء استقرارٍ))؟ وهذا يصرف من أخذ الاستواء في حقه ما اعتقده من استواء الملك على السرير، ونوح على سفينته، واستواء السفينة على الجودي، والراكب على مطيته وسرجه. وهذا بعينه هو التشبيه الذي لا يليق بمذهب من تجعد عن التصرف في الأسماء بالمعنى.اهـ
وقال أبو يعلى الفراء الحنبلي في مختصر المعتمد ص57: (ولا يجوز عليه الحد، ولا نهاية، ولا القبل ولا البعد، ولا تحت ولا قدام، ولا خلف، لأنها صفات توجب المكان) [1]. وقال ص58: (فإن قيل: هو محدود وله نهاية؟ قيل: هو خالق المحدودات، وجاعل ذي النهايات، ليس بمحدود ولا متناه) [2]. وقال ص56 : (ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، ولا في مكان.. خلافًا.. للمجسمة في قولهم: هو في مكان) [4].
وقال في الباب الذي عقده لإكفار المتأولين ص 271: (فصل فيمن يعتقد أن الله تعالى جسم من الأجسام، ويعطيه حقيقة الجسم من التأليف والانتقال من مكان إلى مكان فهو كافر؛ لأنه غير عارف بالله تعالى، لأن الله تعالى يستحيل وصفه بهذه الصفات، فإذا لم يعرف الله وجب أن يكون كافرًا).
وقال في إبطال التأويلات (ص: 129): ومثل هذا قوله: {ثم استوى على العرش} يجوز إطلاق هذه الصفة عليه لا على وجه الانتقال والحدوث، وإن كان حرث ثم يقتضي ذلك في اللغة، وكذلك قوله: ” ينزل الله إلى السماء الدنيا ” يجوز إطلاق ذلك من غير انتقال وشغل مكان.اهـ
وقال في إبطال التأويلات (ص: 168): لأنا لا نحمل القبضة على معنى الجارحة والعضو والبعض ومعالجة وممارسة، بل نطلق هذه التسمية كما أطلقنا قوله: {خلقت بيدي} ، على ظاهره وكذلك الوجه والعين والاستواء لا في مكان.اهـ
وقال في إبطال التأويلات (ص: 190): والاستواء على العرش، وكذلك جاز النظر إليه، لا في مكان،، وكذلك إثبات الوجه لا على الصفة التي هي معهودة في الشاهد.اهـ ونصوصه كثيرة في نفي الجارجة والجسم والمكان عن الله[13].
وقال في إبطال التأويلات (ص: 227): لأنا لا نصفه بالانتقال من مكان إلى مكان، وعلى هذا يحمل قوله تعالى: {ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى} وأن المراد بالدنو دنوه من الذات فإن قيل: في حمله على ذلك ما يفضي إلى إحالة صفاته وإخراجها عما تستحقه، لأنه تستحيل المساحة والمسافة وبعد المكان والنهاية عليه سبحانه.اهـ
قال وليد: فتأمل كيف ينفي أبو يعلى الحنبلي المسافة والمساحة والمكان والحد عن الله!! وتأمل كيف نفى المكان في نفس الموضع الذي يثبت فيه الاستواء كما في قوله “والاستواء على العرش، وكذلك جاز النظر إليه، لا في مكان“، وهذا مَن ؟ وفي أي كتاب؟ هذا أبو يعلى في كتابه إبطال التأويلات الذي قيل عنه كما في كامل ابن الأثير ( 10 / 52 ) نقلا عن العلامة أبي محمد التميمي ما معناه : ” لقد شان أبو يعلى الحنابلة شينا لا يغسله ماء البحار !!” . ا ه وقال في الكامل في التاريخ (7/ 786): وفيها أنكر العلماء على أبي يعلى بن الفراء الحنبلي ما ضمنه كتابه من صفات الله سبحانه وتعالى، المشعرة بأنه يعتقد التجسم، وحضر أبو الحسن القزويني الزاهد بجامع المنصور، وتكلم في ذلك، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.اهـ
وألف ابن الجوزي كتابا في الرد عليه“دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه”، وشنع عليه وعلى ابن حامد وابن الزاغوني[14].
ومع ذلك فهذا لا يعجب ابن تيمية وأتباعه بل يعتبرون أبا يعلى مفوضا[15]، لأنه ينفي المكان والجسم والجارحة والحوادث عن الله، ولذلك يقول ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (7/ 34): ونوع ثالث سمعوا الأحاديث، والآثار، وعظموا مذهب السلف. وشاركوا المتكلمين الجهمية في بعض أصولهم الباقية، ولم يكن لهم من الخبرة بالقرآن والحديث والآثار.. وهذا حال أبي بكر بن فورك، والقاضي أبي يعلى، وابن عقيل وأمثالهم. ولهذا كان هؤلاء تارة يختارون طريقة أهل التأويل، كما فعله ابن فورك وأمثاله في الكلام على مشكل الآثار. وتارة يفوضون معانيها، ويقولون: تجري على ظواهرها، كما فعله القاضي أبو يعلى وأمثاله في ذلك.اهـ
وقال الإمام ابن الجوزي الحنبلي (597 هـ) ما نصه(9): ” الواجب علينا أن نعتقد أن ذات الله تعالى لا يحويه مكان ولا يوصف بالتغير والانتقال” اهـ. دفع شبه التشبيه (ص/58). صيد الخاطر (ص/ 476)[16].
وقال أيضا في دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه (ص: 107): فلو جاءت الشرائع بالتنزيه المحض جاءت بما يطابق النفي فلما قالوا صف لنا ربك نزلت! (قل هو الله أحد)! ولو قال لهم ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا طويل ولا عريض ولا يشغل الأمكنة ولا يحويه مكان ولا جهة من الجهات الست وليس بمتحرك ولا ساكن ولا يدركه الإحساس لقالوا حد لنا النفي بأن تميز ما تدعونا إلى عبادته عن النفي وإلا فأنت تدعو إلى عدم فلما علم الحق سبحانه ذلك جاءهم بأسماء يعقلونها من السمع والبصر والحلم والغضب … ولهذا قال للجارية أين الله وقيل له أيضحك ربنا قال نعم فلما أثبت وجوده بذكر صور الحسيات نفى خيال التشبيه بقوله ليس كمثله شيء ثم لم يذكر الرسول الأحاديث جملة وإنما كان يذكر الكلمة في الأحيان فقد غلط من ألفها أبوابا على ترتيب صورة غلطا قبيحاثم هي بمجموعها يسيرة والصحيح منها.اهـ
وأختم بهذا النص لبعض الحنابلة حيث قال: والذي يجب القطع به أن الله ليس كمثله شيء في جميع ما يصف به نفسه. فمن وصفه بمثل صفات المخلوقين في شيء من الأشياء فهو مخطئ قطعا كمن قال إنه ينزل فيتحرك وينتقل كما ينزل الإنسان من السطح إلى أسفل الدار كقول من يقول: إنه يخلو منه العرش؛ فيكون نزوله تفريغا لمكان وشغلا لآخر؛ فهذا باطليجب تنزيه الرب عنه كما تقدم[17].
وقال أيضا:” ثم من توهم أن كون اللّه في السماء، بمعنى أن السماء تحيط به وتحويه، فهو كاذب ـ إن نقله عن غيره ـ وضال ـ إن اعتقده في ربه… إلى أن يقول: وأن العرش خلق من مخلوقات الله لا نسبة له إلى قدرة الله وعظمته فكيف يتوهم بعد هذا أن خلقا يحصره ويحويه؟ “[18].
وقال أيضا: وسائر علماء السنة إذا قالوا ” إنه فوق العرش وإنه في السماء فوق كل شيء ” لا يقولون إن هناك شيئا يحويه أو يحصره أو يكون محلا له أو ظرفا ووعاء سبحانه وتعالى عن ذلك بل هو فوق كل شيء وهو مستغن عن كل شيء وكل شيء مفتقر إليه. وهو عال على كل شيء وهو الحامل للعرش ولحملة العرش بقوته وقدرته. وكل مخلوق مفتقر إليه وهو غني عن العرش وعن كل مخلوق[19].
هل تعلمون إخواني لمن هذه النصوص الثلاثة الأخيرة؟ إنها لأحمد بن تيمية الحراني رحمه الله، فقولوا لي بربكم أين خلافه هذا بالضبط مع الأشاعرة الذين لم يترك شتيمة أو تضليلا إلا وقذفهم بها حينما يقولون مثل قوله هو نفسه في هذه النصوص الثلاثة، وأين ذهب تشغيبه ومعاركه الجدلية العقيمة معهم ؟!! وما الفرق بين نصه الأخير وبين نص الإمام الغزالي الذي سيأتي في قواعد العقائد، ابن تيمية كان يملأ الدنيا صراخا وثرثرة بالرد على الغزالي وعلى أمثاله إذا قال مثل هذا فستجده حينها يقول ردا عليه: هذه ألفاظ مجملة ومبتدعة لا تُنفى ولا تثبت إلا بعد استبيان المراد منها … وسيطيل ابن تيمية في الرد والجدل، حتى ممكن يكتب عشرة مجلدات في ذلك!!!! ولكن ها هو يقول بمثل ذلك تقريبا في نصوصه الثلاثة!!! وكان الإنسان أكثر شيء جدلا.
وأرجو أن تعلقوا على نصوصه الثلاثة الأخيرة فهي بالفعل جديرة بالتأمل وشكلت لدي بالأمس منعطفا في فهم مذهبه وإدراك أنه مضطرب جدا، ولعله لذلك أحجم كثير من العلماء عن تكفيره بسبب تجسيمه، وأرى هذه النصوص الثلاثة كافية للرد على كل تشغيباته وثرثرته في كتبه الأخرى، طبعا مع الإشارة إلى أنها لا تحوي تنزيها 100% ولكن فيها نسبة كبيرة جدا منه كما ترون، وسأبسط هذا لاحقا بحول الله.
وهذا نص آخر يبين اضطرابه حيث يقول ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (١٦/ ١٠٨): وقوله: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك} والنفاة المعطلة ينفون المجيء والإتيان بالكلية ويقولون: ما ثم إلا ما يحدث في المخلوقات والحلولية يقولون: إنه يأتي ويجيء بحيث يخلو منه مكان ويشغل آخر فيخلو منه ما فوق العرش ويصير بعض المخلوقات فوقه. فإذا أتى وجاء لم يصر على قولهم العلي الأعلى ولا كان هو العلي العظيم. لا سيما إذا قالوا: إنه يحويه بعض المخلوقات فتكون أكبر منه سبحانه وتعالى عما يقول هؤلاء وهؤلاء علوا عظيما. وكذلك قوله: {أأمنتم من في السماء} إن كان قد قال أحد: إنه في جوف السماء فهو شر قولا من هؤلاء ولكن هذا ما علمت به قائلا معينا منسوبا إلى علم حتى أحكيه قولا. ومن قال: ” إنه في السماء ” فمراده أنه في العلو ليس مراده أنه في جوف الأفلاك إلا أن بعض الجهال يتوهم ذلك. وقد ظن طائفة أن هذا ظاهر اللفظ.اهـ
قال وليد: فتأمل كيف أنكر على من يؤول المجيء في أول نصه وهو قوله “والنفاة المعطلة ينفون المجيء والإتيان بالكلية ويقولون: ما ثم إلا ما يحدث في المخلوقات”، ثم ما يلبث هو نفسه أن يؤوله وينكر على من يحمله على ظاهره فيقول “والحلولية يقولون: إنه يأتي ويجيء بحيث يخلو منه مكان ويشغل آخر فيخلو منه ما فوق العرش“، كما ينكر على من يحمل آية الملك على ظاهرها وهو الظرفية ويقول “إن كان قد قال أحد: إنه في جوف السماء فهو شر قولا من هؤلاء ” ..لكن هو طبعا يتأول كل ذلك لأنه يتعارض مع العلو الحسي الذي هو عنده صفة كمال أزلية لله !!
المتكلمون من الأشاعرةوالماتريدية وغيرهم
قال الأشعري حاكيا أقوال ابن كلاب وأصحابه: وكان يزعم ان البارىء لم يزل ولا مكان ولا زمان قبل الخلق وانه على ما لم يزل عليه وانه مستو على عرشه كما قال وانه فوق كل شىء تعالى[20].
وفي التوحيد لأبي منصور الماتريدي الحنفي (ص٧٥): وقال الكعبي مرة لا يجوز أن يكون الله عز وجل يحويه مكان لما كان ولا مكانلم يجز أن يحدث له حاجة إلى المكان إذ خلقه لما لا يجوز عليه التغير ثم قال هو في كل مكان على معنى أنه عالم به حافظ له كما يقال فلان في بناء الدار أي في فعله.قال أبو منصور رحمه الله فما قال بأنه لا يحويه مكان بما كان ولا مكانحق إذ ذلك تغير والقول بالحاجة لا يقوله خصمه فتعليق الدفع به خطأ.اهـ
وقال القاضي الباقلاني في «تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل» (ص٣٠٠): فإن قال قائل أين هو قيل له الأين سؤال عن المكان وليس هو ممن يجوز أن يحويه مكان ولا تحيط به أقطار، غير أنا نقول إنه على عرشه لا على معنى كون الجسم بالملاصقة والمجاورة تعالى عن ذلك علوا كبيرا.اهـ
ويقول الباقلاني في الإنصاف ص5: إن الله جل ثناؤه مستو على العرش مستول على جميع خلقه، كما قال تعالى: {الرحمن على العرش استوى} بغير مماسة ولا كيفية ولا مجاورة. وقال ص12: إنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات، وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال، ولا القيام ولا القعود … إلى أن قال: ولا نقول: إن العرش له قرار ولا مكان، لأن الله تعالى كان ولا مكان”.
وقال أبو بكر محمد بن الحسن المعروف بابن فورك الاشعري (406 هـ) ما نصه:لا يجوز على الله تعالى الحلول في الأماكن لاستحالة كونه محدودا ومتناهيا وذلك لاستحالة كونه محدثا” اهـ. مشكل الحديث (ص/ 57).
وقال ايضا ما نصه : واعلم أنا إذا قلنا إن الله عز وجل فوق ما خلق لم يرجع به إلى فوقية المكان والارتفاع على الأمكنه بالمسافة والإشراف عليها بالمماسة لشىء منها” اهـ. مشكل الحديث (ص/ 64).
وجاء في تفسير ابن فورك (3/ 215): وقيل: لعلي رضي الله أين كان ربّنا قبل أن يخلق السّماوات؟ فقال: أين سؤال عن مكان وكان الله ولا مكان.
وقال الحليمي في «المنهاج في شعب الإيمان» (٢/ ٤٠٩): فإن تعظيم الله تعالى إذا كان في الأرض بيته بحرم يشرف باسمه أن يزار ويعبد عقيدة، وتعظيمه تقربًا بذلك وتعظيمًا وتكريمًا لاسمه. وإن كان يعلم أنه لا يحتاج إلى البيوت ولا يسكنها، فإن الملائكة الذين هم حول العرش يعلمون أن الله عز وجل لا يحتاج إلى سرير ويتعظم بالجلوس عليه. وأنه لا يجوز أن يتوهم عليه بهذا، ولا أن يظن به. فإنه قد كان ولا عرش ولا بيت، لم يزل لا في مكان، ولا يزال لا في مكان، ولا يمكن أن يحويه مكان أو يحصره أو يحيط به مكان.اهـ
وقال الغزالي في «فضائح الباطنية» (ص١٥٥): القرأن مصرح بانه {ليس كمثله شيء} والاخبار الدالة عليه اكثر من أن تحصى ونحن نعلم انه لو صرح مصرح فيما بين الصحابة بأن الله تعالى لا يحويه مكان ولا يحده زمان ولا يماس جسما ولا ينفصل عنه بمسافة مقدرة وغير مقدرة ولا يعرض له انتقال وجيئة وذهاب وحضور وأفول وأنه يستحيل أن يكون من الآفلين والمنتقلين والمتمكنين ألى غير ذلك من نفي صفات التشبيه لرأوا ذلك عين التوحيد.اهـ
وقال في «قواعد العقائد» ـ وهو مقدمة كتابه الإحياء ـ (ص٥٣): وأنه مستوي على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده استواء منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ومقهورون في قبضته وهو فوق العرش والسماء وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء كما لا تزيده بعدا عن الأرض والثرى بل هو رفيع الدرجات عن العرش والسماء كما أنه رفيع الدرجات عن الأرض والثرى وهو مع ذلك قريب..وأنه لا يحل في شيء ولا يحل فيه شيء تعالى عن أن يحويه مكان كما تقدس عن أن يحده زمان بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان وهو الآن على ما عليه كان وأنه بائن عن خلقه بصفاته ليس في ذاته سواه ولا في سواه ذاته وأنه مقدس عن التغيير والانتقال لا تحله الحوادث ولا تعتريه العوارض.اهـ وأورده في «طبقات الشافعية الكبرى للسبكي» (٦/ ٢٣٢) و في «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري» (ص٣٠٠).
وقال عبد القاهر البغدادي في «الفرق بين الفرق» (ص٣٢١): واجمعوا على انه لا يحويه مكان ولا يجرى عليه زمان خلاف قول من زعم من الشهامية والكرامية انه مماس لعرشه وقد قال امير المؤمنين على رضي الله عنه ان الله تعالى خلق العرش اظهارا لقدرته لا مكانا لذاته وقال ايضا قد كان ولا مكان وهو الآن على ما كان.اهـ
وقال لسان المتكلمين الشيخ أبو المعين ميمون بن محمد النسفي(في 50 هـ) ما نصه: (القول بالمكان – أي في حق الله – منافيا للتوحيد) تبصرة الأدلة (1/ 171 و 182)
وقال أيضا: (إنا ثبتنا بالآية المحكمة التي لا تحتمل التأويل، وبالدلائل العقلية التي لا احتمال فيها أن تمكنه- سبحانه- في مكان مخصوص أو الأمكنة كلها محال) تبصرة الأدلة (1/ 171 و 182)
وقال التفتازاني في شرح العقائد النسفية (ص: 24): (ولا يتمكن في مكان)
لأن المكن عبارة عن نفوذ بعد في بعد آخر متحقق أو متوهم يسمونه المكان.
والبعد عبارة عن امتداد قائم بالجسم أو بنفسه عد القائلين بوجود الخلاء، والله تعالى منزه عن الامتداد والمقدار، لاستلزامه التجزئ… وإذا لم يكن في مكان لم يكن في جهة لا علو ولا سفل ولا غيرهما، لأنهما إما حدود وأطراف للأمكنة أو نفس الأمكنة باعتبار عروض الإضافة إلى شيء.اهـ
الصوفية:
قال الكلاباذي في «التعرف لمذهب أهل التصوف» (ص٣٤): ليس بجسم ولا شبح ولا صورة ولا شخص ولا جوهر ولا عرض لا اجتماع له ولا افتراق لا يتحرك ولا يسكن ولا ينقص ولا يزداد ليس بذي أبعاض ولا أجزاء ولا جوارح ولا أعضاء ولا بذي جهات ولا أماكن لا تجري عليه الآفات ولا تاخذه السنات ولا تداوله الأوقات ولا تعينه الإشارات لا يحويه مكان ولا يجري عله زمان لا تجوز عليه المماسة ولا العزلة ولا الحلول في الأماكن لا تحيط به الأفكار ولا تحجبه الأستار ولا تدركه الأبصار.اهـ
وقال الشيخ الصوفي الصالح عبد الله بن سعد المعروف بابن أبي جمرة(699 هـ) ما نصه: (فمحمد عليه السلام فوق السبع الطباق ويونس علبه السلام في قعر البحار، وهما بالنسبة إلى القرب من الله سبحانه على حد سواء، ولو كان عز وجل مقيدا بالمكان أو الزمان لكان النبي (صلى الله عليه و سلم) أقرب إليه، فثبت بهذا نفي الاستقرار والجهة في حقه جل جلاله) بهجة النفوس (3/ 176).
وقال الحافظ الزبيدي في اتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين (2/ 23، ت.ش أي بترقيم الشاملة): قال الشافعى رحمه الله تعالى والدليل عليه هو انه تعالى كان ولا مكان فخلق المكان وهو على صفة الازلية كما كان قبل خلقه المكان لا يجوز عليه التغيير فى ذاته ولا التبديل فى صفاته.اهـ
وقال سيدي ابن عجيبة في إيقاظ الهمم شرح متن الحكم (ص: 34، ت.ش): قولكم أين الله سؤال عن مكان وكان الله ولا مكان ثم خلق الزمان والمكان وهو الآن كما كان دون مكان ولا زمان اهـ
قال أبو القاسم القشيري ما نصه: (سمعت الإمام أبا بكر بن فورك رحمه الله تعالى يقول سمعت أبا عثمان المغربي يقول: كنت أعتقد شيئا من حديث الجهة فلما قدمت بغداد زال ذلك عن قلبي، فكتبت إلى أصحابنا بمكة إني أسلمت الان إسلاما جديدا) الرسالة القشيرية (ص 5).
وقال الشيخ محي الدين ابن عربي في الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية (1/ 36): إن الله تعالى إله واحد لا ثاني له في ألوهيته منزه عن الصاحبة والولد. … فالعالم كله موجود به وهو وحده متصف بالوجود لنفسه لا افتتاح لوجوده ولا نهاية لبقائه بل وجود مطلق غير مقيد قائم بنفسه ليس بجوهر متحيز فيقدر له المكان ولا بعرض فيستحيل عليه البقاء ولا بجسم فتكون له الجهة والتلقاء.
مقدس عن الجهات والأقطار مرئي بالقلوب والأبصار إذا شاء استوى على عرشه كما قاله وعلى المعنى الذي أراده كما إن العرش وما سواه به استوى وله الآخرة والأولى ليس له مثل معقول ولا دلت عليه العقول. لا يحده زمان ولا يقله مكان بل كان ولا مكان وهو على ما عليه كان خلق المتمكن والمكان وأنشأ الزمان وقال أنا الواحد الحي لا يئوده حفظ المخلوقات. ولا ترجع إليه صفة لم يكن عليها من صنعة المصنوعات تعالى إن تحله الحوادث أو يحلها أو تكون بعده أو يكون قبلها. بل يقال كان ولا شيء معه فإن القبل والبعد من صيغ الزمان الذي أبدعه فهو القيوم الذي لا ينام والقهار الذي لا يرام ليس كمثله شيء.اهـ
وكذا جاء في كتاب ردود ابن عربي على المتكلمين من خلال كتابه الفتوحات المكية ـ رسالة دكتوراة تقدم بها: عادل شافي عيفان ـ (ص: 63): المطلب الأول: عقيدة ابن عربي: مع كثرة الخلاف في عقيدة ابن عربي رحمه الله واختلاف الناس فيها اختلافاً كبيراً، فإنَّ أفضل مَنْ يحدثنا عن عقيدته هو ابن عربي نفسه إذ إنَّه أسعفنا بتوضيحٍ كافٍ وبيانٍ شافٍ لذلك، ولخطورة الموضوع واهميته آثرنا ان ننقله من لسان صاحبه كما هو وبالنص. قال ابن عربي في فتوحاته: (ليس له مثل معقول ولا دلت عليه العقول، لا يحده زمان، ولا يقله مكان، بل كان ولا مكان وهو على ما عليه كان، خلق المتمكن والمكان، وأنشأ الزمان… تعالى ان تحله الحوادث او يحلها، او تكون بعده او يكون قبلها.اهـ
مؤرخون وعلماء في فنون أخرى متنوعة:
قال الذهبي في «تاريخ الإسلام ت تدمري» (٢٩/ ٣٢٢): وفيها قرئ الاعتقاد القادري بالديوان. أخرجه القائم بأمر الله، فقرئ وحضره العلماء والزهاد… وفيه: كان ربنا [٣] ولا شيء معه ولا مكان يحويه، فخلق كل شيء بقدرته، وخلق العرش لا لحاجة إليه، واستوى عليه كيف شاء وأراد، لا استواء راحة كما يستريح الخلق. ولا مدبر غيره [٦] ، والخلق كلهم عاجزون، الملائكة والنبيون [٧][21].اهـ
كذا وقع هنا “لا استواء راحة “، وفي الاعتقاد القادري ص247 – دراسة وتحقيق أحد الوهابية: عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف – وقع بلفظ “فاستوى عليه كيف شاء وأراد، لا استقرار” قال عبد العزيز هذا في الحاشية عند قوله “فاستوى عليه”: زاد ـ أي ابن تيمية ـ في الدرء ٦/٢٥٣: استواء استقرار، وكذا جاء في العلو للذهبي ٢/١٣٠٣، والصواعق المرسلة ٤/١٢٨٨.اهـ وقال عبد العزيز في الحاشية عند قوله “لا استقرار”: جاء في الصواعق المرسلة (4/1288) : لا استواء راحة.اهـ
ثم قال عبد العزيز ص 254: ومع هذه المزايا، إلا أن بعض الأئمة تعقب هذا الاعتقاد، فقد ساق الحافظ الذهبي مآخذ لطيفة لبعض عبارات الاعتقاد.
فقد حكى الذهبي هذه العبارات: ” كان ربنا عز وجل وحد لا شيء معه، ولا مكان يحويه، فخلق كل شيء بقدرته، وخلق العرش لا لحاجة إليه، فاستوى عليه استواء استقرار كيف شاء وأراد، لا استقرار راحة كما يستريح الخلق. “
ثم أعقبها ـ أي الذهبي ـ بقوله: ” قلت: ليته حذف “استواء استقرار” وما بعده، فإن ذلك لا فائدة فيه بوجه، والباري منزه عن الراحة والتعب.” إلى أن قال : “لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه نبيه – صلى الله عليه وسلم -، فهي صفة حقيقة لا صفة مجاز.”
قلت – أي الذهبي – : “وكان أيضا يسعه السكوت عن ” صفة حقيقة“ فإننا إذا أثبتنا نعوت الباري، وقلنا: تمر كما جاءت، فقد آمنا بأنها صفات، فإذا قلنا بعد ذلك، صفة حقيقة وليست بمجاز، كان هذا كلاما ركيكا نبطيا مغلثا للنفوس فليهدر، مع أن هذه العبارة وردت عن جماعة، ومقصودهم بها أن هذه الصفات تمر ولا يتعرض لها بتحريف ولا تأويل كما يتعرض لمجاز الكلام، والله أعلم.
وقد أغنى الله تعالى عن العبارات المبتدعة،فإن النصوص في الصفات واضحة، ولو كانت الصفات ترد إلى المجاز لبطل أن تكون صفات لله، وإنما الصفة تابعة للموصوف فهو موصوف حقيقة لا مجازا، وصفاته ليست مجازا، فإن كان لا مثل له ولا نظير لزم أن يكون لا مثل لها”.اهـ
وقال اليميني في تاريخ العتبي (1/ 3): الحمد لله الظاهر بآياته، الباطن بذاته، القريب برحمته، البعيد بعزّته…الذي تفرّد بالبقاء، وتوحّد بالعزّ والسّناء، واستأثر بأحاسن الأسماء، ودلّ على قدرته بخلق الأرض والسماء. كان ولا مكان ولا زمان، ولا بنيان ولا ملك ولا إنسان، فأوجد المعدوم إبداعا، وأنشأ «1» ما لم يكن إنشاء واختراعا.
وفي مفيد العلوم ومبيد الهموم المنسوب لأبي بكر الخوارزمي محمد بن العباس (المتوفى: 38مج3هـ)(ص: 24): والتوحيد أن يعلم أن الله واحد قديم لم يزل ولا يزال كان ولا مكانوهو الآن على ما عليه. وقال (ص: 33): فعرفت أن السؤال محال والجواب الصحيح أن تقول الباري واجب الوجود فكان قبل العالم وجوده واجبا لا يعقل زمان لا يكون فكان ولا مكان ولا تقدير مكان فلما خلق العالم كان على ما كان، والتغيير انما يرجع الى الحدوث، أمّا من كان واجب الوجود فتغيره محال، فلاح من هذا الأصل ان العالم عبارة عن المكان والمكان جوهر والجوهر والعرض مخلوقان والله ليس بمحدود وليس من جنس الجواهر والأعراض حتى يوصف بأنه داخل العالم وخارجه.اهـ
وقال محمود خطاب السبكي في «الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق» (١/ ٣٦): ويجب أن يعتقد فى صفة البارئ ما ذكرناه. وأنه لا يحويه مكانولا يجرى عليه زمان منزه عن الحدود والنهايات، مستغن عن المكان والجهات ليس كمثله شئ. ويتخلص عن هذه المهالك.اهـ
المعتزلة
قال الأشعري في مقالات الإسلاميين ت ريتر (ص: 157): القول في المكان: اختلفت المعتزلة في ذلك فقال قائلون: البارئ بكل مكان بمعنى أنه مدبر لكل مكان وأن تدبيره في كل مكان، والقائلون بهذا القول جمهور المعتزلة أبو الهذيل والجعفران والإسكافي ومحمد بن عبد الوهاب الجبائي.
وقال قائلون: البارئ لا في مكان بل هو على ما لم يزل عليه، وهو قول هشام الفوطي وعباد بن سليمان وأبي زفر وغيرهم من المعتزلة، وقالت المعتزلة في قول الله عز وجل: الرحمن على العرش استوى: يعني استولى.اهـ
وقال الزمخشري في ربيع الأبرار ونصوص الأخيار (1/ 83): قالوا: الغرض في خلق العرش والكرسي أن يرى بهما اقتداره وعظمته، وأن ينعبد ملائكته بحملهما، والطواف بهما، وجعلهما قبلة، كما وضع في الأرض البيت ليقصد ويطاف به، ويتوجه إليه في الصلاة.وهو متعال عن المكان، وهو خالق الأمكنة، وكان ولا مكان.
وقال القاضي عبد الجبار في تنزيه القرآن عن المطاعن (ص: 42): وكقوله (ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم) وذلك مثله يحسن في الكلام البليغ وقد يقول المرء لغلامه وقد وكله في ضيعة على وجه التهديد له اني معك حيث تكون يريد معرفته باحواله، والله تعالى بكل مكان على وجه التدبير للاماكن وعلى سبيل المعرفة بما يبطنه المرء ويظهره فهذا معنى الكلام ولولا صحة ذلك لوجب أن يكون قريبا ممن بالشرق وممن بالغرب وان يكون في الأماكن المتباعدة تعالى الله عن ذلك فانه قد كان ولا مكان وهو خالق الامكنة.اهـ
الأباضية
جاء في تفسير اطفيش(6/ 54): وروى عن على بن أبى طالب الاستواء غير مجهول ، والتكييف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، لأنه تعالى كان ولا مكان، فهو على ما كان قبل خلق المكان لم يتغير عما كان، فهو على ما كان قبل خلق المكان لم يتغير عما كان ، وهو كلام حق إلا قوله السؤال عنه بدعة ، فلعله موضوع.اهـ
وجاء في تفسير اطفيش – (4/ 59، ت.ش): { ثم استوى على العرش } خلقه ، وكان الاستواء على ظاهره مع القول بلا كيف فإنه دخول فى الظلمة بعد وجود النور ، ومن كان غنيا عن الأمكنة والأزمنة فهو غنى عنها لا يحل فيها ، تعالى عن صفات الخلق.اهـ
وفي تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد – إباضي ـ عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [54] من سورة الأعراف: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} … الآية، يقول: “واستوى: بمعنى استولى بالملك، والغلبة والقوة، والتصرف في كيف شاء، و “العرش”: جسم عظيم وذلك مذهبنا ومذهب المعتزلة، وأبي المعالي وغيره من حذاق المتكلمين، وخص العرش بذكر الاستيلاء لعظمته”.اهـ
وقال الأباضية أيضا : “فمن صفاته سبحانه وتعالى أَنَّهُ: قديم بلا بداية، باق بلا نهاية، منزه عن الشكل واللون، لا يحويه زمان ولا مكان، لأَنَّهُ هو الذي خلق الأشكال والأحجام والألوان والأزمان والأمكنة، وهو منزه عن الجهات والاستقرار، وليس له صورة على النحو الذي يمكن أن يَتَغَيَّر من شكل إلى آخر[22]“.
الزيدية
في كتاب الإمام المجتهد يحيى بن حمزة وآراؤه الكلامية للدكتور أحمد محمود صبحي (ص: 83) تجد العنوان التالي: استحالة الجهة عليه. (انظر الصور أدناه)
وفي كتاب الإمام الزيدي أحمد بن سليمان وآراؤه الكلامية للدكتور عبد الفتاح فؤاد (ص: 58) تجد العنوان التالي: نفي المكانية. (انظر الصور أدناه)
وقال السيد العلامة المجتهد علي بن محمد بن يحيى العجري في مفتاح السعادة (ص: 2169): تمسكت المجسمة بقوله تعالى: {ثم إليه ترجعون} على أن الله تعالى في مكان إذ الرجوع إليه ولا مكان له لا يعقل، وينبغي قبل الجواب عما تمسكوا به من الآية أن نذكر الخلاف في المسألة والدلائل العقلية في ذلك فنقول: قالت العدلية جميعا وأكثر المجبرة: إن الله تعالى ليس بذي مكان ولا انتقال في الجهات من جهة إلى جهة.
الشيعة الإمامية أو الرافضة
جاء الشيخ الصدوق في التوحيدص ٢٠٧: “الشهيد” الشهيد معناه الشاهد بكل مكان صانعا ومدبرا على أن المكان مكان لصنعه وتدبيره، لا على أن المكان مكان له، لأنه عز وجل كان ولا مكان.اهـ وكذا في نور البراهين – لنعمة الله الجزائري – ج ١ / ٤٩٩، وكذا في غريب الحديث في بحار الانوار (2/ 235)، المؤلف:حسين الحسيني البيرجندي.
وفي تفسير الميزان – العلامة الطباطبائي (19/ 79، ت.ش): وفي الكافي ، وروي : أنه يعني عليا (عليه السلام) سئل أين كان ربنا قبل أن يخلق سماء وأرضا؟ قال : أين سؤال عن مكان وكان الله ولا مكان..اهـ
وقال على بن الحسين العلوي الحسيني في أمالي المرتضى غرر الفوائد ودرر القلائد (1/ 149): وسأله رجل فقال: أين كان ربّك قبل أن يخلق السماء والأرض؟ فقال عليه السلام: أين سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان.اهـ
وفي الفصول المهمة في أصول الأئمة – الحر العاملي (1/ 156): قال الكليني: وروي انه سئل ع اين كان ربنا قبل ان يخلق سماء وارضا ؟ فقال ع: اين سؤال عن مكان وكان الله ولا مكان.
وفي امالي السيد المرتضى (11/ 5): وقيل له عليه السلام كيف يحاسب الله الخلق قال كما يرزقهم فقيل كيف يحاسبهم ولا يرونه فقال كما يرزقهم ولا يرونه. وسأله رجل فقال أين كان ربك قبل أن يخلق السماء والارض فقال: “أين” سؤال عن مكان وكان الله ولا مكان.اهـ
وفي أعلام الدين في صفات المؤمنين (7/ 12)تأليف الحسن بن ابي الحسن الديلمي: سبق المكان فلا مكان ، لأنه سبحانه كان ولا مكان ، ثم خلق المكان ، فهوعلى ما كان قبل خلق المكان ، وهو القريب بلا التصاق ، والبعيد من غير افتراق ، حاضر كل خاطر، ومخطر صحيح كل خاطر، ومشاهد كل شاهد وغائب، مدرك كل فوت ، و مؤنس كل أنيس ، وأعلى من كل عال ، وهوعلى كل شيء عال علوه على ما تحت التحت كعلوه على ما فوق الفوق.
وفي ميزان الحكمة– محمدي الريشهري (3/ 135): الإمام الصادق (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بزمان ولا مكان ولا حركة ولا انتقال ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون.
وفي تذكرة الفقهاء للحلي (ط. ج) (2/ 50): إذ المشفوع إليه سبحانه وتعالى غير مختص بحيز ولا مكان.
وفي التبيان في تفسير القرآن – للشيخ الطوسي (10/ 332، ت.ش): وقيل لامير المؤمنين عليه السلام اين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والارض؟ فقال: (أين) سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان. وقيل لا عرابي: أين ربك يااعرابي؟ ! قال بالمرصاد.
وفي مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي: التوحيد: عن الصّادق(عليه السلام) قال: إنّ الله تبارك وتعالى لا يوصف بزمان ولا مكانولا حركة ولا انتقال ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون تعالى عمّا يقول الظالمون علّواً كبيراً.
وفي جامع الأخبار أو معارج اليقين في اصول الدين(3/ 7) تأليف الشيخ محمد بن محمد السبزواري: وسئل محمد بن الحنفية عن الصمد ، فقال : قال علي (عليه السلام) : « تأويل الصمد : لا اسم ولا جسم ، ولا مثل ولا شبه ، ولا صورة ولا تمثال ، ولا حد ولا محدود ، ولا موضع ولا مكان ، ولا كيف ولا أين …..».
وفي كتاب الهداية للشيخ الصدوق (4/ 1): 1 – باب ما يجب ان يعتقد في التوحيد …. يجب أن يعتقد أن الله تعالى واحد ليس كمثله شيء لا يحد ولا يحس ولا يجس..لا يوصف بجسم ولا صورة ولا جوهر ولا عرض ولا سكون ولا حركة ولا صعود ولا هبوط ولا قيام ولا قعود ولا ثقل ولا خفة ولا جيئة ولا ذهاب ولا مكانولا زمان ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا فوق ولا أسفل ولا يمين ولا شمال ولا وراء ولا أمام…اهـ
الأدباء والنحاة واللغويون
قال اللغوي إبراهيم بن السري الزجاج (311 هـ) في تفسير اسماء الله الحسنى (ص/48) : العلي : هو فعيل في معنى فاعل، فالله تعالى عال على خلقه وهو عليٌّ عليهم بقدرته، ولا يجب أن يذهب بالعلو ارتفاع مكاني، إذ قد بينا أن ذلك لا يجوز في صفاته تقدست، ولا يجوز أن يكون على أن يتصور بذهن، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا” اهـ.
وقال أيضا: والله تعالى عال على كل شيء، وليس المراد بالعلو: ارتفاع المحلِّ، لأن الله تعالى يجل عن المحل والمكان، وإنما العلو علو الشأن وارتفاع السلطان ” اهـ.[تفسير اسماء الله الحسنى (ص/ 60).]
وفي «أمالي القالي» (١/ ١): قال الشيخ أبو على إسماعيل بن القاسم القالى البغدادى رحمه الله: الحمد لله الذى جل عن شبه الخليقة، وتعالى عن الأفعال القبيحة.. الذى عزب عن الأفهام تحديده، وتعذر على الأوهام تكييفه؛ وعميت عن إدراكه الأبصار، وتحيرت فى عظمته الأفكار؛ الشاهد لكل نجوى، السامع لكل شكوى، والكاشف لكل بلوى؛ الذى لا يحويه مكان، ولا يشتمل عليه زمان، ولا ينتقل من حال إلى حال.اهـ
وقال السمين الحلبيفي «عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ» (٣/ ١٢٨):
فيه إشعار بأن الله لا يحويه مكان لا قبل وجود السماء ولا بعد وجودها.اهـ
وفي محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء للراغب الأصبهاني(2/ 410): نفي الكيفية عن الله سبحانه وتعالى: قال الله تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وسئل جعفر بن محمد عن كيفية الله تعالى، فقال: نور لا ظلمة فيه وعلم لا جهل فيه، وحياة لا موت فيها. وسأل رجل أمير المؤمنين: أين الله تعالى؟ فقال: هذا سؤال عن المكان، وكان الله ولا مكان وقال عثمان لأعرابي: أين ربك؟ قال: بالمرصاد. وقال العتبي: من جعل الله في مكان فقد حدهومن حده فقد عده ومن عده فقد ثناه، تعالى الله عن ذلك.اهـ
وفي الكامل في اللغة والأدب للمبرد (1/ 84): جواب علي بن أبي طالب حين سئل: أين ربنا؟ وقال قائل لعلي بن أبي طالب رحمة الله: أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ فقال علي: أين، سؤال عن مكانٍ، وكان الله ولا مكان.
وقال أبو العلاء المعري ـ وهذا قاله فيما يبدو في طور إيمانه، فإن له أطوارا على ما قيل كما أشرنا في المنشور السابق ـ في «معجز أحمد» ” (شرح لديوان المتنبي)” (ص٤٦٥ ت.ش):في لا مكانٍ عند لا منال… الهاء في منها للآمال.
يقول: قد بلغت جميع الآمال، ولم تترك منها إلا ما هو المحال، وهو ما لا يحويه مكان، ولا يصل إليه منال، وهو المحال؛ لأن كل شيء لا بد من أن يحويه مكان ويدركه منال، خلا الله تبارك وتعالى فإنه لا يحويه مكان، ولا يدركه منال ولا مثال، وهو موجود حي.اهـ
وقال أحمد المهلبي في «المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي» (١/ ٢٥١): الله تقدست أسماؤه، وجل ثناؤه لا يحويه مكان، ولا يدرك وهو حق الحق.اهـ
وقال خالد الأزهري في«شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو» (١/ ٥٤٨): «شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو» (١/ ٥٤٨): “وحُمل عليه” أي: على اتباع المنقطع “الزمخشري” قوله تعالى: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} .. وهو استثناء منقطع؛ لعدم اندراجه في مدلول لفظه “من” لأنه تعالى لا يحويه مكان. وجوز السفاقسي أن يكون متصلا، والظرفية في حقه تعالى مجازية، وفيه جمع بين الحقيقة والمجاز في الظرفية، وعلى هذا فيرتفع على البدل أو عطف البيان. وكلاهما ضعيف، قال ابن مالك٤: والمخلص من هذين المحذورين أن يقدر: قل لا يعمل من يذكر في السموات والأرض. ا. هـ. وكذا في «إعراب القرآن وبيانه» لمحي الدين درويش (٧/ ٢٤٦).
ثانيا: موقف ابن تيمية وأتباعه من الوهابية في تنزيه الله عن المكان
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (2/ 272):” ومن أعظم الأصول التي يعتمدها هؤلاء الاتحادية الملاحدة المدعون للتحقيق والعرفان: ما يأثرونه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان} عند الاتحادية الملاحدة، وهذه الزيادة وهو قوله: {وهو الآن على ما عليه كان} كذب مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم …وإنما تكلم بهذه الكلمة: بعض متأخري متكلمة الجهمية فتلقاها منهم هؤلاء الذين وصلوا إلى آخر التجهم – وهو التعطيل والإلحاد -.
وقال ابن تيمية: وحقيقة الأمر في المعنى أن ينظر إلى المقصود فمن اعتقد أن المكان لا يكون إلا ما يفتقر إليه المتمكن سواء كان محيطا به أو كان تحته فمعلوم أن الله سبحانه ليس في مكان بهذا الاعتبار ومن اعتقد أن العرش هو المكان وأن الله فوقه مع غناه عنه فلا ريب أنه في مكان بهذا الاعتبار[23].اهـ
وقال الغنيمان: وقولهم: كان الله، ولا مكان، وهو الآن على ما كان عليه قبل خلق المكان، كلام فاسد، متناقض، وذلك أن النفاة للاستواء والعلو، وغيرهما[24]
وقال البرّاك: هذا النقل عن ابن بطال – عفا الله عنه – فيه منكرات: منها نفي الجسمية والاستقرار في مكان عن الله، وهو نفي لم يرد في الكتاب والسنة، وإنما يتوصل به إلى نفي الصفات والاستواء على العرش…ودعوى تنزيه الله عن المكان، يُرمى منها نفي استواء الله على العرش، وهو ليس بسديد، بل الله مستوٍ على العرش حقيقة[25].
وقال الأثيوبي: وقال ابن العربيّ: قوله: “الذي في السماء” يعني في العلوّ والجلال؛ لأن الله تعالى لا يحويه مكان.. قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله ابن العربيّ .. يريد به نفي إثبات صفة علوّه تعالى على السماء، وكذا استواءه على العرش، وقد تقدّم تفنيد هذا المذهب غير مرّة، وأن الحقّ أن الله تعالى استوى على العرش، كما أخبر به عن نفسه، وأنه على السماء، كما في هذا الحديث، وحديث الجارية[26].اهـ قال وليد: قولكم ” استوى على العرش، كما أخبر به عن نفسه “، ولكن أيضا أخبر عن نفسه “وهو معكم أينما كنتم”، أم أن هذه الأخيرة ليست من القرآن؟!! وجوابكم عنها هو جوابنا عن آية الاستواء.
وقال دمشقية: كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان لا أصل له في شيء من كتب الحديث…. غير أن هذه الزيادة موجودة في كتب الشيعة. فقد رواها الكليني في الكافي …وهذا يدل على مدى الاختراق الرافضي لبعض الفرق الإسلامية…. ثم يأتي صاحب كتاب التوفيق الرباني فيزعم أن هذا قول علماء أهل السنة. وهو كذب[27].
قال وليدـ أسعده الله وإياكم في الدارين ـ: والحاصل مما سبق أن العلماء من شتى العلوم والفرق الإسلامية تنفي المكان عن الله مطلقا وهذا نتيجة بحثي في حوالي ثلاثين ألف كتاب في المكتبة الشاملة الذهبية، واستغرق بحثي أكثر من شهر، فما وجدت أحدا أثبت لله المكان سوى فرقة الهشامية المجسمة التي يتزعمها هشام بن الحكم الرافضي فأثبت المكان لله وهذا سبق أن بسطته، وأما ابن تيمية فجاء بتقسيم مبتدع للمكان إلى وجودي وعدمي، ومخلوق وغير مخلوق … فأثبت أن الله في مكان عدمي غير مخلوق، ونزهه عن المكان الوجودي المخلوق، وهذا لم أجد أحدا من العالمين قاله قبله، فضلا عن أنه تنقضه ظواهر كثير من الآيات كآيات المعية ونحوها، ولكنه أوّلها بحجة عقلية وهي أن الله لا يحويه مكان مخلوق، فخالف أصله في أن التأويل رجس من عمل الشيطان، وأن النقل مقدم على العقل، وأنه لا يثبت إلا ما أثبته الله لنفسه ولا ينفي إلا نفاه عن نفسه، وهذا كله خالفه، ناهيك عن المخلوق مستغني عن مكان عدمي فما بالك بالخالق؟!! وهذا كله سنبسطه لاحقا بحول الله
وأقول أخيرا لدمشقية قد أثبتنا بنصوص كثيرة جدا وبأعداد مهولة ـ ولدينا مزيد منها طبعا ـ عن العلماء من كل الفنون ومن سائر الفرق تنفي المكان عن الله سوى المجسمة، وثبت أن نفي المكان عن الله لم يسرقه الأشاعرة من الشيعة ـ الذين كان متقدموهم مجسمة أصلا ـ ولا من المعتزلة كما زعمت، بل يقول بها جماهير علماء الإسلام من كل الفنون ممن ذكرنا ومن كل فرق الإسلام سوى المجسمة الذين تبعتموهم، فمن هو الخارج عن الفرق الثلاثة والسبعين؟ والتي قال ابن تيمية: وافترق الناس في هذا المقام (أربع فرق: ” فالجهمية ” النفاة الذين يقولون: لا هو داخل العالم ولا خارج العالم ولا فوق ولا تحت؛ لا يقولون بعلوه ولا بفوقيته؛ بل الجميع عندهم متأول أو مفوض وجميع أهل البدع قد يتمسكون بنصوص؛ كالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة وغيرهم؛ إلا الجهمية؛ فإنه ليس معهم عن الأنبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه من النفي. ولهذا قال ابن المبارك ويوسف بن أسباط: ” الجهمية ” خارجون عن الثلاث وسبعين فرقة[28].اهـ
أظن صار معلوما لدينا من هو الخارج عن الفرق الثلاثة والسبعين، لأن كل الفرق تنزه الله عن المكان والجهة الحسية سوى المجسمة التي كان زعيمها هشام بن الحكم الرافضي ثم تبعه ابن كرام ثم بعض الحنابلة ـ وهذا ما سنبسطه في المنشور القادم بحول الله ـ ثم ابن تيمية ومن تبعه من الوهابية، أي أنكم أنتم ـ يا دمشقية ـ من تأثر بالرافضة المجسمة الأوائل لا السادة الأشاعرة الذين نزهوا الله عن المكان والزمان والجسمية ولوازمها، فرددتُ اتهامَك للسادة الأشاعرة رضي الله عنهم إليك للمرة الثانية، وطبعا لدينا المزيد من نصوص التنزيه عن العلماء[29] ولم نأت إلا بالقليل حتى الآن.
وفي المنشور القادم نبسط الكلام إن شاء الله عن سلف ابن تيمية من الحنابلة كابن حامد وابن الزاغوني وأضرابهما ممن حمل الاستواء على المعنى الحسي وأضاف المكان إلى الله كابن كرام وغيره ممن تبع هشام بن الحكم الرافضي. والله أعلم
جمعه وليد ابن الصلاح
—————————
[1] انظر السابق:
https://www.facebook.com/…/permalink/3044553585658643/
[2] انظر:
[3] انظر:
https://www.facebook.com/…/permalink/2747325182048153/
[4] «تاريخ الإسلام ت تدمري» (١٩/ ٣١٠)
[5] انظر:
https://www.facebook.com/…/permalink/770140399766651
[6] انظر:
https://www.facebook.com/…/permalink/770458499734841/
[7] انظر :
https://www.facebook.com/…/permalink/778122578968433/
[8] العلو للعلي الغفار للذهبي (ص: 207)
[9] جامع البيان ط هجر (4/ 544)
[10] جامع البيان ط هجر (22/ 385)
[11] جامع البيان ط هجر (1/ 457)
[12] الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 359)
[13] انظر: أبو يعلى الفراء الحنبلي يفوض المعنى في الصفات .
http://www.aslein.net/showthread.php?t=1207
[14] جاء في دفع شبه التشبيه لابن الجوزي- ت الكوثري (ص: 6)، وطبعة السقاف ص97: قال في أوله: ورأيت من أصحابنا من تكلم في الاصول بما لا يصلح، وانتدب للتصنيف ثلاثة: أبو عبد الله بن حامد. وصاحبه القاضي ، وابن الزاغوني فصنفوا كتبا شانوا بها المذهب، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام، فحملوا الصفات على مقتضى الحس.. ثم يرضون العوام بقولهم: لا كما يعقل. وقد أخذوا بالظاهر في الاسماء والصفات، فسموها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم .. ويقولون: نحن أهل السنة، وكلامهم صريح في التشبيه وقد تبعهم خلق من العوام. فقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم: يا أصحابنا أنتم أصحاب نقل وإمامكم الاكبر أحمد بن حنبل يقول وهو تحت السياط: كيف أقول ما لم يقل. فإياكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه.. ومن قال: استوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسيات، وينبغى أن لا يهمل ما يثبت به الاصل وهو العقل، فإنا به عرفنا الله تعالى، وحكمنا له بالقِدم، فلو أنكم قلتم: نقرأ الاحاديث ونسكت، ما أنكر عليكم أحد، إنما حملكم إياها على الظاهر قبيح فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه. ولقد كسيتم هذا المذهب شينا قبيحا حتى صار لا يقال حنبلي إلا مجسم.اهـ
[15] انظر:
https://dorar.net/aqadia/1446/المطلب-الثاني:أنواع-التفويض
[16] وانظر المزيد حول تنزيه الحنابلة لله عن المكان: السادة الحنابلة واختلافهم مع السلفية المعاصرة في العقائد والفقه والتصوف ص343، لمصطفى حمدو عليان الحنبلي.
[17] مجموع الفتاوى (5/ 578)
[18] الفتوى الحموية الكبرى (2/ 117)
[19] «مجموع الفتاوى» (١٦/ ١٠٠)
[20] مقالات الإسلاميين (ص: 298)
[21] وانظر أيضا: «تاريخ الإسلام ط التوفيقية» (٢٩/ ١٧١)
[22] انظر:
https://www.istiqama.net/aqida/alroaya.htm
[23] درء تعارض العقل والنقل (3/ 221)
[24] شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (1/ 473)
[25] التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري للبراك (ص: 72)
[26] البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج» (٢٥/ ٤٨٩)
[27] استدلال الشيعة بالسنة النبوية في ميزان النقد العلمي – رسالة جامعية لدمشقية 1/ 488
[28] «مجموع الفتاوى» (٥/ ١٢٢)
[29] انظر: