ومنها ما أخرجه مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كُتب له كأنما قرأه من الليل[1]. قال القاضي عياض: “حزبه” هو ما يجعله الإنسان على نفسه من صلاة أو قراءة[2].اهـ وقال العيني في شرح سنن أبي داود (5/ 219):الحزب : ما يجعله الرجل على نفسه من قراءة أو صلاة، كالورد ، والحِزبُ : النوبة في ورود الماء.اهـ وجاء في تحفة الأحوذي (3/ 150): والحديث يدل على مشروعية اتخاذ ورد في الليل وعلى مشروعية قضائه إذا فات لنوم أو لعذر من الأعذار وأن من فعله ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كان كمن فعله في الليل.اهـ[3] وهكذا نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: “كل بدعة ضلالة” هو نفسه قال أيضا: “من نام عن حزبه…” فدل على جواز أن يُخصص الإنسان لنفسه قدرا من الصلاة أو وِردا من الأذكار أو شيئا من القرآن، بأن يؤديه ويواظب عليه في جزء من الليل، وليس هذا فحسب بل شَرع أيضا أن يقضي المكلفُ هذا الورد في النهار إن نام عنه ليلا[4].
ولو أن حديث “كل بدعة ضلالة” كان عاما كما فهمتم لنهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك كله فضلا عن أن يأمر بالقضاء. ولكن من رحمة الله وسعة الشريعة أن الشارع ندبنا إلى النوافل مطلقا، ولم يُلزمنا بشيء محدد منها؛ ولا نهانا عن تحديد شيء منها، بل أجاز ذلك كما في حديث عمر هذا وغيره. والحكمة من ذلك أن يتمكن الناس من أداء النوافل في المكان والزمان وحسب الهيئة التي يختارون ما لم يرد نص بعينه ينهى عن هيئة بعينها، وفي ذلك من السعة ما هو ظاهر، حيث يختار كل شخص ما يناسب حاله وزمانه ومكانه لأداء النوافل المطلقة. وبناء عليه يكون القول بحظر تحديد شيء من الأذكار أو الصلوات أو الأدعية أو نحو ذلك من النوافل المطلقة: هو قول مبتدع مخالف لهذا الحديث وأمثاله[5].
ومنها…….انتظره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) انظر: صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض – حديث: 747 .
([2]) انظر: مشارق الأنوار للقاضي عياض (1 / 190).
[3] وقال الشوكاني في نيل الأوطار (3/ 59): قوله : ( عن حزبه ) الحزب بكسر الحاء المهملة وسكون الزاي بعدها باء موحدة الورد والمراد هنا الورد من القرآن وقيل المراد ما كان معتاده من صلاة الليل؛ ( والحديث ) يدل على مشروعية اتخاذ ورد في الليل . وعلى مشروعية قضائه إذا فات لنوم أو عذر من الأعذار وأن من فعله ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كان كمن فعله في الليل.اهـ
[4] قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (2/ 430): والحديث دليل على استحباب المحافظة على الأوراد وأنها إذا فاتت تقصى.اهـ
([5]) وكم بدّع السلفيةُ عوامَ الناس وعلمائهم من أجل حزب يقرؤونه أو وِرد يلتزمون به! ومن العجائب أن بعض السلفية ـ وهو محمد الشنشوري ـ أورد حديث عمر السابق، ثم أقر بأنه يدل على جواز أن يكون للإنسان قدْر من الذكر والدعاء والصلاة وقراءة القرآن؛ ولكنه سرعان ما قال بعد ذلك: “أما التوسع بمدلول هذا الحديث إلى الأحزاب والأوراد التي شُغل المسلمون بها عن كتاب الله وأذكاره…فمن الابتداع الذي ما أنزل الله به من سلطان…..إلخ. فتأمل كيف نقض غزله، وضيق ما وسعه رسول الله!! انظر: فقه الذكر والدعاء ص73، تأليف محمد بن أحمد الدسوقي الشنشوري، دار الجيل ببيروت، ط1/ 1992م.
وانظر المقال أيضا على :
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/414892401958121/