تاريخ وتراجم وأعلام

ترجمة ماتعة ونادرة من أبي العباس اللبلي لأبي الحسن الأشعري ونبذة عن طبقات أصحابه، وكلمة عن التقليد في العقيدة، وبيان حال الأهوازي والسجزي وابن حزم في موقفهم من الأشاعرة… مع تعليق للعلامة الكوثري رحم الله الجميع.

مقتطفات “ولسنا ننسب مذهبنا في التوحيد إليه على معنى أنا نقلده فيه …. وإنما ينتسب منا من انتسب إلى مذهبه ليتميز عن المبتدعة الذين لا يقولون به …..ولم يكن أول متكلم بلسان أهل السنة إنما جرى على سنن غيره …ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهبا انفرد به”.

قال الإمام أبو العباس أحمد بن يوسف بن يعقوب بن علي الفهري اللبلي المتوفى بتونس سنة 691هـ في فهرسته ص73: وأما أبو الحسن الأشعري الإمام رضي الله عنه شيخ أبي الحسن الباهلي وشيخ عبد الله بن مجاهد المذكور وغيرهما فهو صاحب المذهب الذي اتخذه أهل الحديث والفقه من أهل السنة والجماعة إماما حتى نُسب مذهبهم إليه فنسب من تعلق لمذهب أهل السنة وتفقه في معرفة أصول الدين من بين سائر المذاهب إلى الأشعري لحسن تصانيفه وصحة مذهبه واعتقاده فكثر الاستعمال لها والاشتغال بها ولسنا ننسب مذهبنا في التوحيد إليه على معنى أنا نقلده فيه ونعتمد عليه ولكنا نوافقه فيما صار إليه من التوحيد لقيام الأدلة على صحته لا مجرد التقليد وإنما ينتسب منا من انتسب إلى مذهبه ليتميز عن المبتدعة الذين لا يقولون به من أصناف المعتزلة والجهمية والمجسمة والكرامية المشبهة السالمية وغيرهم من سائر الطوائف المبتدعة وأصحاب المقالات الفاسدة لأن الأشعري هو الذي انتدب للرد عليهم حتى قمعهم وأظهر لمن لم يعرف البدع بدعَهم ولم يكن أول متكلم بلسان أهل السنة إنما جرى على سنن غيره وعلى نصرة مذهب معروف فزاد المذهب حجة وبيانا ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهبا انفرد به.

ألا ترى أن مذهب أهل المدينة يقال له مالكي ومالك رضي الله عنه إنما جرى على سنن من كان قبله من العلماء وكان كثير الاتباع لهم إلا أنه زاد المذهب بيانا وبسطا وحجة وشرحا وألف كتابه الموطأ وما أخذ عنه من الأسمعة والفتاوى فنسب المذهب إليه لكثرة بسطه وله وكلامه فيه فكذلك الإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه لا فرق وليس في المذهب أكبر من بسطه وشرحه وتواليفه في نصرته ومن وقف على تصانيفه على ما سنذكرها إن شاء الله تعالى علم أن الله تعالى قد مده بمواد توفيقه وأقامه لنصرة الحق والذب عن طريقه …’’’’’

مذهب الأشعري الفقهي وطبقات أصحابه

قال اللبلي رحمه الله في فهرسته ص75: وكان في مذهبه شافعيا وحكى بعضهم أنه كان مالكيا والأول هو المعروف فتخرج من أصحابه خلق كثير بالمشرق تفرقوا في البلاد أكثرهم بالعراق وخراسان كالإمام أبي عبد الله بن مجاهد والشيخ أبي الحسن الباهلي وقد ذكرناهما وأبي الحسن بندار بن الحسين ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره وأثنوا عليه كثيرا وأبي سهل الصعلوكي ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ وغيره وأثنوا عليه ثناء كثيرا وأبي زيد المروزي ذكره أيضا الحافظ أبو عبد الله الحاكم وأثنى عليه وأبي عبد الله بن خفيف ذكره الحافظ أبو نعيم الأصبهاني وأثنى عليه وأبي الحسين عبد العزيز بن محمد بن إسحاق البصري المعروف بالدمل ذكره محدث الشام الحافظ أبو القاسم بن عساكر وأثنى عليه فهؤلاء الأئمة رضوان الله عليهم من جلة أصحاب الإمام أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه هم مشهورون بالأخذ عنه والاستفادة منه وقد ذكرهم الأئمة الحفاظ الثقات الأثبات أبو عبد الله الحاكم النيسابوري والحافظ أبو نعيم الأصبهاني والحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي والحافظ أبو القاسم بن عساكر وقد أشرت إلى ما ذكره كل واحد منهم.

فناهيك من يذكره هؤلاء الأئمة أئمة السنة ويثني عليه بالعلم والفضل والدين علماء الأمة وقد جَعل محدثُ الشام صدرُ الحفاظ أبو القاسم ابن عساكر الحاكمَ أبا عبد الله الحافظ والحافظَ أبا نعيم الأصبهاني من الطبقة الثانية الذين هم أصحاب الإمام أبي الحسن الأشعري ممن سلك مسلكه في الأصول وكذلك جعل الحافظُ ابن عساكر الحافظ أبا بكر الخطيب من الطبقة الرابعة المستبصرة بتبصير الإمام أبي الحسن الأشعري والاقتداء به والمتابعة له في مذهبه.وأما الحافظ شيخ السنة أبو بكر البيهقي النيسابوري فلا تخفى نصرته لمذهب الإمام أبي الحسن الأشعري وكثرة تصانيفه في ذلك وسأذكر إن شاء الله تعالى عن قريب كلامه فيه وثناءه عليه وقد ذكر الحافظُ ابن عساكر الحافظ أبا بكر البيهقي وجعله من الطبقة الثالثة ممن لقي أصحاب الإمام أبي الحسن الأشعري وأخذ العلم عنهم .

وأما الحافظ الإمام الثقة شيخ الإسلام محدث الشام ناصر السنة قامع البدعة أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي الدمشقي المعروف بابن عساكر فإني أقول فيه ما قاله إمام الحرمين أبو المعالي الجويني في الحافظ أبي بكر البيهقي المتقدم الذكر فإنه قال فيه حين ذكره ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منه إلا الحافظ أبا بكر البيهقي فإن له على الشافعي منّة، لتصانيفه في نصرة مذهبه وأقاويله، أو كما قال؛ وكذا أقول أنا في الحافظ ابن عساكر ما من أشعري إلا وللأشعري عليه منه إلا الحافظ ابن عساكر فإن له على الأشعري منه لانتصاره له ورده على من خالف مذهبه وباين اعتقاده رضي الله عنه مع كونه إماما من أئمة المحدثين وحافظا من حفاظ المسلمين.

(حال الأهوازي الذي قدح في الإمام الأشعري رحمه الله)

قال اللبلي: فكفى الإمام أبا الحسن الأشعري فضلا أن لفضله وفضل أصحابه أتباعا كما ذكرناه على مذهبه واعتقاده مثل هؤلاء الأئمة وحسبه فخرا أن يثني عليه ويكون على مذهبه الأماثل من علماء الأمة ولا يضره قدح من قدح فيه ولا تقوّل عليه كذي المعايب والمخازي الحسن بن علي الأهوازي فإنه بالغ في ذم الإمام أبي الحسن الأشعري وأصحابه وأغرى لفرط جهله وسوء عقده في شتمهم وتقول عليهم في كتابه المسمى ب البيان المشحون بالكذب والبهتان ما لم يقولوه ونسب إليهم من المذاهب الفاسدة ما لم يذهبوا إليه ولا ذكروه وقد تصدى لنقضه ورده وإبدء عواره وكشف سره الإمام أبو القاسم ابن عساكر بتصنيف جليل سماه تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري ولو لم يكن للحافظ ابن عساكر من المنة على الأشعري إلا هذا الكتاب لكفى به فإنه ملأ كتابه هذا ثناء عليه وعلى أصحابه وجعل أئمة الحديث الذين ذكرت قبل وغيرهم من الأئمة على مذهبه .

وقد ذكر الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخِه اللعينَ الأهوازيَّ هذا فقال عنه: أبو علي الأهوازي المعري، كذابٌ في الحديث والقرآن جميعا. فناهيك بمن يشهد بكذبه في كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مثل هذا الإمام وذكره أيضا الحافظ ابن عساكر فقال: كان أبو علي الأهوازي في اعتقاده سالميا مشبها مجسما حشويا ومن وقف على كتابه الذي سماه البيان في شرح عقود أهل الإيمان الذي صنفه في أحاديث الصفات واطلع على ما فيه من الآفات ورأى ما ذكر من الأحاديث الموضوعة والروايات المستكرهة المدفوعة والأخبار الواهية الضعيفة والمعاني المتنافية السخيفة كحديث ركوب الجمل وعرق الخيل قضى الله تعالى عليه في اعتقاده بالويل. قال الحافظ ابن عساكر ولست أعجب من الأهوازي فيما أتى به من الجهل لأنه الليق به لسوء العقد وعدم الفضل، وإنما أعجب ممن سمعوه منه وحكوه ومن جهال كتبوه عنه ورووه ولكن لكل ساقطة لاقطة وعلى قدر الوجه تكون الماشطة.

(حال السجزي الذي طعن في الأشعري)

جاء في فهرسة اللبلي (ص: 82): فهذا إمام الحرمين أبو المعالي رضي الله عنه إمام أئمة الأشعرية أهل السنة ومن مقدميهم ومن المعتبرين فيهم قد أنكر ما تقوله اللعين السجزي على أهل السنة وتبرأ منه ولعن ما قاله واعتقده فتبين بذلك كذب السجزي واختراصه على الأئمة وافتراؤه عليهم .

قال وليد: قد نقل العلامة الكوثري في السيف الصقيل عن فهرسة اللبلي بعض ما قاله إمام الحرمين في السجزي هذا ثم قال الكوثري: وقد وفاه اللبليُّ الكيل صاعا بصاع. ومن الغريب أن السجزيِيِن مهما علت منزلتهم في الرواية يقل بينهم جدا من يكون طاهر الذيل ناصع الجبين من فحش التشبيه ووصمة التجسيم كما لا يخفى على من بحث مؤلفاتهم بتبصر، وأرى ذلك من عدوي مرض شيخ المجسمة أبي عبد الله محمد بن كرام السجزي الذي بتقشفه كان سحر ألباب أهل سجستان وتأريخه في غاية من الشهرة. وهذا السجزي هو أبو نصر الوائلي. مؤلف الإبانة المتوفى سنة 444 وصاحبه السعد الزنجاني بمكة مثله في التشبيه مع أنهما ينتحلان مذهب الشافعي، ومن هذا الطراز الآجري صاحب كتاب الشريعة قبلهما ويرثى لحال من يميل إلى التشبيه مع جلالة مقداره في الحديث ونحن لا نعول على الرجل إلا في العلم الذي يتقنه دون سائر العلوم فكم بين أهل الحديث من هو أنزل منزلة من العامي في علم أصول الدين والفقه وكذلك سائر العلماء في غير علومهم.

 https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=266111010232165&id=100004998042091&stream_ref=1

(ابن حزم طعن في الأشعرية لعدم علمه بمقالتهم)

قال في فهرسة اللبلي (ص: 82): وكذلك رأيت أبا محمد بن حزم قد حكى فيما ألفه من القبائح التي لقبها بالنصائح وفي كتابه الفصل بين النحل والملل هذه المقالة عن الأشعرية ونسبها إليهم وشنعها على عادته الذميمة عليهم وأظن أنه رآها لهذا المفتري السجزي ولم يقف على كلام الأئمة في حقيقة النبوءة الذي ليس بينهم خلاف في أنها ليست عرضا وأنها راجعة إلى خطاب الله تعالى كما تقدم من كلام إمام الحرمين رضي الله عنه فلعن الله قائلها ومعتقدها ومن تقولها عليهم واخترعها وإن كان ابن حزم كثيرا ما يتقول على الأشعرية وعلى غيرهم ويحكي عنهم ما لا يقولونه وينسب إليهم ما يتبرأون منه وينكرونه لقصور معرفته لعلومهم وكونه غير بصير بشيء من كلامهم لأنه إنما قرأ كتبهم وحده على ما ذكره الإمام أبو محمد عبد الله بن طلحة في كتابه مما توهم بعقله عليهم. قال هكذا أرادوا وهذا غير سديد وما ينبغي لأحد أن يتكلم في مذهب أحد حتى يقرأ عليهم ويفسر له كلامهم فالعلوم غوامض لا ينبغي لأحد أن يتجاسر عليها بعقله ولجهله بمذاهب القوم صدر منه ما صدر ولا يشك في أن الرجل حافظ إلا أنه إذا شرع في تفقه ما يحفظه لم يوفق فيما يفهمه لأنه قائل بجميع ما يهجس له ومما يدل على صحة ما أقوله أن من عنده أدنى مسكة من عقل يقول إن القدرة القديمة تتعلق بالمحال فيجوز عنده اجتماع الضدين في محل وفي زمن واحد فيكون الشيء أسود أبيض في حالة وأخرى ويكون الجسم الواحد في مكانين متباينين فيكون الإنسان في المشرق في الزمن الواحد الذي يكون فيه في المغرب إلى غير ذلك مما يقوله مما لا يصدر تجويزه من عاقل فالعلم باستحالة هذه الأمور أو تجويزها يعرف الفرق بين العاقل والمجنون والبهيمة والإنسان فمن جوزها خرج عن العقلاء الملكلفين ولحق بالبهائم والمجانين. انتهى كلام اللبلي في فهرسته وقد كفى وشفى رحمه الله وجعله في عليين ونحن معه بمنه وكرمه.

رابط المنشور على الفيس بوك:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/542324225881604/

السابق
سلسلة استدلال ابن تيمية وأتباعه بالأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة في العقيدة، حديث ” بينا أهل الجنة في نعيمهم، إذ ‌سطع ‌لهم ‌نور، فرفعوا رءوسهم، فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم “.
التالي
ترجمة ماتعة لشيخنا العلامة القاضي عبد الرحمن محمد ديب الحلو البيروتي الفقيه الحنفي الأصولي النقشنبدي المفسر المحدث النحوي اللغوي الأديب الأريب المحقق الجهبذ المتكلم النظار النقاد، حفظه الله ورعاه ونفعنا بعلومه في الدارين.