مقالات قيمة حول البدعة

(3) “حسن المقالة في حديث كل بدعة ضلالة”

فإن قيل: لا نسلّم أن الحديث (أي كل بدعة ضلالة) عام مخصوص، بل هو باق على عمومه، وما ذكرتم أننا نخصه بالبدعة الشرعية، فليس بتخصيص، وإنما هو حمل للحديث على ما أريد به، إذ الحديث أراد ذم الابتداع في أمور الدين مطلقا، وأما ما سوى ذلك من الابتداع في أمور الدنيا فغير داخل أصلا، فبقي ذم كل ما يستحدث في أمور الدين على عمومه.

قلنا: حاصل ما ذكرتم أن الحديث عام أريد به الخصوص وليس من قبيل العام المخصوص([1])؛ فهذا إقرار منكم أن الحديث ليس على عمومه، وهو المطلوب؛ وأما قولكم إنه أريد به الابتداع في أمور الدين لا الدنيا فهو مجرد دعوى لا دليل عليها، بل الدليل على خلافه، إذ كل أمر مُحدَث خالف نصا شرعيا فهو مردود سواء كان دينيا أم دنيويا وهذا بإقراركم أنتم[2]، كما سيأتي بسط ذلك.

فإن قلتم: تخصيصنا للبدعة في الحديث بالبدعة الشرعية يدل عليه أمور:

الأول: إن الحقائق الشرعية مقدمة على اللغوية كما هو مقرر في أصول الفقه.

الثاني: إن الدين كامل تام كما قال تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً } المائدة:3. وبالتالي فأي إحداث أو ابتداع إنما هو استدراك على الشريعة، وجرأة قبيحة ينادي بها صاحبها أنَّ الشريعة لم تَكفِ، ولم تكتمل!، فاحتاجت إلى إحداثه وابتداعه!!([3])؛ وهذا كله بخلاف أمور الدنيا، فهي متروكة للناس يتصرفون فيها حسب خبراتهم ومصالحهم، كما جاء في حديث مسلم: “أنتم أعلم بأمور دنياكم”، فظهر أن البدعة المنهي عنها هي ما كان في أمور الدين لا الدنيا.

قلنا: أولا: البدعة ليس لها معنى لغوي وآخر شرعي؛ بحيث إذا جاءت في خطاب الشارع حُملت على المعنى الشرعي وقُدّمت على المعنى اللغوي، فإن ادعيتم ذلك فعليكم البيان والدليل، وهذا بخلاف الصلاة مثلا فالصلاة هي: الدعاء لغة، وثبت لها معنى شرعي بقوله صلى الله عليه وسلم “صلوا كما رأيتموني أصلي” كما في حديث البخاري، فأفاد أن الصلاة المأمور بها في قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } [البقرة: 43] ، هي الصلاة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها لا مطلق الدعاء كما هو المعنى اللغوي.

ثانيا: سلمنا أن البدعة المنهي عنها هي البدعة الشرعية، ولكن ما هي البدعة الشرعية؟ إن قلتم: هي كل ما أحدث في أمور الدين سواء وافق نص الكتاب أو السنة أو الإجماع أم خالفهما. قلنا: هذه مصادرة على المطلوب، فنحن ندعي أن البدعة الشرعية هي ما خالف كتابا أو سنة أو إجماعا، لا مطلق ما أُحدث سواء وافق هذه الأدلة أم خالفها كما زعمتم؛ وعليه فالحديث مطلق لا يدل على قولنا، ولا على قولكم فبطل احتجاجكم بعمومه، وأما نحن فنستدل على البدعة الحسنة بأحاديث أخرى ستأتي.

ثالثا: إن تفريقكم بين أمور الدين وبين أمور الدنيا، حيث حظرتم الابتداع في الأولى دون الثانية: غير مُسلّم، بل هذا التفريق هو نفسه بدعة، إذ الإسلام جاءت شرائعه من أوامر ونواهٍ لإصلاح الدين والدنيا معا ففيه سعادة الدارين، وعليه فالابتداع إذا كان فيه مخالفة لنص فهو مذموم وداخل في الحديث سواء كان في أمور الدين أو الدنيا.

رابعا: قولكم بأن الدين كامل والابتداع فيه استدراك عليه بخلاف ما يكون في أمور الدنيا، قلنا: هل الابتداع استدراك على الدين إذا خالف نصا أو إجماعا، أم إذا لم يخالف شيئا من ذلك، أما الأول فمُسلّم، وأما الثاني فهو محل النزاع؛ بل كلامكم هذا حجة عليكم إذ نحن اشترطنا في البدعة الحسنة أن تكون منضوية تحت عمومات النصوص أو شهد الشارع لأصلها وإلا فلا نجيزها قط، فآل أمر البدعة الحسنة إلى عمومات النصوص، ولا شك أن عمومات النصوص حجة وإلا بطل استدلالكم من أصله بعموم حديث الباب وهو “وكل بدعة ضلالة”.

والحاصل أن البدعة الحسنة هي ما كانت داخلة في عمومات النصوص من كتاب وسنة أو شهد لها أصول الشرع بحسنها، وعليه، فكيف تكون البدعةُ الحسنةُ ـ والحالة هذه ـ زيادةً على الشرع واستدراكاً عليه، مع أنها داخلة تحت عمومات النصوص، وقد شهد الشرع نفسه لأصلها؟ومثال ذلك: قراءة قَدْر معين من القرآن في وقت معين، أو المداومة على أذكار معينة في …..انتظره

ـــــــــــــــــــــــــ

*انظر السابق: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/410819002365461/

([1]) فرّق العلماء بين العام المخصوص وبين العام الذي أريد به الخصوص، قال السبكي: العام المخصوص أريد عمومه وشموله لجميع الأفراد من جهة تناول اللفظ لها، لا من جهة الحكم، والذي أريد به الخصوص لم يرد شموله لجميع الأفراد لا من جهة التناول ولا من جهة الحكم بل هو كلي استعمل في جزئي، ولهذا كان مجازا قطعا، لنقل اللفظ عن موضوعه الأصلي، بخلاف العام المخصوص. جمع الجوامع والمحلي عليه 2/5، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب – (3 / 110)، شرح الكوكب المنير – (3 / 168).[2] حقيقة البدعة وأحكامها للغامدي (1/ 303).([3]) البراهين على ألا بدعة حسنة في الدين والرد على شبه المخالفين – (1 / 3)

وانظر المقال أيضا على:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/475294105917950/

السابق
(6) “حسن المقالة في حديث كل بدعة ضلالة”
التالي
[7] ابن تيمية ومذهب التفويض في الصفات