[3] ابتغاء وجه الله في الكلام على وجه الله*
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/475344129246281/
فإن قلتم: سلمنا أن قوله تعالى: {هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } [القصص: 88]، وقوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 26، 27] لا يدلان على أن لله تعالى وجها، لِما يلزم عنه من فناء صفات الله تعالى الأخرى كاليدين والساق والقَدم ونحو ذلك؛ ولكن ثمة آيات أخرى تدل على أنه تعالى له وجه، مثل قوله: { وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ } [البقرة: 272]، وقوله تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: 19، 20] ونحوهما كثير[1].
قلنا: لا دلالة في آيتي البقرة والليل وأمثالهما على أن لله وجها؛ وذلك لأن المراد بهذه الآيات هو ابتغاء مرضاة الله ورضوانه ورحمته تعالى، ويؤيد هذا أمران:
الأمر الأول: أنه قد جاء هذا المعنى صريحا في آيات أخرى، فمن ذلك قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ } [البقرة : 207]، وقال بعد ذلك: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ } [البقرة : 265]، وقال: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء : 28] وقال: { وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} [الحديد : 27] وقال تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [النساء : 114].
فأنت ترى أن الآيات كلها تفسّر بعضها بعضا، فتارة يقول: “ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ”، وتارة: “ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ”، وتارة: ” ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ “، ومرة: “ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ”، ونلاحظ أنه مثلا في سورة البقرة لوحدها ورد قوله: { ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ } [البقرة: 207]، ثم قوله: { ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ } [البقرة: 265]، ثم قوله :{إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} [البقرة: 272] ، ففي أول موضعين فيها التعبير بابتغاء مرضاة الله، وفي التعبير الثالث: ابتغاء وجه الله؛ ففي ذلك إشارة إلى أن الثالث “وجه الله” محمول على الأول والثاني “مرضاة الله“[2].
فعُلم أن المراد بوجه الله: مرضاة الله ورحمته ورضوانه، فلا يبتغي المكلفُ في جهاده وإنفاقه وصبره وعباداته كلها الرياءَ والسمعة والجاه والمال ونحو ذلك، بل يبتغي ذات اللهَ ورضوانه ورحمته، وهذا هو المعبر عنه بالإخلاص في قوله تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [البينة: 5]، أي يكون في عبادته مخلصا لله لا يقصد بها غيره، بل يقصد ذاته تعالى [3].
الأمر الثاني: أنه لو حُمِل الوجه على ظاهره، لكان المرء تارة يبتغي وجه الله بعمله، وتارة يبتغي مرضاة الله ورحمته ورضوانه، وللزم أن يبتغي المرء بعمله أيضا يدي الله، وتارة يبتغي قَدميه الله، وتارة جَنبه، وتارة ساقه، وتارة عَينيه[4]…!!!
وهذا هذيان لا يلتزمه عاقل قط، وهو إلى الشرك أقرب منه إلى الإخلاص، إذ صار العبد مطالَب بإرضاء أكثر من جهة، فهو مطالب بإرضاء وجه الله ويديه وعينيه ووو…. وهذا شبيه بما قاله تعالى في إبطال الشرك: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 29] وهو شبيه أيضا بما حدث مع النصارى حيث يجب عليهم إرضاء ثلاثة: الآب والابن وروح القدس، وهنا حدث ما هو أشد كما ترى. فإن قيل : النصارى يُرضون ثلاثة متباينة بخلاف هنا، قلنا: النصارى يقولون ثلاثة في واحد فتماثلت المسألة. والله أعلم
واستدلوا بقوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة : 115].
قلنا …………#انتظره_لاحقا
ــــــــــــــــــــــــــــ
*انظر السابق: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/429116110535750/
[1] مثل قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الكهف: 28]، ومثل: { فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ } [الروم: 38]، وقوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان : 9]، وقوله: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ } [الرعد : 22]، وقوله: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39].
[2] وهكذا فإن القارئ الذي يقرأ القرآن من أوله أو من يقرأ سورة البقرة بتمامها لن يشكل عليه قط الموضع الثالث، بعد أن مر عليه الموضعين الأول والثاني؛ وهذا خلافا لما تفعله المجسمة من انتقاء بعض الآيات من مواضعها، واقتطاعها من سياقها وسباقها، وإهمال غيرها من الآيات في المواضع الأخرى التي تفسرها، كما في هذا المثال….!!!
[3] كما قال خبيب بن عدي عند البخاري في صحيحه:
ولست أبالي حين أقتل مسلما * على أي شق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع
[4] نحن هنا ـ طبعا ـ نسرد هذه الألفاظ مجاراة لمذهب الخصم لا أكثر.