بل إن ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وأتباعه استدلوا بالفطرة على مسائل عقدية أخرى كثيرة فيها كلام طويل وجدل كبير وخلاف واسع لدقتها ووعورة الخوض فيها، ويمكن أن أضرب على ذلك أمثلة كثيرة منها: مسألة كلام الله[2]، وصفة اليدين[3] ، وصفة العينين[4]، وصفتي الرحمة والمغفرة[5]، وصفة الإرادة[6]والفرق بينها وبين المشيئة[7]، وأن الرؤية تستلزم الجهة[8]، وقضية التشبيه[9]، ونقد دليل الحدوث[10]، ومسألة تعليل أفعال الله وحكمته[11]، ودخول الأعمال في الإيمان[12]، وقضية الأسباب والطبائع[13]، وقضية التسلسل[14]، وتأييد دليل الكمال[15]، ونقد التأويل[16]، وقضية معية الله ومعناها[17]، وتقسيم التوحيد[18]، والدعاء وفائدته[19]،ومسألة دخول الجنة بالعمل[20]، وأفضلية المَلك على الإنسان[21]، ومسألة المعاد والبعث واليوم الآخر[22]، وعذاب القبر[23]، ومسألة التحسين والتقبيح[24]، ومسائل الإمامة[25]، ومسألة اشتمال الكتاب والسنة على أصول الدين دلائله ومسائله[26]، ودرء التعارض بين نصوص الكتاب والسنة[27]، وأن ظواهر النصوص مفهومة لدى المخاطبين[28]، وحجية فهم السلف الصالح لنصوص الكتاب والسنة[29]….. إلى مسائل أخرى كثيرة يصعب حصرها من كتب القوم، فإن كتبهم يتكرر فيها جدا ذِكر الفطرة والاستدلال بها مهما كانت المسألة عويصة أو خلافية، فيأتي ابن تيمية وأتباعه يجعلون المسألة فطرية بدهية لا يخالف فيها إلا من فسدت فطرته….!!!!!
وليس هذا فحسب بل ادعى ابن تيمية ـ كعادته ـ وأتباعه أيضا[30] أن السلف كانوا يحتجون بدليل الفطرة على مسائل الاعتقاد، وذلك كاستدلال السلف بالفطرة على وجود الله ومعرفته[31]، وأن السلف استدلوا بالفطرة أيضا على صفة الكلام[32] إلى غير ذلك من المسائل.
ولم يكتف ابن تيمية وأتباعه[33] بذلك بل راحوا ينكرون على الأشاعرة لعدم اعتمادهم على دليل الفطرة كأصل عام يرجع إليه في مسائل الاعتقاد كما يرجع للكتاب والسنة والعقل، كما أن ابن تيمية وأتباعه[34] اتهموا الأشاعرةَ بأن عقيدتهم مخالفة للفطرة في كثير من المسائل ….!!!!!
قال وليد ابن الصلاح عفا الله عنه: قبل أن أعلّق بحرف على كل ما سبق في أمر الفطرة والمسائل السابقة التي استدلوا عليها بالفطرة، يجب أن نعرّف الفطرةَ لغة وشرعا واصطلاحا ….. ثم نَدخل بعد ذلك في حجية الفطرة وأدلة ابن تيمية على ذلك لنناقشه فيها بعون الله .
أولا: تعريف الفطرة…وانظر اللاحق https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/964045043709518/
————————————————-
[1] انظر السابق:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/940199829427373/
[2] قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية ت الأرناؤوط (1/ 172): قوله: و (وإن القرآن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وحيا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية. فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى: {سأصليه سقر} [المدثر: 26] (المدثر: 26) – فلما أوعد الله بسقر لمن قال: {إن هذا إلا قول البشر} [المدثر: 25] (المدثر: 25) علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر) .
ش: هذه قاعدة شريفة، وأصل كبير من أصول الدين، ضل فيه طوائف كثيرة من الناس. وهذا الذي حكاه الطحاوي رحمه الله هو الحق الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة لمن تدبرهما، وشهدت به الفطرة السليمة التي لم تغير بالشبهات والشكوك والآراء الباطلة.اهـ
[3] قال ابن عثيمين في القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى (ص: 37):فلا تكون اليد كاليد في قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ} ، لأن اليد في المثال أضيفت إلى المخلوق فتكون مناسبة له، وفي الآية أضيفت إلى الخالق فتكون لائقة به، فلا أحد سليم الفطرة صريح العقل يعتقد أن يد الخالق كيد المخلوق، أو بالعكس.اهـ
[4] قال عبد الرحمن بن ناصر البراك في توضيح مقاصد العقيدة الواسطية (ص: 86): إذاً قوله {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} لا يدل على أنه ليس لله إلا عين، ولا يَفهم مَن كانت فطرته نقية سليمة من الشبهات، ووساوس الشيطان من هذا الكلام أنه ليس لله إلا عين واحدة. وهكذا قوله تعالى {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} هذا الأسلوب لا يدل على أن لله أعينا، كما أن قوله تعالى {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} لا يدل على أن لله أيدي كثيرة، والحقيقة أنه لولا وجود بعض الأفكار، والوساوس، والتساؤلات لما كان هناك داعٍ لهذا التوقف، لكن هناك إلقاءات شيطانية تكلم بها مَن تكلم بها من أهل البدع، وتكلم بها من تكلم من جهال الناس. إذاً {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} لا يدل على أن لله أعيناً؛ لأن من قواعد اللسان العربي أن المثنى إذا أضيف إلى الجمع أو صيغة الجمع أو صيغة المثنى؛ فإنه يذكر بلفظ الجمع، كقوله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة].اهـ
[5] قال ناصر الشيخ في مباحث العقيدة في سورة الزمر (ص: 129): والذي نخلص إليه مما تقدم أن صفتي الرحمة، والمغفرة ثابتتان ـ للباري سبحانه ـ على ما يليق به، والذين نفوهما أو أولوهما بغير المراد منهما ليس معهم ما يؤيدهم على دعواهم أي دليل لا من الكتاب ولا من السنة، ولا من العقل، أو الفطرة، أو اللغة.اهـ
[6] قال ابن القيم في شفاء العليل (ص: 43): الباب الثاني عشر في ذكر المرتبة الثالثة من مراتب القضاء والقدر وهي مرتبة المشيئة
وهذه المرتبة قد دل عليها اجماع الرسل من أولهم إلى آخرهم وجميع الكتب المنزلة من عند الله والفطرة التي فطر الله عليها خلقه وأدلة العقول والعيان وليس في الوجود موجب ومقتض إلا مشيئة الله وحده فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن هذا عموم التوحيد الذي لا يقوم إلا به والمسلمون من أولهم إلى آخرهم مجمعون على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وخالفهم في ذلك من ليس منهم في هذا الموضع.اهـ
[7] قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية ت الأرناؤوط (1/ 324): ومنشأ الضلال من التسوية بين المشيئة والإرادة، وبين المحبة والرضا، فسوى بينهما الجبرية والقدرية، ثم اختلفوا، فقالت الجبرية: الكون كله بقضائه وقدره، فيكون محبوبا مرضيا. وقالت القدرية النفاة: ليست المعاصي محبوبة لله ولا مرضية له، فليست مقدرة ولا مقضية، فهي خارجة عن مشيئته وخلقه. وقد دل على الفرق بين المشيئة والمحبة الكتاب والسنة والفطرة الصحيحة. أما نصوص المشيئة والإرادة من الكتاب.اهـ
[8] قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية ت الأرناؤوط (1/ 219): وإلا فهل تعقل رؤية بلا مقابلة ؟ ومن قال : يرى لا في جهة – فليراجع عقله ! ! فإما أن يكون مكابرا لعقله وفي عقله شيء وإلا فإذا قال يرى لا أمام الرائي ولا خلفه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا فوقه ولا تحته رد عليه كل من سمعه بفطرته السليمة. ولهذا ألزم المعتزلة من نفى العلو بالذات بنفي الرؤية، وقالوا: كيف تعقل رؤية بغير جهة.اهـ
[9] قال د. المحمود في موقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/ 961) نقلا عن ابن تيمية في نقض التأسيس: ولهذا كان أئمة أهل السنة ومحققو أهل الكلام يمنعون من أن يقال: لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه؛ فإن مقتضى هذا كونه معدوما” ، “وهذا معلوم بالفطرة البديهية التي لا يتنازع فها العقلاء الذين يفهمونها” .اهـ
وجاء أيضا في موقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/ 972): قال شيخ الإسلام معلقا على كلام الرازى السابق بعد نقله: ” وهذا تصريح منه بأن القول بكون الله شبيها بخلقه من بعض الوجوه داخل في قول كل المسلمين، ولا ريب أن كل موجودين فلابد أن يتفقا في شيء يشتركان فيه، وأن أحدهما أكمل فيه وأولى به من الآخر، وإلا فإذا قدر أنهما لا يتفقان في شيء أصلا ولا يشتركان فيه لم يكونا موجودين، وهذا معلوم بالفطرة البديهية التي لا يتنازع فيها العقلاء الذين يفهمونها”.اهـ
[10] قال عيسى بن عبد الله السعدي الغامدي في حقيقة المثل الأعلى وآثاره (ص: 37) في سياق كلامه عن دليل الحدوث: 2 – أنه مخالف للفطرة: فقد فطر الله عباده على العلم بأن طرق المطالب الإلهية الكلية يقينية وغير مركبة، وعلى أن طريقة الاستدلال في الأمور الحسية والعقلية إنما تكون بالأجلى على الأخفى، لأن الدليل معرف للمدلول ومبين له. ودليل المتكلمين في التنزيه مخالف لهذه الفطرة العامة، لأن انتفاء الحزن والبكاء والمرض وسائر النقائص أظهر من انتفاء الجسم، لكثرة ما يتوقف عليه نفي الجسم من مقدمات، وكثرة ما تشتمل عليه مقدماته من شكوك تعتاص على المهرة بعلم الكلام فضلا عن عامة الخلق! .اهـ ثم عزا فقال: (انظر: الكشف عن مناهج الأدلة لابن رشد ص47 – 49 (ضمن فلسفة ابن رشد)، الرسالة التدمرية لابن تيمية ص133.).
[11] قال ابن القيم في شفاء العليل (ص: 204):وجمهور الأمة يثبت حكمته سبحانه والغايات المحمودة في أفعاله فليس مع النفاة سمع ولا عقل ولا إجماع بل السمع والعقل والإجماع والفطرة تشهد ببطلان قولهم والله الموفق للصواب.اهـ
وجاء في موسوعة أهل السنة لعبد الرحمن دمشقية (ص: 895):ثم الحكيم لا يفعل إلا لحكمة والنقص كل النقص في خلو فعله عن الحكمة، ومن ارتضى أن يفصل فعل الله عن حكمته فهو فاسد الفطرة فاسد الرأي قريب من المعتزلة القائلين حكيم من غير حكمة.اهـ
[12] قال د. المحمود في موقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/ 1362) في سياق كلامه عن ردود ابن تيمية على جمهور الأشاعرة في مسألة هل الإيمان التصدق فقط؟، قال نقلا عن ابن تيمية: فهؤلاء غلطوا في أصلين:”أحدهما: ظنهم أن الإيمان مجرد تصديق وعلم فقط، ليس معه عمل وحال وحركة وإرادة ومحبة وخشية في القلب، وهذا من أعظم غلط المرجئة مطلقاً … “.
والثاني: ظنهم أن كل من حكم الشارع بأنه كافر مخلد في النار فإنما ذاك لأنه لم يكن في قلبه شيء من العلم والتصديق، وهذا أمر خالفوا به الحس والعقل والشرع، وما أجمع عليه طوائف بني آدم السليمي الفطرة، وجماهير النظار … “.اهـ
[13] وجاء في موسوعة أهل السنة لعبد الرحمن دمشقية (ص: 904):ونحن نثبت هذه الأسباب كما أثبتها القرآن ولا نعتقد أنها هي الخالقة، قال تعالى ” فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات ” أي بالماء ” فأحيينا به الأرض بعد موتها ” ونثبت له ما أثبته لنفسه وشهدت به الفطرة والعقل من الحكمة في خلقه وأمره، إذ كل ما خلقه وأمر به فله فيه الحكمة البالغة.اهـ
وقال تامر محمد محمود متولي في منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة (ص: 600): وبهذا فارق رشيد رضا المعتزلة القائلين بعدم قدرة الله على أفعال عباده وإرادته لها، والأشعرية المنكرين لتأثير إرادة الإنسان ويعيب عليهم قولهم: “بأن لا تأثير للأسباب في مسبباتها ولا لقدرة الإنسان في عمله … ” .وهذه المرتبة ـ مرتبة الإرداة والمشيئة ـ قد دل عليها إجماع الرسل من أولهم إلى آخرهم، وجميع الكتب المنزلة من عند الله، والفطرة التي فطر الله عليها خلقه وأدلة العقول والعيان، وليس في لاوجود موجب ومقتضى إلا مشيئة الله وحده وإرادته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.اهـ
[14] قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية ت الأرناؤوط (1/ 106):ومن المعلوم بالفطرة أن كون المفعول مقارنا لفاعله لم يزل ولا يزال معه – ممتنع محال، ولما كان تسلسل الحوادث في المستقبل لا يمنع أن يكون الرب سبحانه هو الآخر الذي ليس بعده شيء.اهـ
[15] قال عيسى بن عبد الله السعدي الغامدي في حقيقة المثل الأعلى وآثاره (ص: 18): فالفطرة مجبولة على الإقرار بوجود الله وتوحيده، واعتقاد أنه أكمل الأشياء، لما تفرد به من صفات الكمال المطلق، وهي فطرة عامة يجدها كل إنسان في قرارة نفسه، ولا يتخلف مقتضاها إلا لمانع، كفساد التربية، واجتيال الشياطين، واتباع الهوى، ومكابرة الحق.اهـ
[16] قال ابن القيم مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (ص: 950): وإنما أتي هؤلاء من جهة أنهم رأوا اليد تطلق على النعمة والقدرة في بعض المواضع، فظنوا أن كل تركيب وسياق صالح لذلك، فوهموا وأوهموا، فهب أن هذا يصلح في قوله: «لولا يد لك لم أجزك بها»، أفيصلح في قوله: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك} [العنكبوت: 48] وفي قول عبد الله بن عمر: وإن الله لم يباشر بيده أو لم يخلق بيده إلا ثلاثا: خلق آدم بيده، وغرس جنة عدن بيده، وكتب التوراة بيده، أفيصح في عقل أو نقل أو فطرة أن يقال: لم يخلق بقدرته أو بنعمته إلا ثلاثا.اهـ
وقال عيسى بن عبد الله السعدي الغامدي في حقيقة المثل الأعلى وآثاره (ص: 47): والنصوص الدالة على بطلان مقالة التعطيل بخصوصها أكثر…. ومما يدل على تغلظ مقالات المعطلة ثلاثة أوجه:
1 – أن النصوص المخالفة لأقوال النفاة مستفيضة وإنما يردونها بتأويلات المريسي وابن فورك والرازي وما يجري مجراها.
2 – أن حقيقة مقالاتهم تؤول إلى تعطيل الخالق وجحده بالكلية، حتى قيل: المعطل يعبد عدما، والممثل يعبد صنما، ولهذا أطلق السلف عليهم لقب المعطلة، لأن مقالاتهم تستلزم تعطيل الذات!.
3 – أن مقالاتهم تخالف ما اتفقت عليه الملل والفطر السليمة، وإنما تخفى وتروج مقالاتهم لكثرة ما يوردونه من الشبهات.اهـ
وقال ناصر بن علي عايض حسن الشيخ في مباحث العقيدة في سورة الزمر (ص: 48): قيل: إن المعنى يهبط على علم الله وقدرته وسلطانه إلى ما تحت التحت فلا يعزب عنه شيء وهذا القول حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم. وقالت طائفة أخرى: بل هذا المعنى اسمه ـ تعالى ـ المحيط، واسمه الباطن فإنه ـ سبحانه ـ محيط بالعالم كله، وأن العالم العلوي والسفلي في قبضته كما قال تعالى: {وَاللهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} 2، وإحاطته ـ تعالى ـ تقتضي علوه وفوقيته على جميع خلقه بالذات فلو دلي بحبل لسقط في قبضته وهو فوق عرشه والحديث لم ينص على أنه يهبط على جميع ذاته فهذا لم يقله أحد البتة. والتأويل الأول: الذي ذكره الترمذي بيّن ابن القيم أنه من تصرفات الجهمية.
قال ـ رحمه الله ـ: قال شيخنا: “هو ظاهر الفساد من جنس تأويلات الجهمية، بل بتقدير ثبوته، فإنما يدل على الإحاطة، والإحاطة ثابتة عقلاً ونقلاً وفطرة”.اهـ
[17] جاء في موسوعة أهل السنة لعبد الرحمن دمشقية (ص: 699): أن لفظ (مع) له عدة معانٍ لا يُحكم بواحدة من هذه المعاني إلا بحسب سياق الجملة. ولهذا استعملت (مع) في مواطن من القرآن تختلف فيما بينها.
فمن معانيها معية النصرة ومعية المراقبة ومعية الذات.
فإذا قال الله {وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} ثم فُسِّر ذلك بمعية التأييد والنصرة لا يقال إن هذا تأويل.
وإذا قال {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} لا يقال إن هذا تأويلٌ لأن لفظ المعية لفظ مشترك يتحدد معناه بحسب إضافته.
وهذا التفريق تعرفه الفطرة بحسب السياق. لكن علم الكلام لا يتعامل مع الفطرة بل هو عامل خطير من عوامل إفسادها.اهـ
[18] قال عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر في القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد (ص: 29): بل إنَّ كلمة التوحيد “لا إله إلا الله” التي هي أصل الدين وأساسه قد دلت على أقسام التوحيد الثلاثة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وشهادة أن لا إله إلا الله فيها الإلهيات، وهي الأصول الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأصول الثلاثة تدور عليها أديان الرسل وما أنزل إليهم، وهي الأصول الكبار التي دلت عليها وشهدت بها العقول والفطر”.اهـ
ونقله عن البدر أحمدُ بن علي الزاملي عسيري في منهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي وجهوده في تقرير العقيدة والرد على المخالفين (ص: 81) وقال: (((وينظر: بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية في كلام له قريب من هذا وهو: ” التوحيد الذي بعث الله به رسله هو عبادة الله وحده لا شريك له وهو معنى شهادة أن لا اله إلا الله وذلك يتضمن التوحيد بالقول والاعتقاد وبالإرادة والقصد” (2/ 498).))).
[19] قال ناصر الشيخ في مباحث العقيدة في سورة الزمر (ص: 196): فالآيتان الأوليان من هذه الآيات الأربع بين الله تعالى فيهما أن العبد إذا نزل به البلاء وأحاطت به المحن جأر إلى الله وفزع إليه بالدعاء لما تقرر في فطرته أنه لا يكشف ما به من البلاء والمحن إلا الله ـ تعالى ـ الذي أوجده من قبل ولم يك شيئاً، ثم إنهما توضحان ما تنطوي عليه تلك الفطرة، وما يعتريها من التغيرات والتقلبات في حالتي الشدة والرخاء.اهـ
وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية ت الأرناؤوط (2/ 679): فإن منفعة الدعاء أمر اتفقت عليه تجارب الأمم، حتى إن الفلاسفة تقول: ضجيج الأصوات في هياكل العبادات، بفنون اللغات، يحلل ما عقدته الأفلاك المؤثرات! ! هذا وهم مشركون.
وجواب الشبهة بمنع المقدمتين: فإن قولهم عن المشيئة الإلهية: إما أن تقتضيه أو لا، ثم قسم ثالث، وهو: أن تقتضيه بشرط لا تقتضيه مع عدمه، وقد يكون الدعاء من شرطه، كما توجب الثواب مع العمل الصالح، ولا توجبه مع عدمه، وكما توجب الشبع والري عند الأكل والشرب، ولا توجبه مع عدمهما، وحصول الولد بالوطء، والزرع بالبذر. فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء، كما لا يقال لا فائدة في الأكل والشرب والبذر وسائر الأسباب. فقول هؤلاء – كما أنه مخالف للشرع، فهو مخالف للحس والفطرة.اهـ
[20] قال ناصر الشيخ في مباحث العقيدة في سورة الزمر (ص: 673): كما يتضح من الجمع السابق الرد على القدرية الجبرية الذين يلغون دور العمل في دخول الجنة، وينكرون أن يكون سبباً في النجاة من النار وكلا القولين باطلان بشهادة النقل والعقل والفطرة، وقول كل من الطائفتين مشتمل على خطأ وصواب.
[21] قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية ت الأرناؤوط (2/ 418):فدل أن أفضلية المَلك أمر معلوم مستقر في الفطرة.اهـ
[22] قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية ت الأرناؤوط (2/ 589): الإيمان بالمعاد مما دل عليه الكتاب والسنة، والعقل والفطرة السليمة.اهـ
وقال ناصر الشيخ في مباحث العقيدة في سورة الزمر (ص: 549): إن الله تعالى فطر الإنسان على الإحساس بوجود عالم آخر بعد الموت، وهذا من أقوى الأدلة على وجود اليوم الآخر لأن الله ـ جل وعلا ـ إذا أراد أن يقنع بني الإنسان بأمر ما فإنه يغرس فكرة الاقتناع به في فطرهم…..والإيمان بالبعث بعد الموت هو أحد أركان الإيمان الستة وقد دل على وقوعه النقل، والعقل، والفطرة.اهـ
[23] قال أحمد بن إبراهيم بن حمد (المتوفى: 1327هـ) في توضيح المقاصد شرح الكافية الشافية نونية ابن القيم (1/ 108): وَقَالَ بعض أَرْبَاب هَذَا القَوْل ترد الْحَيَاة الى عجب الذَّنب فَهُوَ الَّذِي يعذب وينعم فَحسب وَهَذَا قَول يردهُ الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الصَّحَابَة وأدلة الْعُقُول والفطرة وَهُوَ قَول من لم يعرف روحه فضلا عَن روح غَيره وَقد خَاطب الله سُبْحَانَهُ النَّفس بِالرُّجُوعِ وَالدُّخُول وَالْخُرُوج.اهـ
[24] جاء في تعليقات الشيخ البراك على المخالفات العقدية في فتح الباري (1/ 514): فالحُسْن والقبح عند أهل السنة شرعيان وعقليان، ولكن الحكم بالوجوب والتحريم، وترتب العقاب موقوف على الشرع. وبهذا يتبين أن الحافظ رحمه الله تعالى يذهب في التحسين والتقبيح مذهب الأشاعرة، ودعواه أن ذلك مما يستفاد من الحديث، وتوجيه ذلك بأن جهة اليمين مفضلة على اليسار وأن اليد مفضلة على القَدَم – يعني في الشرع – دعوى غير صحيحة. وما ذكره من الدليل هو حجة على خلاف ما ذهب إليه؛ فإن تفضيل اليمين على الشمال، واليد على القدم كما قد دل عليه الشرع فقد شهد به العقل والفطرة؛ فكل عاقل يدرك قبل ورود الشرع فضل الوجه على الدبر، وفضل اليد على الرجل، وفضل اليمين على الشمال، فتطابق على ذلك الشرع والعقل.اهـ
وقال محمد بن عبد الرحمن الخميس في شرح الرسالة التدمرية (ص: 478): أهل السنة والماتريدية: إن من أفعال العباد ما يُعلم حسنها وقبحها بالعقل ومنها ما يُعلم بالشرع، الدليل على الأول: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 33] ، {قُلْ أمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} [الأعراف: 29] فيعلم بالفطرة قبح الظلم والخيانة وحسن الصدق والأمانة، أما الثواب والعقاب وتفاصيل الشرائع شرعي لا يعرف بالعقل: {قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} [الأنبياء: 45] ، {وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ: 50] .
[25] جاء في منهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي وجهوده في تقرير العقيدة والرد على المخالفين (ص: 547):وقد شهدت الفطرة بضرورة إقامة ولي عام على المسلمين على مصالحهم … ويبذل وسعه في توحيد كلمتهم ولم شعثهم.اهـ
[26] انظر منهج الاستدلال على مسائل الإعتقاد عند أهل السنة والجماعة ص257
[27] منهج الاستدلال على مسائل الإعتقاد عند أهل السنة والجماعة ص345
[28] منهج الاستدلال على مسائل الإعتقاد عند أهل السنة والجماعة ص466
وقال ابن تيمية في التسعينية (2/ 557): فلفظة (الظاهر) قد صارت مشتركة فإن الظاهر في الفطر السليمة واللسان العربي والدين القيم ولسان السلف غير الظاهر في عرف كثير من المستأخرين… وإن أراد الحالف بالظاهر ما هو الظاهر في فطر المسلمين قبل ظهور الأهواء وتشتت الآراء، وهو الظاهر الذي يليق بجلاله -سبحانه وتعالى- كما أن هذا هو الظاهر في سائر ما يطلق عليه -سبحانه- من أسمائه وصفاته، كالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة، والمحبة والغضب والرضا و {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، و (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا) إلى غير ذلك، فإن ظاهر هذه الألفاظ إذا أطلقت علينا أن تكون أعراضًا أو أجسامًا؛ لأن ذواتنا كذلك، وليس ظاهرها إذا أطلقت على الله -سبحانه وتعالى- إلّا ما يليق بجلاله ويناسب نفسه.اهـ
[29] منهج الاستدلال على مسائل الإعتقاد عند أهل السنة والجماعة ص523
[30] قال أحمد بن علي الزاملي عسيري في منهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي وجهوده في تقرير العقيدة والرد على المخالفين (ص: 52):
فدليل الفطرة عند السلف ثمرة من ثمرات صحة الاعتقاد والإيمان وتحقيق العبودية لله تعالى، ولا يمكن أن يحصل بغير ذلك. فإذا صح الإيمان وتحققت العبودية لله، شهدت الفطرة عظمة هذا الدين وأقرّت بالكمال للكبير المتعال عن علم وبصيرة، وأيقنت أن كل ما يجري في هذا العالم إنما هو من آثار أسمائه وصفاته وبقضائه وقدره.اهـ
[31] تقول الباحثة أسماء بركات في بحث لها في مجلة جامعة أم القرى ، وهو بعنوان “دلالة الفطرة على الإيمان بالله”: دلائل معرفة الله تعالى، (أولا / دليل الفطرة): ولمكانة هذا الأصل وماله من أهمية , وجدت أدلته كثيرة , ومتنوعة الدلالة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , وفي أقوال السلف المتقدمين , بل وفي حال الأمم السابقة واللاحقة ؛ لذلك كان معتقد أهل السنة والجماعة في المسألة مقتضى تلك الأدلة وهو الإقرار بفطرية معرفته سبحانه .اهـ http://uqu.edu.sa/page/ar/180606
وقال د.سفر الحوالي: منهج الأشاعرة في العقيدة – تعقيب على مقالات الصابوني (ص: 36): مَعْلُوم أنّ مَذْهَب السّلف هُوَ أَن وجوده تَعَالَى أَمر فطري مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ, والأدلة عَلَيْهِ فِي الْكَوْن وَالنَّفس والْآثَار والآفاق وَالْوَحي أجلّ من الْحصْر، فَفِي كل شَيْء لَهُ آيَة وَعَلِيهِ دَلِيل. أما الأشاعرة فعندهم دَلِيل يَتِيم هُوَ دَلِيل “الْحُدُوث والقدم” وَهُوَ الِاسْتِدْلَال على وجود الله.اهـ
[32] قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (6/ 429): ولهذا كان أئمة السلف الذين عرفوا حقيقة قول من قال مخلوق وأن معنى ذلك أن الله لم يقم به كلام بل الكلام قام بجسم من الأجسام غيره وعلموا أن هذا يوجب بالفطرة الضرورية أن يكون ذلك الجسم هو المتكلم بذلك الكلام دون الله وأن الله لا يكون متكلما أصلا.اهـ
ونحو ذلك قوله في الفتاوى الكبرى (6/ 493):الوجه الثاني: إن أحدا من السلف والأئمة لم يقل إن القرآن قديم وأنه لا يتعلق بمشيئة وقدرته، ولكن اتفقوا على أن القرآن كلام الله غير مخلوق والمخلوق عندهم ما خلقه الله من الأعيان والصفات القائمة بها، والذين قالوا هو مخلوق قالوا إنه خلقه في جسم كما نقله عنهم فقال السلف: إن ذلك يستلزم أن لا يكون الله متكلما وأن الكلام كلام ذلك الجسم المخلوق، فتكون الشجرة هي القائلة لموسى {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} ولهذا صرحوا بخطإ من يقول إن ذلك مخلوق لأن عندهم أنه من المعلوم بالفطرة شرعا وعقلا ولغة أن المتكلم بهذا هو الذي يقوم به.اهـ
[33] قال د.سفر الحوالي في منهج الأشاعرة في العقيدة – تعقيب على مقالات الصابوني (ص: 49): يُنكر الأشاعرة أَن يكون لِلْعَقْلِ والفطرة أيّ دور فِي الحكم على الْأَشْيَاء بالْحسنِ والقبح وَيَقُولُونَ: مردّ ذَلِك إِلَى الشَّرْع وَحده، وَهَذَا رد فعل مغال لقَوْل البراهمة والمعتزلة.اهـ
[34] قال فيصل بن قزار الجاسم في الأشاعرة في ميزان أهل السنة (ص: 453):…. أن الله تبارك وتعالى متصف بالعلو المطلق، علو الذات، وعلو القهر، وعلو القَدْر، وأن الأدلة متضافرة على تقرير هذا الأمر، فقد دل على علوه تعالى على خلقه بذاته: الكتاب، والسنة، والإجماع، والفطرة، والعقل…. إلى أن يقول: وهكذا يتبين لكل ذي لب مخالفة الأشاعرة والأشعريّيْن للكتاب، والسنة، والإجماع، والفطرة، والعقل، بل ومخالفتهم لأبي الحسن الأشعري نفسه الذي يزعمون الانتساب إليه.اهـ
وقال عبد المحسن البدر في قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني (ص: 36): أنَّ مذهب الأشاعرة إنَّما يعتقده الذين تعلَّموه في مؤسَّسات علمية، أو تعلَّموه من مشايخ كانوا على مذهب الأشاعرة، وأمَّا العوام- وهم الأكثرية – فلا يعرفون شيئاً عن مذهب الأشعرية، وإنَّما هم على الفطرة التي دلَّ عليها اعتقاد الجارية في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، وقد تقدَّم.اهـ
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/430360313744663/