مقالات في الفلسفة والفلاسفة

[2]تحليل نقدي لنظرية الفيض عند الفارابي وابن سينا (مقال قيم)

[2]تحليل نقدي لنظرية الفيض عند الفارابي وابن سينا (مقال قيم)

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/730706117043413/
‘‘‘‘‘النظرية عند ابن سينا:
إن النظرية عند الفارابي هي نفسها عند ابن سينا، وما بينهما من اختلاف لا يمس الجوهر، إنما يعود لطبيعة دور كل منهما، الأول استلهمها وأعطاها الحياة، والثاني أبرز هذا الوجود في شكل أكثر تناسبا. فابن سينا كالفارابي يعتقد باستحالة صدور المتعدد عن الواحد… لهذا نجده يتقبل منه فكرة الفيض لتفادي التناقض الذي تسوقه إليه مسلماته، كذلك استغل التفرقة بين الماهية والوجود التي قال بها الفارابي ونسبت إليه خطأ فجعل لكل العقول المارقة للمادة ماهية ووجود، وبهذه التفرقة أمكن تعليل الكثرة المشاهدة في الكون مع الاعتراف بوحدة المبدأ الأول مبدع الكل، وذلك لأن الكثرة صادرة فعلا عن الواحد لكن بطريق غير مباشر، فالإله علم ذاته ففاض عنه بسبب ذلك العقل الأول أو العقل المبدع، وهو رغم وحدته يشتمل على نوعين من الكثرة هي :
أ‌- العقل الصادر إما ممكن الوجود قبل وجوده «ماهيته»
ب- وإما واجب الوجود لعلة «وجوده».
وهذه الثنائية التي توصل إليها بسبب التفرقة بين الماهية والوجود تؤدي إلى كثرة أخرى ثلاثية يحتوي عليها العقل الصادر عن طريق إدراكاته فهو:
أ- إما أن يدرك الموجود الذي فاض عنه هو
ب- وإما أن يدرك ذاته وأنها واجبة الوجود لعلة
ج- وإما أن يدرك ذاته على أنها ممكنة الوجود.
وكل إدراك يؤدي إلى صدور شيء عن طريق الفيض، فعن الإدراك الأول يفيض عقل ثان، وعن الإدراك الثاني تفيض نفس الفلك الأول، وعن الإدراك الثالث يفيض جسم الفلك الأول، وبنفس الافتراض تفيض عن العقل الثاني الأمور الثلاثة (عقل ثالث نفس للفلك الثاني- جسم للفلك الثاني)، وهكذا تتوالى عملية الفيض في ترتيب تنازلي إلى أن تنتهي عند العقل العاشر والعقل الفعال الذي يشرف على عالم الأرض، وبتآزره مع طبائع الأفلاك تفيض عنه المادة.
ويلاحظ أن عملية الفيض التي تتابعت بنفس الافتراض عند العقول التسعة الأولى اتخذ شكلا مغايرا عند العقل العاشر من حيث الإدراك ومن حيث ما يفيض عنه، فالعقل الفعال( العاشر) يدرك العقل الأول فتفيض عنه بسبب ذلك النفوس البشرية، وتفيض عنه صور الأشياء بسبب إدراكه للعقول المتوسطة، وتفيض عنه العناصر الأولية لنشأة الكائنات بسبب إدراكه لذاته وعلى أنها ممكنة الوجود، ولا ندري لماذا حرموه من إدراك ذاته على أنها واجبة الوجود لعلة، وميزوه بإدراكه لكل العقول… الخ
إن تسلسل الفيض عند ابن سيناء يخضع للترتيب العقلي المتناسق كما تفطن لذلك الإمام الغزالي عند عرضه الأمين للنظرية قبل نقدها، وذلك أن كل عقل تفيض عنه الأشياء الثلاثة باستثناء العقل العاشر (عقل- نفس فلك- جسم فلك)، وهذه الثلاثة متفاوتة في السمو لأن العقل أشرف من النفس والنفس أ شرف من الجسم، وهذا التدرج في الاعتبار يتناسب مع إدراكات العقل المتفاضلة فيما بينها أيضا في السمو، فإدراك العقل للعقل الذي فاض منه أشرف من إدراكه لذاته وأنها واجبة الوجود لعلة، وهذا الإدراك بدوره أشرف من إدراك العقل لذاته على أنها ممكنة الوجود، وبهذا ناسب أن يفيض العقل عن إدراك الأول وتفيض النفس عن الإدراك الثاني والجسم عن الإدراك الثالث، وعلى هذا الافتراض يتم التناسق بين مستوى الإدراك وما يفيض عنه ويسهل تعليل التفاضل بين العقل والجسم، وبين إدراك المبدأ الأول وإدراك الوجود وإدراك الماهية، وهذا البناء نجد الشيخ ابن سينا، ومن قبله الفارابي، يستلهم بعضه على الأقل من الفكر اليوناني، وبشيء من التحديد من «الشيخ اليوناني» أفلوطين الذي تصور للعقل دائرة استدارت على مركزها الذي هو الخير المطلق وحركتها حول مركزها استكمالية خلاف حركة العقل السالفة، كما تصور للعالم السفلي دائرة مركزها النفس، وهي دائرة تخضع لترتيب تفاضلي، حيث نجد حركة العالم حول النفس تطلبها تشبه حركة النفس حول العقل تطلبه وهي بدورها تشبه حركة العقل للخير المحض.
إن حركات العشق هذه في الأفلاطونية المحدثة تتجه صوب المعشوق الأول الذي يفيض على جميع عشاقه بنوره اللامتناهي، وإن كان يقل أثره كلما ابتعدت عنه الموجودات.. كذلك نجد العقول العشرة التي حلت مشكلة صدور الأشياء عن الله في الأفلاطونية المحدثة التي ترى أن المعشوق الأول أبدع عشاقه بتوسط العقل، وتصفه بأنه «ليس منه شيئا مما أبدعه ولا يشبه شيئا منه، ولو كان كذلك لما كان علة الأشياء كلها…»، ولعل تحديد علم الفلك اليوناني للأفلاك بعشرة هو الذي جعل الفارابي ثم ابن سيناء يحدد العقول المفارقة بعشرة لكي يشرف على كل فلك عقل.. الخ
خاتمة ودعاء:
إن الإنصاف يجعل النظرية يونانية الأصل، ومحاولة نسبتها للفلسفة الإسلامية- وهي منها براء- إنما هو ادعاء على الحقيقة، وأما ارتباطها بالفلسفة اليونانية فهو ارتباط وثيق، ونحسب أن في اللمحات المقتضبة التي قدمناها ما يكفي لتلمس بعض من ذلك بيسر.. ورغما عن ذلك فالنظرية في بنائها النهائي تحمل بين طياتها الكثير من التساؤلات التي بقيت بدون جواب… ونذكر أن ابن رشد رفض الفيض من أساسه حين خطأ ابن سيناء في مقابلته تفرقة الفارابي بين الماهية والوجود بتفرقة أرسطو بين الصورة والمادة. وقبْل ابن رشد وبعده رُفضت النظرية من حظيرة الفكر الإسلامي وبين الزمان تساقطها.
وبالرغم عن هذا التهافت الذي انجرف إليه الفارابي وابن سيناء في الفيض الإلهي، فإنهما بفضل ما امتازا به من عبقرية وأصالة في كثير من أعمالهما العظيمة التي حفظ لنا التاريخ بعضها، سيستمران على مر العصور كأكبر معالم الحضارة الإنسانية.
فرحمة الله عليهما وأجزل لهما الثواب والرحمة، فما كانا في حياتهما يريدان به تعالى بديلا، وما قصدا بعلمهما إلا توحيده وتقديسه، فإن زلت بهما الأقدام في عمل أرادا به الخير فأجرهما ثابت للأثر الوارد*، فيمن اجتهد وأخطأ، وحسبهما فضلا أن تعد هفواتهما.’’’’’
كذا في:

http://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/2543

وانظر السابق:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/726336534147038/

*قال وليد ابن الصلاح: الاجتهاد المأجور عليه في الحديث هو في المسائل الظنية لمن هو أهله وبذل جهده، أما في القطعيات فالمخطيء فيها مأزور بل لا يجوز الاجتهاد في القطعيات أصلا … ومسألة أن الله خالق بمحض مشيئته دون توسط عقول أو أفلاك أو نحو ذلك من الترهات الفلسفية القديمة …. اللهم إلا توسط الأسباب العادية… أقول : هذه مسألة مقطوع بها والاجتهاد فيها باطل فضلا عن الخطأ فيها…. والله أعلم.

السابق
علاقات الحقيقة والمجاز البالغة 25 علاقة ….
التالي
2ـ تحقيق ماتع للإمام أبي نصر السبكي في مسألة هل العمل جزء من الإيمان، وما جاء عن السلف في ذلك والتوفيق بينه وبين مذهب الأشاعرة في المسألة؟