(1)التفويض عند ابن تيمية وأتباعه…. الرد المفصّل على مقال الباحث سلطان العميري ” كيف تعامل السلف مع نصوص اليدين”.
سبق أن قلت في منشور سابق[1]: ((((راسلني أحد الإخوة منذ أشهر وطلب مني أن أردّ على مقال لأحد الإخوة السلفية يدعى ” سلطان العميري ” وهو بعنوان “كيف تعامل السلف مع نصوص اليدين”[2] حيث قال فيه ” …وأقوال أئمة السلف الواردة في هذه الصفة كثيرة جدا ….وهي تتضمن أمورا تدل على أنهم يعتقدون أن صفة اليدين لله صفة حقيقية يحصل بها ما يحصل باليد الحقيقة”.
ثم راح يسرد آثارا يقوي بها ما ادعاه، ولدى نظري في هذه الآثار تبين أن معظمها روايات إسرائيلية…..!!!! وما تبقى آثار ضعيفة، وبعضها يجمع بين السوأتين: الضَعف، وكونها إسرائيلية ….!!!! ومع ذلك فترى الكاتب منتشيا بهذه الآثار ويتبختر بها ويحتج بها ويبني عليها أحكاما …أهمها أن السلف لم يكونوا مفوضة لصفة اليد….. بل هم ـ حسب زعمه ـ يثبتون يدا على الحقيقة بدليل الآثار السابقة ….المهلهلة!!!!!!!
ومما زاد الطين بلة أن صاحب هذا المقال قد نشره على الفيس بوك وراح متابعوه من الوهابية يُغدقون عليه بإلإعجابات والتعليقات الممجِّدة في غالبها لمقاله …)))).
ثم ذكرتُ أن للعميري هذا بحثا بعنوان “أغلوطة التفويض في صفة الاستواء على العرش”
ثم قلتُ: وسوف أقوم بعون الله بنشر ردٍّ مفصّل على مقاله في صفة اليد المسمى “كيف تعامل السلف مع نصوص اليدين”، وعلى بحثه في صفة الاستواء المسمى “أغلوطة التفويض في صفة الاستواء على العرش”……
ثم شرعتُ في عدة منشورات ـ ما تزال مستمرة ـ في الرد على مقال الأخ العميري “أغلوطة التفويض في صفة الاستواء على العرش”.
وهذا أوان الوفاء بوعدي في الرد المفصل على مقاله الآخر الذي هو بعنوان ” كيف تعامل السلف مع نصوص اليدين “.
فأقول وبالله التوفيق: بدأ العميري مقاله هذا بقوله (((( جاءت نصوص كثيرة في إثبات صفة اليد لله تعالى , وإثبات هذه الصفة من الأمور المستقرة عند أئمة السلف , وقد تتابعت أقوالهم ومقالاتهم في تأكيد إثباتها , وتضمنت أقوالهم المقررة لهذه الصفة أوصافا متعددة تكشف عن حقيقة اعتقادهم في هذه الصفة , وتكشف أيضا عن طبيعة إثباتهم لها ولغيرها من الصفات المتفقة معها في الطبيعة والجنس , كصفة القدم والوجه وغيرها .
وأقوال أئمة السلف الواردة في هذه الصفة كثيرة جدا سنقتصر منها على ما يدل على المعنى الأساسي دلالة مباشرة (وكل الآثار المنقولة هنا مأخوذة من كتاب إثبات اليد , للذهبي , وتخريجها موجود هناك ) .
وهي تتضمن أمورا تدل على أنهم يعتقدون أن صفة اليدين لله صفة حقيقية يحصل بها ما يحصل باليد الحقيقة , ومن تلك الأمور :
الأمر الأول : أن يد الله يحصل بها الطي والقبض والأخذ والإعطاء , يقول عكرمة :” كلتا يدي الله يمينان , فيطوي السموات , فيأخذهن بيده , ثم يقول : أن الملك , ثم يأخذ الأرضين بيده الأخرى” .
وعن وهب بن منبه قال…….)))).انتهى كلام العميري
قال وليد ابن الصلاح: والجواب عن أثر عكرمة هذا من وجوه:
الأول: أن هذا الأثر ضعيف، أخرجه أبو يعلى في مسنده (9/ 410) بسند فيه عمر بن حمزة، وهو وإن كان من رجال مسلم إلا أنه قد ضعفه ابن معين والنسائي، وقال أحمد: أحاديثه مناكير كما في الميزان للذهبي[3]، وقال عنه الحافظ في التقريب ضعيف[4]، وبين ذلك محقق مسند أبي يعلى حسين أسد[5].
الثاني: ليس فيه حجة لما زعمه العميري حتى لو افترضنا صحة هذا الأثر، وهو أن السلف كانوا ” يعتقدون أن صفة اليدين لله صفة حقيقية يحصل بها ما يحصل باليد الحقيقة “، فأين في هذا الأثر أنها اليد هنا حقيقة وليس مجازا؟ بل أين في هذا الأثر كله رأي عكرمة في صفة اليد؟!!! ليس في الأثر رأي لعكرمة قط،غاية ما فيه أنه روى حديثا في صفة اليدين ولكن دون أن يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون حديثا مرسلا لأن عكرمة من التابعين، ولكن وصل مسلم وأبو داود وغيرهما هذا الأثرَ ورفعوه من طريق عمر بن حمزة؛ فقال مسلم في صحيحه: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن عمر بن حمزة عن سالم بن عبد الله أخبرني عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم * يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون.اهـ
وقد أشار إلى هذه الطريق البخاريُّ في صحيحه فقال: حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَرْضَ وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ، رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ سَمِعْتُ سَالِمًا سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا.اهـ
بل إن عمر بن حمزة حين روى أثر عكرمة السابق أتبعه بقوله: فحدثت بهذا الحديث سالم بن عبد الله فقال سالم : أخبرنا عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يطوى الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى….[6]اهـ فبين أن أثرَ عكرمة هو نفسه حديث ابن عمر المرفوع الذي هو حديث مسلم السابق.
إذن فأثر عكرمة هو حديث مرفوع رواه ابن عمر عند البخاري من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، ورواه مسلم من طريق عمر بن حمزة عن سالم عن ابن عمر[7].
ورواه أيضا أبو هريرة مرفوعا عند الشيخين بلفظ” يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ”.
والحاصل أن أثر عكرمة هو حديث مرفوع رواه من حيث الجملة الشيخان عن ابن عمر وأبي هريرة، ولكن على التفصيل السابق، مع اختلاف في ألفاظ الحديث، ففي بعضها أنه تعالى يطوي السماوات بيمينه، دون ذكر الشمال أو اليد الأخرى، كما في حديث أبي هريرة عند الشيخين، وكما في حديث نافع عن ابن عمر عند البخاري، وفي بعضها جرى ذِكر الشمال وأنه يطوي بها الأرضين كما في حديث عمر بن حمزة عن سالم عن ابن عمر عند مسلم بلفظ ” ثم يطوي الأرضين بشماله “، وهو نفسه أثر عكرمة ولكن بلفظ ” ثم يأخذ الأرضين بيده الأخرى “.
طبعا لسنا هنا في معرض الجمع أو الترجيح بين هذه الألفاظ والروايات فلهذا مقام آخر نأتي عليه لاحقا إن شاء الله….وإنما المقصود هنا بيان أن أثر عكرمة هذا هو في الحقيقة حديث مرفوع فحسب، لا يدل لا من قريب ولا من بعيد على موقف عكرمة ولا على موقف غيره من السلف من صفة اليدين ولا على أنهم يحملونها على الحقيقة كما يزعم الأخ العميري في مقاله السابق… غاية ما يدل عليه الأثر هو أن عكرمة وغيره من السلف كانوا يروون هذه الأحاديث في صفة اليدين… كما يروون غيرها من الأحاديث … وهذا ـ أي مجرد رواية أحاديث الصفات وغيرها ـ لا نزاع فيه وإنما النزاع في تفسير هذه الأحاديث في صفة اليدين ونحوها … هل فسرها السلف أم اكتفوا برواياتها؟
نحن نزعم أن السلف اكتفوا بروايتها ولم يفسروها، وقد نص السلف أنفسهم على ذلك في روايات صريحة وصحيحة وقد سبق بيان ذلك[8].
ومن زعم أن السلف كانوا يفسرون آيات الصفات الخبرية وأحاديثها فعليه بالدليل … أما أثر عكرمة هذا فلا يدل على ذلك لأن ليس فيه سوى رواية أثر له حكم الرفع في صفة اليدين، دون أن يفسره، هذا بغض النظر عن ضعف الأثر كما سبق بيانه… وبالتالي يبطل استدلال العميري به.
ننتقل إلى أثر وهب بن منبه …وانظر اللاحق:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/895891570524866/
[1] انظره على:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/856156004498423/
[2] انظره على:
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1066910949989406&id=100000115328012
[3] انظر الصور رقم: 1، 2
[4] انظر الصور رقم: 3، 4
[5] انظر الصور رقم: 5، 6، 7، 8
[6] انظر الصور: 5، 6، 7
[7] وقد ذكر الحافظ الذهبي في جزئه إثبات صفة اليد لله سبحانه ـ الذي أحالنا عليه العميري ـ ص14 حديث ابن عمر من طريق عمر بن حمزة، ثم ذكر الذهبي ص16 أثر عكرمة. (انظر الصور: 9، 10، 11)
[8] انظر ذلك على:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/506912476089446/
وانظر المقال على:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/895132907267399