وداعا يا أمي الحبيبة وإلى اللقاء في جنة الخلد بإذن الله (2)
من أمثال أمي رحمها الله :
من المعروف أن الأمثال الشعبية والعامية تعكس قدرا كبيرا من ثقافة المجتمع وآلية تفكيره بل كثيرا ما تحكم وتوجّه تصرفات كثير من أفراد المجتمع إن لم يكن أكثره بل أحيانا كثيرة تقاس خبرة الشخص بالحياة بمعرفته للأمثال، فكلما كان يعرف أمثالا أكثر كان خبرته أكثر، طبعا هذا كله بغض النظر عما إذا كانت تلك الأمثال صحيحة أم غير صحيحة، فهذا موضوع آخر.
هذا وقد كانت أمي رحمها الله تحفظ وتردد كثيرا من الأمثال الشعبية وتستخدمها في الإقناع، وها أنا أسرد لكم جملة من الأمثال الشعبية التي سمعناها من أمي رحمها الله:
1) ما عندك أب، ما عندك رب؟! (أي لا تقلق فلك رب يدبر أمرك وإن فقدت والدك)
2) هلأ الأخ مو لأخو متل يوم القيامة، كلمين رب اسألك نفسي (أي نحن في هذا الزمان الأخ لا يأبه بأخيه كيوم الحساب كما قال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } [عبس: 34 – 36])
3) البيت مدرسة
4) بعد امي وخياتي كل العالم جيران
5) اللي ما في خيرلأهلو ما فيه خير لحدا(خيركم خيركم لأهله..)
6) الناس بلا الناس (أي احترس من الناس لأنهم قد يورطونك أو يؤذونك)
7) ضع على الجرح ملح (أي اصبر على بلائك مهما تألمت)
8)ألف حَطة ولا شيلة ( حضٌ على إبراء الذمة وتخفيف المسؤوليات إن لم تكن أهلا لها، أو المعنى رتب أمورك من البداية بشكل صحيح لأن التراجع والتعديل قد يكون صعبا)
9) كلوا يا عجايا من بين أيدي السخايا (أي لا تنتظر كرما من البخيل)
10) نحنا زرعنا وحصد غيرنا
11) أهل الكرامات على وجوههم علامات
12) ما أكثر أصحابي وقت كان كَرْمي (أي أرض العنب) دبسا (أي الأصدقاء يكثرون عندما أكون غنيا)
13) عض على رمانة كتفك (حضٌ على العمل بجد، أي كن قوي العزيمة وامض في شأنك وشمر عن ساعد الجِد)
14) ارؤود … (أي كنا هادئا)
15) اشقدك جخيخ (أي كم أنت كريم .. تقال للسخرية من البخيل إذا تظاهر بالكرم)
16) كانت أحيانا تتمثل ببيت الشعر:
عيشة بالذل لا أرضى بها … جهنم بالعز أفخر منزل
17) وكانت تتمثل أحيانا أبيات العتابا، مثل:
مسا الخير يمسيكم جميعا .. كبار وصغار معكم جميعا
وأنا لأصير خدام وأخدمكم جميعا عبد مرهون لحين الطلب
18) ومثل :
يا تيل يا بو عمر يا اللي رايح على اليونان
بين ما تروح وتجي بيكون العمر مضيان
(وهذا كانت تقوله لنا بكثرة ـ وهي باكية ـ في السنوات الأخيرة بعد أن تفرقنا)
19) ومثل ما كانت تقوله عند الهم والغم والغضب تقول : ما أظن جرحي يطيب وعلتي تبرأ يا جُرحي اللي مالو عند الطبيب دواي (يعني أن ألمي شديد ومصيبتي كبيرة)
20) صاحب وليفك سنة ومن بعد السنة جربو وجور عليه بالاسى ومن بعد الاسى جربو
21) روح تمرّا (أي انظر إلى عيوبك فإن عجزت فاذهب وانظر إلى نفسك من خلال المرآة لترى شحوب وجهك الذي يدل على انطفاء النور الرباني من الداخل فانعكس على وجهك من الخارج )
22) النفس الدنية توطي شان راعيها (أي احترم نفسك وإلا ستهان)
23) يا مين شقي يا مين تعب (تحسر على بذل المشقة في سبيل من لا يستحق أو من هو ناكر للجميل)
24) يلا غَلي غلي غلي (أي كن نشيطا سريع البديهة)
25) اللي ما بيقطع فيها الكلام ضرب السيف ما بيقطع فيه
26) اللي ما بتطوطح زمبيلا ما حدا بعبيلا (يعني أن المرأة هي التي تصون عفتها وهي في الأغلب من تعطي المجال لمن يتحرش بها)
27) عامل حالك سنضدا بنضا (أي أنك متلبس بما ليس فيك)
28) عامل حالك شيخ ترمانيني (أي أن تدعي الورع وليست كذلك)
29) ان شاء الله أولادهم هيك (يعني سيعاملك أبناؤك كما تعامل والديك)
30) الله أقدر منهم، ولا ظالم إلا ويبعتلو أظلم (يعني أن الله أقدر من كل متجبر، وما من ظالم إلا قد يسلط عليه من هو أظلم)
31) الضيف الخفيف بشتي وبصيف (أي لا يُمل منه)
32) بعد ما شاب بعتو عالكتاب
33) الكبير اذا انجلأ متل الباب اذا انخلع (وباللهجة المصرية: الشايب لما يدّلع زي الباب المخلع)
34) الكلام اللي ما بينسمع حسرة بقلب اللي قالوا (أي لا تتكلم أمام من لا يطيعك)
35) الك يوم يا ظالم (أي كما قال تعالى: { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42])
36) ما تكتر زياراتك إلى عند امك وابوك بيكرهوك
37) اذا حدا بدو يروح عند حدا بيبرك اخرس اطرش
38) الصديق اللي ما ينفعني بدنيتي اشو بسوي فيه بعد رد التراب (أي كما قال الشاعر:
لَأَعرِفَنَّكَ بَعدَ المَوتِ تَندُبُني* وَفي حَياتِيَ ما زَوَّدتَني زادي)
39) اطعوم المطعوم واحروم المحروم (أي أن المعتاد على نمط ما في معيشته يصعب عليه أن يتأقلم مع نمط دونه أو فوقه، فالمترفه لا يستغني عن حياة الترف، بخلاف المعتاد على الحرمان والفقر فهذا لا يَفرق معه إن حُرم الترفيه)
40) عمرك لا تاخد من اللي صرلو، خود من اللي كلو (أي لا تأخذ هبة أو قرضا من فقير ثم اغتنى، ولكن خذ من الثري أبا عن جد)
41) يا افتح بابك واشهرو يا اغلقو (أي إما تفتح بيتك وتدعو الناس إليه لتكرمهم وإما أن تغلقه ولا تكن بين بين)
42) اللي بدو يعمل جمّال يعلي باب دارو (قريب من الذي قبله، ويعني أن السيد على قومه ينبغي أن يتحمل تبعات هذه السيادة من إغاثة الملهوف وحمل الكَل والتصدي للمهمات وتحمل المسؤوليات ونحو ذلك، ومنهم قولهم: سيد القوم خادمهم )
43) على أد اكسيك مد اجريك (أي اصرف بقدر استطاعتك)
44) اللي بيحب بيمسك الظلط ولي بيكره بيمسك الغلط
45) شنص مالي (أي لا حظ لي)
46) ما في خواص، (أي أن النصحية لن تنفع المعاند ولا المقلد)
47) زيوان البلد ولا حنطة جلب (أي اشتر من زراعة وصناعة أهل بلدك وإن كانت سيئة واترك المجلوب “المستورد” وإن كان جيدا، وأحيانا تقال لمن يتزوج بنتا من خارج بلده أو من غير طبقته)
48) دنب الكلب حطوا في القالب ٧٠ سنة طلع أعوج، ونحوه: اللي في طبيعا ما ببيعا
49) ياعدس يا جلبان سبقني حظي لقدام
50) اللي خلّف ما مات
51) إذا أحب ـ أي الله ـ عبدَه بلاه (ابتلاه)، ومن الطرائف أنها حين عانت أمي في مرضها الأخير أسقاما وأوجاعا شديدة قالت له أختي تصبرها “إذا حب عبدو بلاه” كما تقولين يا أمي، فقالت له أمي: بس مو هيك، هيك كتير. هههه .. رحمها الله
52) حسب النيات ترزقون، ونحو قولها “الله يعطيك على أد نيتك”، وقولها “الله يجعل نيتك ادامك”.
إلى غير ذلك من أمثال كثيرة كانت ترددها، وكانت كثيرة التضرع والدعاء لا سيما بظهر الغيب لنا ولجيراننا ولأقربائنا ولجميع المسلمين، وكانت تتوسل وتستغيث في دعائها بالأنبياء والأولياء والصالحين، ومن دعائها:
1) يا رب يا فرَج يا عالي بلا درج
2) أنت حاضر بكل مكان
3) اللي عقدتا حلّا (أي يا من قدّرت علينا الضر قدّر علينا الفرج)
4) كانت تدعو لنا بقولها: الله يسير أمركم ويشرح صدركم و يحلي ريقكم ويكثر صديقكم
5) وبقولها: الله يجعلكم يا أولادي مهدين مرضيين ويُكثّر أصدقاءكم ويقلّل أعداءكم
6) وبقولها: الله يريح اللي بيريحنا
7) وبقولها: إن شاء الله تمسكو التراب يقلب دهب بين أيديكم
8) وبقولها: الله يجعلكم في قصور وعلالي
9) وبقولها: إن شاء الله الارض تنبع والسماء تمطر وفق (توفيق) ورزق لكم
10) اللي ما بينطر قفاه الشحار طلاه (أي رحم الله امرأ ذب الغيبة عن نفسه)
نأتي إلى كلمات تقولها عند الغضب أو للتأديب أو تخاطب بها من يقلل الأدب :
1) ينزلك على عضام وجهك (أي تبا لك)
2) سد حلقك (أي اسكت)
3) أشو على بال القرد من سواد الوجه (أي إذا لم تستح فاصنع ما شئت)
4) إذا علّكت على كيفك؟ (يعني قل ما شئت فلا يصح إلا الصحيح أو لن يقع إلا ما أوافق عليه)
5) العيشة معكم أصعب من قرْط الحَجر
6) أشو راكبكم ألف جني متحني (تقولها لنا حين كنا صغارا مشاكسين ومناكفين )
7) وين رايحين من بيت شآع لبيت رقاع (يعني ليسعك بيتك)
أنت جاي خصوصي تخبطني (تقولها لمن أتى من ذويها ليزورها فيغضبها)
9) الله يجبر اللي يجبرني ويلهوج اللي بيلهوجني (أي يعذبني).
وبذلك أكون قد أتيت على طرف من السيرة العطرة لأمي الحبيبة رحمها الله، وشمائلها وأوصافها فوق ما ذكرت، طبعا ربما يقال هذه شهادة مجروحة .. فماذا عسى أن يكتب الابن عن أمه سوى الثناء عليها والفخر بها أمام الناس وتجاهل ما فيها من مثالب وسلبيات، تماما كما تفخر الأم بأبنائها والتركيز على محاسنهم وغض النظر عن مثالبهم. فأقول: صدقا حاولت قدر الإمكان أن أحرر سيرتها السابقة بكل أمانة وتجرد وبالتشاور مع إخوتي، فهم أيضا ساعدوني وذكّروني بكثير مما كتبت عنها.
وأما قضية تجاهل السلبيات فأقول: السلبيات لا يخلو منها بشر إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأنا لم أقل إن أمي كاملة مكملة فالكمال لله وحده سبحانه، والعصمة لرسله عليهم الصلاة والسلام، وتبقى هي بشر تخطئ وتصيب، وتغضب وترضى، وتنتبه وتغفو، وتسهو وتصحو، وتطيع وتعصي، وتجزع وتهلع، وترجو وتخشى، وتطمع وتزهد إلى نحو ذلك من الصفات البشرية وما يلازمها من إيجابيات وسلبيات، ولكننا مأمورون بذكر محاسن موتانا فما بالك إن كان المذكور أمّا للذاكر!!
وفي الختام أسأل الله أن يرحم أمي العزيزة وأبي الكريم رحمة واسعة وأن يجعلنا وإياهما في الفردوس الأعلى بصحبة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأن يرضّيهما عني وعن إخوتي وأخواتي وأن يجزل لهما المثوبة لاسيما أمي لأنها نالها حظ الأسد من مشقة تربيتنا بعد أن مات أبي مبكرا، لا سيما ـ وهذا ما فاتني أن أذكره في ج1 ـ وأنها أدركت تلك الأيام التي كان يعيش فيها الناس في بيوتهم من غير كهرباء ولا صنبور ماء، وإنما كانوا يعيشون على ضوء زيت الفتيلة وينقلون الماء من البئر أو الجب أو النهر على رؤوسهم ويمشون فيها مسافات طويلة، وكانوا يغسلون الثياب بأيديهم ويطبخون على الحطب ويخبزون على التنور .
فهذا كله أمي قد عايشته وكابدته في صغرها ـ فهي من مواليد 1939 رحمها الله ـ قبل الزواج وصدرا من حياتها بعد الزواج فتحملت كل هذه المشقات وصبرت في سبيل تربيتنا، وكذا الأمر بالنسبة لعماتي وكثير من أقرانهم من نساء تلك الحقبة فقد عانوا تلك المشقات لا سيما في ظل الفقر الذين عاشوه رحمهم الله جميعا.
وأسأله تعالى أن يجعلني وإخوتي وأخواتي من الصالحين لنكون من عمل أمنا الذي لا ينقطع، وأن يختم لنا بالحسنى حتى نلقاها ونلقى الله وهو راض عنا. إنه سميع قريب .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وانظر السابق: https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=2130539300455984&id=100004998042091