تراجم معاصرين

نعي وترجمة للشيخ العلامة إبراهيم الأحسائي رحمه الله بقلم تلميذه أخينا الشيخ أحمد زاهر سالم حفظه الله

أعزي الأمة الإسلامية في مصابها العظيم بوفاة العالم الرباني والعارف بالله النوراني المحب الفاني للنبي العدناني صلى الله عليه وسلم
شيخنا وسيدنا وبركتنا المحدث الفقيه الداعي إلى الله على بصيرة السيد إبراهيم بن السيد عبد الله آل خليفة الأحسائي الإدريسي الحسني الشافعي القادري الشاذلي الأشعري رحمه الله وأجزل مثوبته وأعلى في الصالحين مقامه وإنا لله وإنا إليه راجعون
ولد شيخنا بالكوت من الأحساء سنة ١٣٧٦ الموافقة سنة ١٩٥٦ بالتاربخ الميلادي ونشأ في بيت دين وأسرة علم ودرس فقه الشافعية وتلقى عن علماء بلده وصالحيه العلوم الشرعية، وقد حدثنا عنهم الشيخ رحمه الله في إجازته المطبوعة وبين مقروءاته عليهم فقال:( كما شرفني بالأخذ والتلقي عن علماءبلدي منهم:
 -العارف بالله الولي الصالح المجمع على جلالته وعلمه مولاي ومربي روحي سيدي الشيخ محمد بن الشيخ أبي بكر الملا الحنفي قدس الله سره الأعلى فقد قرات عليه النحو والصرف وعلم التجويد وعلم السلوك وحضرت عليه التفسير والسيرة رضي الله عنه.
ومنهم سيدي الولي الصالح الورع الفقيه سيدي الشيخ محمد بن أحمد العبد اللطيف فقد قرأت عليه متن أبي شجاع وحضرت عليه درس الحديث لشرح صحيح البخاري المسمى بإرشادالساري للإمام القسطلاني.
ومنهم العالم الفاضل البركة سيدي الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف الخطيب قرأت عليه كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع كفايةالأخيار في الفقه الشافعي للإمام الحصني.
ومنهم سيدي العالم العلامة التقي الورع الزاهد البركة الشيخ أحمد بن عبد الله بن محمد الدوغان قرأت عليه القرآن الكريم في صغري وصححته عليه قراءة وقرأت عليه التجويد وكتاب العمدة للإمام ابن النقيب المصري الشافعي وكتاب الإيضاح في مناسك الحج للإمام النووي وحضرت كثيرا من دروسه واستفدت من مجالسته علما وسلوكا وتوجيها نفعنا الله به.
ومنهم العالم التقي الورع الزاهد سيدي الشيخ عبدالعزيز بن عبيدالله الشافعي النحوي قرأت عليه في الرباط المبارك رباط الشيخ عبدالله بن ابي بكر الملا النحو وقسم العبادات في قرة العين للإمام المليباري الشافعي.
ومنهم الرجل الصالح البركة سيدي الشيخ محمد بن عبد الرحمن العمير قرأت القرآن الكريم عليه وحفظت عليه أكثره رحمه الله رحمة واسعة).
 ولم يكتف الشيخ بما حصله من علماء بلده فرحل في طلب العلم إلى الحرمين وغيرهما وأخذ عن كبار المحدثين والعلماء المحققين كالشيخ حسن المشاط (ت ١٣٩٩) وتلميذ الشيخ أحمدرضا خان الشيخ المعمر المجاور بالمدينة المنورة ضياء الدين أحمد القادري الهندي ثم المدني (ت ١٤٠١) وعنه تلقى الطريقة القادرية وأجازه واستخلفه والشيخ محمد ياسين الفاداني (ت ١٤١٠) والسيد عبد الله بن الصديق الغماري (ت ١٤١٣) والسيد عبد العزيز الغماري(ت١٤١٨) والشيخ عبد الفتاح أبوغدة(١٤١٧) والسيد المكي بن كيران الفاسي والشيخ اسماعيل زين (ت ١٤١٤هـ) والسيد محمد بن علوي المالكي (ت ١٤٢٥) والشيخ أحمد جابر جبران (ت ١٤٢٥) والشيخ محمود أفندي النقشبندي حفظه الله والشيخ زكريا الكاندهلوي (١٤٠٢) والحبيب أحمد مشهور طه الحداد ونافت مشيخته التي ذكرها في إجازته المطبوعة على سبعين وزار الشام وأخذ عن علمائها وصالحيها الأعلام كالشيخ ابراهيم الغلاييني والشيخ عبدالله سراج الدين والشيخ عبد الرزاق الحلبي والشيخ عبدالرحمن الشاغوري وتلقى الطريقة الشاذلية عن الشيخ عبد القادر عيسى وغيرهم أجزل الله أجرهم.
وحدثنا رحمه الله أنه حضر في سنة ١٤١٠ مجلس ختم سنن أبي داود على العلامة الفاداني قال: فسمعنا مسلسل الأولية في هذا المجلس من بضعة وعشرين شيخا.
وانتسب الشيخ رحمه الله الى كلية الشريعة بجامعة الإمام وتخرج فيها ليعمل مدرسا بالمعهد الديني بالأحساء من عام ١٤٠١ إلى ١٤٢٢ وينشر العلم في بيته ومسجد الفاتح (الدبس) الذي ورث إمامته عن آبائه إلى جده العلامة الفقيه السيد علي المغربي الحصاري الإدريسي، وهو مسجد بناه والي الأحساء في عهد السلطان سليمان القانوني سنة 962هـ الموافق لــ 1554م ووقفه وجعل الإمامة والنظارة عليه للسيد علي الحصاري جد السيد إبراهيم ولذريته بطناً بعد بطن ويعد مقصدا لطلاب العلم لدراسة الفقه الشافعي منذ أكثر من 478 عاماً.
 فأقبل طلاب العلم عليه لما رأوا فيه من جميل الخصال وسني الخلال فقد جمع الشيخ بين الفقه والحديث والإرشاد والإنشاد وتربية المريدين وإفادة المتعلمين في أبوة حانية ويد سخية ونفس رضية وهمة علية مع زهد في الدنيا ومجافاة لأهلها وتواضع للمساكين وحذر من الانجرار وراء أهواء الطغاة أو ركون للظالمين حتى صار علما يشار إليه بالبنان وأجرى الله على يديه صنوف الخيرات كشفاء المرضى برقيته المباركة والإنفاق على الفقراء والمساكين وإكرام الضيفان وكفالة طلاب العلم والقيام بشؤونهم.
وقد أكرمني الله فلقيته مرارا بمصر قبل أكثر من عشرين عاما واستجزته وحضرت مجالسه وطلب منا أنا والشيخ أسامة السيد تصحيح وضبط كتيب مجموع الأوراد وكتاب دلائل الخيرات التي يرويها من طريق شيخه ضياءالدين القادري وإعدادها للطباعة وأكرمنا على ذلك دون أن نطلب منه شيئا وسمعنا منه المسلسل بالأولية والمحبة وقرأنا عليه قطعة من أول صحيح البخاري ثم جدد الله لي لقاءه باستانبول في أواخر عام ٢٠١١ حين تشرفت بتدريس متن الجوهرة لمجموعة من طلاب الشيخ محمود افندي النقشبندي فقرأت عليه من الشمائل المحمدية للترمذي وحضرت مجالس عديدة من صحيح البخاري وسمعت منه المسلسل بعاشوراء بشرطه وأهداني إجازته المطبوعة ثم صار يرسل لي بعد ذلك تمرا جيدا من مزرعته بالأحساء مع أحد تلاميذه الكويتيين ممن قرأ علي أيضا.
إن سيدي الشيخ إبراهيم من رحمات الله للأمة نور يمشي على الأرض أفنى حياته في التعلم والتعليم والتربية والتسليك وتمثلت فيه أخلاق السلف من الورع وسلامة الصدر والتمسك بالشرع ورقة القلب وسخاء العين والإنابة إلى دار الخلود والحب لله ورسوله والصالحين والدعوة إلى الله وجمع القلوب على الله.. باع نفسه لله وتوقى أن يكون مطية لحاكم او ثري فرفض عرضا سخيا من دولة عربية برعاية تلاميذه وإغداق المال عليه لنشر مشربه وإشاعة علومه ووبخ من كلمه بذلك وأسر لبعض المقربين بسوء مسلكها قبل أن يعرف ذلك عنها ولما لقيته باستانبول رأيته مستاءا من انجرار بعض من نعرف لمحبة الظلَمة والركون إلى الفسقة منكرا ما هم عليه من ممالأة الساسة المتغلبين.
 وقد شغف رحمه الله بتدريس الفقه الشافعي وإقراء كتب السنة ومدارسة نزهة النظر في المصطلح فأقرأ صحيح البخاري قديما وفتح الباري وغيرهما..

ثم أحيا الله به في السنوات العشر الأخيرة من حياته المباركة مجالس التحديث والسماع بتركيا فأقرأ صحيحي البخاري ومسلم والسنن الاربعة وموطأ محمد ومسند الدارمي وغيرها..
 وكانت دروسه حافلة بالفوائد العلمية والنكات الحديثية وإفادات في الرجال مع لطائف وعظية فكأن الحاضرين في روضة من رياض الجنة..إذا جلس للتحديث نسي نفسه فلا يكل ولا يمل على الرغم من تعاقب الأمراض عليه واشتداد الآلام التي أنهكت جسده إلى أن اختاره الله لجواره صبيحة يوم الجمعة الأول من ذي القعدة سنة ١٤٤٢ باستانبول مصابا بداء ذات الرئة وضيق التنفس حتى سكن القلب الذي لطالما خفق واضطرب وطرب بحب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم..وسيصلى عليه غدا السبت بعد صلاة الظهر في جامع الفاتح ويدفن قرب شيخه العارف بالله الشيخ عبد القادر عيسى الحلبي الشاذلي في منطقة أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
فلله دره وعلى الله أجره لقد أتعب من يأتي بعده
فما كان قيس هلكه هلك واحد
             ولكنه بنيان قوم تهدما
حلف الزمان ليأتين بمثله
         حنثت يمينك يا زمان فكفر
سلام عليك يا شيخنا في الصالحين المصلحين والعلماء العاملين المخلصين
نور الله قبرك ورفع ذكرك وأجزل أجرك
وجمعك بجدك المصطفى في جنان الخلد
وثبتنا على طريقك غير مبدلين ولا محرفين ولا منحرفين إنه سميع الدعاء
وكتبه الفقير إلى ربه
أحمدزاهر سالم

٢ ذي القعدة ١٤٤٢
٢٠٢١/٦/١٢

السابق
(3) الرد على دمشقية في قوله بأن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة بحجة أنهم تأثروا في التنزيه بعقائد الشيعة!!! عبارة “كان الله ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان” ونحوها مثل: لا يحويه مكان ؟!![1]
التالي
العلامة الخلوتي الحنبلي يؤيد أن مذهب ابن تيمية مخالف للإجماع في الطلاق الثلاث، فيرد محقق كتابه الوهابي: ومن أنت يا خلوتي؟!!