Abdulrahman Alhout
انتقل إلى رحمته تعالى الشيخ الدكتور محمود ناصر الحوت، فجر هذا اليوم في مدينة القاهرة، بعد معاناة شديدة مع مرضٍ عضال نزل به في أيامه الأخيرة حتى وافته المنية.
كان الشيخ محمود رحمه الله علماً من أعلام مدينة حلب، وخطيبها المفوه والأبرز، وكان مسجد الكلتاوية يغصّ بآلاف المصلين صباح كل جمعة لحضور خطبة الشيخ الطويلة. وكان رحمه الله مديراً للمدرسة الكلتاوية في حلب التي خرجت أجيالاً كثيرة من الأئمة والخطباء.
أبرز ما يتميز به الشيخ محمود رحمه الله هو صدق حبّه واتباعه للشيخ محمد النبهان (مؤسس دار النهضة – الكلتاوية) رحمه الله، فقد كان كثير الذكر والثناء عليه في مجالسه الخاصة والعامة.
ولمعرفتي بالشيخ رحمه الله وصلتي به فأنا أعلم أنه خلال الأعوام العشرة الأخيرة قد التزم بمقولة سيدنا عليٍّ كرم الله وجهه “كن أيام الفتن كابن لبون، لا ظهراً يركب ولا ضرعاً يُحلب” وللأسف فقد ناله أذى جميع الأطراف المتصارعة. وبقي الشيخ على موقفه دون أن يبدل أو يغير حتى انتهى به الأجل في غربته بالقاهرة.
نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجعل مقامه في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
https://www.facebook.com/photo/?fbid=7853918607996376&set=a.433227593398885
=====
وانهدّ ركنٌ ليس بالمهدودِ
إن الكتابة عن رحيل شيخنا الحبيب والأديب الاريب والبليغ الخطيب (محمود ناصر الحوت) وتعداد مناقبه مسؤولية كل قادر عليها، وحتم لازم لكل من أفاد منه علماً أو فهمًا أو عمل معه، أو كانت له سلطة عليه .
وأنا واحد من مئات – بل قُل من ألوف – أدار شؤونهم، وسهر على راحتهم وحصنهم من كل فكر غريب، وصنعهم على عينه ، بل على عين الشريعة والمبادئ والأخلاق.
يَبني الرجالَ وغيرُهُ يَبني القُرَىٰ *شتّانَ بين قُرًى وبين رجالِ
وإن أنس لا أنسى تاريخ الثاني والعشرين من آب يوم الاثنين عام ١٩٨٨ م الموافق ٩ / ١ / ١٤٠٩، حينما دخلت مع اثنين من زملائي المستجدين غرفة الإدارة لاختبار المقابلة الشفهية للقبول في دار نهضة العلوم الشرعية، فكان شيخنا عن يمين ابن السيد النبهان رضي الله عنه العم أبي فاروق رحمه الله وعن شماله شيخنا بلال حمزة حفظه الله، فقال لي : يا بني … اعلم أننا لا نعطي شهادات هنا ، وإذا منحناها فهي غير معترف بها؛ فقلت: سيدي أنا لا أريد شهادة، بل أريد علمًا؛ فأنا أفني حياتي من أجل العلم … وانتهت المقابلة ، وتم قبولي..ولعل الله نفعني بهذه الكلمة.
فكان من دخل معي ( مصعب الحسين ومحمود بابلي) يتندران بكلمتي، ويقولان لي لاحقًا : تفني حياتك من أجل العلم؟!!!!.
ومنذ ذلك اليوم بدأت علاقتي بشيخنا علاقة التلميذ بأستاذه ، فكان يعلمنا بحاله وبقاله ، ويرشدنا من خلال دروسه اليومية وخطبه الأسبوعية ، وكان يبني فينا الروح والنفس معًا ، ويعمل على شحذ الهمة لبلوغ القمة ، ويدفعنا دفعنا إلى ضرورة إعزاز النفس وترك سفاسف الأشياء ، والزهد فيما في أيدي الناس ، وكان يكثر أن يكرر : عِزّ نفسَك تجدْها وإن تُهنها تُهان.. ويقول: إن يزينُك لَنفسك وإن يهينك لَهيَ.
وكان في السنة الأخيرة من دراستي في الكلتاوية ( الصف الثالث الثانوي)لا يناديني إلا ب( يا شيخ ياسر ) كان ذلك بعد أن شببت عن الطوق ، وقاربت التخرج.
وكان يتميز عن غيره من أشياخ حلب بالإنصاف ، فمع خلافه مع الدكتور البوطي رحمه الله إلا أنه كان قد قرر بعض كتبه في المدرسة من مثل (فقه السيرة) و(كبرى اليقينيات الكونية).
وكان يَقبل تلاميذه على عِلاتهم..
ولا يَحمل الحقدَ القديم عليهمُ* وليسَ رئيسُ القوم من يحمل الحِقدا
وكان يقول عن المخطئين : هؤلاء أغصان في دوحة السيد النبهان ، والغصن منها وإن مال.
لقد كان شيخنا أبو ناصر رحمه الله علامة فارقة في خطباء عصره ، كما كان مِن قبله شيخه وحبيبه السيد النبهان رضي الله عنه علامة فارقة في علماء ومصلحي زمانه والأزمنة التالية؛ فقد أعطى للخطابة لونًا خاصًا، وجعل من نفسه فيها مدرسة خاصة هي (مدرسة الشيخ محمود الحوت) التي تعتمد البيان الساحر والأسلوب الآسر والفصاحة المعجبة والشجاعة المطلقة والفكر الأخّاذ .
وكان شاعرًا مُجيدًا ، ولعل أبناء جيلي يذكرون معي قصيدته ( غزالة أحمد ) التي ألقاها زميلنا عبد الله الشافعي في حفلة عيد المولد عام ١٩٨٩م.
يا أخوتي يا من حضر * في مولد الهادي القمر
أروي لكم هذا الخبر * فهو صحيح مشتهر
غزالة مسكينة * خرجت تفتش عن ثمر
ولا أزال أحفظ الأبيات الثلاثة التي رثى بها أخاه الشاب الشهيد عبد الله حوت عام ١٩٩٠م :
مضى والعمر غضن والأماني * تحوك له رداء من جمان
فأبدله القضاءُ رِداء بر * وألبسه ثياب الأرجوان
شهيد الله لا أنساك حتى * أصير رهين قبر قد طواني
وصحيح أن شيخنا لم يترك مؤلفات ولا أسفارًا … ولا كتبًا صغار الحجم أو كبارا … لكنه خرّج طلبة علم وسِعوا الدنيا علمًا وعملاً وأخلاقًا … وكأنهم لسان حاله القائل :
تلك آثارنا تدل علينا * فانظروا بعدنا إلى الآثار
صحيح أنه لم يكن لديه من الأولاد ولد ذكَر يحمل اسمه من بعده؟! لكن الأفواج التي تخرّجت في عهده، ومن تحت يديه، هي خير من يذكره للناس، ويَعكس سيرته الحميدة، وأقواله وأفعاله السديدة.
لدي في الذاكرة الشيء الكثير عن هذا الشيخ الكبير … أودعت بعضها في مذكراتي … حتى يعرف أولادي وأحفادي أي أشياخ كان أولئك الذين بنوني وشادوا شخصيتي العلمية والخلقية…
أولئك قومٌ إن بنَوا أحسنوا البِنا* وإن عاهدوا أوفَوا وإن عقَدوا شدّوا وإنْ كانتِ النعماءُ فيهم جزَوا بها* وإن أنعموا لا كدّروها ولا كدّوا
اللهم اجز شيخي عني خير ما جزيت شيخًا عن طلبته، وأستاذًا عن تلاميذه، وأبًا عن أولاده… وأكرم وفادته عليك … واجمعه مع حبيبه .. يا الله.
وكتبه
المفجوع بشيخه
ياسر مصطفى يوسف
اصطنبول المحروسة
٦/ ٨ / ٢٠٢٤م
https://www.facebook.com/share/ZYBEgSVoXrQnD9Me/?mibextid=oFDknk
======
أحمدزاهر سالم
توفي اليوم شيخنا الحبيب وأستاذنا العالم الأديب والخطيب المفوه الأريب والصوفي الداعية الكبير الشيخ الدكتور محمود ناصر حوت عن ثمانية وستين عاما غريبا عن بلده بعيدا عن الكلتاوية التي كان يعشقها ويرجو العودة إليها والتقاط آخر أنفاسه فيها..
ولد شيخنا بحلب سنة 1956 وغذي بلبان الدين والتعلق بالصالحين ولما بلغ الثانية عشرة من عمره انتسب إلى دار نهضة العلوم الشرعية التي أسسها العالم الرباني الإمام الشيخ محمد النبهان فدرس فيها ست سنوات وتلقى عن علماء أجلاء من أشدهم تأثيرا فيه العلامة الأستاذ الدكتور محمود فجال والعلامة الأستاذ الدكتور محمد نذير حامد والعلامة الأستاذ الشيخ علاء الدين علايا والعالم المربي الشيخ محمد لطفي والخطيب الأنيق الأستاذ حسان فرفوطي و لما كانت دار النهضة معادلة بالثانوية الأزهرية التحق بعد تخرجه بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر وتخرج فيها سنة 1979 ثم فرغ نفسه للدار التي نشأ فيها وترعرع في رحابها موجها ومدرسا ثم مديرا لها
وتألقت موهبته الخطابية فتولى خطابة جامع الكلتاوية منذ سنة 1980 إلى سنة 2012 وهو الجامع المجاور لدار نهضة العلوم الشرعية
وشغله العمل بمدرسته والتفرغ لخطابته فتأخر نيله للماجستير من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر إلى سنة 2003 عن رسالته المعنونة بالشواهد القرآنية في كتاب عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح ثم حصل على درجة العالمية الدكتوراة من الكلية نفسها سنة 2011م ونالها بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى عن رسالته المعنونة ب(أسرار صيغ الزيادة في الأفعال في تفسير الدر المصون للإمام السمين الحلبي).
لكن أكثر أشياخه تأثيرا في كيانه كله وتكوينا لشخصيته هو الإمام الرباني الشيخ محمد النبهان الحلبي فقد تعلق به قلبه وتوله بحبه لبه وسلم له زمام نفسه ورأى فيه وارث النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم الأكمل فنهل من معينه واغترف من بحره وتربى بين يديه ووقف حياته وأنفاسه على التعلق بحضرته وخدمة مدرسته ونشر محاسنه والتعريف بفضائله ومعارفه حتى لازم في مقدمة خطبة الجمعة الإشارة إليه والترضي عنه بعد ذكر الشهادتين والترضي عن الصحابة الكرام وازدادت صلة شيخنا بشيخه وتزوج حفيدته.
ولما أكرمني ربي بالانتساب إلى دار النهضة سنة 1990 كان شيخنا محمود مديرا لها ومدرسا فيها وخطيب مسجدها قد فرغ نفسه لخدمتها فأفدنا من توجيهاته وأخذنا عنه عدة علوم وكان بارعا في تدريس السيرة النبوية الشريفة فقد كان شديد الحب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه العظماء فكان يغرس حبهم في قلوبنا ويحكي أخبارهم بتأثر وتأثير بليغ فتنصت له أسماعنا ويهتز وجداننا وتدمع عيوننا وإن أنس فلا أنسى حالي حين حدثنا قصة سيدنا سعد بن الربيع وإيثاره الفريد وأخوته المخلصة لسيدنا عبد الرحمن بن عوف ثم جهاده في سبيل الله وكلماته الأخيرة التي بينتها رواية ابن إسحاق أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع ؟ فقال رجل من الأنصار : أنا . فخرج يطوف في القتلى ، حتى وجد سعدا جريحا مثبتا بآخر رمق ، فقال : يا سعد ، إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات ؟ قال : فإني في الأموات ، فأبلغ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – السلام وقل : إن سعدا يقول : جزاك الله عني خير ما جزى نبيا عن أمته ، وأبلغ قومك مني السلام وقل لهم : إن سعدا يقول لكم : إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف. وكان يحفظ هذه الرواية ويضيف إليها زيادات الروايات الأخرى.
ولقد حبى الله شيخنا هيبة وصولة وكساه جمالا وجلالا وكان في إدارته حازما شديدا وربما بالغ في شدته فوقعت في غير موقعها وكان طيب القلب على شدة فيه وإذا رضي وسر انبسط ومنح وإذا غضب وانفعل بطش وجرح وكان يقول: أنا كما قال الشاعر:
أنا كالماء إن رضيت صفاء
وإذا ما غضبت كنت لهيبا
وكان عفيفا كريما أبيا هماما عزيزا فخما مفخما يكرر على أسماعنا الاعتزاز بالعلم والترفع عن الدنيا وأهلها وينعي على المشايخ الذين يتزلفون للأغنياء وينافقون للأمراء ويردد كثيرا مقولة: بئس العلماء على أبواب الأمراء ونعم الأمراء على أبواب العلماء وكم سمعناه يقول: عز نفسك تجدها وإن تهنها هان حتى إنه كان يأبى حضور وليمة الإفطار التي كان يقيمها حافظ الأسد كل سنة في رمضان وينتقد انتقادا لاذعا من يحضرها من العلماء والدعاة وكان يربينا على حب الله ورسوله وتعظيم الشريعة والدعوة إلى تطبيقها والتحذير من المبادئ الهدامة والأفكار الضالة المنحرفة وكان يصدع بكلمة الحق حين جبن أكثر العلماء والخطباء وكان يحذرنا من الانخراط بحزب البعث الحاكم بسورية وينتقده انتقادا شديدا ويقول لنا إياك أن تكون حزبيا أو بعثيا أو منافقا أو متزلفا وعلى هذا عاش وعلى هذا مات رحمه الله وكانت له في خطبه ودروسه انتقادات شديدة للفساد والمنكرات وصولات وجولات ومواقف لا يقفها إلا فحول الرجال ولما مات باسل بن حافظ الأسد وانطلقت من مآذن المساجد كلها آيات القرآن وكلمات النعي والعزاء لم ينطلق من مئذنة الكلتاوية إلا كلمات الأذان.
فلما انتفضت درعا واشتعلت الثورة فيها سنة 2011 وامتدت إلى حمص وبانياس ثم خرج أسود حماة في مظاهرة مليونية واستمر النظام الحاكم في إجرامه ومجازره وبغيه تطلع بعض محبي الشيخ محمود والعارفون بماضيه المجيد وتأمل كثير من الشباب أن يقود المظاهرات بحلب ويحرض الناس على الثورة ولكن الشيخ كان له رأي آخر خيب به آمال الثائرين
ولا بد من جلاء موقف الشيخ من الثورة إحقاقا للحق وذبا عن عرض الشيخ وأداء لأمانة الكلمة فأقول:
إن فهم موقف الشيخ محمود رحمه الله من الثورة يتوقف على معرفة حال كثير من الأشياخ والكبار الذين عاصروا ثورة الإخوان المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي فقد رأوا بأعينهم أن هذه العصابة الحاكمة متمسكة بالسلطة إلى آخر رمق تملك الجيش والشرطة وجحافل المخابرات ولديها العزيمة والقدرة وتفضل تدمير سورية وإبادة شعبها بكل وحشية دون أي رادع على التنازل عن الكرسي وأحسوا أن هذا النظام مدعوم عالميا فكان هم الشيخ محمود أن يحافظ على أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم من قوم مجرمين لا يخافون من الله ولا يستحون من الناس وكانت المدرسة تضم مئات طلاب العلم الذين تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والثامنة عشر فكان يخشى عليهم من الاعتقال والموت على أيدي جلاوزة التعذيب الفجرة المجرمين فلذلك كان ينهى الطلاب عن الانخراط في الثورة وحمل السلاح في مواجهة نظام قوي سفاح وصدرت منه بعض الكلمات في سبيل هذه الغاية التي ينبغي أن نفهمها في هذا السياق ولا ينبغي التوقف عندها كثيرا
ولكن هل كان الشيخ محمود من أزلام النظام؟ هل كان مؤيدا لإجرامه؟ هل كان شبيحا ؟
لا والله لم يكن شبيحا ولا كان مؤيدا لإجرام النظام ولا كان في يوم من أيامه من أزلامه وأعوانه ولا من مشايخ الرز بحليب بل كان أسدا شجاعا يصدع بالحق ولا يبالي وكان يكره حزب البعث وينتقد الفساد والمنكرات ولقد خطب من على منبر الكلتاوية وتكلم في حلب بما لم يجرؤ بقوله إلا الشيخ كريم راجح بدمشق وأمثالهما ممن كان يخطب في المناطق التي يسيطر عليها النظام فانتقد الشيخ محمود إجرام النظام وقتله للمدنيين وسفكه للدماء ودعا إلى سحب الدبابات والآليات من المدن والقرى والشوارع وقال كفى سفكا للدماء كفى قتلا للأبرياء ودعا إلى الإصلاح ووجه كلامه القوي للسلطة في سورية من غير مواربة ولا مجاز وقال أيضا وأقول للثوار إن مطالبكم مشروعة وأنا معكم في هذه المطالب وأدعو إلى الإصلاح ولكنه دعاهم إلى وضع السلاح أيضا فهل يقول هذا الكلام يا عباد الله يا أهل الإنصاف رجل شبيح أو من أزلام النظام؟! سبحانك هذا بهتان عظيم..
ولما رأى أن الأمور خرجت عن السيطرة رحل إلى القاهرة ثم في الثاني عشر من آب عام 2012 وجه الشيخ رسالة مكتوبة “لأهالي سورية عامة وحلب خاصة” خاطب بها السلطة والشعب جاء فيها: (إلى السلطة في سوريا أكرر ما قلت على منبر الكلتاوية: كفاكم قتلًا للرجال والنساء، للكبار والصغار، كفاكم هدمًا للبيوت والجوامع والمدارس والمعاهد والتراث العالمي في سوريا. لقد دعونا إلى الإصلاح وتلبية مطالب الناس ولكننا لم نجد إلا قتل الناس، دعونا إلى الحوار فأجابتنا المدافع والدبابات والطائرات).
وجاء فيها أيضًا: (رسالتي إلى الشعب السوري عامة أن يعتمد على الله وحده أولاً وآخراً، أدعو الشباب في كل المدن والقرى والأحياء إلى المسارعة بتشكيل لجان لضبط مداخل الأحياء والعملِ على حراستها وحمايةِ الأهالي والحفاظِ على الممتلكات العامة والخاصة والدفاع عنها).
واستمر الشيخ بعد هذا على موقفه ورأيه يرى نفسه طرفا ثالثا لا هو من الثوار ولا من العصابة الحاكمة وتنقل بين مصر والسودان ودعي بعد ذلك إلى مؤتمرات وأنشطة دعوية وعلمية استعاد بها بعض نشاطه الدعوي بحلب ثم تهيأت له الظروف فعاد إلى حلب وزار الكلتاوية التي يعشق ترابها سنة 2019 وزارها أياما قلائل لم يصرح فيها أي تصريح فيه تشبيح أو تأييد لإجرام النظام ولم يبع دينه فدفع دفعا إلى مغادرة بلده ومدرسته التي يرقد فيها حبيب قلبه الشيخ النبهان فاضطر إلى الخروج منها وقلبه يتمزق وزار تركيا فاحتفى به طلابه ومحبوه واستقبلوه استقبالا عظيما وهنا ادعى بعض من ينتسب للثورة أن الشيخ جاء إلى تركيا برسالة من النظام ليحث طلاب العلم على المصالحة والعودة إلى سورية ولم يكن ذلك إلا افتراءات لا نصيب لها من الصحة ولم يستطع أحد إثباتها فإن الشيخ أخرج من حلب إخراجا تحت التهديد والوعيد بالاعتقال إن عاد إليها فاتقوا الله يا عباد الله وكفوا عن الخوض في أعراض العلماء بالباطل نعم لم يكن الشيخ ثوريا ولكنه لم يكن بعثيا ولا أسديا وكان له رأيه الذي اجتهد فيه والذي قد نخالفه فيه أو في بعضه.
والحقيقة التي يجب أن نقولها: إن تصوف الشيخ كان هو الدافع الخفي لكثير ممن يهاجم الشيخ ويتهمه بما ليس فيه ولقد رأى هؤلاء في موقفه المخالف لهم فرصة ثمينة لا تفوت فطعنوا فيه وقصدهم الطعن في التصوف كله وأنا لم أكتب ما كتبت لأدافع عن التصوف بل لأبين الحقيقة لمن كان يريد معرفتها ويكرم نفسه عن ترديد مقولات لم يتحقق صحتها ولقد أفزعني تسرع بعض الشباب إلى الخوض في أعراض الناس بالباطل والضن على مسلم عالم داعية بالدعاء بالرحمة بل السخرية بمن يترحم عليه ..
رحم الله الشيخ محمود الذي مات غريبا عن وطنه بعيدا عن بلده مبتلى بأمراض وأسقام اشتدت وطأتها عليه في السنوات الأخيرة حتى أنهك السرطان جسده ولقي ربه طاهرا مطهرا إن شاء الله..
وعزاؤنا لأهله آل حوت الكرام ولجميع طلابه ومحبيه لا نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون وهذا مصير الأولين والآخرين.
وكتبه الأسيف
الثلاثاء 2 صفر 1446
2024/8/6
وهذا مقطع يوثق بعض كلام الشيخ رحمه الله
si=6_H9AVAIzM6aKq4P
وذا مقطع آخر مهم https://youtu.be/lG6lBdZroHc?si=QDUYVfwr8AWplhW5
======
أحمدزاهر سالم
يا سبحان الله كيف ينسى مسلم قول الله تعالى: ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) فيفتري على مسلم وينسج الأكاذيب ويأتي بالأغاليط؟!
ويا عجبا كيف لمسلم سني عاقل يكذب إخوانه ويصدق كلام رجل من أهل الأهواء والبدع الذين يكفرهم أمثال كاتب هذا الكلام ؟!
تمويل المدرسة معلوم عند أهله وللمدرسة محاسب معتمد ولا علاقة للمدرسة بالشيعة ولا بمكاتب الأمن إلا علاقة التضاد والاختلاف الشديد فهذه المدرسة يا أيها المفتري لم تكن مادة التربية القومية من مقرراتها ولا كان يرفع فيها راية حزب ولا وطن ولا يوضع فيها صورة القائد البائد حافظ ولا غيره بل كان شيخها يبغض حزب البعث ويلقننا بغضه ويحذرنا من الانتساب إليه وينهانا أشد النهي من التزلف والنفاق للحاكم المتسلط على البلد ويردد على أسماعنا: بئس العلماء على أبواب الأمراء وينتقد انتقادا لاذعا الأشياخ الذين كانوا يحضرون الوليمة الرمضانية السنوية التي كان حافظ أسد يدعو العلماء إليها وكان أكثر الحضور مكرها على حضورها إلخ إلخ
وصحح معلوماتك فالشيخ محمود زوج حفيدة الشيخ محمد النبهان بنت السيد الجليل أحمد أبي فاروق..
وقد عرف الشيخ محمود بحب الصحابة الكرام والتعلق الشديد بهم والدفاع عن عرضهم حتى إنه كان يقول بتفاصيل قد يخالفه غيره فيها من شدة حبه وتعظيمه للصحابة فكان لا يذكر أحدهم إلا مسودا مترضيا معظما فلا يذكر معاوية إلا قال: سيدنا معاوية رضي الله عنه وسيدنا علي رضي الله عنه وسيدنا ماعز رضي الله عنه وسيدتنا الغامدية رضي الله عنها وهكذا وكان يجلهم ويحبهم جميعا كبارا وصغارا ثم يقول: وليس فيهم صغير يعني بذلك القدر والمنزلة
وكان ينفرنا ممن ينتقدهم أو يسبهم أشد التنفير وللتاريخ أذكر أنه قد زاره عام 1995 في المدرسة رجل من دعاة الشيعة اتخذ من حب آل البيت مدخلا إلى الدعوة إلى مذهبه فقال له الشيخ: ونحن نحب آل البيت أشد الحب فلما دلف الرجل من هذه المقدمة وانتقل منها إلى الكلام فيمن خالف سيدنا عليا وقاتله أوقفه الشيخ وزجره وآيسه منه وقال له: نحن نعشق أصحاب رسول الله ونحب كبيرهم وصغيرهم وليس فيهم صغير ولو قطعت أجسادنا إربا إربا لسالت دماؤنا بحب أصحاب رسول الله الذين رباهم على عينه ومدحهم وأثنى عليهم وقال: الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم وقال كذا وكذا فخرج الرجل خائبا منكسرا
ذكرت البارحة هذا الموقف فتذكرت بيت نزار :
أنا الدمشقي لو شرّحتمُ جسدي
لسال منه عناقيد وتفاح
كان الشيخ محمود شديد الحب والتعظيم لأصحاب المصطفى الكرام وكان يخصص خطبا للكلام عن أفرادهم وترجمتهم ويعالج الواقع من خلال بعض المواقف والكلمات الواردة عن ذلك الصحابي الجليل وكان يحثنا على قراءة حياة الصحابة وكتاب خالد محمد خالد رجال حول الرسول وكان يحفظ منه جملا ومقاطع وكتاب من حياة الصحابة للدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا وكان يحفظ منه ما شاء الله أن يحفظ
وغير ذلك من الكتب والمصنفات وكثيرا ما كان يردد في خطبه كلمات العلامة الدكتور مصطفى السباعي التي كان يضعها في صدر مجلة حضارة الإسلام حتى حفظناها منه:
(إن لله عبادًا قطعوا علائق الشهوات،
وأسرجوا مراكب الجدِّ بصدق العزمات،
وامتطوا جياد الأمل، واتَّجهوا إلى الله عز وجل،
وتزودوا إليه بصالح العمل مع إخلاص النية، وتوسلوا إليه بصفاء القلب وصدق الطوية، فمروا بالخضرة الفاتنة مسبحين، وبالحطب اللاهب مستعيذين..
لم يعبؤوا بالعقبات، ولم يلتفتوا إلى المغريات، قد صانوا وجوههم عن الابتذال، وطهروا أقدامهم من الأحوال..
استعانوا بالله على مشقة الطريق فذلل لهم صعابه، وعلى بعد المدى فلملم لهم رحابه، فلما اجتازوا الصعاب سألوا الله ففتح لهم بابه، فلما دخلوه استضافوه فقربهم ورفع دونهم حجابه، فلما استطابوا المقام بعد طول السرى قالوا: “الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين”) ثم يقول بملء شدقيه مفخِّما معظِّما: أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم ..
ومن خطب الشيخ محمود الحوت العصماء التي نطق فيها بالحق وصدع بالصدق وهاجم فيها مسؤولا دينيا كبيرا متنفذا افتلتت من لسانه كلمات مردودات في حق الصديقة بنت الصديق سيدتنا عائشة رضي الله عنها فانتقد موقفها من الفتنة وخاطبها على المنبر قائلا: سامحك الله يا عائشة فخشي كثير من الأشياخ من الرد عليه ولكن الشيخ الحوت العاشق للصحابة انبرى للرد عليه بشجاعة وصراحة لا يبالي بالعواقب..
فاتقوا الله يا أيها الناس في أعراض المسلمين عامة وفي أعراض العلماء والدعاة إلى الله خاصة وتدكروا قول الله تعالى: ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا).
وكتبه الفقير إلى الله
3 صفر 1446
2024/8/7
=======