[موقف الإمام فخر الدّين الرّازي من السّحر ودعوة الكواكب وردّ تخرّصات التيمية]
تأليف الأستاذ عثمان النابلسي.
“إن الله تعالى -وله الحمد- أكمل دينه وأتمه إتمامًا، ونصب له من العلماء به أئمة يقتدى بهم وأعلامًا، وآتاهم بصائر نافذة عند الشبهات ورزقهم أفهامًا، فانتدبوا لتبصير المستبصرين حين أصبحوا متحيرين إيضاحًا وإفهامًا، لمّا همى سحاب الباطل وهطل بعدما صار ركامًا، وقام سوق البدع في الخافقين قيامًا، وحاد أهل الاعتزال عن سنن الاعتدال، جرأة منهم على رد السنن وإقدامًا، فنفوا عن الرب سبحانه ما أثبت لنفسه من صفاته، فلم يثبتوا صفة ولا كلامًا، وتمادى أهل التشبيه في طرق التمويه وأحجموا عن الحق إحجامًا، فشبهوا ربهم حتى توهموه جسمًا يقبل تحيزًا وانضمامًا، فامتعض الْعلمَاء من تفَاوت مذاهب البدعة، واعتصموا بِالسنةِ اعتصامًا، فكان الإمام أبو الحسن الْأَشْعَرِيّ أَشَّدهم بذلك اهتمامًا، وألدّهم لمن حاول الْإِلْحَاد فِي أَسمَاء اللَّه وَصِفَاته خِصامًا، وأمَدَّهم سِنَانًا لمن عاند السّنة وأحدَّهم حُسامًا، وأمضاهم جَنَانًا عِنْد وُقُوع المحنة وأصعبهم مَرامًا، ألزم الْحُجَّة لمن خَالف السّنة والمَحجة إلزامًا، فَلم يسرف فِي التعطيل وَلم يَغْلُ في التَّشْبِيه وابتغى بَين ذَلِك قَوامًا، وألهمه اللَّه نصْرَة السّنة بحجج الْعُقُول حَتَّى انتظم شَمل أَهلهَا بِهِ انتظامًا، وائتم بِهِ من وَفقه الله اتباع الْحق فِي التَّمَسُّك بِالسنةِ ائتمامًا، وأكثر العلماء في جميع الأقطار عليه، وأئمة الأمصار في سائر الأعصار يدعون إليه، وأتباعهم من العلماء الراسخين هم الذين عليهم مدار الأحكام، وإليهم يُرجع في معرفة الحلال والحرام، وهم الذين يفتون الناس في صعاب المسائل، ويعتمد عليهم الخلق في إيضاح المشكلات والنوازل، وهل من الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلا موافق له، أو منتسب إليه، أو راض بحميد سعيه في دين الله، أو مثن بكثرة العلم عليه؟ غير شرذمة يسيرة تضمر التشبيه، وتعادي كل موحد يعتقد التنزيه، وتضاهي أقوال أهل الاعتزال في ذمه، وتباهي بإظهار جهلها بقدرة سعة علمه! (١)
ظهر الشيخ تقي الدين ابن تيمية (661 -727 هـ) ، فأعلن الحرب على أئمة هذا المذهب السُّني السَّني، الذين يفزع إليهم الناس في معرفة أحكام دينهم، حتى قال الإمام ابن حجر العسقلاني عنه: «فصار يردّ على صغير العلماء وكبيرهم، قديمهم وحديثهم… وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة، حتى أنه سب الغزالي فقام عليه قوم كادوا يقتلونه»(٢).
ونقل الإمام ابن حجر عن الحافظ الذهبي أنّه قال فيه: «وأنا لا أعتقد فيه عصمة، بل أنا مخالف له في مسائل أصلية وفرعية، فإنه كان مع سعة علمه، وفرط شجاعته، وسيلان ذهنه، وتعظيمه لحرمات الدين، بشرًا من البشر، تعتريه حِدّة في البحث، وغضب وشظف للخصم، تزرع له عداوة في النفوس»(٣).
وكان من حدّته المذكورة، أنْ أطلق لسانه في كثير من الأئمة الذين شهدت لهم الأمة بالتقدّم في العلم، والصدارة في الفهم، حتى أكثر من نقل عبارة سوقية في حق السادة الأشاعرة مقرًّا، وهي قول قائلهم: «الأشعرية مخانيث المعتزلة»!(٤)
وقال في درء التعارض (1/8) (٥):
«وأما هذا القانون الذي وضعوه فقد سبقهم إليه طائفة، منهم أبو حامد، وجعله قانوناً […] ووضع أبو بكر بن العربي هذا قانونًا آخر، مبنياً على طريقة أبي المعالي ومن قبله، كالقاضي أبي بكر الباقلاني».
ثم قال في نفس الصفحة عن هؤلاء الأئمة (حجة الإسلام الغزالي، وسيف السنة الباقلاني، وإمام الحرمين الجويني، والإمام ابن العربي المالكي) أثناء مقارنته الفاسدة بينهم وبين النصارى:
«وأما هؤلاء فوضعوا قوانينهم على ما رأوه بعقولهم، وقد غلطوا في الرأي والعقل، فالنصارى أقرب إلى تعظيم الأنبياء والرسل من هؤلاء»!.
وكان منه أنْ كفّر شيخ الإسلام فخر الدّين الرازي، كما سيأتي في هذا البحث. وأطلق لسانه بالباطل في حق سلطان العلماء العز بن عبد السلام، فقال عنه في مجموع الفتاوى (4/159): «وأبو محمد وأمثاله قد سلكوا مسلك الملاحدة، الذين يقولون إن الرسول لم يبين الحق في باب التوحيد، ولا بين للناس ما هو الأمر عليه في نفسه، بل أظهر للناس خلاف الحق، والحق إما كَتَمه وإما أنه كان غير عالم به»!. وهلمّ جرًا.
وتبعه في هذا السبيل تلميذه ابن القيم، فقال في نونيته (ص198) (١):
ليسوا مخانيث الوجود فلا إلى
الكفران ينحازوا ولا الإيمان
وقال في النونية (ص237):
وترى المخنث حين يقرع سمعه
تبدو عليه شمائل النسوان
ويظل منكوحا لكل معطل
ولكل زنديق أخي كفران!
ثم بعد وفاة ابن تيمية بفترة من الزمان خمدت، ولم يبقَ مَن يعتقد بأقواله أحدٌ من الأعلام المشهورين.
ولقد دار الزمان دورته، وأيام الغربة قد حلّت، وأخذ أتباع ابن تيمية من الوهابية يسيرون على خطاه، ويستنّون بسنّته في الانتقاص من أئمة الإسلام، ودارت آلة إعلامهم، كتبًا وفضائيات، وصحائف ومجلات ومقالات، ترمي أئمة أهل السنّة بكل قبيح، بالتلميح حينًا وأحيانًا بالتصريح، يسابقون الأوهام، فينسجون الظنون حولهم، ويحذرون الهواء منهم، وصنعوا من أقوال ابن تيمية عواصف ضجيج، تهدر على جهود عدد هائل من أئمة الإسلام، وجعلوه ميزانًا يَزِنون به أئمة الإسلام على مرّ العصور واختلاف الدهور، فقالوا في حقّهم وما أكثر ما قالوا، وأقوالهم عند الإله مسطورة، وافتراءاتهم بالطعن والتكفير معلومة مشهورة، وإليك نبذة يسيرة جدًا من أقوالهم في حقّ أئمة أهل السنة:
فهذا الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان (80-150 هـ) قالوا فيه أكثر مما قالوا في اليهود والنصارى، فمحدّث الديار اليمنية عندهم: أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي، كتب كتابًا من (400) صفحة بعنوان: «نَشْرُ الصَّحِيفَة في ذكر الصحيح من أقوال أئمّة الجرح والتعديل في أبي حنيفة»، نقل فيه (ص355) أنّ أبا حنيفة كان لا يرى بأسًا بعبادة النّعل تقرّبًا إلى الله تعالى! وأنه جهمي مرجئ. وفي (ص346) جعلوه أضرّ مولود على الأمة. وفي (ص338) استتيب أبو حنيفة من الكفر مرّتين! فضلًا عن استتابة أصحابه من الكفر!(٢).
أما الإمام علم الهدي أبو منصور الماتريدي (238-333 هـ)، فهو عند التيمية: إمام البدعة والرّدى!(١).
وهذا الإمام الحافظ الكبير ابن حبان البستي صاحب الصحيح الشهير (270هـ – 354هـ)، تجده عند القوم: «خالف العقيدة الصحيحة في مسائل عدّة تتعلق بتوحيد الألوهية، والأسماء والصفات، وشيء من مسائل الإيمان»!(٢).
أما الإمام الفقيه أبو الليث السمرقندي (333 هـ – 373 هـ)، فقد جاء بيان أغلاطه الاعتقادية برسالة ماجستير بعنوان: آراء أبي الليث السمرقندي الاعتقادية من خلال تفسيره- عرض ونقد، في جامعة أم القرى.
والإمام أبو ذر الهروي (355 – 434 هـ) أشهر رواة صحيح البخاري، تجده عند التيمية من: «مخانيث الجهمية الأشاعرة»! (٣)
وأما شارح صحيح البخاري الإمام الحافظ أبو الحسن بن بطال (ت 449 هـ)، فاتهموه بأنّ عادته أنْ يذكر أشياء تخالف نصوص كتاب الله، ونصوص سنة رسوله ، وأنه مخلّط بين مذهب السلف وغيره! .(٤)
وجاء دور الإمام الحافظ أبي بكر البيهقي (384 – 458 هـ)، الذي ملأت تصانيفه الدنيا، فتجده مخلّطًا عندهم في أبواب الصفات، ولم يجر فيها على طريقة أئمة السنة المتقدمين.(٥)
وتيمي آخر يرى أن الإمام سيف السنة الباقلاني (338 هـ – 402 هـ )، والإمام البيهقي (384 – 458 هـ)، وحافظ الدنيا الإمام ابن عساكر (499هـ – 571 هـ) عندهم انحراف في العقيدة، أمّا انحراف إمام الحرمين الجويني (419هـ – 478هـ) فهو أشد! .(٦)
والإمام أبو بكر الطرطوشي (451هـ – 520هـ) والإمام أبو شامة المقدسي (599 – 665 هـ) والإمام الشاطبي (ت 790 هـ)، وهم أشهر من صنّف في البدع والتحذير منها، قد وقعوا في البدع!.
يقول ناصر الفهد عن الإمام الشاطبي: «ولكنه مع ذلك وقع في بدع الأشاعرة والمتكلمين الاعتقادية في الصفات والقدر وغيرها. ولم ينفرد الشاطبي رحمه الله تعالى بهذا الأمر بين العلماء ؛ فقد وقع فيه غيره كأبي بكرٍ الطرطوشي رحمه الله تعالى، فإنه ألّف كتاب: «البدع والحوادث» في التحذير من البدع العملية، ومع ذلك فقد وافق الأشاعرة في أصولهم، و كأبي شامة الدمشقي رحمه الله تعالى فإن له كتاب: «الباعث في إنكار البدع والحوادث» في البدع العملية، وهو أشعري المعتقد»!(١)
وإذا جئنا إلى إمام أهل الحديث في وقته، علامة المغرب بلا منازع، شيخ الإسلام القاضي عياض (476 – 544 هـ)، فهو مضطرب في صفات الله تعالى!، كما خلص إلى ذلك صاحب رسالة الدكتوراه: القاضي عياض اليحصبي ومنهجه في العقيدة.
والإمام ابن الجوزي الحنبلي (510- 597 هـ) لم يسلم من سهام هؤلاء، فقال قائلهم: «الذى يظهر أن ابن الجوزي كان مضطربًا فى المعتقد». (٢)
أما الإمام القدوة ابن أبي جمرة (518 – 599هـ ) فقد جاء نقد اعتقاده برسالة ماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بعنوان: آراء ابن أبي جمرة في توحيد الأسماء والصفات من شرحه لمختصره على البخاري، عرض ونقد. وبرسالة أخرى في جامعة أم القرى بعنوان: آراء ابن أبي جمرة الأندلسي الاعتقادية – عرض ونقد.
أما بيان الأخطاء الاعتقادية عند سلطان العلماء الإمام العز بن عبد السلام (577-660 هـ) ، فخصصت له رسالة ماجستير من جامعة أم القرى، بعنوان: آراء العز ابن عبدالسلام العقدية-عرض ونقد.
والإمام الفقيه أبي يحيى شرف الدين النووي (631هـ-676 هـ)، فقد ظهر جهله -عند التيمية- بعقائد السلف الصالح في «الردود والتعقبات» لأحدهم، حيث تلبّس النووي -عند هذا التيمي- بجملة من الأخطاء في الأسماء والصفات، وغيرها من المسائل المهمات! وأراد كاتب هذا الكتاب من القرّاء أن يأخذوا من «شرح النووي» الثمار، ويلقوا الحطب في النار! ولم يكن النووي عنده محققًا في العقائد، وإنما وقعت له عبارات من سبقه من العلماء فارتضاها من غير تمحيص وتحقيق وتدقيق! .(٣)
أما الإمام بدر الدين بن جماعة (639 – 733 هـ) فقد تم تشريح اعتقاده على يد الباحثة خلود خالد الداوود، برسالة ماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عام 1436هـ.
والإمام شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين السبكي (683هـ — 756هـ) قد خرج عن الصراط المستقيم، وخالف ما عليه الأئمة من علماء المسلمين، وهو الذي ابتدع ما لم يقله عالم قبله، فصار بافترائه وعدوانه مثلة بين أهل الإسلام! (٤)
وجاء دور الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني (773-852)، حيث تعرّض لحملة شرسة من الوهابية لكشف معتقده ونقده، وتولى كِبْرَ ذلك مجموعة من مشايخ التيمية، فدونك رسالة عبد الله العبدلي بعنوان: «الأخطاء الأساسية في العقيدة وتوحيد الألوهية من كتاب فتح الباري»!. وقد طبعت مع رسالة أخرى لعبد الله بن محمد الدويش يبيّن فيها أخطاء ابن حجر في العقيدة. (١)
وطبعوا كتابًا آخر بإشارة ومتابعة من ابن باز، بعنوان: «التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري»، وقد قرّظه مجموعة من كبار علمائهم وهم: ابن باز، وصالح الفوزان، وعبد الله بن عقيل، وعبد الله بن منيع، وعبد الله الغنيمان.
أما الإمام ذو الفنون جلال الدين السيوطي (849 – 911 هـ)، فهو في الاعتقاد ليس بشيء، لا يغتر به أبداً، فهو مخلط، أشعري، خرافي، خرافي موغل في الخرافة! (٢)
.
وأما الإمام شهاب الدين الرملي (ت 957 هـ) فهو من الغالين، الذين يصنفون في إباحة الشرك وجوازه، وليس لهم قدم صدق في العالمين، لا كانوا من العلماء العاملين، وقد تلبّس بما يوجب كفره وارتداده! (٣). والإمام ابن حجر الهيتمي (909 هـ – 973 هـ)، فهو ممن أعمى الله بصيرته، وأضله على علم، وقد انقدحت في قلبه الشبهات، وصادفت قلباً خالياً، فهو لا يقبل إلا ما لفق من الترهات، وما فاض من غيض ذوي الحسد والحقد والتمويهات.(٤) وكذلك الإمام شيخ الإسلام زكريا الأنصاري (823 – 926 هـ) ، والإمام شمس الدين الرملي (919 – 1004 هـ ) فهم ليسوا ممن يعتد بهم وبكلامهم وخلافهم، بل الظاهر أنهم من غلاة المعظمين للقبور، فلا معوّل على كلامهم . (٥)
أما الإمام ملا علي قاري (930- 1014 هـ)، فهو عندهم قد خالف أئمة السلف وأئمة أهل السنة في الكثير من المواطن، ونسب إلى جمهور السلف ما فيه تجهيل للسلف. (٥)
والإمام السفاريني الحنبلي (1114 – 1188 هـ) قالوا إنه صدر منه ما هو:«شرك في الربوبية والألوهية» على حد قول ابن عثيمين. (٧)
وجاء دور جميع المفسرين لكتاب الله عز وجل، ويعدّون بالمئات من الأئمة الفحول الثقات، فجميعهم قد وقع في التأويل، الذي هو تحريف وتعطيل عند التيمية، باستثناء اثنين من المعاصرين وهما السعدي والشنقيطي!.(١)
أما جميع شرّاح صحيح البخاري، فقد اتهمهم أحد التيمية اتهامًا ضمنيًا بالابتداع والخروج عن أهل السنة!، حيث قال عن صحيح البخاري: «يسر الله من أهل السنة من يشرحه»!(٢).
ويتهم الغنيمان غالب شرّاح البخاري بأنّهم في باب الصفات: «يحاولون ردّها، إما بالتحريف الذي يسمونه تأويلاً، أو بدعوى الإجماع على خلافها». (٣)
أما أئمة اللغة وأربابها فهم منحرفون في عقائدهم عند التيمية إلا ما ندر، فقد قال أحد التيمية في كتاب ضخم له عن المفسرين: «لهذا يندر أن تجد نحويًا أو لغويًا ذا عقيدة سلفية، بل معظمهم منحرفون في عقائدهم»!. (٤)
وأكثر علماء الإسلام الذين هم أعلام الدين، وورثة النبيين، وطريق الله المستقيم، ودلائل الهداية إلى سبيل المتقين، يخالفون الكتاب والسنة والفطرة، فيقول صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية عن أكثر العلماء (2/1185): «بل أكثر المسلمين في المسائل الغيبية على الطريقة المرضية، لكن ليس أكثر العلماء؛ لأَنَّ العلماء هم الذين عندهم ما يخالف ظاهر الكتاب والسنة، وما يُخالف الفطرة»!
وإذا أراد التيمية الاعتذار لإمام معيّن عن «تخبطه» في العقيدة كما يزعمون، اتهموه بتقليد بيئته العلمية وتأثره بها! وكأنّ هؤلاء الأئمة المدقّقين مجموعة من الحمقى والمغفلين، يتلقفون كلّ قول يسمعونه دون تحقيق وتمحيص، ولا أدرى أيُّ بيئة يتأثر بها هؤلاء الأئمة، وهم صانعو هذه البيئةالعلمية وأئمتها!
واستقصاء طعون التيمية في أئمة أهل السنة يطول جدًا، وهم لا يقصدون نقد إنسان بعينه كإمام الحرمين الجويني وفخر الدين الرازي من المتقدمين، أو الشيخ الكوثري أو الشيخ الصابوني من المعاصرين، بل هم يستهدفون تراث أهل السنة والجماعة، لكنّ بعضهم يُحسن التقية ويتظاهر بالإنصاف والموضوعية، وبعضهم صريح في التعبير عمّا يعتقد، والكل متفقون على تلبّس عامّة أئمة الإسلام بالتحريف والتعطيل، والإلحاد في الأسماء والصفات.2.9K[5:23:14 PM]أعمال الشيخ سعيد فودة:ومما يبيّن هذا قول الدكتور الحوالي: «وليكن معلومًا أنّ هذا الرد الموعود ليس مقصودًا به الصابوني ولا غيره من الأشخاص، فالمسألة أكبر من ذلك وأخطر، إنها مسألة مذهب بدعي له وجوده الواقعي الضخم في الفكر الإسلامي، حيث تمتلئ به كثير من كتب التفسير وشروح الحديث وكتب اللغة والبلاغة والأصول، فضلًا عن كتب العقائد والفكر، كما أن له جامعاته الكبرى ومعاهده المنتشرة في أكثر بلاد الإسلام، من الفلبين إلى السنغال». (١)
وقال د.محمد بن ربيع المدخلي: «.. كان الأشاعرة يلقبون أنفسهم أهل السنة والجماعة، وكاد يختفي المنهج السلفي منهج أحمد بن حنبل ومن سبقه من أئمة الإسلام، وأصبحت عقيدة السلف غريبة، يعد أتباعها في أنحاء العالم الإسلامي على الأصابع». (٢)
قلتُ: وهذه كلّها نصوص دالّة على شذوذ هذا المذهب، الذي يزعم أتباعه أنّهم الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية.
«ولو سألتَ أصحاب هذا المذهب أنْ يأتوك بنحو هذه السلسلة المتراصة من العلماء الهادين إلى الحق، لما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، ولم يقدروا إلا على تسمية أفراد بعضهم في القرن الثامن وبعضهم في التاسع، وبعضهم في الرابع الهجري، وهكذا، ولن يستطيعوا أيضًا أن يبرهنوا على اتصال وجود هؤلاء في المكان والزمان الذي انتشرت فيهما الأمة الإسلامية التي عرفناها، وحاصل ما سيأتيك به هؤلاء ما هو إلا مجرد أوصال متقطعة في المكان والزمان، وهذا من الأدلة على بطلان ما يدّعونه من أفكار خالفوا فيها أهل السنة والجماعة». (٣)
ولهذا، قال الغنيمان -أحد مشايخ التيمية- عن مذهب الإمام الأشعري: «وقد انتسب إلى الأشعري أكثر العالم الإسلامي اليوم من أتباع المذاهب الأربعة، وهم يعتمدون على تأويل نصوص الصفات تأويلاً يصل أحياناً إلى التحريف، وأحياناً يكون تأويلاً بعيداً جداً، وقد أمتلأت الدنيا بكتب هذا المذهب، وادعى أصحابها أنهم أهل السنة».(٤) ثم دعا محاربة أصحاب هذا المذهب ولو بشهر السلاح! فقال: «هذا ولابد لعلماء الإسلام -ورثة رسول الله – صلى الله عليه وسلم من مقاومة هذه التيارات الجارفة، على حسب ما تقتضيه الحال، من مناظرات، أو بالتأليف، وبيان الحق بالبراهين العقلية والنقلية، وقد يصل الأمر أحياناً إلى شهر السلاح»!.(٥)
قلتُ: هذه هي كلمات هؤلاء التيمية وحروفهم، وهذا هو موقفهم من أئمة الإسلام، الذين رفع الله أعلامهم حتى أصبحت فوق الغمام خافقة، وأعلى أنوارهم حتى أصبحت في أفق السماء بارقة، وانتقلت علومهم طبقةً طبقة، أعلامًا تترى، يفنى الزمان وأسماؤهم لا تفنى، خُلّدت أسماؤهم بخلود هذا الدين، فهم رجاله وأعلامه وأئمته، المنافحون عنه أمام المارقين والمبطلين، فمن يقدر على طمس آثارهم، وغسل علومهم، ومن يقدر على نزع أسمائهم وألقابهم من فم الزمان؟
هذا، وقد دفعني إلى كتابة هذه الورقات، أنّ أتباع ابن تيمية أنكروا في بداية الأمر أنْ يكون قد كفّر الإمام الرازي وحكم بردّته عن دين الإسلام، ثم لمّا أظهر لهم الشيخ سعيد فودة صحة تلك الدعوى، نكصوا على أعقابهم، وأخذوا يدافعون عن ابن تيمية في تكفيره للرازي!. ورأيتُ لهم كلامًا كثيرًا ومنشورات ومقالات في تكفير الإمام الرازي، وقد أطلعني أحد الإخوة مؤخرًا على بحث للدكتور سلطان العميري يدافع فيه عن تكفير ابن تيمية للإمام الرازي(١)، وانتشر هذا البحث بين القوم.
وقد زاد العميري الطين بلة حيث ادّعى أنّ الإمام الرازي لم يعتقد بمذهب أصحاب الطلسمات في السر المكتوم فحسب، بل ادّعى أنّ الرازي في كتابه المطالب العالية – من أواخر كتبه- يؤمن بذلك المذهب ويحسّنه ويرغّب فيه.
ولذا أحببتُ أنْ أذبَّ عن هذا الإمام المظلوم، أمام تلك الحملة التكفيرية التيمية، التي لو اقتصرت على تخطئة الإمام الرازي دون تكفير لما كتبتُ شيئًا في هذا الموضوع.
وقد قال بعض الإخوة: وهل مثل الإمام الرازي يحتاج إلى الأقلام للدفاع عنه، حتى تكتب وتنصف منه؟ فنقول لهؤلاء القائلين: يا إخواننا، وكيف إذا تسببت بعض الأقلام، التي تلمز في هذا الإمام، في تشويش الأذهان، فتلبّس الصدق بالزور، وارتدى الهوى ثوب الغرور، فجال وصال، وأغرب في المقال، وأتى بالمحال؟!. وكيف إذا طغت الأقلام وبغت، وصارت إلى أن قطعت السبيل، وأظلم بها الليل الطويل، أنترك هذه الأقلام تزيّف وجه الصّدق، فترمي شموس العلم بالكفر والضلال؟! فيا حروف المماحلة والبطالة، ويا كلمات باكيات زورًا وبهتانًا، إنّ الحق أبلج، والباطل لجلج، ولن يكون الهذيان أصلًا، والبهتان سبيلًا.
ويا أيها التيمية، امضوا أنتم في الطعن في أئمة الإسلام، همزًا ولمزًا، وتضليلًا وتكفيرًا، وفي بثّ الخلاف والشقاق، واتهام أعلام الإسلام بالردّة والنفاق، وسنمضي في الدفاع عن ورثة الأنبياء، ومصابيح الدُّجى، فإنّنا نأبى أن يخفت صوت أئمتنا، أو تسكت عن نصرتهم كلمتُنا.”
** (هذا النّص جزء من مقدمة الكتاب، وكلّ النّقول موثّقة هناك)
الأصلين للدراسات والنشر
للطلب والاستفسار من جميع دول العالم عبر الرابط التالي:
http://wa.me/962790924582
كذا من صفحة “أعمال الشيخ سعيد فودة” على التلغرام.