مقتطفات: فتأمل قول ابن تيمية ” بأن يتوهم أن الاستواء مثل استواء الأجسام على الأجسام أو كاستواء الأرواح إن كانت لا تدخل عنده في اسم الأجسام: فقد حنث في ذلك وكذب؛ وما أعلم أحدا يقول ذلك؛ إلا ما يروى عن مثل داود الجواربي البصري ومقاتل بن سليمان الخراساني وهشام بن الحكم الرافضي” تأمل كيف أن ابن تيمية نفى أن يكون استواء الله من قبيل استواء الأجسام، وبذلك يلتقي مع متكلمي أهل السنة حيث قالوا عن استوائه تعالى “أنه ليس كاستواء الأجسام”
وتأمل قول ابن تيمية عن العرش “أو يكون محلا له أو ظرفا ووعاء سبحانه وتعالى عن ذلك” ونصه هذا صريح في نفي أن يكون العرش محلا أو ظرفا أو وعاء لله، وبذلك يتماهى ابن تيمية أو يتقارب مرة ثانية مع خصومه المتكلمين الذين يثبتون الاستواء وينفون أن يكون العرش مكانا له.
والخلاصة مما سبق أن استواءنا على الدواب هو استواء أجسام على أجسام، وهو يكون بشغل مكان منّا عليها، ولو كان استواء الله على العرش كذلك للزم ابن تيمية أن يلتزم بأن الله جسم والعرش مكان له مطلقا، ولكن وجدت ابن تيمية مترددا في ذلك بل وجدته أحيانا ينفي ذلك بشكل صريح أو شبهه، وهذا كله يبطل تفسيره للاستواء باستوائنا على الدواب كما كان يصر عليه.
الفروق بين استواء المخلوقين واستواء_الخالق
مناقشة قول ابن تيمية بأن استواء الله تعالى يُفسر بنفس معنى استوائنا على الدواب
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/3160367610743906/
سبق أن سردنا نصوص ابن تيمية وأتباعه في تضليل بل في تكفير من يؤول الاستواء ولا يحمله على معناه الحسي أو لا يفسره بنفس المعنى الذي يُفسر به استوائنا على الدواب، وكنت قلت تعقيبا على ذلك ((حسنا تعالوا لنرى ابن تيمية … هل يثبت هذا الاستواء .. أم يؤوله؟ ستفاجؤون أنه هو نفسه تفنن في تأويل الاستواء في مواضع أخرى ..وهذا ما سأبسطه في المنشور اللاحق بحول الله حيث سأثبت ومن نصوص ابن تيمية بضعة عشر فرقا بين استوائنا على الدواب واستواء الله على عرشه … بحيث لم يبق في نهاية المطاف من معنى الاستواء عنده سوى مجرد العلو على العرش … حتى هذا العلو هو أمر عدمي عنده كما سبق بيانه … سترون ذلك بأم أعينكم كل ذلك من نصوصه بالصور من كتبه بإذن الله … لتروا على من ترتد محيطات فتاوى التكفير والتفجير والقتل والذبح هذه؟!))[1]
وهذا أوان إثبات ذلك بحول الله، بادئ ذي بدء أسوق كلام ابن تيمية حيث قال: ((وأما «استوى على كذا» فليس في القرآن ولغة العرب المعروفة إلا بمعنى واحد. قال تعالى: {فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه} وقال: {واستوت على الجودي} وقال: {لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه} وقال: {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك} وقد: «أتي النبي صلى الله عليه وسلم بدابة ليركبها فلما وضع رجله في الغرز قال: بسم الله فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله»، وقال ابن عمر: «أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج لما استوى على بعيره» وهذا المعنى يتضمن شيئين: علوه على ما استوى عليه، واعتداله أيضا. فلا يسمون المائل على الشيء مستويا علي))[2]. اهـ
هذا نص ابن تيمية بحروفه، وحاصله أنه يريد أن نفسر آيات استواء الله على العرش ونحملها على نفس معنى الآيات الأخرى التي ذكر الله فيها استواءنا على الدواب والسفن ونحو ذلك. طبعا هذا أمر شنيع جدا، قال ابن عقيل الحنبلي في الفنون: فإذا ثبت هذا، كيف يحسن بهذه الطائفة أن تتوسع في قوله سح: {ثم استوى على العرش} ((استقر)) أو ((جلس)) فقالت: ((استواء استقرارٍ))؟ وهذا يصرف من أخذ الاستواء في حقه ما اعتقده من استواء الملك على السرير، ونوح على سفينته، واستواء السفينة على الجودي، والراكب على مطيته وسرجه. وهذا بعينه هو التشبيه الذي لا يليق بمذهب من تجعد عن التصرف في الأسماء بالمعنى[3].اهـ
بل ابن تيمية نفسه يقول: وقد علم أن بين مسمى الاستواء والاستقرار والقعود فروقا معروفة. ولكن المقصود هنا أن يعلم خطأ من ينفي الشيء مع إثبات نظيره وكأن هذا الخطأ من خطئه في مفهوم استوائه على العرش حيث ظن أنه مثل استواء الإنسان على ظهور الأنعام والفلك وليس في هذا اللفظ ما يدل على ذلك.. وإنما ذَكر استواءً أضافه إلى نفسه الكريمة فلو قُدّر – على وجه الفرض الممتنع – أنه هو مثل خلقه – تعالى عن ذلك – لكان استواؤه مثل استواء خلقه[4].اهـ
فلاحظ قوله ” حيث ظن أنه مثل استواء الإنسان على ظهور الأنعام والفلك وليس في هذا اللفظ ما يدل على ذلك ” فهو ينسف كلامه السابق الذي فسر فيه استوء الله باستوائنا على الأنعام والسفن.
ومع ذلك سنتنزل مع ابن تيمية في نصه الأول الذي يفسر فيه استواء الله على عرشه بالمعنى المفهوم من استوائنا على الدواب، ونجري مقارنة بين استوائنا على الدواب وبين استواء الله على عرشه لنرى ما هو الجامع بينهما وما هو الفرق بينهم عند ابن تيمية رحمه الله.
ولدى بحثي المطول في كتب ابن تيمية وجدت أنه يفرّق بين الاستوائين من خمسة عشر وجها أو فرقا، بحيث لم يبق بين الاستوائين جامع أصلا، أي أنه هو نفسه نسف ما كان قد بناه وأصرّ عليه من تفسير أحد الاستوائين بالآخر وأن تفسير استواءه تعالى بغير ذلك تحريف للقرآن على ما زعم!!! وفيما يلي بيان تلك الفروق:
الفرق الأول: استواؤنا على الدواب استواء جسم على جسم
أن استواءنا على الدواب، هو استواء أجسام على أجسام، ولكن استواء الله على العرش، هل هو من قبيل استواء أجسام على أجسام عند ابن تيمية رحمه الله؟
في الواقع أنا بحثت كثيرا – ولعل هذا ما أخّر هذا المنشور الذي كنت أولَ شهر تموز يوليو الحالي قد وعدت بنشره – عن جواب ابن تيمية عن هذا السؤال، فلما لم أجد عَدَلت إلى بيان موقف ابن تيمية من كون الله جسما أو ليس بجسم،
والحقيقة أن ابن تيمية له في ذلك كلام طويل جدا وممل، وهو مضطرب في ذلك، إذ يمكن أن تستخلص من كلامه عدة آراء في ذلك تتلخص في الأقوال الأربعة التالية:
الأول: النفي مطلقا وتكفير المجسمة، ويدل على ذلك أقواله التالية:
1) يقول ابن تيمية : إذا قيل: هو جسم بمعنى أنه مركب من الجواهر المنفردة أو المادة والصورة؛ فهذا باطل[5].اهـ
2) ويقول: إذ لا يختلف أهل السنة أن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله؛ بل أكثر أهل السنة من أصحابنا وغيرهم يكفرون المشبهة والمجسمة[6].
3) وقال: قولهم: (فيوهمون السامعين أن الله ذو جسم وأعضاء وجوارح) – كلام باطل[7].
4) وقال: (فمن قال هو جسم لا كالأجسام كان مشبِّهاً، بخلاف من قال: حي لا كالأحياء)[8] .
الثاني: الإثبات مطلقا ونقله الإجماع على ذلك!! ومن ذلك قوله ردا على الفخر الرازي: وإن أردت أنهم وصفوه بالصفات الخبرية، مثل: الوجه واليد، وذلك يقتضي تجزئة التبعيض، أو أنهم وصفوه بما يقتضي أن يكون جسمًا، والجسم متبعض ومتجزئ، وإن لم يقولوا هو جسم. فيقال له: لا اختصاص للحنابلة بذلك، بل هو مذهب جماهير أهل الإسلام، بل وسائر أهل الملل وسلف الأمة وأئمتها[9].
وقال: أن لفظ «الجسم» و «العرض» و «المتحيز» ونحو ذلك: ألفاظ اصطلاحية، … ولم يذم أحد من السلف أحدًا بأنه مجسم، ولا ذم المجسمة، وإنما ذموا الجهمية النفاة لذلك وغيره، وذموا أيضًا المشبهة الذين يقولون صفاته كصفات المخلوقين[10].اهـ
ويقول ابن تيمية أيضا في بيان تلبيس الجهمية (1/ 399): غاية ما ألزمتني به من حجة الدهرية، أن يقال بقدم بعض الأجسام؛ إذ القول بقدم الأجسام جميعها لم يقل به عاقل، والقول بخلق السموات والأرض لم تدل هذه الحجة على نفيه، وإنما دلت -إن دلت- على قدم ما هو جسم أو مستلزم لجسم، وهذا مما يمكنني التزامه؛ فإنه من المعلوم أن طوائف كثيرة من المسلمين وسائر أهل الملل، لا يقولون بحدوث كل جسم، إذ الجسم عندهم هو القائم بنفسه، أو الموجود، أو الموصوف. فالقول بحدوث ذلك يستلزم القول بحدوث كل موجود وموصوف وقائم بنفسه، وذلك يستلزم بأن الله تعالى محدث.اهـ
ويقول في بيان تلبيس الجهمية (1/ 359): وطوائف كثيرة من أهل الكلام يقدحون في ذلك كله، ويقولون: بل قامت القواطع العقلية على نقيض هذا المطلوب، وأن الموجود القائم بنفسه لا يكون إلا جسمًا، وما لا يكون جسمًا لايكون إلا معدومًا. ومن المعلوم أن هذا أقرب إلى الفطرة والعقول من الأول.اهـ
وقال أيضا في «بيان تلبيس الجهمية » (8/ 30):«عامة الفضلاء المنصفين يعلمون أنه ليس في الكتاب والسنة ما يدل على أن الله تعالى ليس بجسم وجميع الطوائف من نفاة الجسم ومثبتته متفقون على أن ظواهر الكتاب والسنة تدل على إثبات الجسم وإنما ينازعون في كون الدلالة محتملة التأويل أم لا فعلم اتفاق الطوائف على أن الأدلة الشرعية الثبوتية لا تدل على قول نفاة الجسم بل إنما تدل على قول المثبتين سواء قيل إن تلك الدلالة مقررة أو مصروفة وإنما يدعي النفاة دلالة الأدلة العقلية على النفي»
الثالث: السكوت عن النفي والإثبات، وأن كليهما بدعة، وفي ذلك يقول: (وأما الشرع: فمعلوم أنه لم ينقل عن أحد من الأنبياء ولا الصحابة ولا التابعينولا سلف الأمة أن الله جسم، أو أن الله ليس بجسم، بل النفي والإثبات بدعة في الشرع)[11].
الرابع: وهو أشهرها: أن الجسم لفظ مجمل مبتدع ، لا ينفى ولا يثبت لله إلا بعد الاستفصال، لأنه قد يُقصد بالجسم بعض المعاني والصفات الثابتة لله!! فقد ” بيّن شيخ الإسلام أن لفظ الجسم مجمل يحتاج إلى استفصال. فإن أريد بالجسم: الموجود القائم بنفسه، المتصف بالصفات، فهذا المعنى حق، لكن الخطأ إنما هو في اللفظ. وإن أريد غير ذلك من المعاني في معنى الجسم كأن يقال: هو ما يشار إليه، أو المركب، أو غير ذلك فإنه معنى باطل ولفظ مردود”[12].اهـ
ومن ذلك قوله: ومنهم من يستفصل عن المراد بالجسم، فإن فسر بما ينزه الرب عنه نفاه، وإن فسر بما يتصف الرب به أثبته [13].اهـ وقوله “وجمهور المشهورين بالإمامة في الفقه والتصوف في الأمة من جميع الطوائف جمهورهم لا يقول هو جسم ولا ليس بجسم لما في اللفظين من الإجمال والاشتراك المشتمل على الحق والباطل”[14]
وهكذا نرى أن ابن تيمية متردد ومضطرب وله عدة آراء في هذه القضية، وقد تكون هذه الآراء متداخلة فيما بينها، ونصوصه السابقة قد تُقرأ كل منها بأكثر من قراءة إما لما يحتمله النص المقروء نفسه أو حسب مزاج القارئ ومذهبه، وهذا يحتاج إلى بسط أكثر ومزيد نظر وهذا ما سأخصص له عدة منشورات في سلسلة “مفارقة المجمل عند ابن تيمية” إن شاء الله.
وما يهمنا هنا أنه لو كان استواء الله على العرش هو من قبيل استوائنا على الدواب لجزم ابن تيمية نفسه بأن الله جسم دون أدنى تردد طالما هو يصرّ على تفسير آيات الاستواء بنفس ما نفسر به آية “لتستووا على ظهوره” ونحوها لأن الاستواء في الآية الأخيرة هو استواء جسم على جسم، وبالتالي يكون ابن تيمية بتردده هذا هو أول من تنصّل من أول لازم من لوازم هذا التفسير وهو أن الله جسم!!
على أن ابن تيمية قد نازع أصلا في أنه “هل يلزم من إثبات الاستواء على العرش أن يكون الله جسما؟ وقد أجاب شيخ الإسلام عن ذلك بأن مثبتي الاستواء اختلفوا: فمنهم من يقول: هو فوق العرش وليس بجسم، وهذا قول بن كلام والأشعرية القدماء. ومنهم من يقول: هو فوق العرش ولا أقول هو جسم ولا ليس بجسم، ثم من هؤلاء من يسكت عن هذا النفي والإثبات، ومنهم من يستفصل عن المراد بالجسم، فإن فسر بما ينزه الرب عنه نفاه، وإن فسر بما يتصف الرب به أثبته[15]. وشيخ الإسلام يرجح هذا القول الأخير الذي هو الاستفصال ما هو منهجه عموما مثل هذه المسائل”[16].اهـ
ثم عثرت على جواب صريح له عن السؤال الأول وهو هل استواء الله هو من قبيل استواء الأجسام بعيدا عن قضية هل الله جسم؟ فوجدته ينفي بشكل صريح أن يكون استواء الله من قبيل استواء الأجسام على الأجسام، ونسب القول بذلك إلى رؤوس المجسمة، حيث سئل ابن تيمية “عن رجل حلف بالطلاق الثلاث أن .. الرحمن على العرش استوى: على ما يفيده الظاهر ويفهمه الناس من ظاهره هل يحنث في هذا؟ أم لا؟ فأجاب: …فإن أراد الحالف بالظاهر شيئا من المعاني التي هي من خصائص المحدثين أو ما يقتضي نوع نقص: بأن يتوهم أن الاستواء مثل استواء الأجسام على الأجسام أو كاستواء الأرواح إن كانت لا تدخل عنده في اسم الأجسام: فقد حنث في ذلك وكذب؛ وما أعلم أحدا يقول ذلك؛ إلا ما يروى عن مثل داود الجواربي البصري ومقاتل بن سليمان الخراساني وهشام بن الحكم الرافضي؛ ونحوهم؛ إن صح النقل عنهم فإنه يجب القطع بأن الله ليس كمثله شيء؛ لا في نفسه ولا في صفاته ولا في أفعاله وإن مباينته للمخلوقين وتنزهه عن مشاركتهم أكبر وأعظم مما يعرفه العارفون من خليقته ويصفه الواصفون. وإن كل صفة تستلزم حدوثا أو نقصا غير الحدوث فيجب نفيها عنه[17].اهـ
فتأمل كيف نفى ابن تيمية أن يكون استواء الله على العرش من قبيل استواء الأجسام، ونسب من يقول بذلك إلى داود الجواربي ومقاتل بن سليمان الخراساني وهشام بن الحكم الرافضي، طبعا هؤلاء هم رؤوس المجسمة لاسيما هشام بن الحكم فقد صرح ابن تيمية بأنه أول المجسمة في هذه الأمة، حيث قال: إنه يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله وليس في الكتاب والسنة أن الله جسم حتى يلزم هذا. وأول من قال إن الله جسم: هشام بن الحكم الرافضي[18].اهـ
وقال أيضا: وكان متكلموا الشيعة كهشام بن الحكم وهشام بن الجواليقي ويونس بن عبد الرحمن القمى .. يبتدعون في الغلو في الإثبات والتجسيم والتبعيض والتمثيل ما هو معروف من مقالاتهم.اهـ وقد سبق أن نقلت نصوص ابن تيمية وأتباعه في بيان ذلك[19].
وثمة نصوص أخرى عامة لابن تيمية ينفي أن يكون استواؤه كاستوائنا، فمثلا هو يقول: وكذلك ما أخبر به عن نفسه من استوائه على العرش، ومجيئه في ظلل من الغمام، وغير ذلك من هذا الباب، ليس استواؤه كاستوائهم، ولا مجيئه كمجيئهم[20].اهـ ويقول أيضا: وكذلك إن جعل صفات الله مثل صفات المخلوقين فيقول: استواء الله كاستواء المخلوق أو نزوله كنزول المخلوق ونحو ذلك فهذا مبتدع ضال[21].اهـ وقد سبق قوله: ” حيث ظن أنه مثل استواء الإنسان على ظهور الأنعام والفلك وليس في هذا اللفظ ما يدل على ذلك “.
والحاصل أن ابن تيمية يصرح في مواضع عديدة بأن استواء الله ليس كاستوائنا على الأنعام والسفن، ولا كاستواء المخلوق، ولا كاستواء الأجسام، بل يَنسب من يقول بعكس ذلك إلى المجسمة، طبعا هذا كله يتنافى مع نص ابن تيمية الأول الذي فسر فيه آيات استواء الله بآيات استوائنا على الأنعام والفلك، لأن استواءنا هو استواء أجسام، وابن تيمية نفى أن يكون استواء الله من قبيل استواء الأجسام، وبذلك يلتقي مع متكلمي أهل السنة حيث قالوا عن استوائه تعالى “أنه ليس كاستواء الأجسام”[22].
الفرق الثاني: استواؤنا على الدابة يكون بشغل مكان عليها، وأما فوق العرش فهل هو مكان لله – سبحانه – عند ابن تيمية ؟!
فنحن حينما نستوي على الداوب نتحيز على ظهرها ونأخذ مكانا عليها، وأما استواء الله على عرشه، فهل ما فوق العرش مكان أو جهة لله عند ابن تيمية؟ في الواقع أيضا ابن تيمية متردد هنا، وله كلام طويل في ذلك خلاصته أن المكان لفظ مجمل، وأنه ينقسم إلى مكان وجودي مخلوق كالمكان الذي نستوي فيه على الدابة مثلا، ومكان عدمي غير مخلوق وهو ما فوق العرش عنده، أي أن العرش عنده هو مكان عدمي لله!!!
وفي ذلك يقول ابن تيمية: فمن اعتقد أن المكان لا يكون إلا ما يفتقر إليه المتمكن سواء كان محيطا به أو كان تحته فمعلوم أن الله سبحانه ليس في مكان بهذا الاعتبار، ومن اعتقد أن العرش هو المكان وأن الله فوقه مع غناه عنه فلا ريب أنه في مكان بهذا الاعتبار[23].اهـ
وقال أيضا: ولا ريب أن لفظ الجهة يريدون به تارة معنى موجودا وتارة معنى معدوما .. فإذا قال القائل : لو كان في جهة لكانت قديمة معه . قيل له : هذا إذا أريد بالجهة أمر موجود سواه فالله ليس في جهة بهذا الاعتبار[24].اهـ
وقال: فإن قيل: هو في مكان بمعنى إحاطة غيره به وافتقاره إلى غيره. فالله منزه عن الحاجة إلى الغير وإحاطة الغير به ونحو ذلك. وإن أريد بالمكان ما فوق العالم وما هو الرب فوقه.. وإذا قال [القائل]: هو سبحانه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه ; فهذا المعنى حق سواء: سميت ذلك مكانا أو لم تسمه[25].اهـ
فنلاحظ أن ابن تيمية متردد في إطلاق ما فوق العرش مكان لله، خاصة في نصه الأخير: “هو سبحانه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه ; فهذا المعنى حق سواء: سميت ذلك مكانا أو لم تسمه”، وهذا التردد بحد ذاته يبطل تفسير استواء الله باستوائنا على الدواب كما كان يصر عليه ابن تيمية، لأن الأمر لو كان كذلك، لما تردد ابن تيمية في تسمية ما فوق العرش مكان لله، إذ لا أحد يتردد أننا حينما نستوي على الدواب نأخذ مكانا عليها.
وأما نصوصه الأخرى التي قسّم فيها الجهة والمكان إلى مخلوق وغير مخلوق، وعدمي ووجودي، ثم نزّه اللهَ عن المكان والجهة المخلوقة الموجودة، ونسب إليه تعالى ـ على تردد ـ ما سماه مكانا عدميا أو جهة معدومة، فهذا التقسيم بحد ذاته ـ بغض النظر عن مدى صحته ـ هو دليل آخر على بطلان تفسير استواء الله باستوائنا على الدابة لأن استواءنا على الدبة هو بأن نتخذ عليها مكانا وجوديا مخلوقا ـ حسب تصنيف ابن تيمية للمكان ـ وبالتالي فيلزم ابن تيمية أن يقول بأن استواء الله أيضا هو باتخاذ مكان وجودي مخلوق على العرش، لكنه لم يقل بذلك، بل يقول – على تردد – بأن العرش مكان عدمي لله!!!
طبعا قد سبق أن بيّنا أن هذا كلام غير معقول لأسباب: الأول لأن ابن تيمية يقول بأن الله موجود في ذلك العدم الذي هو فوق العرش، وهذا يؤول إما إلى أن العدم ظرف له تعالى وهذا باطل لأن ” العدم نفي محض، وعدم صِرف، وما كان كذلك امتنع كونه ظرفا لغيره، وجهة لغيره”[26]، أو إلى القول بأن الله نفسه عدم – والعياذ بالله – إذ ما هو موجود داخل العدم: عدم، وبالتالي يرتد اتهام الخصم لنا بأن تنزيهنا لله عن الجهات مطلقا يجعل الله عدما، يرتد هذا الاتهام عليه.
الثاني: أن هذا بمثابة القول بأنه يوجد ما فوق العرش مكان عدمي، هذا تناقض، إذ كيف يوجد ما هو عدمي؟!! الثالث: أن هذا يتنافى أصلا مع إثبات ابن تيمية للعلو الحسي لله، إذ كيف هو حسي وكيف هو عدمي في الوقت نفسه؟ فهل العدم يُحس به، وهذا بسطناه سابقا[27].
فلا جرم أن ابن تيمية نفسه صرح في موضع آخر بأن العرش ليس محلا ولا ظرفا لله حيث قال: وسائر علماء السنة إذا قالوا ” إنه فوق العرش وإنه في السماء فوق كل شيء “ لا يقولون إن هناك شيئا يحويه أو يحصره أو يكون محلا له أو ظرفا ووعاء سبحانه وتعالى عن ذلك[28].اهـ
فتأمل قوله عن العرش “أو يكون محلا له أو ظرفا ووعاء سبحانه وتعالى عن ذلك” ونصه هذا صريح في نفي أن يكون العرش محلا أو ظرفا أو وعاء لله، وبذلك يتماهى ابن تيمية أو يتقارب مرة ثانية مع خصومه المتكلمين الذين يثبتون الاستواء وينفون أن يكون العرش مكانا له.
وذلك كقول الغزالي في «قواعد العقائد» (ص٥٣): وأنه مستوي على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده..وأنه لا يحل في شيء ولا يحل فيه شيء تعالى عن أن يحويه مكان.اهـ وقول الباقلاني في الإنصاف ص5: إن الله جل ثناؤه مستو على العرش مستول على جميع خلقه… ولا نقول: إن العرش له قرار ولا مكان، لأن الله تعالى كان ولا مكان”.
وكذا فإن ابن تيمية يتقارب مع من ينفي المكان مطلقا عن الله كقول ابن فورك :لا يجوز على الله تعالى الحلول في الأماكن لاستحالة كونه محدودا ومتناهيا وذلك لاستحالة كونه محدثا[29].اهـ. وقول عبد القاهر البغدادي: وأجمعوا على انه لا يحويه مكان[30].اهـ
وإلا فأي فرق بين قول هؤلاء المتكلمين بأنه تعالى لا يحويه مكان، وبين قول ابن تيمية السابق “أو يكون محلا له أو ظرفا ووعاء سبحانه وتعالى عن ذلك”؟! إذا كان الفرق أنهم لم يقيدوا نفيهم للمكان بأنه المكان المخلوق الموجود، أي أنهم كان المفروض أن يقولوا: لا يحويه مكان مخلوق موجود، ليخرج بذلك المكان العدمي الذي هو ما فوق العرش.
فالجواب: أولا: إن المكان والجهة كلاهما أمر اعتباري عدمي لا وجود لهما أصلا عند المتكلمين خلافا لبعض الفلاسفة والحكماء، “فالجهة لا وجود لها في نفسها، وإنما هي معنى إضافي يلاحظ بين موجودين، فهي نسبة المكان الذي تقصده في حركتك إلى مكان ابتداء الحركة، وأصلها هو الحيز، فالحيز إنما يصير جهة إذا أضيف إلى شيء آخر متحيز، فكل ما قيل: إنه في جهة، فقد قيل: إنه في حيز مع زيادة أو إضافة”[31].
قال ابن سيده:والجهة والوجهة جميعا: الموضع الذي تتوجه إليه وتقصده.
وما أدري أي وجه وجهتك: أي أي طريق ومذهب[32].اهـ وقال الشريف الجرجاني: الحيز: عند المتكلمين هو الفراغ المتوهم الذي يشغله شيء ممتد، كالجسم، أو غير ممتد، كالجوهر الفرد. وعند الحكماء: هو السطح الباطن من الحاوي المماس للسطح الظاهر من المحوى[33].اهـ
وقال المناوي: المكان: عند الحكماء: السطح الباطن من الجسم الحاوي للمماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي. وعند المتكلمين: الفراغ المتوهم الذي يشغله الجسم وينفذ فيه أبعاده[34].
وقال المولوي عصام الدين: الحيّز والمكان واحد عند من جعل المكان السطح أو البعد المجرّد المحقّق، وكذا عند المتكلّمين. إلّا أنّه بمعنى البعد المتوهم. فما قال الشارح التفتازاني من أنّ الحيز أعمّ من المكان لأنّ الحيّز هو الفراغ المتوهّم الذي يشغله شيء ممتد أو غير ممتد. فالجوهر الفرد متحيّز وليس بمتمكّن لم نجده إلّا في كلامه. وأمّا عباراتهم فتفصح عن اتحاد معنى الحيّز والمكان انتهى.[35]
وقال الكفوي في «الكليات» (ص٨٢٦): والمكان عند المتكلمين بعد موهوم يشغله الجسم بنفوذه فيه، وهكذا عند أفلاطون، وأما عند أرسطو فهو السطح [ومن الفلاسفة من قال: هو الخلاء] والحيز: هو الفراغ المتوهم الذي يشغله شيء ممتد أو غير ممتد كالجوهر الفرد، فالمكان أخص من الحيز، والحيز مطلب المتحرك للحصول فيه، والجهة مطلب المتحرك للوصول إليها والقرب منها. والمكان أمر محقق موجود في الخارج عند الحكماء، وكذا الحصول فيه فإنه أمر محقق أيضا.اهـ
ثانيا: إن هذا حاصله هو الإنكار على المتكلمين لأنهم لم يقسموا المكان إلى مكان موجود مخلوق وآخر عدمي غير مخلوق، ولكن هذا الإنكار لا يعود على المتكلمين فحسب بل على سائر علماء المسلمين بل على سائر العقلاء قبل ابن تيمية لأن أحدا قبله لم يقسم المكان إلى هذا التقسيم، بل الذي قاله المتكلمون وبعض الفلاسفة هو أن المكان هو أمر عدمي موهوم، وعند بعض الفلاسفة أنه أمر موجود كما سبق، وابن تيمية لفّق بين هذين المذهبين كما ترى.
ثالثا: لم أجد أحدا قبل ابن تيمية قيّد في إثباته أو نفيه للمكان عن الله بالمكان العدمي أو الوجودي، بل من نسب المكان إلى الله نسبه إليه مطلقا كالمجسمة وعلى رأسهم هشام بن الحكم، ومن نفاه نفاه عنه مطلقا وهم سائر علماء الأمة من جميع الفرق والعلوم الشرعية بمن فيهم بعض السلف والحنابلة وأهل الحديث ممن يرتضهم ابن تيمية، وهذا كنت قد توصلت إليه بعد بحث حثيث من خلال الحاسوب في ثلاثين ألف كتاب شرعي على المكتبة الشاملة[36].
وإذا كان الفرق أن ابن تيمية يثبت الاستواء مع نفيه أن يكون العرش محلا له، وهؤلاء المتكلمون ينفون الاستواء لأنهم ينفون المكان عن الله كما قال الغنيمان: وقولهم: كان الله، ولا مكان، وهو الآن على ما كان عليه قبل خلق المكان، كلام فاسد، متناقض، وذلك أن النفاة للاستواء والعلو، وغيرهما على قسمين[37].. .اهـ وقال البرّاك: هذا النقل عن ابن بطال – عفا الله عنه – فيه منكرات: منها نفي الجسمية والاستقرار في مكان عن الله، وهو نفي لم يرد في الكتاب والسنة، وإنما يتوصل به إلى نفي الصفات والاستواء على العرش…ودعوى تنزيه الله عن المكان، يُرمى منها نفي استواء الله على العرش، وهو ليس بسديد، بل الله مستوٍ على العرش حقيقة[38].
فالجواب أن هذا غير صحيح أولا: لأن نفي أصل الاستواء كفر لأنه تكذيب للقرآن، وليس إثبات أصل الاستواء محل نزاع أصلا بين المسلمين وإنما النزاع بينهم في معناه فالخلط بين الأمرين تلبيس. ثانيا: أنه ورد في النصوص السابقة عن المتكلمين إثبات الاستواء ونفي المكان في نص واحد كما في نص الغزالي والباقلاني السابقين!!
طبعا الوهابية لا يعقلون هذا، بل يعتبرونه تناقضا، فكيف تُثبتُ الاستواء وتنفي المكان في الوقت نفسه؟!! هذا لا يركب في عقولهم لأنهم لا يعقلون إلا استواء في مكان، ولذلك يعتبرون من ينفي المكان عن الله أنه ينفي الاستواء حتى ولو أقر به، وبالتالي يعتبرونه منكِرا لآيات الاستواء كما سترى في نصوصهم!!! مع أن أبا يعلى الحنبلي ـ المتهم بالتجسيم ـ نفسه ركبت في عقله فقال مثلا في إبطال التأويلات (ص: 190): والاستواء على العرش، وكذلك جاز النظر إليه، لا في مكان.اهـ..اهـ. وقال أيضا: لأنا لا نحمل القبضة على معنى الجارحة والعضو والبعض ومعالجة وممارسة، بل نطلق هذه التسمية كما أطلقنا قوله: {خلقت بيدي} ، على ظاهره وكذلك الوجه والعين والاستواء لا في مكان[39].اهـ
وقال العمراني : أنا وإن قلنا إنه على العرش كما أخبر بكتابه وأخبر به نبيه صلى الله عليه وسلم فلا نقول إنه محدود، ولا إنه يفتقر إلى مكان، ولا تحيط به جهة ولا مكان، بل كان ولا مكان ولا زمان ثم خلق المكان والزمان، واستوى على العرش بلا كيفية.اهـ
بل هذا ابن تيمية يقول: وممن نفى لفظ الحد أيضا من أكابر أهل الإثبات أبو نصر السجزي قال في رسالته المشهورة إلى أهل زبيد وعند أهل الحق أن الله سبحانه مباين لخلقه بذاته وأن الأمكنة غير خالية من علمه وهو بذاته تعالى فوق العرش بلا كيف بحيث لا مكانوقال أيضا فاعتقاد أهل الحق أن الله سبحانه وتعالى فوق العرش بذاته من غير مماسة وأن الكرامية ومن تابعهم على القول بالمماسة ضلال وقال وليس من قولنا إن الله فوق العرش تحديد له وإنما التحديد يقع للمحدثات فمن العرش إلى ما تحت الثرى محدود والله سبحانه وتعالى فوق ذلك بحيث لا مكان ولا حد لاتفاقنا أن الله تعالى كان ولا مكان ثم خلق المكان وهو كما كان قبل خلق المكان قال وإنما يقول بالتحديد من يزعم أنه سبحانه وتعالى على مكان وقد علم أن الأمكنة محدودة فإن كان فيها[40].اهـ
فها هو ابن تيمية ينقل عن السجزي أن الله استوى بذاته على العرش بلا مكان وأنه كان ولا مكان وهو كما كان قبل خلق المكان، إذن يمكن الجمع بين إثبات الاستواء ونفي المكان مطلقا عن الله كما فعل السجزي هنا والعمراني وأبو يعلى والغزالي والباقلاني.
ولكن كما قلنا هذا الجمع بين الاستواء ونفي المكان تناقض عند الوهابية، لذلك علق بعض الوهابية على كلام السجزي السابق قائلا: وإذا تأملت كلام السجزي في قضية الاستواء تجد في كلامه ارتباكاً واضطراباً لتأثره نوعاً ما بكلام ابن كلاب والقلانسي وأبي الحسن الأشعري في إنكار الحد ونفي المماسة وفي قوله : “والله سبحانه وتعالى فوق ذلك بحيث لا مكان ولا حد …الخ .وهذا كلام الأشاعرة الذين ينكرون علو الله واستواءه على عرشه ويريدون بهذا الكلام هذا المعنى ولم يفطن له السجزي رحمه الله[41] اهـ!!!!
والخلاصة مما سبق أن استواءنا على الدواب هو استواء أجسام على أجسام، وهو يكون بشغل مكان منّا عليها، ولو كان استواء الله على العرش كذلك للزم ابن تيمية أن يلتزم بأن الله جسم والعرش مكان له مطلقا، ولكن وجدت ابن تيمية مترددا في ذلك بل وجدته أحيانا ينفي ذلك بشكل صريح أو شبهه، وهذا كله يبطل تفسيره للاستواء باستوائنا على الدواب كما كان يصر عليه، وننتقل إلى الفرق الثالث:..
انظر اللاحق
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/3167603210020346/
==============================================
[1] انظر:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/3108395599274441/
[2] مجموع الفتاوى (17/ 374 – 375).
[3] انظر: «كتاب الفنون لابن عقيل» (١/ ٦٦)
[4] مجموع الفتاوى 3/ 50
[5] مجموع الفتاوى (5/ 428)
[6] «مجموع الفتاوى» (٦/ ٣٥٦)، وانظر: مقالة التشبيه 1/29
[7] «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية» (٤/ ٤٢١)، «دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية – عرض ونقد» (ص١٥٠)
[8] درء تعارض العقل والنقل ١٠/٣١٢. وانظر: «دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية – عرض ونقد» (ص١٤٩)
[9] بيان تلبيس الجهمية (1/ 251)
[10] «بيان تلبيس الجهمية » (١/ ٣٧٢)، «الأشاعرة في ميزان أهل السنة» (ص٣٩٨)
[11] شرح حديث النزول ص258، دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص146).
[12] دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص١٤٩)، وقد أحال إلى: شرح حديث النزول ١٣٠، ٢٣٧، التدمرية ٥١، ٥٣، ١٣٠، منهاج السنة النبوية ٢/١٠٥، ١٣٤، الصفدية ١/١١٧، درء تعارض العقل والنقل ١/١١٨، ٢٣٠، ٤/١٤٦، مجموع فتاوى ٥/٢١٥، ٣٠٧، ٦/١٠٢.
[13] انظر: «شرح حديث النزول» (ص٦٩)، مجموع الفتاوى (٥/ ٤١٩)
[14] «بيان تلبيس الجهمية » (٢/ ٥٢٦)
[15] انظر: «شرح حديث النزول» (ص٦٩)، مجموع الفتاوى (٥/ ٤١٩)
[16] «موقف ابن تيمية من الأشاعرة» (٣/ ١٢١٦)
[17] «مجموع الفتاوى» (٣٣/ ١٦٩)، مقالة التشبيه وموقف أهل السنة منها 2/ 33
[18] مجموع الفتاوى (3/ 196)
[19] انظر:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/3025551214225547/
[20] «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية» (٤/ ٤٢٣)
[21] «مجموع الفتاوى» (٥/ ٢٦٢)، «دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية » (ص١٥٦)
[22] حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي ج4 ص173
[23] درء تعارض العقل والنقل (3/ 221)
[24] مجموع الفتاوى (6/ 39)
[25] منهاج السنة النبوية (2/ 144)
[26] مفاتيح الغيب 14/ 260
[27] انظر:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/3106298609484140/
[28] «مجموع الفتاوى» (١٦/ ١٠٠)
[29] مشكل الحديث (ص/ 57)
[30] «الفرق بين الفرق» (ص٣٢١)
[31] انظر: قياس الأولى وأثره في فهم صفات الله بين الأشاعرة وابن تيمية ص300، رسالة ماجستير لأخي العلامة أحمد زاهر سالم. نقلا منه عن الاقتصاد للغزالي ص111ـ 112، المسامرة ج 1 ص30.
[32] «المحكم والمحيط الأعظم» (٤/ ٣٩٧)
[33] «التعريفات» (ص٩٤)
[34] «التوقيف على مهمات التعاريف» للمناوي (ص٣١٢)
[35] «كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم» (١/ ٧٢٥)
[36] انظر:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/3090670607713607/
[37] شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (1/ 473)
[38] التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري للبراك (ص: 72)
[39] إبطال التأويلات(ص: 168)
[40] «بيان تلبيس الجهمية » (٣/ ٥٠)، «رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت» (ص١٩٦)
================================
وقال ابن السبكي في جمع الجوامع:
[ والمكان،
قيل: للسطح الظاهر من المحوي فيه.
وقيل: بعد موجود ينفذ فيه الجسم.
وقيل: هو بعد مفروض أي يُفرض فيه ما ذكر من نفوذ بعد الجسم فيه وهو أي البعد المفروض الخلاء ].
قال المحلي في شرح القول الثالث:
[ والخلاء جائز (والمراد منه كون الجسمين لا يتماسان ولا) يكون (بينهما ما يماسهما) فهذا الكون الجائز هو الخلاء الذي هو معنى البعد المفروض الذي هو معنى المكان فيكون خاليا عن الشاغل. هذا قول المتكلمين.
والقولان قبله للحكماء ومنعوا الخلاء ، أي: خلو المكان بمعناه عندهم عن الشاغل إلا بعض قائلي الثاني فجوزوه ].
قال العطار في حاشيته ٢/ ٥٠٣ في شرح القول الأول:
[ (قوله: قيل هو السطح إلخ) إليه ذهب أرسطاطاليس ومن تبعه والفارابي وابن سينا ((وهو التحقيق)) كما هو قضية تقديمه على القولين بعده،
وأورد عليه لزوم التسلسل في الأجسام كلها لاحتياج الجسم الحاوي إلى مكان آخر؛ لأن كل جسم لا بد وأن يكون له مكان وهكذا.
وأجيب عنه بمنع لزوم التسلسل؛ لأنه إنما يلزم أن لو لم ينته الجسم إلى جسم ليس له مكان وهو محال فإن الفلك الأعظم ليس له مكان بل له وضع فقط ]. اهـ.
ثم قال العطار في شرح القول الثاني ٢/ ٥٠٤:
[ (قوله: وقيل: هو بعد موجود) هذا رأي الحكماء الإشراقيين ومنهم ((أفلاطون)) كما أن الأول رأي المشائين. وهذا البعد مجرد عن المادة أي الهيولى، ويسمى بعدا مفطورا بالغا؛ لبداهة معرفته حتى كأنها فطرية وصحفه بعضهم بالقاف [ يعني: مقطورا ] وله وجه، أي بعدٌ له أقطار أي أطراف فهو جوهر مجرد عن المادة قائم بذاته وقد اختار هذا المذهب النصير الطوسي قائلا: إن الأمارات تساعد أن المكان هو البعد ]. اهـ.
قال العطار:
[ (قوله: وهو الخلاء) قال السيد في حاشية شرح التجريد:
الخلاء المكان الخالي عما يشغله
١- فإن كان المكان بعدا مجردا موجودا فخلوه أن لا ينطبق عليه بعدٌ متمكن فيه وإذا انطبق عليه كان ملاءً لا خلاءً.
٢- وكذا الحال إن كان المكان بعدا موهوما إلا أن الانطباق هاهنا يكون وهمياً.
٣- وإن كان سطحا فخلوه أن لا يكون في داخل ذلك السطح متمكنٌ، فإن كان في داخله ما يملؤه كان ملاءً لا خلاءً وبالجملة أن الخلاء هو المكان الخالي عن الممكن.
أ- فالقائلون بالسطح لم يجوزوا أن يكون داخله خالياً عما يتمكن فيه وإلا لكان المعدوم محصورا فيما بين أطرافه قابلا للانقسام وإنه محال؛ بل ذهبوا إلى أن سطوح الأجسام متلاقية متلازمة.
ب- وأما القائلون بالبعد الموجود فقد جوز بعضهم خلوه عن الشاغل،
ج- وكذا جوزه القائلون بالبعد الموهوم.
وعرف الخلاء على مذهبهم بكون الجسمين بحيث يتلاقيان ولا يكون بينهما ما يلاقيهما أصلا فالخلاء عندهم نفي محض محصورٌ فيما بين الأجسام، فيكون باطلاً لما تقدم من لزوم كون المعدوم محصوراً منقسماً.
- وأما الخلاء بمعنى النفي المحض فيما وراء الأجسام فلا خلاف فيه ولا انحصار هناك* ولا امتياز أصلا إلا بحسب الوهم في غير المحسوس، وحكمه فيه غير مقبول، فلا يتصور هناك حركة يستدل بها على استمالته اهـ. ].
قال العطار ٢/ ٥٠٥:
[ وفهم منه أن القائل بالخلاء جميع من يقول بالبعد الموهوم وهم المتكلمون وبعض من القائلين بالبعد الموجود،
وصرح بذلك “الأصفهاني في شرح الطوالع” أيضا قال: فعلى المذهبين -يعني مذهب المتكلمين ومذهب أفلاطون-: المكان عبارة عن الخلاء؛ لكن الخلاء على مذهب أفلاطون أمر موجود ((وعلى مذهب المتكلمين أمر عدمي)) اهـ. ]. اهـ.
=====
تعريف_المكان
عَرَّف المكان جمعٌ من اللغويين وأهل العلم ، ونقتصر على ذكر البعض:
1 – فقد قال اللغوي أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (502هـ) ما نصه : “المكان عند أهل اللغة الموضع الحاوي للشىء” اهـ .
2 ـ وقال اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزءابادي صاحب القاموس (817 هـ) ما نصه : “المكان : الموضع ، ج : أمكنة وأماكن” اهـ .
3 ـ وقال العلامة كمال الدين أحمد بن حسن البَياضي الحنفي (1098هـ) ما نصه : “المكان هو الفراغ الذي يشغله الجسم” اهـ .
4 ـ وقال الشيخ يوسف بن سعيد الصفتي المالكي (1193هـ) ما نصه : “قال أهل السُّنة : المكان هو الفراغ الذي يحُلُّ فيه الجسم” اهـ .
5 ـ وقال الحافظ المحدّث الفقيه اللغوي الحنفي السيد مرتضى الزبيدي (1205هـ) ما نصه : “المكان : الموضع الحاوي للشىء” اهـ .
- هل عرفتم معنى المكان يا ( مجسمة ) ؟؟
- وهل عرفتم أن كل من اعتقد أن لله مكانًا ( مجسم ) ؟؟
و أنا العبد الفاني أقول : ( المكان ظرف حادث خُصّص لما يحل فيه من الحوادث ).
https://www.facebook.com/groups/1340408109701622/permalink/1602803163462114/?mibextid=Nif5oz