الحلقة التاسعة والسبعون
❤️ كلٌ يؤخذ منه ويرد الا صاحب هذا القبر
مقولة قالها الإمام مالك رحمه الله لبيان أن عدا الأنبياء لا عصمة لهم
وقد أجمع أهل السنة والجماعة على عدم عصمة غير الأنبياء
وحلقتنا اليوم هي عن رجل ذي شخصيته جدلية ، اختلف الناس في حاله على ثلاثة أصناف :-
🌺 منهم من غالى في حبه حتى قدّم قوله على قول جميع العلماء حتى الصحابة الكرام !!!!! واعتبروه الإمام الأوحد !! واعتبروا قوله هو الحق المبين وانه مقرر عن عقيدة وفقه السلف ، فيعرضوا قول السلف على أقواله فإن وافق أقوال السلف قوله أخذوا بها ، وإن لم يوافق قولهم قوله تركهوها …
🌺 والصنف الثاني هم قوم غالوا في ذمه وكفروه !! ونبذوا كل أقواله وطرحوها أرضا ، بل لم يتوقفوا عند ذلك فقالوا من قال عنه أنه شيخ الاسلام فهو كافر !!
🌺 والصنف الثالث اتبعوا قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) سورة المائدة ٨
فقالوا هو عالم من علماء المسلمين مثله مثل غيره يصيب ويخطئ ، فإن أصاب حمدناه وإن أخطأ تركناه ولم نتابعه …
والحديث هنا هو عن ( تقي الدين ابن تيمية ) رحمه الله تعالى .
والحديث عن هذا العالم يحتاج الى بعض الحلقات حتى نعطيه حقه كعالم مسلم ، ونبين فضائله وجهده وجهاده ونبين كذلك أخطاءه التي وقع فيها ، والتي كانت السبب في سجنه لمرات ، ثم موته في السجن ، وكانت سببا في تشنيع علماء أهل زمانه عليه …
💎 التعريف به
تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النُّمَيْرِيُّ الْحَرَّانِيُّ (661هـ – 728هـ / 1263م – 1328م) المشهور باسم ابن تيميَّة. هو فقيه ومحدث ومفسر وفيلسوف ومتكلم وعالم مسلم مجتهد في الفتوى والترجيح ، وهو أحد أبرز العلماء المسلمين خلال النصف الثاني من القرن السابع والثلث الأول من القرن الثامن الهجري.
نشأ ابن تيميَّة حنبلي المذهب فأخذ الفقه الحنبلي وأصوله عن أبيه وجده، كما كان من الأئمة المجتهدين في المذهب، ثم تنكب قول جده وأبيه وكان يفتي في العديد من المسائل على خلاف معتمد الحنابلة لما يراه موافقاً للدليل من الكتاب والسُنة ثم على آراء الصحابة وآثار السلف حسب إجتهاده…
ويذكر المؤرخون أنه أخذ العلم من أزيد من مائتي شيخ في مختلف العلوم منها التفسير والحديث والفقه والعربية. وقد شرع في التأليف والتدريس في سن السابعة عشرة. بعد وفاة والده سنة 682 هـ بفترة، أخذ مكانه في التدريس في “دار الحديث السُّكَّرية”، بالإضافة إلى أنه كان لديه درس لتفسير القرآن الكريم في الجامع الأموي ودرس “بالمدرسة الحنبلية” في دمشق.
واجه ابن تيمية السجن والاعتقال عدة مرات، كانت أولها سنة 693 هـ/1294م بعد أن اعتقله نائب السلطنة في دمشق لمدة قليلة بتهمة تحريض العامة، وسبب ذلك أن ابن تيمية قام على أحد النصارى الذي بلغه عنه أنه شتم النبي محمد. وفي سنة 705 هـ/1306م سُجن في القاهرة مع أخويه “شرف الدين عبد الله” و”زين الدين عبد الرحمن” مدة ثمانية عشر شهراً إلى سنة 707 هـ/1307م، بسبب مسألة العرش ومسألة الكلام ومسألة النزول. وسجن أيضاً لمدة أيام في شهر شوال سنة 707 هـ/1308م بسبب شكوى من الصوفية، لأنه تكلم في القائلين بوحدة الوجود وهم ابن عربي وابن سبعين والقونوي والحلاج. وتم الترسيم عليه في سنة 709 هـ/1309م مدة ثمانية أشهر في مدينة الإسكندرية، وخرج منه بعد عودة السلطان الناصر محمد بن قلاوون للحكم. وفي سنة 720 هـ/1320م سُجن بسبب “مسألة الحلف بالطلاق” نحو ستة أشهر. وسجن في سنة 726 هـ/1326م حتى وفاته سنة 728 هـ/1328م، بسبب مسألة “زيارة القبور وشد الرحال لها”. وبالإضافة إلى ذلك، فقد تعرض للمضايقات من الفقهاء المتكلمين والحكام بسبب عقيدته التي صرح بها في الفتوى الحموية في سنة 698 هـ/1299م والعقيدة الواسطية في سنة 705 هـ/1306م التي أثبت فيهما الصفات السمعية التي جاءت في الكتاب والسنة مثل اليد والوجه والعين والنزول والاستواء والفوقية، مع إثبات الكيفية !!!!
عاصر ابن تيمية غزوات المغول على الشام، وقد كان له دور في التصدي لهم، ومن ذلك أنه التقى 699 هـ/1299م بالسُلطان التتاري “محمود غازان” بعد قدومه إلى الشام، وأخذ منه وثيقة أمان أجلت دخول التتار إلى دمشق فترة من الزمن. ومنها في سنة 700 هـ/1300م حين أشيع في دمشق قصد التتار الشام، عمل ابن تيمية على حث ودفع المسلمين في دمشق على قتالهم، وتوجهه أيضاً إلى السُلطان في مصر وحثه هو الآخر على المجيء لقتالهم. إلا أن التتار رجعوا في ذلك العام. وفي سنة 702 هـ/1303م اشترك ابن تيمية في “معركة شقحب” التي انتهت بانتصار المماليك على التتار، وقد عمل فيها على حث المسلمين على القتال، وتوجه إلى السُلطان للمرة الثانية يستحثه على القتال فاستجاب له السلطان. وقد أشيع في ذلك الوقت حكم قتال التتار حيث أنهم يظهرون الإسلام، فأفتى ابن تيمية بوجوب قتالهم، وأنهم من الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام. وخرج ابن تيمية أيضاً مع نائب السلطنة في دمشق في سنة 699 هـ/1299م وفي سنة 704 هـ/1305م وفي سنة 705 هـ/1305م لقتال أهل “كسروان” و”بلاد الجرد” من الإسماعيلية والباطنية والحاكمية والنصيرية، وقد ذكر في رسالة للسُلطان أن سبب ذلك هو تعاونهم مع جيوش الصليبيين والتتار.
توفي ابن تيمية في 20 ذو القعدة/22 ذو القعدة سنة 728 هـ في حبسه في قلعة دمشق وقد بلغ من العمر 67 سنة بعدما استمر به مرضه قرابة الثلاثة أسابيع. وما أن وصل الخبر إلى أهالي دمشق، حتى اجتمع حشد كبير منهم حول القلعة، وفُتح باب القلعة لمن يدخل من الخاصة والعامة. وصلى عليه صلاة الجنازة بالقلعة “الشيخ محمد بن تمام” وأخرجت الجنازة بعد الصلاة، وامتلأت الطرقات بين القلعة والمسجد بالناس، وحضرت الجنازة قبل الظهر للجامع، وصُلي عليه عقب صلاة الظهر في الجامع الأموي، وقد صلى عليه “الشيخ علاء الدين الخراط”. ووضعت الجنازة وهي في طريقها إلى المقبرة بسوق الخيل بسبب كثرة الناس فصُلي عليه هُناك، وتقدم للصلاة عليه أخوه “زين الدين عبد الرحمن”، ثم حُملت الجنازة إلى “مقبرة الصوفية” ودُفن بجانب أخيه “شرف الدين عبد الله”، وكان دفنه قبل العصر بقليل بسبب كثرة من يأتي ويصلي عليه.
🌺لم يكن ابن تيمية صاحب مذهب فقهي معروف باسمه، وإنما كان يرجع في أصوله إلى مذهب أحمد بن حنبل ليستنبط منه أحكامه، لذلك كانت أصوله في مجملها هي أصول أحمد بن حنبل. وأصول أحمد هي: الكتاب والسنة النبوية والإجماع والقياس والاستصحاب والمصالح المرسلة. وعند عدم الوقوع على النص كان يلجأ إلى فتوى الصحابة، وإذا تعددت آراء الصحابة في المسألة الواحدة كان يلجأ إلى اختيار أقربها إلى الكتاب والسنة.
يتبع ان شاء الله