تنزيه الله عن المكان والجهة والحيز

قول الطبري والداني أن الله تعالى ليس مماسا للعرش ولا محاذيا له ولا مباينا / أي لا داخل ولا خارج(منقول)

رضي الله عن إمامنا الطبري (ت310هـ)

أسْمَعْتُ بعض الأصدقاء مقطعا لبعض غلاة أدعياء السلفية التكفيريين وهو يكفّر بصريح العبارة الإمام ابن جرير الطبري ويقول عنه: قاتله الله كان جهميا معطلا كافرًا..

فتعجَّب وسألني: لأي شيء يقول هذا والحال أن أدعياء السلفية يدعون أنه على عقيدتهم؟

فأجبتهُ بأن خواصّ أدعياء السلفية الذين يعرفون أصولهم الفاسدة ويلتزمون لوازمها غير عوامهم الجهلة، وأولئك الخواصّ وقفوا على محكمات كلمات الإمام الطبري فوجودها عينَ عقيدة أهل السنة الأشاعرة فطردوا الحكمَ على الجميع بالكفر.

فقال لي: ما هي أعظم المسائل التي التي يكفّرون بها أهل السنة الأشاعرة وقد قال بها الإمام الطبري؟

فأجبتهُ: مسائل كثييرة، منها قول أهل السنة الأشاعرة: إنّ الله تعالى ليس مماسًّا للعالَمِ ولا مباينا عنه بمسافة لأنه تعالى ليس جسما، وبعبارة أخرى: إنه ليس داخل العالم (مماسا) ولا خارجه (مباينا بالمسافة).

وقد نصّ على ذلك الإمام الطبري في ردّه على المعتزلة عندما أنكروا رؤية الله تعالى واعتلوا بأن من لازمها أن يكون الله تعالى في جهة حسية من الرائي إما مماسا أو مباينا بمسافة، فردّ عليهم ردّا مفصلا وبين أنه كما لا يلزمُ من العلم به تعالى أن يكون مماسا أو مباينا كذلك يرى بلا مماسة ولا مباينة، ويراجع ذلك تفصيلا في تفسير قوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}[الأنعام:103] (1)

فانتبه وقال لي: أليس ذلك هو قول الإمام الداني أيضًا في رسالته الواعية؟ حيث قال بأن الله تعالى ليس مماسا للعرش ولا محاذيا له؟ فيلزمهم تكفيرُهُ أيضا.

فقلتُ له: وهم لا يتوقفون في تكفيره لأن ذلك القول يساوي عندهم أن الله معدومٌ لأنهم تورطوا في اعتقاد كونه تعالى جسما، ولا شك أن الجسم إذا لم يكن مماسا لجسم آخر أو مجاورا له فهو معدومٌ غير موجود.

=========

(1) «تفسير الطبري جامع البيان – ط هجر» (9/ 466):
«فأما ما ‌اعتل ‌به ‌منكرو رؤية الله يوم القيامة بالأبصار، لما كانت لا ترى إلا ما باينها، وكان بينها وبينه فضاء وفرجة، وكان ذلك عندهم غير جائز أن تكون رؤية الله بالأبصار كذلك، لأن في ذلك إثبات حد له ونهاية، فبطل عندهم لذلك جواز الرؤية عليه، وأنه يقال لهم: هل علمتم موصوفا بالتدبير سوى صانعكم إلا مماسا لكم أو مباينا؟ فإن زعموا أنهم يعلمون ذلك كلفوا تبيينه، ولا سبيل إلى ذلك. وإن قالوا: لا نعلم ذلك، قيل لهم: أوليس قد علمتموه لا مماسا لكم ولا مباينا، وهو موصوف بالتدبير والفعل، ولم يجب عندكم إذ كنتم لم تعلموا موصوفا بالتدبير والفعل غيره إلا مماسا لكم أو مباينا أن يكون مستحيلا العلم به وهو موصوف بالتدبير والفعل، لا مماس ولا مباين؟ فإن قالوا: ذلك كذلك، قيل لهم: فما تنكرون أن تكون الأبصار كذلك لا ترى إلا ما باينها، وكانت بينه وبينها فرجة قد تراه وهو غير مباين لها، ولا فرجة بينها وبينه ولا فضاء، كما لا تعلم القلوب موصوفا بالتدبير إلا مماسا لها أو مباينا وقد علمته عندكم لا كذلك؟ وهل بينكم وبين من أنكر أن يكون موصوفا بالتدبير والفعل معلوما لا مماسا للعالم به أو مباينا، وأجاز أن يكون موصوفا برؤية الأبصار لا مماسا لها ولا مباينا فرق؟ ثم يسألون الفرق بين ذلك، فلن يقولوا في شيء من ذلك قولا إلا ألزموا في الآخر مثله. وكذلك يسألون فيما اعتلوا به في ذلك، إن من شأن الأبصار إدراك الألوان، كما أن من شأن الأسماع إدراك الأصوات، ومن شأن المتنسم درك الأعراف، فمن الوجه الذي فسد أن يقتضى السمع لغير درك الأصوات فسد أن تقتضى الأبصار لغير درك الألوان. فيقال لهم: ألستم لم تعلموا فيما شاهدتم وعاينتم موصوفا بالتدبير والفعل إلا ذا لون، وقد علمتموه موصوفا بالتدبير لا ذا لون؟ فإن قالوا نعم، لا يجدوا من الإقرار بذلك بدا، إلا أن يكذبوا فيزعموا أنهم قد رأوا وعاينوا موصوفا بالتدبير والفعل غير ذي لون، فيكلفوا بيان ذلك، ولا سبيل إليه، فيقال لهم: فإذ كان ذلك كذلك فما أنكرتم أن تكون الأبصار فيما شاهدتم وعاينتم لم تجدوها تدرك إلا الألوان، كما لم تجدوا أنفسكم تعلم موصوفا بالتدبير إلا ذا لون وقد وجدتموها علمته موصوفا بالتدبير غير ذي لون؟ ثم يسألون الفرق بين ذلك، فلن يقولوا في أحدهما شيئا إلا ألزموا في الآخر مثله»

Previous post
ابن تيمية يقول: (إن النار تفنى). والألباني يخطّئه فيها، ويقول: “إنها لا تفنى”. وهي مسألة عقائدية خطيرة(منقول)
Next post
لا يشابه قربه قرب الأجسام، كما لا تشابه ذاته ذوات الأجرام ، منزه عن أن يحده زمان، مقدس عن أن يحيط به مكان (المستطرف في كل فن مستطرف)