عقيدة أهل السنة
س: قول التيمية المجسمة: كما قلتم في العلم والإرادة والقدرة … الخ بأنها صفات تليق بجلاله؛ فيلزمكم أيضا أن تقولوا في الوجه واليد … الخ بأنها صفات تليق بجلاله؟!.
ج: قال الإمام العلامة المحدث الفقيه الأستاذ سلامة القضاعي العزامي الشافعي (ت:1376 هـ): (( … وأرجو بعد هذا البيان لهذين القسمين أن تكون قد تكشفت لك تلك المغالطة التي كثيرا ما توجد في كتب الحشوية، ويفوه بها بعضهم الآن في مناظرة أهل السنة، وأن يكون قد افتضح لك أمرها وبان عوارها، وهو قولهم: إن الوجه والعينين واليدين والقدمين والساق: صفات كما أن الحياة والعلم والإرادة والقدرة صفات، وقد قلتم بها في ذات الله، فلماذا لا تقولون بتلك الصفات: “الوجه” وما ذكر معه؟ ?أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض? [البقرة:85]؟!. فكما قلتم له: “علم لا كالعلوم”، و “قدرة لا كالقدر”، فقولوا: “له وجه لا كالوجوه”، و “يد لا كالأيدي”، و “رجل لا كالأرجل”، و “ساق لا كالسوق”؟!، ويتوسعون في ترويج هذا الكلام بما شاء لهم الهوى وأشربوا في قلوبهم من التجسيم والتشبيه، حتى انخدع بهذا الكلام من أهل الفضل من تروج عليه الحيل، ويغره الزخرف من القول، ويزيد في رواج هذا الزخرف أن هذه العبارة: “له وجه لا كالوجوه” توجد من بعض الأكابر المنزهين للحق عن الأجزاء والجسمية كما هو الحق؟!:
وهي من الحشوية مغالطة مفضوحة، وباطل مكشوف للناقد البصير: فإن الوجه والعين واليد والرجل والساق: أجزاء وأبعاض وأعضاء لما هي فيه من الذوات لا معان وأوصاف تقوم بموصوفاتها، فأين هي مما ألحقوها به من الحياة والعلم والإرادة والقدرة؟! وهل هذا إلا كتشبيه العالم بالعلم والأبيض بالبياض؟!. وهل تسميتهم لها بالصفات إلا ستر لموقفهم من التشبيه بما لا يسترهم عن ذوي الأنظار النافذة، وتحجب عن سهام النقدة من أهل السنة الراسخين في علم الكتاب العزيز؛ بنسج العنكبوت؟!، وهو كما علمت لا ينفعهم ولا يدفع عنهم منها شيئا.
فإن تهرب منهم متهرب -وكثيرا ما يفعلون- فقال: إنا لا نريد بالوجه وأخواته ما هو: أجزاء وأبعاض، بل نريد ما هو صفات حقيقية كالعظمة والملك والبصر والقدرة ونحوها؛ ولكنا لا نعين المراد؟ قلنا: مرحبا بالراجعين إلى الحق، وبشرى بالرجوع إلى صميم الإسلام ولب العلم، والسلفية الحقة، ولا نزاع بيننا وبينكم فقد انصرفتم عن الحشوية، ولكنهم -والأسف ملء فؤادنا عليهم- على ذلك لا يثبتون، وما أسرع ما تراهم إلى القول بالتجزئة والتشبيه يرجعون؟، فنعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
تنبيه مهم: إذا سمعت في عبارات بعض السلف: “إنما نؤمن بأن له: وجها لا كالوجوه، ويدا لا كالأيدي” فلا تظن أنهم أرادوا أن ذاته العلية منقسمة إلى أجزاء وأبعاض، فجزء منها “يد” وجزء منها “وجه” غير أنه لا يشابه الأيدي والوجوه التي للخلق؟! حاشاهم من ذلك، وما هذا إلا التشبيه بعينه، وإنما أرادوا بذلك أن لفظ “الوجه” و”اليد” قد استعمل في معنى من المعاني، وصفة من الصفات التي تليق بالذات العلية كالعظمة والقدرة، غير أنهم يتورعون عن تعيين تلك الصفة تهيبا من التهجم على ذلك المقام الأقدس، وانتهز المجسمة والمشبهة مثل هذه العبارة فغرروا بها العوام، وخدعوا بها الأغمار من الناس، وحملوها على الأجزاء فوقعوا في حقيقة التجسيم والتشبيه وتبرؤوا من اسمه، وليس يخفى نقدهم المزيف على صيارفة العلماء، وجهابذة الحكماء)) (1).
(1) فرقان القرآن بين صفات الخالق وصفات الأكوان (ص:69 – 71) للعلامة الفقيه الصوفي الشيخ سلامة القضاعي العزامي الشافعي، المكتبة الأزهرية للتراث: مصر، الطبعة الأولى: 1419 هـ-1999 م.