عرض عن كتابي ( عبد الرحمن الأخضري حياته و آثاره )
بقلم صديقي الأستاذ الأديب الناقد عبد الله لالي
حفظه الله تعالى و جزاه عني خيرا .
كتاب جديد يسجّل في مكتبة التاريخ والتراجم عن حياة الشيخ عبد الرّحمن الأخضري العلامة الشهير، بتوقيع الأستاذ عبد الحليم صيد الباحث في التاريخ والكاتب المعروف ، الكتاب بعنوان ( عبد الرّحمن الأخضري حياته وآثاره ) ، صدر بداية هذا العام 2016 م عن دار علي بن زيد للطباعة والنّشر في 224 صفحة من القطع المتوسّط.
و افتُتِح الكتاب بمقدّمة ضافية للمؤلِّف عن المؤلَّف وأربعة فصول ختمها بقائمة المصادر والمراجع وملخّص خاص بآثار الأخضري المخطوطة وملحق للصّور، وسبقَ المقدّمة إهداء قيّم جدّا رفعه الكاتب الأستاذ عبد الحليم صيد إلى روح:
” العلامة الجليل الشيخ الوليّ الصّالح الشهير سيدي عبد الرحمن بن الصّغيّر الأخضري رحمه الله تعالى ورضي عنه . عنوان محبّة وتقدير ووفاء “
أمّا المقدّمة فقد بيّن فيها الكاتب صعوبة الوصول إلى شخصيّة هذا ( الجبل الأشمّ ) كما يسمّيه ، إلا “باستعمال الأدوات الصّلبة المتينة .. ” وهي حقيقة لا تغيب عن كلّ باحث مدقق إذ أنّ هذه الشخصيّة ليست كأحد من النّاس ، فلا يُكتَب عنها كما يُكتب عمّن كان مثله في كلّ عصر ألف أو يزيدون .. بل هو شخصيّة فذّة لا يجود الزمان بمثلها إلا في فترات متباعدة ، وأماكن خاصّة..
ويقول المؤلّف موضحا هذه العظمة الكبيرة بقوله:
” هذا هو الأخضري في نظري : قمم متطاولة بعضها فوق بعض. وتفسير ذلك أنّك ما إن تعجب بتخصّص الرّجل في علم معيّن إلا ويفاجئك بتبحّره في علم آخر..”
وذكر الكاتب أيضا في المقدّمة مشكلة الاختلاف في تاريخ ميلاد وتاريخ وفاة الأخضري ، وكذلك نسبة بعض المؤلّفات إليه خطأ، ثمّ تحدّث المؤلّف عن محتوى الكتاب وفصوله، وما تميّز به من جديد إذ طبع معه مخطوطين اثنين من مخطوطات الأخضري التي لم تطبع من قبل حفاظا عليها وإنقاذا لها من الضياع وهما:
– منظومة أزهر المطالب في علم الفلك
– والدّرّة البهيّة في علم النّحو.
ورغم ما بذله من جهد كبير في هذا الكتاب للتعريف والتقصّي بشكل دقيق في حياة الشيخ عبد الرّحمن الأخضري فإنّه يقول:
” .. لا نزعم الإحاطة بكلّ تفاصيل حياة الأخضري كما لا ندّعي الوقوف على الحقيقة كاملة لأنّ ذلك متعذّر على كلّ باحث..”
وجاءت فصول الكتاب بعد ذلك لتضعنا أمام شخصيّة الشيخ الأخضري، تحليلا لمختلف جوانبها وبحثا في مواهبها المتعدّدة وعطاءاتها الكثيرة.
الفصل الأوّل:
وقد بدأه بعنوان جامع ( ترجمة عبد الرّحمن الأخضري من أبي سالم العيّاشي إلى عبد الرّحمن تبرمسين ، وقال أنّ أوّل من ترجم للأخضري هو العيّاشي في رحلته ، وهذا يشير إلى أنّ الأستاذ عبد الحليم صيد قد أحصى وتتبّع الذين كتبوا عن الأخضري، واطّلع على ما جاء في ترجماتهم له ، أو عرف شيئا من تلك الترجمة على الأقلّ ، وذلك تحرٍّ وتدقيق يحمد له. ويجعل من دراسته هذه دراسة جامعة شاملة. وممّا اقتبسه من ترجمة العيّاشي المختصرة قوله:
” وهو إمام جامع بين علمي الظّاهر والباطن له تآليف مشهورة وكرامات مأثورة “.
وذكر ممن ترجم للأخضري أيضا ( الورتيلاني والحفناوي ويوسف إليان سركيس والقاضي أحمد بن داود الأخضري، وعمّار طالبي وأبو القاسم سعد الله …”
وعدّ أكبر عمل عن الأخضري هو كتاب ( العلامة الموسوعي الشيخ عبد الرّحمن الأخضري شخصيّته ومواقفه وآثاره ) للأستاذ فوزي مصمودي ، وآخر من كتب عن الأخضري هو الدّكتور عبد الرّحمن تبرمسين والذي بعنوان ( ديوان عبد الرّحمن الأخضري )، وقد صدر عام 1909 م. والمهم في هذا العرض والاستقصاء لتلك المؤلّفات هو الملاحظات القيّمة التي علّق بها المؤلِّف على كلّ من تصدّى للكتابة عن الأخضري.
ثمّ جعل الأستاذ عبد الحليم صيد يُفَصّل في الحديث عن حياة الشيخ الأخضري بدءا بعصره ( أوائل القرن العاشر للهجرة ) ، وكانت فاتحة هذا العصر هو ظهور الدّولة الجزائريّة الحديثة بحدودها الكبيرة لمّا تخلّصت من المستعمر الإسباني مستعينة بالإخوة العثمانيين.
وتحدّث أيضا عن نسبه وعائلته وتحقيق أصل نسبه بالأدلّة الصحيحة التي ترجع إلى الأخضري نفسه وما صرّح به، وذكر مولده والذي أثبته الأخضري نفسه في منظومة السّلم المرونق بقوله:
ولبني إحدى وعشرين سنة * * معذرة مقبولة مستحسنة
لاسيما في عاشر القرون * * ذي الجهل والفساد والفتون
وكان في أوائل المحرّم * * تأليف هذا الرّجز المنظّم
من سنة إحدى وأربعين * * من بعد تسعة من المئين
كما تحدّث عن بيئته وشيوخه وتعلّمه وخَصّص أكثر من صفحتين للحديث عن مدى صحّة تعلّمه في الزيتونة ، ومال إلى نفي ذلك لأنّ الأخضري بكلّ بساطة لو أنّه أخذ عن علمائها لما تردّد في ذكر ذلك تصريحا أو تلميحا . إلا أنّه يرجح زيارته للزيتونة وإلمامه بها إذا صحّ أداؤه لفريضة الحجّ.
الفصل الثاني:
كما تحدّث في الفصل الثاني عن نبوغه في العلم والتأليف وذكر مؤلفاته بشكل مفصّل وفيه إسهاب كبير وتحقيق دقيق، ومن تلك المؤلّفات ذكر ما يلي:
المؤلّفات المخطوطة:
وقال أنّها كثيرة وذكر ما اطّلع عليه أو وقف على ذكره وأهمّها:
1 – أزهر المطالب في هيئة الأفلاك والكواكب 2 – شرح صغرى السنوسي في علم التوحيد 3 – منظومة ( الدّرة البهيّة ) 4 – ( مغني اللّبيب عن كتب الأعاريب ) 5 – الزهرة السنيّة 6 – شرح السّراج في علم الفلك 7 – شرح القسم الأوّل من ( الدّرة البيضاء ) 8 – الفريدة الغرّاء في التوحيد 9 – شرح الجوهر المكنون.
وقد كتب نبذة عن كلّ مؤلّف من هذه المؤلّفات أعطى فيها موضوعه وحقيقته للقارئ.
المؤلّفات المطبوعة:
1 – منظومة السّراج 2 – منظومة الدّرة البيضاء 3 – شرح ( الدّرة البيضاء ) 4 – السّلم المرونق 5 – شرح السّلم المرونق 6 – القدسيّة 7 – الجوهر المكنون 8 – مختصر في العبادات.
مؤلّفات غير ثابتة النّسبة:
وتحت هذا العنوان ناقش الكاتب ما نُسب إلى المترجم له من مؤلّفات ، لم تثبت نسبتها إليه يقينا ومنها:
1 – رسالة في التحذير من البدع 2 – تقييد عبد الرّحمن الأخضري فيما يجب على المكلّف 3 – كتاب في التاريخ 4 منظومة الأخضري في المديح والوعظ.
ورأى الأستاذ عبد الحليم صيد أنّ هذه المؤلّفات على الرّاجح هي من مؤلّفاته السابقة، لكنّ من نسبها إليه ظنّها تآليف أخرى بعناوين مختلفة. ثمّ تحدّث المؤلّف عن أوهام وأخطاء وقع فيها كثيرون ممن كتب عن الأخضري ، معظمها حول مؤلفاته. وعرض أيضا للشروح التي كتبها العلماء عن مؤلّفاته وقال عن ذلك:
” صبغ المولى تبارك وتعالى مؤلّفات الأخضري بصبغة القبول فانتشرت نسخها في العديد من الأقطار العربيّة والإسلاميّة فتلقّاها العلماء بالرّضى وتناولوها بالتّدريس والشرح “.
الفصل الثالث:
وضمّ عدّة عناوين مهمة تتعلّق بشخصيّة الشيخ الأخضري ونشاطه الكبير والمتنوّع ، وكانت كما يلي:
1 – الأخضري صوفيّا 2 – الأخضري مصلحا صوفيّا 3 – الأخضري شاعرا 4 – الأخضري كاشفا قبر النّبي سيدي خالد .
ولعلّ هذا العنوان الأخير من الأمور التي عرف بها الأخضري وحده ، وآثارت جدلا كبيرا ، ونقاشا حادّا أحيانا ، فلا غرابة إذن أن يخصّها الكاتب بعنوان ضمّ تحته حوالي عشر صفحات.
الفصل الرّابع:
وهو فصل مهمّ جدا إذ خصّصه لتقديم مختارات من كتابات الأخضري العلميّة والأدبيّة:
المختارات العلميّة:
وساق المؤلّف من أمثلتها:
– نص في علم التوحيد
– نصّ في فقه العبادات
– نصّ في علم الميراث
– نصّ في علم المنطق …الخ.
المختارات الأدبيّة:
وهي نوعان شعريّة ونثريّة:
– ديباجة شرح السّلم المرونق
– التّائيّة في مدح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
– تحفة الشّبّان في الإرشاد والنّصائح.. ونختار منها:
أوصيكم يا معشر الشبّان * * عليكم بطاعة الرّحمن
إيّاكم أن تهملوا أوقاتكم * * فتندموا يوما على ما فاتكم
فإنّما غنيمة الإنسان * * شبابه في الخسر والتواني
ومن جميل ما ختم به المؤلّف كتابه ما ساهم به في إحياء تراث الأخضري ونشره بين النّاس فساهم في نشر عملين مخطوطين له بذيل الكتاب وهما:
1 – أزهر المطالب في هيئة الأفلاك والكواكب.
2 – الدّرة البهيّة في نظم الأجروميّة
ثمّ ختم كلّ ذلك بملحق الصّور والذي أثبت فيه صورا لبعض آثار الأخضري رحمه الله تعالى.
والكتاب إضافة نوعيّة أخرى في سلسلة الكتب التي أبحرت في عالم هذا البحر الخضم والجبل الأشم علامة عصره ووحيد زمانه، الشيخ عبد الرّحمن الأخضري دفين بسكرة ( الجزائر ).
https://www.facebook.com/photo/?fbid=2033244966849896&set=a.114368372070908