جاء في «السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة» (2/ 681):
« عبد الوهّاب بن محمّد بن عبد الله بن فيروز التّميميّ الأحسائيّ.
ولد قبيل الظّهر يوم الثّلاثاء غرّة جمادى الآخرة سنة 1172، وأخذ عن والده من صغره فقرأ عليه الحديث ومصطلحه والأصلين، والنّحو، والمعاني والبيان، والمنطق، والفقه، والفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة، والهيئة، وغير ذلك، وأخذ أيضا الحساب عن العلّامة السّيّد عبد الرّحمن الزّواويّ المالكيّ وأخذ النّحو عن الشّيخ عيسى بن مطلق، وكان عنده أعزّ من» أبنائه ومهر في جميع ما قرأ، وبهر في الفهم حتّى فاق أقرانه، بل ومن فوقه، فصار كثير من رفقائه تلامذة والده يقرءون عليه، وكان ذا حرص واجتهاد إلى الغاية، قليل الخروج من المدرسة حتّى إنّه اتّفق له سبع سنين لم يخرج منها إلّا لصلاة الجمعة وأمّا الجماعة ففي مسجدها، والأكل يأتي له من بيت والده مع الطّلبة، وأكبّ على تحصيل العلم وإدمان المطالعة والمراجعة والمذاكرة والمباحثة ليلا ونهارا، لم تنصرف همّته إلى غيره أصلا، حتّى إنّه لمّا تزوّج بأمر والده وإلزامه أخذ ليلة الدّخول معه المحفظة فلمّا انصرف عنه النّاس نزّل السّراج وقعد يطالع الدّروس الّتي يريد أن يقرأها في غد، ويقدّر في نفسه أنّه بعد إتمام المطالعة يباشر أهله فاستغرق في المطالعة إلى أن أذّن الصّبح، فتوضّأ وخرج للصّلاة، وحضر دروس والده من أوّلها، ولم يعلم والده بذلك لكونه لا يبصر، ولمّا فرغ من الدّروس أتى إليه ولده وسلّم عليه فبارك له وبارك له الحاضرون، وفي الليلة الثّانية فعل كفعله بالأمس ولم يقرب أهله من غير قصد للتّرك، لكن لاشتغاله بالمطالعة فيقول في نفسه: أطالع الدّرس ثمّ ألتفت إلى الأهل، فيستغرق إلى أن يصبح، فأخبرت المرأة وليّها بذلك، فذهب وأخبر والده بالقصّة، فدعاه والده وعاتبه وأخذ منه المحفظة، وأكّد عليه بالإقبال عليها.
وكان رحمه الله كثير التّحرير، بديع التّقرير، سديد الكتابة، قلّ أن يقرأ كتابا أو يطالعه إلّا ويكتب عليه أبحاثا عجيبة/ واستدراكات غريبة، وفوائد لطيفة، فمنها القليل ومنها الكثير، فمن أكثر ما رأيته كتب عليه «شرح المنتهى» للشّيخ منصور ملأ حواشيه بخطّه الضّعيف المنوّر، فلم يدع فيه محلا فارغا بحيث إنّي جرّدتها في مجلّد، وضممت إليها ما تيسّر من غيرها، وفيها فوائد بديعة، لا توجد في كتاب، وكذا رأيت «شرح الإقناع» و «التّصريح» و «شرح عقود الجمان» للمرشدي و «شرح جمع الجوامع» الأصوليّ وغيرها وصنّف تصانيف عديدة، منها ما كمل، ومنها ما لم يكمل، لاخترام المنيّة له في سنّ الشّبيبة، فمنها «حاشية على شرح المقنع» (1) وصل فيها إلى الشّركة، وهي مفيدة جدّا، وممّا كمل «شرح الجوهر المكنون» (2) للأخضريّ في المعاني والبيان والبديع، ومنها «إبداء المجهود في جواب سؤال ابن داود» (3) وذلك أنّ تلميذه الشّيخ عبد الله بن داود سأله عن القول المرجوح وعن المقلّد المذهبيّ، وعن النّاقل المجرّد، ومنها «القول السّديد في جواز التّقليد» (4)، ومنها «زوال اللّبس عمّن أراد بيان ما يمكن أن يطلع الله عليه أحدا من خلقه من الخمس» وله قصائد بليغة ومقطّعات عديدة، منها قصيدة غزليّة أوّلها:
هام قلبي بكامل في الجمال … ناقص الخصر جيده كالغزال….اهـ