بيومِكَ واعظٌ أبكى الرِّجالا
وبَثَّ الحُزنَ في أرجاءِ لالا
فكم أبقيتَ فيها من خليلٍ
تُعطِّرُ في نواحيها خِلالا
تَشُدُّ على يَدِ العُلماءِ فيها
بِكفٍّ خَمسُها تأبى انفصالا
رأيتُكَ في عَرينِكَ من شُهورٍ
كلَيثٍ رابضٍ سَئِمَ القِتالا
ونِلتُ من اليدِ المِعطاءِ خيراً
يزيدُ العزمَ صبراً واحتمالا
ونالت «جُمْعَةٌ» حظّاً بوَصلٍ
ولم تَصرمْ لواصلِها حِبالا
تُقرِّبُ «طالِباً » للعِلمِ فيها
لترعى عَينُهُ الرّزقَ الحلالا
ويحفظُ «نادِرٌ » فيها جَميلاً
ولم يقطعْ لمبرورٍ وِصالا
وصان «عَلِيُّها » بالبِرِّ عَهداً
وسهمُ جِهادِهِ في الغربِ غالى
ولم تُحرَمْ «عُواضٌ» من نصيبٍ
«فأحمدُها» بقربِكَ قد تَلالا
وكنتَ تزورُها في كلِّ حينٍ
وتسقي أهلَها العذبَ الزُّلالا
كروضاتِ البقاعِ لفقدِ ساقٍ
عليها أمطرَ الحُزنُ النِّبالا
تُواسي أهلَ مكسةَ في مُصابٍ
تُقاسِمُهم بأرزاءٍ نِصالا
كأنَّ قُرى البقاعِ بموتِ بارٍّ
ثكالى تشتكي فيهِ الكَلالا
فأُنزلَ عن مناكبِها خليلٌ
ليسكنَ بطنَ مَن شَهِدَتْ فِصالا
ومن مُقَلٍ تُكافِئُ عذبَ ساقٍ
بملحٍ سالَ أجفانُ الثّكالى
ومجدلُ عنجرَ الفيحاءُ دارٌ
بها اللهُ لنا مَدَّ الظِّلالا
عرينُ بقاعِنا مأوى أُسودٍ
غدت لسِباقٍ أشبالٍ مجالا
بدوحتِها الفروعُ وكلُّ فرعٍ
بنعمةِ مُنعمٍ أزهى وطالا
لأزهرِها يُبَخبِخُ كلُّ جيلٍ
بربوةِ عِزِّةٍ ألِفَ الدَّلالا
فألفُ تحيَّةٍ لبُناةِ صَرحٍ
وألفُ بَخٍ لمَن تركَ الجِدالا
هِباتٌ أشهدَتْ أُذُناً وعَيناً
وفيها غيَّرَ الوهّابُ حالا
فأَشهدَتِ الصروحُ بها صُخوراً
وأشهدَتِ الجِباهُ بها رِمالا
لقد أرسى قواعِدَها خليلٌ
وأثرى في مبانيها تِلالا
وأعلى فوقها للهِ بيتاً
وفيهِ يُصلِحُ الرَّحمانُ بالا
وتوَّجَ بالمنارةِ رأسَ تلٍّ
من التِّيجانِ ألبسَها هِلالا
ومن فَمِها يقلِّدُ كلَّ يومٍ
نَدِيُّ الصّوتِ في خمسٍ بِلالا
ومِنبَرُهُ الشهيدُ على عُقابٍ
جناحاهُ بجوِّ الحقِّ جالا
وضمَّهما الرّدى للصّدرِ لمّا
قضى أجلاً لهُ المُحيي أطالا
خلالَ عُقودِهِ نَثَرا رِياشاً
فخطَّتْ في صحائفِهِ فِعالا
يرى فيها المحاسِنَ ذو أناةٍ
يُعَدِّدُها ولو كَرِهَ العُجالى
ويعرفُ فضلَ ذي فضلٍ فضيلٌ
ويُنكِرُهُ من النّاسِ الكُسالى
جَزاهُ الخيرَ والفردوسَ ربٌّ
يُكرِّمُ مَن لهُ شدَّ الرِّحالا
وألهمَ أهلَهُ صبراً جميلاً
وعظَّمَ أجرَهم صَحباً وآلا
وعطَّرَ قبرَهُ بشذا جِنانٍ
وزادَ لهُ برحمتهُِ النَّوالا
لذِكرٍ مُنزَلٍ وهُدى رسولٍ
أعدَّ بفضلِهِ اللهُ رِجالا
خليلُ المَيسِ وارِثُ خيرِ داعٍ
وكان لكلِّ داعِيَةٍ مِثالا
فيا عُلماءَنا ببقاعِ خيرٍ
وذِكرُ الكُلِّ في النَّظمِ استحالا
أُعزّي الكُلَّ في ذكري لبعضٍ
فكم من خصلةٍ وفَّتْ خِصالا
أُعزّي صِهرَهُ القاضي وأهلاً
وآلَ الميسِ والوطَنَ المُقالا
أُعزّي شيخَ قُرّاءٍ وإنّي
لقلبٍ عامِرٍ أرجو انتقالا
إلى شَرقِيَّةَ الغالي عزائي
إلى الجرّاحِ مَن وَفَّى ووالى
إليكَ سليمَ يوسُفَ مع عزائي
تحيَّةُ شاعِرٍ يبغي السُّؤالا
هُمُ العُلماءُ في الدُّنيا سَحابٌ
لقَطرِ العِلمِ يُزجيهِ تعالى
بثوبٍ ناضرٍ يكسو بقاعاً
ويُلبسُ من عمائمِهِ جِبالا
لينهلَ زرعُها عِلماً غزيراً
يزيدُ ربوعَها الخَضرا جمالا
ويرفعُهُ بكفِّ الموتِ ربٌّ
بمِثلِ فقيدِنا رفعَ الثِّقالا
على كلِّ العبادِ قضى زوالاً
وسُبحان الذي كتبَ الزّوالا
يخوضُ النّاسُ في قِيلٍ وقالٍ
وإنَّ الحقَّ والإيمانَ قالا
هي التّقوى سعادةُ كلِّ قلبٍ
وليست زينةً تُرجى ومالا
إذا انتقصَ الكرامَ لسانُ إفكٍ
فإنَّ مقامَهم ينفي المَقالا
لهم أجرٌ بلا عملٍ ويجري
إذا الأفّاكُ والمُغتابُ نالا
ففي أيّامِهم نزلوا قلوباً
وبعد رحيلِهم سكنوا الخَيالا
إذا عصفتْ بنا ريحُ التَّجافي
لتجعلَنا لشُذَّاذٍ نَكالا
وهيّجتِ العَقيمُ بها جَنوباً
وأغرتْ بعد هبَّتِها الشّمالا
ومدَّتْ بالحوالِكِ نارُ غيظٍ
لتلكَ النّارِ ألسِنَةً طُوالا
سيفتقِدُ البقاعُ أخاً وَفيّاً
حثا من سهلِهِ الغالي غِلالا
تُوَسِّدُهُ الترابَ بأمرِ ربٍّ
يدُ الأحبابِ طوعاً وامتثالا
سيفتقِدُ المُقيمُ بهِ كريماً
من الخيراتِ قد ملأَ السِّلالا
ولم يجحدْ لأهلِ الفضلِ فضلاً
سوى مَن زادَهُ جهلٌ خَبالا
سيفتقِدُ المُهاجرُ حبلَ وَصلٍ
عنِ الموصولِ لم يمنعْ عِقالا
بجاريةٍ يُوَظِّفُ مالَ عبدٍ
وفي صَدَقاتِهِ بلغَ المنالا
سيفتقِدُ الشيوخُ أباً رشيداً
وكلُّ شبابِهِ عمّاً وخالا
فأتعبَ كلَّ داعيةٍ بسَبقٍ
تحدّى المُستقيمُ بهِ المُحالا
ستفتقِدُ المساجدُ عينَ فِقهٍ
وعينَ رِعايةٍ ترعى الحلالا
كَسَتْ طُلّابَها غرّاءُ دِينٍ
وحاكَ لها نَضيرُ المَيسِ شالا
ستفتقِدُ المنابرُ سيفَ حقٍّ
لهُ شحذَ الهُدى حاءً و دالا
فأرهبَ حَدُّهُ خصماً لدوداً
تَجنَّبَ رغمَ أحقادٍ نِزالا
فمُفتينا تركتَ اليومَ فينا
مع الأحزانِ ذكرى واعتدالا
وباركَ في جُهودِ العبدِ ربٌّ
يراكَ وإنَّ للهِ الكمالا
ودَيْنُكَ صار في عُنُقي ثقيلاً
وكيف يُسَدِّدُ الشِّعرُ الثِّقالا
ولِللَدَنَيْنِ والصّيْفيِّ تمضي
عليكم رحمةُ اللّهِ تعالى
سماحتُكَ المُجدِّدُ في بقاعٍ
وداعاً … إنَّ للهِ المآلا
——————————————
شعر : محمد خليل طربين
بَرّنكيّا – كولومبيا
في ٢١ من ذي الحجّة ١٤٤٢ هجرية
الموافق في٣١ هوليو ٢٠٢١ميلادية.