ذكرني به الفيس منذ سنتين:
جمع الجيوش والدساكر لابن المبرد:
وقفت عليه مخطوطا قبل ثنتي عشرة سنة.
وهو كتاب يمثل حلقة من حلقات الصراع الحنبلي الأشعري، الذي كان يحتدم تارة ويفتر أخرى.
وليس هو صبغة عامة لكل الحنابلة، ولا لكل العصور والأماكن.
وفي الكتاب ما فيه!
ولذا لم أفرح به حين طبع، وإن كنت -حين اقتنيته مخطوطا وطالعته- فرحا به؛ لغرارة النشأة والتأثر بالجو غير العلمي.
والعجب من كلف القوم البهت بهذا الكتاب وفرحهم الشديد به وترويجهم إياه وثنائهم العاطر على مؤلفه!
فإن ابن المبرد له تقريرات عقدية تخالف مسلك القوم، وهو كذلك صوفي معروف بتصوفه، وله كذلك تقريرات في الأصول والفقه هي عندهم من البدع الكبيرة!
فهل يطردون في تزكيته فيقبلون منهجه ومسلكه، ويجعلونه طريقة الحنابلة وما عليه أحمد والسلف، فيتناقضون، أو يحيصون،
أو يتعاملون بانتقائية، وحينئذ فلا سبيل لهم على من يتعامل معه بانتقائية ولا يقبل كثيرا من كلامه في كتابه هذا ولا يجعله ممثلا لمذهب أحمد؟!
علما بأن واقع الأمر أن ابن المبرد -رحمه الله ورضي عنه- ليس من محرري المذهب وأعمدته، بل هو عالم وسط، ذِكره قليل في كتب الفقه، ونادر في كتب الأصول والعقائد، مع كثرة تآليفه، وكتبه في ذلك ليست معتمدة، وهناك من أهل طبقته ومن بعدهم من لم يؤلف عشر مؤلفاته عددا، وذِكره يملأ كتب المذهب وهو عمدة فيه.
وهذه أمور يعرفها كل حنبلي سلمه الله من المنكافات والانتقائية والمزاجية.
وعموما: فالخلاف بين الحنابلة والأشاعرة واقع، ومعنوي، ولكن دخله من التهويل والمبالغة وعوامل التأجيج الاجتماعية والسياسية والنفسية وغيرها الشيء الكثير.
وما زال في الفريقين عبر العصور عقلاء يحسنون إدارة الخلاف ووزنه بميزان عدل.
والمستقر عند ساداتنا الحنابلة المتأخرين: عد الأشاعرة من أهل السنة والجماعة.