نماذج من التجسيم عند السلفية والوهابية

تفسير المقام المحمود بعقيدة القعود!!! (ياسين بن الربيع وفقه الله)

عقيدة أهل السنة

تفسير المقام المحمود بعقيدة القعود!!!

س: يحتج بعض التيمية المجسمة لعقيدة الجلوس بما نسب للتابعي الإمام مجاهد في تفسير “المقام المحمود” في قوله تعالى: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [الإسراء:79] .. وهو قوله: ((يجلسه معه على العرش))؟ ..

• أولا: هذا الأثر لا يصح من ناحية السند، وحتى محدث أدعياء السلفية حكم عليه بذلك.

وعلى فرض ثبوته وحمله على ظاهره اللغوي – كما فعل بعض غلاة الحنابلة – فهو يقتضي نسبة عقيدة الجلوس لله تعالى، وهذا مرفوض لأمرين:

(1) أن المقام المحمود هو الشفاعة كما جاء في الحديث الصحيح، والتفسير المأثور لا يعارض بقول غير المعصوم.

قال الإمام القرطبي: ((قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} اختلف في المقام المحمود على أربعة أقوال: الأول -وهو أصحها-: الشفاعة للناس يوم القيامة، قاله حذيفة بن اليمان. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر قال: “إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها تقول: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود)) [الجامع لأحكام القرءان (309/ 10)].

(2) نسبة الجلوس للباري تجسيم لا ينبغي، لهذا رفض أيمة الإسلام ظاهر هذا الأثر واعتبروه من الأقوال المهجورة، وعلى هذا قول الحافظ ابن عبد البر في التمهيد، وقول الحافظ ابن حجر في الفتح، والإمام القرطبي في التفسير، والعلامة البدر بن جماعة كما والإمام ابن المعلم القرشي وغيرهم كثير من أيمة التفسير والأصول ..

قال العلامة محمد العربي بن التباني الحسني السطيفي الجزائري ثم المكي (1315 هـ-1390 هـ): ((فمن المحال أن يكون المفسر “المقام المحمود”: بجلوس النبي ? مع ربه على العرش: صادقا!، ورسول الله ? الذي فسره بالشفاعة: كاذبا!!!، وأن يكون جماعة المسلمين المفسرين “المقام المحمود” بالشفاعة اتباعا لرسول الله ? الذي فسره بها: مخطئين!، و”المروزي” المفسره بـ: (جلوس!) النبي ? (مع!) الله تعالى على العرش!: مصيبا!!!)) [براءة الأشعريين من عقائد المخالفين [(2/ 269 – 270)].

• ثانيا: على فرض ثبوته فقد يحتمل تأويلا على معنى أن الله يشرف نبيه بأن ينزله منزلة الشفيع الذي لا يرد له طلب يوم الحساب بإذنه جل وعلا، وكلام القاضي ابن العربي المالكي في “الأحكام” بالجمع مع ما ذكره في “القواصم” يحتمل هذا المنحى، فنسبة الجلوس للباري ههنا بالمعنى المعنوي أي: أنه سبحانه له الحكم أولا وآخرا يوم الحساب، ولا يبرم أمرا إلا بإذنه تعالى كالقاضي الرئيس في جلسة الحكم – من باب تقريب الفهم -، وأما بالنسبة إلى جلوس المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فلا حرج في حمله على المعنى الحقيقي ويكون المراد منه مكانته العالية آنذاك كشفيع لا ترد شفاعته بإذن ربه تعالى بأبي هو وأمي.

راجع موضوع ((رد فرية لبعض الغطغط من الوهابية والتيمية في نسبتهم عقيدة الجلوس اليهودية المعروفة عند شيخهم الأكبر ابن تيمية، للإمام الهمام القاضي الحافظ ابن العربي المالكي الأشعري (ت:543 هـ))) على الرابط:

• ثالثا: ذكر الإمام القرطبي هذا القول المنحول على الإمام مجاهد فقال: ((القول الثالث: ما حكاه الطبري عن فرقة، منها مجاهد، أنها قالت: “المقام المحمود هو: أن يجلس الله تعالى محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم معه!!! على كرسيه”، وروت في ذلك حديثا. وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول، وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى، وفيه بعد. ولا ينكر مع ذلك أن يروى، والعلم يتأوله. وذكر النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم، ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا، من أنكر جوازه على تأويله.
قال أبو عمر [=ابن عبد البر]: “ومجاهد وإن كان أحد الأئمة يتأول القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم: أحدهما: هذا، والثاني: في تأويل قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} قال: تنتظر الثواب، ليس من النظر”. قلت: ذكر هذا في باب ابن شهاب في حديث التنزيل.

وروي عن مجاهد أيضا في هذه الآية قال: “يجلسه على العرش”. وهذا تأويل غير مستحيل، لأن الله تعالى كان قبل خلقه الأشياء كلها والعرش قائما بذاته، ثم خلق الأشياء من غير حاجة إليها، بل إظهارا لقدرته وحكمته، وليعرف وجوده وتوحيده وكمال قدرته وعلمه بكل أفعاله المحكمة، وخلق لنفسه عرشا استوى عليه كما شاء من غير أن صار له مماسا، أو كان العرش له مكانا.

قيل: هو الآن على الصفة التي كان عليها من قبل أن يخلق المكان والزمان، فعلى هذا القول سواء في الجواز: أقعد محمد على العرش أو على الأرض، لأن استواء الله تعالى على العرش ليس بمعنى الانتقال والزوال وتحويل الأحوال من القيام والقعود والحال التي تشغل العرش، بل هو مستو على عرشه كما أخبر عن نفسه بلا كيف. وليس إقعاده محمدا على العرش موجبا له صفة الربوبية أو مخرجا له عن صفة العبودية، بل هو رفع لمحله وتشريف له على خلقه. وأما قوله في الإخبار: “معه” فهو بمنزلة قوله: {إن الذين عند ربك}، و {رب ابن لي عندك بيتا في الجنة}. {وإن الله لمع المحسنين} ونحو ذلك. كل ذلك عائد إلى الرتبة والمنزلة والحظوة والدرجة الرفيعة، لا إلى المكان)) [الجامع لأحكام القرءان (10/ 311 – 312)] .. وهو تحقيق متين ..

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=3199548316946449&id=100006739351796&post_id=100006739351796_3199548316946449&notif_id=1644003301430068&notif_t=close_friend_activity&ref=notif

السابق
سلسلة من تناقضات التيمية في العقيدة (الشيخ الفاضل ياسين بن الربيع حفظه الله)
التالي
مناظرة الشيخ الأمين الشنقيطي وانتصاره لنجاة والدي النبي صلى الله عليه وسلم (منقول)