انتشارعقيدةأهل السنةالأشاعرةفي المغرب العربي بالحجج العقليةلابالسيف كما يزعم خوارج العصر!
قال الحافظ الذهبي في ترجمة الإمام الحافظ الحجة الثبت أبي ذر الهروي راوي صحيح البخاري:
(( أخذ الكلام ورأي أبي الحسن الأشعري عن القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني، وبث ذلك بمكة ، وحمله عنه المغاربة إلى المغرب ، والأندلس ..
قال أبو الوليد الباجي في كتاب ” اختصار فرق الفقهاء ” من تأليفه في ذكر القاضي ابن الباقلاني : لقد أخبرني الشيخ أبو ذر وكان يميل إلى مذهبه ، فسألته : من أين لك هذا ؟ قال : إني كنت ماشيا ببغداد مع الحافظ الدارقطني ، فلقينا أبا بكر بن الطيب فالتزمه الشيخ أبو الحسن ، وقبل وجهه وعينيه ، فلما فارقناه ، قلت له : من هذا الذي صنعت به ما لم أعتقد أنك تصنعه وأنت إمام وقتك ؟ فقال : هذا إمام المسلمين ، والذاب عن الدين ، هذا القاضي أبو بكر محمد بن الطيب . قال أبو ذر : فمن ذلك الوقت تكررت إليه مع أبي ، كل بلد دخلته من بلاد خراسان وغيرها لا يشار فيها إلى أحد من أهل السنة إلا من كان على مذهبه وطريقه .
قلت أي الذهبي_ : هو الذي كان ببغداد يناظر عن السنة وطريقة الحديث بالجدل والبرهان ، وبالحضرة رؤوس المعتزلة والرافضة والقدرية وألوان البدع ، ولهم دولة وظهور بالدولة البويهية ، وكان يرد على الكرامية المجسمة، وينصر الحنابلة عليهم أي الفضلاء المنزهين عن التجسيم، وبينه وبين أهل الحديث عامر.. انتهى.
سيرأعلام النبلاء
====================
كان المجتمع الإسلامي في القرون الأولى المشهود لها بالخيرية منسجما من الناحية الثقافية والعقدية.
لكن بعد دخول مجتمعات بأكملها تقريبا في الإسلام تحول الوضع؛ فهناك العجمة اللغوية، وهناك الرواسب الدينية السابقة على الإسلام، وهناك الجدل الحاد مع النصارى واليهود وغيرهم من الديانات والنحل.
وهذه الطوائف أدركت أن من جوانب القوة في جدلها مع المسلمين إثارة دلالات الآيات المتشابهات، إما للتشكيك في صحة الإسلام بنسبة نصوصه إلى التناقض؛ أو بحمل معاني هذه النصوص على عقائد وقضايا موجودة في هذه الأديان. ويضاف إلى مثل هذه الشبهات التي تفتن العامة ضغط المعتزلة.
وفي هذه الفترة الدقيقة والحرجة من تاريخ المجتمعات الإسلامية في المشرق كان تحول أبي الحسن الأشعري إلى مذهب أهل السنة والجماعة..
ولم يكن إسهام الأشعري مجرد إبداع رجل متفرد في علمه وفي استيعاب الآراء الرائجة في عصره؛ بل كان كذلك ثمرة تطور مذهب أهل السنة والجماعة وهو ينتقل من مرحلة تجنب الخوض في دقائق علم العقيدة كالذات الإلهية إلى مرحلة الدفاع عن العقيدة الصحيحة بالأدلة والبراهين التي تناسب طبيعة التحدي العقدي والفكري في المجتمعات المسلمة، وخاصة تلك التي تأوي ديانات متعددة ومذاهب متصارعة.
فقد كان الأشعري امتدادا لطائفة من أعلام أهل السنة الذين خلفوا الأئمة الأوائل كأبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل في تصديهم للإنحرافات العقدية ولكن بأسلوب يناسب التحديات الجديدة؛ ومن هؤلاء عبد الله بن سعيد بن كلاب
(ت 240هـ) أول متكلم من أهل السنة يناقش المعتزلة بأسلوبهم،
ومنهم أبو العباس أحمد بن عبد الرحمان القلانسي (ت حوالي 350هـ)…
ومع أن أتباع الأشعري من علماء كل عصر قد أضافوا تفصيلات وتدقيقات واختيارات إلى المذهب؛
فإن الفكر الأشعري بالغرب الإسلامي لم يكن بمعزل عن التحولات الفكرية التي تعرفها بلدان المشرق. كما أن علماء المشرق أنفسهم كانوا حريصين على أن تصل آراؤهم ومذاهبهم إلى مختلف ربوع العالم الإسلامي. وكانت بوابة الغرب الإسلامي ومعبر الآراء والمذاهب إليه تونس أو إفريقية بتعبير القدماء- وخاصة حاضرة القيروان.
👈🏻 ومن أوائل الذين نشروا الأشعرية بالقيروان أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الزبيدي المعروف بالقلانسي رحمه الله (ت 359هـ)(8).
وقد كان ابن أبي زيد القيرواني على صلة علمية بأبي عبد الله بن مجاهد البصري رحمه الله (ت 370هـ) أحد تلامذة الإمام أبي الحسن الأشعري، حتى إن بعض المصادر جزمت بتحول ابن أبي زيد إلى المذهب الأشعري بعد كتابته لرسالته الشهيرة التي جاءت مقدمتها العقدية على مذهب السلف في تفويض معاني الصفات الإلهية وتجنب التشبيه والتأويل معا.
👈🏻وكان لتلاميذ الإمام أبي بكر الباقلاني (ت 403هـ) -وهو من أعلام المالكية والأشعرية في الآن نفسه- دور بالغ الأهمية في نشر الأشعرية بتونس.
👈🏻ومنهم أبو الحسن القابسي
رحمه الله(ت 403هـ)*
👈🏻وأبو عمران الفاسي رحمه الله (ت 430هـ) الذي استقر بالقيروان بعد عودته من المشرق.
👈🏻وفي الفترة نفسها تقريبا كان العلماء الذين عادوا من الرحلة إلى المشرق ينشرون الأشعرية في أقصى الغرب الإسلامي؛
أي في الأندلس.
👈🏻ومنهم الإمام أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي رحمه الله (ت 392هـ)،
👈🏻 وأبو عمرو الداني المقرئ رحمه الله(ت 444هـ)،
👈🏻والقاضي أبو الوليد الباجي رحمه الله (ت 474هـ).
أما في المغرب الأقصى فقد احتاج انتشار الأشعرية إلى مدة أطول نسبيا لأسباب كثيرة؛
منها أن المغرب لم يعرف المذاهب العقدية غير السنية كالاعتزال والتشيع إلا في حدود ضيقة وفي مناطق محصورة؛ ولذلك لم تمس الحاجة عند العلماء إلى تبني الأشعرية في بيئة يقل فيها الخلاف العقدي، وكان يكفيهم موقف كبار العلماء من سلف الأمة .
- انتشار الأشعرية بالمغرب إلى القرن السادس الهجري
👈🏻ومن أبرز العلماء الذين نشروا الأشعرية في المغرب أبو بكر محمد بن الحسن المرادي الحضرمي القيرواني رحمه الله (ت 489هـ) صاحب “التجريد في علم الكلام”،
👈🏻وتلميذه أبو الحجاج يوسف بن موسى الضرير رحمه الله (ت 520هـ) شيخ القاضي عياض وصاحب أرجوزة وافية في العقيدة.
👈🏻 ومنهم أبو عبد الله محمد بن خلف الإلبيري رحمه الله
(ت 537هـ) صاحب “الأصول إلى معرفة الله والرسول” و”الرد على أبي الوليد بن رشد في مسألة الاستواء”.
وظلت الأشعرية في عهد المرابطين حبيسة الأوساط العلمية؛ لأنهم كانوا شديدي التحفظ مما يمكن أن يزعزع الوحدة الدينية والمذهبية للمجتمع.
وكانت نزعة المحافظة عند طائفة من العلماء المقربين من أمراء المرابطين وحرص طائفة أخرى على إرضائهم من أسباب هذا الوضع.
ومع الموحدين “الذين وظفوا قضايا العقيدة في نزع المشروعية من المرابطين واتهموهم بالتشبيه والتجسيم- ستعرف الأشعرية بالمغرب مرحلة مد عام وكاسح لتكامل الأدوار ما بين سلطة العلماء والسلطة السياسية. وبالإضافة إلى ما لقيته “مرشدة” ابن تومرت وكتاباته في الإعتقاد من احتفاء اتجه العلماء إلى دراسة وتدريس المصادر الحقيقية للمذهب الأشعري ككتاب “الإرشاد” لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني.
ومن أبرز علماء هذه الفترة أبو عمرو عثمان بن عبد الله السلالجي (ت 574هـ) الذي نبغ في علم العقيدة وكثر تلامذته الذين أخذوا عنه العقيدة الأشعرية حتى لقب بـــ”منقذ أهل فاس من التجسيم. وقد عرفت رسالته المختصرة “العقيدة البرهانية” انتشارا واسعا في المغرب، وأقبل عليها العلماء يشرحونها ويدرّّّسونها. وإذا كانت الأشعرية قد التحمت بالتدريج بالفقه المالكي منذ العصر الموحدي؛ فإن معظم أهل التصوف أيضا كانوا يميلون إلى المذهب الأشعري. وهذا الإلتحام بين المكونات الثلاثة للتدين في المغرب هو الذي سيلخصه لاحقا الفقيه عبد الواحد بن عاشر المالكي رحمه الله
وهو يوضح عمدة منظومته التعليمية “المرشد المعين على الضروري من علوم الدين”- قائلا:
في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك
وبقيت “البرهانية” و”مرشدة” ابن تومرت مهيمنتان على مجالس العلم بالمغرب إلى أن ألف العلامة محمد بن يوسف السنوسي (ت 895هـ) ضمن ما ألف في العقيدة رسالته “أم البراهين” أو “العقيدة الصغرى”. فكتب لها الانتشار لصغر حجمها، وبعدها عن التعقيد. ظلت “أم البراهين” وشروح العلماء عليها مرجعا في علم العقيدة بالمغرب في حلقات الدرس إلى عهد قريب. ولم يكن يزاحمها على هذه المكانة إلا بعض المنظومات العقدية باللغة الأمازيغية التي كان بعض الفقهاء يؤلفونها لتكون مرجعا لطلبة منطقة سوس في بعض الزوايا.
وقد أسهمت الأشعرية رفقة المذهب المالكي والتصوف السني في خلق انسجام مذهبي وعقدي في المغرب جنبه كثيرا من القلاقل والفتن التي كانت تقع في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي بسبب الخلافات العقدية.
وبرغم بروز اتجاهات عقدية غير أشعرية عند بعض علماء المغرب بعد القرن السادس الهجري؛ فإن التعبير عن الخلاف كان محصورا في السجال العلمي.
ولم تتحول الأشعرية إلى موضوع نقاش وأخذ ورد في المجتمع المغربي بل في الغرب الإسلامي عموما إلا بعد أن تعرضت لهجوم ممنهج في العقود الأخيرة…