جاءني السؤال التالي فعرضته على الإخوة في مجموعة منتدى الملتقى الإسلامي على الواتس أب فأجاب عنه الإخوة الفضلاء بعدة أجوبة وتحاوروا حوله، وأنا أنقل هذا الحوار كما هو:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حالكم سيدي
اريد أن أسألكم عن مسألة الكسب عند السادة الاشاعرة
ما معنى قولهم أن كسب العبد هو تحصيل وليس تأثير مثل ما قالت الماتريدية
أو ما معنى قولهم العبد مجبور في صورة مختار
افيدونا بارك الله بكم
=======
الصراحة ما دام أن المرء يعتقد أن كل شيء مخلوق لله وهذه كلية اعتقادية موجبة فلا معنى للقول بالتأثير لأحدٍ من دون الله أو مع الله
يبقى القول بأن هناك تأثير مستقل أو مع الله في شيء ما لا يصح إلا على قواعد المعتزلة وليس على قواعد أهل السنة
لذلك مشكل جدا قول الأئمة الماتريدية سلام الله عليهم بالتأثير لقدرة العبد مع قولهم أن الله خالق كل شيء
بخلاف قول السادة الأشاعرة رضي الله عنهم بالقول بالكسب مع عدم التأثير فهو مطرد مع هذه الكلية الموجبة التامة الله خالق كل شيء
فالإشكالية حقيقة عندي في قول السادة الماتريدية وليس في قول السادة الأشاعرة
====
أن ذات الفعل توجد بقدرة الله تعالى، ثم يحصل لذلك الفعل وصف كونه طاعة أو معصية وهذه الصفة حاصلة بالقدرة الحادثة. وهو قول أبي بكر الباقلاني. وثالثها: أن القدرة الحادثة والقدرة القديمة، إذا تعلقتا بمقدور واحد وقع المقدور بهما، وكأنه فعل العبد وقع بإعانة الله، فهذا هو الكسب وهذا يعزى إلى أبي إسحاق الأسفرايني لأنه يروى عنه أنه قال الكسب والفعل الواقع بالمعين.
أما القائلون بأن القدرة الحادثة مؤثرة، فهم فريقان. الأول: الذين يقولون بأن القدرة مع الداعي توجب الفعل، فالله تعالى هو الخالق للكل بمعنى أنه سبحانه وتعالى هو الذي وضع الأسباب المؤدية إلى دخول هذه الأفعال في الوجود والعبد هو المكتسب بمعنى أن المؤثر في وقوع فعله هو القدرة، والداعية القائمتان به، وهذا مذهب إمام الحرمين رحمه الله تعالى اختاره في الكتاب الذي سماه بالنظامية ويقرب قول أبي الحسين البصري منه وإن كان لا يصرح به.
====
لشرح مذهب السادة الماتريدية قال الشيخ نضال إبراهيم آله رشي في منشور له:
(القوة المودعة:
سبب من الأسباب يؤثر بخلق الله تعالى التأثير به.
قال تعالى: {وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات}.
وقال سبحانه: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله}.
وقال جل ثناؤه: {فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات}.
وهو قول الغزالي والسبكي من الأشاعرة.
وعند الأشاعرة: لا تأثير للسبب بل يخلق الله تعالى التأثير عند وجود السبب لا به.
والمعتزلة: جعلوا السبب مؤثرا بذاته كما في خلق العبد أفعاله بقدرة أودعها فيه. لكن لما جعلوا السبب مخلوقا لله تعالى لم يكفروا). انتهى.
وحاصل هذا الكلام أن النصوص القرآنية والنبوية قد أثبتت للأسباب تأثيرا ذاتيا في مسبباتها بما أودعه الله تعالى فيها من القوة على تحقيق هذا التأثير.
وهذا التأثير هو بإذن الله تعالى.
كتأثير السحر في المسحور مسببا له الضرر {وَمَا هُم بِضَاۤرِّینَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ} [سُورَةُ البَقَرَةِ: ١٠٢].
وهكذا في كل سبب جعله الله تعالى سببا في مسببه بما أودعه الله تعالى في هذا السبب من القوة على فعل ذلك.
إلا أن هذه القوة التي أودعها الله تعالى في هذه الأسباب عندما يريد الله تعالى لها أن تفعل فعلها وتحقق تأثيرها فإنه يخلق هذا التأثير بفعل تلك الأسباب لحظة تحقق هذا التأثير لا قبله ولا بعده.
فالنار مثلا منحها الله تعالى القدرة على الإحراق وأودع فيها القوة الذاتية على فعل ذلك لكن الإحراق في الحقيقة لا يتحقق إلا بخلق الله تعالى له لحظة التأثير.
ولو أراد لهذه القوة أن تمتنع عن تأثيرها فإنه لا يخلق هذا التأثير فتبقى هذه القوة عاجزة بلا تأثير بإرادة الله تعالى كما في نار سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
والفرق الجوهري بين قول السادة الماتريدية ومن وافقهم وبين قول المعتزلة:
هو أن المعتزلة نعم يقولون بأن لهذه الأسباب القوة الذاتية التي أودعها الله تعالى فيها لكن معتقدهم أن لهذه القوة المودعة القدرة في ذاتها على خلق التأثير وإحداثه وإيجاده. فهي تخلق وتُحدث التأثير بذاتها كما يخلق المرء فعله ويحدثه بذاته عندهم.
أما عند السادة الماتريدية فالمرء وأفعاله التي يفعلها بإرادته مخلوقة لله يخلقها الله وحده سبحانه لحظة الفعل. لكنها بفعل المرء وكسبه لأنه هو فاعلها والقاصد والمُقْدِم فعليا على فعلها. فحين فعله لها يخلق الله تعالى له هذه الأفعال كما أراد وقصد لفعلها.
ولتقريب كلام السادة الماتريدية للأفهام نمثل للمسألة بالموت.
فالسبب الحقيقي للموت هو قبض الروح على يد ملك الموت.
{قُلۡ یَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِی وُكِّلَ بِكُمۡ} [سُورَةُ السَّجۡدَةِ: ١١].
فملك الموت قد منحه الله تعالى القدرة وأودع فيه القوة على قبض الأرواح مسببا الموت.
لكن ذلك فعليا لا يتحقق على يد ملك الموت إلا بخلق الله تعالى وإحداثه للموت لحظة قبضه للروح.
{ٱللَّهُ یَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِینَ مَوۡتِهَا} [سُورَةُ الزُّمَرِ: ٤٢].
فنسبة التوفي لملك الموت بما أودعه الله تعالى فيه من القدرة والقوة على ذلك هي نسبة صحيحة وقول صحيح. لكنه واقع بإذن الله تعالى وخلقه لا بخلق ملك الموت.
وكذا سائر الأسباب قد صحت نسبة التأثير لها فهي في تحقيق تأثيرها تكون بما منحها الله تعالى من القوة الذاتية على ذلك لكنها بإذنه وخلقه هو سبحانه لحظة وقوع التأثير كما هو مذهب السادة الماتريدية لا بخلق السبب من ذاته كما هو مذهب المعتزلة.
وأرجو بعد هذا أن تكون الصورة قد اتضحت لكم وزال الإشكال عنكم.
هذا والله تعالى أعلم.
————-
حسب مفاد الشيخ نضال فقول السادة الماتريدية بأن التأثير لله بواسطة القوة المودعة في الأشياء فيقع التأثير من الله عندها بها أي بواسطتها
وهذا هو الفارق بين قولهم وقول السادة الأشاعرة عندها لا بها
إذا كان قول السادة الماتريدية هكذا فهو قول له حظ من النظر
فحقيقة قولهم أن (التأثير): أي: الاختراع والإيجاد للأشياء من العدم لله وحده
على هذا القول ايضا
وقد قال الشيخ العلامة أحمد الغرسي ما مفاده عن هذا القول :[ وأما الذين يقولون إنّ السببّ مؤثِّرٌ في وجود المسبَّبِ بقوةٍ أودَعها اللهُ فيه يسلب الله تعالى تلك القوة إذا شاء، فَلِقَوْلهم حظٌّ من النظر، وهم لا يبدِّعون بذلك].
وقال أيضاً بعد ذلك :[وما ورد في بعض الكتب من نسبة القائلين بالقوة المودعةِ إلى البدعة فإنما هو رأيٌ لبعض المتأخرين منهم].
وقال العلامة النظار محمد بخيت المطيعي في حاشيته على الخريدة :[أما من أسند التأثير لله تعالى بسبب تلك القوة كالغزالي والسبكي فليس بغالط].
وقال ايضاً :[
(فإن قلت): إن بعض أهل السنة قال بالتأثير بواسطة القوة ورجحه الإمام الغزالي والإمام السبكي كما نقله السيوطي فكيف يكون القائل به بداعيا وفي كفره قولان؟! (قلت): معنى القول ” بالتأثير بالقوة عند بعض أئمتنا أن الله تعالى هو المؤثر والفاعل بسبب تلك القوة التي خلقها الله تعالى في تلك الأشياء فالتأثير عنده لله وحده، وإن كان بواسطة تلك القوة، وأما القدرية فينسبون التأثير لتلك الأشياء بواسطة وأما القدرية فينسبون التأثير لتلك الأشياء بواسطة القوة ففرق بين الاعتقادين ، ومع ذلك فالراجح الأول وهو أن التأثير له وحده عندها لا بها وإن جرت العادة بأنه إنما يحصل التأثير عندها ] آ.هـ .
وتوضيحه لكلام الإمام السبكي وحجة الاسلام الغزالي ادق .
بوركتم
عفوا تعديل قال العلامة محمد بخيت المطيعي :
[ فإن قلتَ إن بعض أهل السنة قال بالتأثير بواسطة القوة ورجحه الإمام الغزالي والإمام السبكي كما نقله السيوطي كيف يكون القائل به بدعيا وفي كفره قولان ؟ قلتُ: معنى القول بالتأثير بالقوة عند بعض أئمتنا أن الله تعالى هو المؤثر والفاعل بسبب تلك القوة التي خلقها الله تعالى في تلك الأشياء ، فالتأثير عنده لله وحده وإن كان بواسطة تلك القوة ، وأما القدرية فينسبون التأثير لتلك الأشياء بواسطة القوة ففرق بين الاعتقادين ، ومع ذلك فالراجح الأول وهو أن التأثير له وحده عندها لا بها وإن جرت العادة بأنه إنما يحصل التأثير عندها ] آ.هـ .
بوركتم
التعبير عن رأي الإمام الغزالي والإمام السبكي كانت عبارة الشيخ العلامة محمد بخيت المطيعي دقيقة في توضيح رأيهما حيث توسع في توضيح مقصدهما
هذا المقصود
وعموما ظني الشيخ نظال فقط هنا وسع القول فيها فاستثمرها في توضيح الفكرة حول القوة المودعة عند السادة الماتريدية فأس كلامه هو الشيخ المطيعي الموجز الدقيق المتقن السابق
وعموماً هذا الاستثمار من الشيخ نضال يدل على ذكاءه ومكنته وإتقانه .
يبقى المشكل عندي في المنشور السابق لكم في نسبة التأثير الذاتي للأسباب لا ادري هي للشيح نضال أم لكم حيث ذكر :[
وحاصل هذا الكلام أن النصوص القرآنية والنبوية قد أثبتت للأسباب تأثيرا ذاتيا في مسبباتها بما أودعه الله تعالى فيها من القوة على تحقيق هذا التأثير].
ظني هذه العبارة غير دقيقة هنا في التأثير الذاتي فلو اختير غيرها كان حيث انها توهم بقول المعتزلة
بوركتم
لا اشكال في التأثير الذاتي في السبب كونه مكتسب وللعبد قدرة كتسبة إنما الاشكال لو قيل في التأثير الذاتي في المسبب.
هكذا يظهر لي
======
بوركتم سيدي.
والتعبير بالتأثير الذاتي مني وأما كلام الشيخ نضال فقد وضعته بين قوسين وينتهي بقولي: “انتهى”.
وقد وضحت قصدي من التأثير الذاتي وأنه تأثير بقوة مودعة بخلق الله تعالى خلافا للمعتزلة القائلين بالتأثير الذاتي وبالخلق الذاتي لا بخلق الله تعالى.
لكن استدراكم على تعبيري مع ذلك من حيث خشية أن يكون موهما لما تفضلتم به استدراك مقبول وله موقع التقدير عندي.
وقد أجاب الشيخ المحدث محمد يوسف البنوري رحمه الله في معارف السنن باب ما جاء في كراهية البول في المغتسل عن قول ابن سيرين ربنا الله لا شريك له:
((…أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبول الرجل في مستحمه وقال: إن عامة الوسواس منه……وقيل له[أي ابن سيرين] إنه يقال إن عامة الوسواس منه، فقال: ربنا الله لا شريك له))
فقال الشيخ البنوري: ((قوله: فقال ربنا الله لا شريك له، قوله هذا يدل على أنه لم يبلغه الحديث وإلا لم يقل مثل هذا؛ لأن غرضه أن كل الأمور خالقها هو الله وحده وقد تفرد بخلقها فإثبات شيء منها إلى غيره كأنه شرك في الخالقية تعالى عن ذلك علوا كبيرا فلعله لم يبلغه الحديث حيث إن الحديث قد بين ذلك من قبيل تأثير الأسباب في الأشياء. وقد خلق الله في الأمور تأثيرا بقدرته وإيجاده من غير أن يكون فيها تأثير مستقل ، لايستند إليه تعالى كما هو مذهب الماتريدية من أهل السنة والجماعة….)). انتهى.
وتقبل تحياتي وتقديري وجزاكم الله تعالى خيرا.
=======
كذا يقول السادة الماتريدية أن القول بالقوة المودعة الخالقة بذاتها لا بخلق الله تعالى مع الإقرار بأنها مخلوقة من الله تعالى بدعة لا يلتفت إليها.
وشتان بين هذا وبين إثباتها على ما أثبتته النصوص بخلق الله تعالى وإذنه وإرادته فهو وحده الخالق لكل شيء.