من يشنع على الأشاعرة استدلالهم اللغوي بقول شاعر، ما هو إلا شخص جاهل في منهج أصحاب التفسير، فمن درس منهج الإمام الطبري الذي يعتبر من السلف الصالح؛ يعلم وجود الكثير من الشواهد في تفسيره التي اعتمد فيها على أبيات من الشعر الجاهلي، فعلى سبيل المثال لا الحصر:
▪️ استشهد الإمام الطبري في تفسير معنى الازورار في قوله تعالى ( تزاورُ عن كهفهم ذات اليمين ) ببيت شعر للشاعر الجاهلي بشر بن أبي خازم قال فيه :
تؤم بها الحداة مياه نخل
و فيها عن أبانين ازورارا
فما قول النابتي المعترض؟!
كذلك الطبري في معنى الأواه في قوله تعالى ( إن ابراهيم لأواه حليم ) فقد استشهد ببيت شعر للشاعر الجاهلي المُثَقِّب العَبْدِي ..
يقول الطبري:
(وأصله من “التأوّه”، وهو التضرع والمسألة بالحزن والإشفاق…كما قال المُثَقِّب العَبْدي:
إذَا ما قُمْتُ أَرْحَلُها بِلَيْلٍ … تَأَوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الحَزِينِ ).
و الشواهد الشعرية التي تعود للعصر الجاهلي كثيرة في كتاب الطبري بلغت العشرات؛ مما دفع بعض طلاب العلم لكتابة رسائل ماجستير حول هذا الأمر و مناقشته سواء من الناحية اللغوية أو الشرعية .
فهل سيقوم وهابية عصرنا باتهام الإمام الطبري بأنه جعل كلام الكفار حكماً على كلام الله، كما قام أسلافهم الحشوية بضربه و إيذاءه و رميه بالإلحاد و الرفض ؟!!
▪️بل استشهد ابن تيمية ببيتٍ للأخطل النصراني في شرحه لمسألة لغوية ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ {ﺃﻳﻌﺪﻛﻢ ﺃﻧﻜﻢ ﺇﺫا ﻣﺘﻢ ﻭﻛﻨﺘﻢ ﺗﺮاﺑﺎ ﻭﻋﻈﺎﻣﺎ ﺃﻧﻜﻢ ﻣﺨﺮﺟﻮﻥ}:
فيقول ابن تيمية بالحرف:
(ﻟﻤّﺎ ﻃﺎﻝ اﻟﻜﻼﻡُ ﺃﻋﺎﺩَ (ﺃﻥ) ﻫﺬا ﻗﻮﻝ اﻟﺰﺟﺎﺝ ﻭﻃﺎﺋﻔﺔ، ﻭﺃﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﻫﺬا ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ: ﻛﻞ ﻭاﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﻫﺎﺗﻴﻦ اﻟﺠﻤﻠﺘﻴﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺷﺮﻃﻴﺔ ﻣﺮﻛﺒﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺘﻴﻦ ﺟﺰاﺋﻴﺘﻴﻦ ﻓﺄﻛﺪﺕ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﺸﺮﻃﻴﺔ ” ﺑﺄﻥ ” ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﺄﻛﻴﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﻗﻮﻝ اﻟﺸﺎﻋﺮ:
ﺇﻥ ﻣﻦ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻳﻮﻣﺎ
ﻳﻠﻖ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﺂﺫﺭا ﻭﻇﺒﺎء ).
(مجموع الفتاوى، ج١٥، ص٢٧٦).
فهل الشيخ ابن تيمية جعل كلام الكافر حكماً على كلام الله؟!!
▪️المسألة لغوية في هذ الشاهد وغيره، دون الخوض في اعتقاد المُستشهَد به.
ولا أدري هل المشكلة في كونه نصراني أو غير نصراني في إثبات معنى من معاني اللغة إذا كان مستعملاً وشائعاً بغض النظر عن قائله؟!
هل يحق لنا أن نرد معنى كلمة استخدمها امرئ القيس لكونه وثنياً وهو سيد الفساق والشعراء؟!
الكلام على الأخطل وبيته هو من الشّغب، إذ الاستدلال هنا على مسألةٍ لغويّةٍ، ولئن جاز الأخذ فيها بأقوال المشركين من أصحاب المعلّقات، فلأن يجوز بقول نصرانيٍّ كان أولى، ولم نستدلّ أبدًا به على مسألةٍ عقديّةً كما فعل هؤلاء الحشويّة حين أثبتوا العلوّ الحسّيّ من كلام فرعون واعتقاده، قبّحه الله من مشاغبٍ.
الخلاصة:
استشهاد الأشاعرة ببيت للأخطل أو غيره هو استدلال لغوي، لم يأت لإثبات عقيدة و لم يدَّع أحد من العلماء الأشاعرة ذلك ، بل استشهادهم به كان فقط كشاهد في اللغة.
والله تعالى أعلم