البدعة_المحمودة
مقولة الإمام مالك في البدعة
والجواب باختصار:
أولا: مقولة الإمام مالك التي يحتج بها المخالف هنا، ذكرها الإمام الشاطبي بلا إسناد فقال: ((قال ابن الماجشون: سمعت مالكا يقول: “من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه [وآله] وسلم خان الرسالة، لأن الله يقول: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة:3]، فما لم يكن يومئذ دينا، فلا يكون اليوم دينا”)) [الاعتصام (1/ 64 – 65)]، فالمخالف يحتج بفهمه لقول الإمام مالك: “يراها حسنة” على ذم البدعة الحسنة، وبالتالي إلحاق إحياء ليلة المولد النبوي الشريف بالبدعة الضلالة؟! ..
ولكن الرواية المسندة إلى الإمام مالك بن أنس كما ذكرها ابن حزم الظاهري (ت: 456 هـ) بسنده إلى: ((ابن الماجشون أنه قال: قال مالك بن أنس: “من أحدث في هذه الأمة اليوم شيئا لم يكن عليه سلفها، فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم خان الرسالة لأن الله تعالى يقول: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة:3] الآية. فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا”)) [الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الظاهري (58/ 6)] .. فأنت ترى الرواية المسندة إلى الإمام مالك ليس فيها ما ذكره الإمام الشاطبي: ((يراها حسنة)) مع أن ((استحسان المبتدع أو استقباحه لا يغير من الأمر شيئا، إلا أن هذه اللفظة توهم بادي الرأي أن كلام الإمام موجه لمن يقول بالبدعة الحسنة فاقتضى التنبيه)) [البدعة الحسنة بين إقرار السلف وإنكار الخلف للأستاذ عبد الوهاب مهية الحزائري (ص:119)]؟! .. فتأمل ..
ثانيا: على فرض صحة ثبوت عبارة ((يراها حسنة)) على الوجه الذي ذكره الإمام الشاطبي .. فلو كان مراد الإمام مالك ذم كل المحدثات حتى التي يشهد الشرع باعتبارها لما كان لعبارة ((يراها حسنة)) معنى في كلامه!، وهذا لأن استحسان المبتدع أو استقباحه لا يغير من الأمر شيئا!، فعبارة ((يراها حسنة)) تعني: يراها حسنة بمجرد رأيه والهوى لا بالشرع والأصول. والدليل هو أن الإمام قد استحسن بعض الأمور لم ترد في دليل خاص، وبالمثال يتضح المقال:
ثالثا: قال القاضي أبو الوليد الباجي المالكي (ت: 474 هـ): ((روى أبو زيد عن ابن القاسم في “العتبية”: سئل مالك عمن عطس أو رأى شيئا يعجبه فحمد الله، أيصلي على النبي – صلى الله عليه [وآله] وسلم -؟ قال: لا أنهاه أن يصلي على النبي – صلى الله عليه [وآله] وسلم – إذن أقول له: لا تذكر الله تعالى!)) [المنتقى (286/ 7)].
قال القاضي أبو الوليد ابن شد الجد المالكي (ت: 520 هـ) في شرح قول الإمام مالك: ((وأما الصلاة عليه [=صلى الله عليه وآله وسلم] مع حمد الله عند العطاس فيحتمل أن يكون الفاعل بذلك لم يرد به القربة ولا احتسب فيه الثواب ولا قصد به تعظيم حق النبي – صلى الله عليه [وآله] وسلم – فيكون ذلك من فعله مكروها، ويحتمل أن يكون لما عطس فحمد الله تذكر سنة النبي – صلى الله عليه [وآله] وسلم – في أمر العاطس بحمد الله عند عطاسه وصلى عليه داعيا له على ما سنه من ذلك لأمته، فيكون ذلك من فعله حسنا مستحسنا. ولما احتمل صلاته على النبي – صلى الله عليه [وآله] وسلم – في هذه الحال وجها صحيحا توقف في الرواية أن يقول: إنه يكره ذلك، وقال: إن قلت ذلك كنت قد أمرته أن لا يصلي على النبي – صلى الله عليه [وآله] وسلم -، وبالله التوفيق)) [البيان والتحصيل للقاضي ابن رشد الجد (578/ 18)].
فها هو الإمام مالك يستحسن الصلاة والسلام على خير الأنام بعد العطاس على الوجه الذي ذكره أيمة المذهب، وهذا الاستحسان لم يرد بتوقيف منه صلى الله عليه وآله وسلم في دليل خاص كما يظهر من استقراء أحاديث السنة في كيفية تشميت العاطس.
إذن: فمراد الإمام مالك من مقولته تلك ذم البدعة التي لا تستند إلى دليل ولا يشهد لها أصل من أصول الدين، وهي البدعة المذمومة. وهذا ما يؤيد تخريج مقولة الإمام على الوجه المذكور أعلاه، ويدحض احتجاج المخالف بظاهرها للحكم ببدعية عمل المولد ..
رابعا: بعض محدثات الإمام مالك بن أنس:
(1) قال القاضي ابن العربي (ت:543 هـ) عند الكلام على قوله تعالى: ?إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى? [طه:12] في أحكامه، ما نصه: ((إن قلنا: إن خلع النعلين كان لينال بركة التقديس فما أجدره بالصحة، فقد استحق التنزيه عن النعل، واستحق الواطئ التبرك بالمباشرة، كما لا تدخل الكعبة بنعلين، وكما كان مالك لا يركب دابة بالمدينة، برا بتربتها المحتوية على الأعظم الشريفة والجثة الكريمة)) [أحكام القرآن للقاضي ابن العربي الإشبيلي (254/ 3)] .. فأحدث إمام دار الهجرة سيدنا مالك بن أنس طريقة مخترعة لم تعهد قبل في تعظيم حضرة سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهو في قبره الشريف ..
(2) قال القاضي عياض (ت:544 هـ): ((كان مالك إذا دخل بيته قال: “ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله”، فسئل عن ذلك فقال: قال الله تعالى: ?ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله? [الكهف:39] الآية، وجنته: بيته. وقيل: إن ذلك كان على باب مالك مكتوبا، يريد ليتذكر برؤيته قول ذلك متى دخل)) [ترتيب المدارك (130/ 1)] استنبط الإمام مالك ذكرا محدثا انطلاقا من الآية الكريمة، وقيده بكيفية محدثة لم تعهد من قبل ..
(3) قال القاضي عياض (ت:544 هـ): ((قال الزبير بن حبيب: كنت أرى مالكا إذا دخل الشهر أحيا أول ليلة منه، وكنت أظنه يفعل ذلك ليفتتح به الشهر. وقالت فاطمة بنت مالك: كان مالك يصلي كل ليلة حزبه، فإذا كانت ليلة الجمعة أحياها كلها)) [ترتيب المدارك (50/ 2)] .. التزم إمام دار الهجرة مالك بن أنس إحياء أول ليلة من الشهر بالعبادة، ولا دليل على هذا التخصيص بهذه الكيفية من غير عمومات النصوص ..
(4) قال القاضي عياض (ت:544 هـ): ((كان مالك إذا جلس للحديث توضأ، وجلس على صدر فراشه، وسرح لحيته، وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة، ثم حدث. فقيل له في ذلك، فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ولا أحدث به إلا على طهارة)) [ترتيب المدارك (15/ 2)] .. أحدث إمام دار الهجرة سيدنا الإمام مالك بن أنس كيفية جديدة لم ترد في تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!، والتزم التوقيت لعبادة الوضوء بصورة محدثة ..
.. الخ
فهذه الأفعال كلها: “بدعة ضلالة” وفق توجيه المخالف لمقولة الإمام!، وهذا يدلك على براءة الإمام مالك من هذا الفهم السقيم لمقولته ..
والله الموفق ..
https://www.facebook.com/groups/349022143575520/posts/430011362143264